تحد جديد يواجه مصر الثورة بعد تراجع الاحتياطى الأجنبى النقدى لدى البنك المركزى لمعدلات غير آمنة وفقاً لتصريحات رسمية رشحت إمكانية تراجع الاحتياطى إلى 15 مليار دولار خلال يناير المقبل بما لا يغطى ورادات 6 أشهر من الاحتياجات والموارد الأساسية للدولة، فضلاً عن تراجع حجم السيولة بالسوق وإمكانية أن يخيم شبح الدولرة على الاقتصاد مما يؤثر سلباً على سعر صرف الجنية المصرى. كل تلك المعطيات دفعت الحكومة المصرية للعدول عن موقفها حيال فكرة الاقتراض من الخارج وطلبت بشكل رسمى من صندوق النقد الدولى قرضاً بقيمة 3.2 مليار دولار– كانت قد رفضته إبان عهد حكومة شرف الأولى- لمواجهة أزمة السيولة وضخ أموال بالسوق لدفع عجلة الاقتصاد، لكن هناك مخاوف من مماطلة صندوق النقد فى الاتفاق على القرض أو رفع تكاليفه خاصة بعد الأحداث الأخيرة التى جرت فى شارع محمد محمود وعزوف المستثمرين عن الدخول فى مشروعات جديدة وتراجع التصنيف الائتمانى للاقتصاد المصرى عالمياً. «المشكلة الحقيقية» وفقا للدكتور فرج عبدالفتاح أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة تكمن فى توتر الشارع بشكل دائم مما أثر بشكل مضاعف على عجلة الإنتاج، فضلاً عن عدم اعتماد سياسة واضحة للحكومة للخروج من الأزمة، حيث رفضت الحكومة بعد الثورة فكرة الاقتراض من الخارج ومع تدهور الأوضاع اضطرت الحكومة لتقديم طلب رسمى لصندوق النقد الدولى للحصول على قرض بقيمة 3.2 مليار دولار لمساعدة الاقتصاد المصرى فى مواجهة أزمة السيولة الحالية. الحاجة الملحة/U/ وأكد د. عبدالفتاح أن الوضع أصبح مختلفا الآن خاصة بعد الحاجة الملحة للقرض، وأنه لا مفر من الاقتراض من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى حتى فى حال إذا ما صعبت هذه المؤسسات من شروط الاقتراض حماية لحقوقها، خاصة بعد قيام مؤسسة «ستاندرز أند بورز» بتخفيض التصنيف الائتمانى للاقتصاد المصرى بما يعنى زيادة المخاطر المترتبة على منح الائتمان لها، وبالتالى فإن التصرف الطبيعى لمؤسسات التمويل هو زيادة سعر الفائدة على الاقتراض وقصره على التمويل قصيرة الأجل. وأشار إلى أن الأحداث الأخيرة، التى شهدها شارع محمد محمود قد تعرقل مفاوضات الجانب المصرى مع مسئولى البنك الدولى، وأنه يجب على اللجوء لوسائل غير تقليدية لمواجهة عجز السيولة وليس الاعتماد بشكل أساسى على الاقتراض من الخارج، مؤكدا أنه فى ظل هذه الظروف المتأزمة التى يمر بها الاقتصاد المحلى لابد من تشجيع الاستثمارات المباشرة وفرض ضرائب على الأموال الساخنة بالبورصة، وتعديل أسعار الطاقة للصناعات كثيفة العمالة فضلاً عن تعديل أسعار الغاز المصدر لإسرائيل، وتوفير مناخ سياسى ملائم لدوران عجلة الإنتاج. وطالب بضرورة إعداد العدة لاستعادة الاستثمارات الاجنبية، التى انخفضت فى الشهور الأخيرة نتيجة الغياب الأمنى وتوجيهها إلى قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات الحقيقية، مؤكدا أنه إذا تمت استعادة الأمن وتنشيط السياحة الداخلية بتحفيزالمواطنين الذين يقومون بالسياحة بالخارج للاقتصار على السياحة الداخلية لدعم الاقتصاد الوطنى وإعطائهم مزايا السياح الأجانب لدعم قطاع السياحة فى هذه المرحلة الحرجة بين تراجع السياحة الخارجية واستعادتها. جرعة كافية/U/ فيما أكد الدكتور جابر محمد أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان أن الأيام القادمة تمثل فترة حرجة فى مسار الاقتصاد المصرى، وقد تكون الانتعاشة التى شهدتها البورصة خلال الأيام الأخيرة على خلفية نجاح المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية مما أعطى للمستثمر جرعة كافية من الثقة فى عودة الاستقرار والأمن إلى الشارع المصرى، وبالفعل حققت البورصة مكاسب فاقت ما منيت به من خسائر جراء الأحداث التى وقعت فى شارع محمد محمود خلال النصف الثانى من نوفمبر 2011. وأوضح أن أكثر ما يهدد اقتصاد مصر هو تناقص الاحتياطى النقدى المتوافر لديها بشكل ينبئ بكارثة، فإنه خلال الفترة من يناير حتى سبتمبر الماضى فقدت مصر نحو 16 مليار دولار من 36 مليار دولار كانت إجمالى احتياطى النقد الأجنبى بمعدل 2 مليار دولار شهرياً، ليصبح الاحتياطى 20.15 مليار دولار تغطى 4 شهور واردات فقط، وهو ما يشكل خطورة حقيقية على الاقتصاد، لأن الحدود الأمنة لأى دولة يجب الا يقل الاحتياطى الخاص بها بالبنك المركزى عن 6 أشهر واردات. وتابع د. جابر محمد، قائلا: إن الدكتور سمير رضوان وزير المالية السابق كان قد أجتمع مع القوى السياسية وتوصلوا الى عدم الاقتراض من الخارج، لكن مع تغيير وزير المالية وإقناع د.حازم الببلاوى المجلس العسكرى بضرورة الاقتراض من صندوق النقد الدولى، وسوف تحضر بعثة للكشف على الاقتصاد المصرى وعمل تقرير وضع أمام مجلس إدارة صندوق النقد الدولى، لكن هناك توقعات بأن يرجئ مجلس إدارة صندوق النقد الدولى توقيع الاقتراض، لما يحدث حالياً وبخاصة مع تغير الحكومة الحالية، وأن الأربعة شهور المقبلة تمثل أخر محطة لتحسن الاقتصاد المصرى. توافق مجتمعى/U/ وأكد أيمن حجازى الخبير المصرفى أنه لابد من تطبيق برنامج للترشيد الاقتصادى يتسم بالحزم وبالعدالة، مشيراً إلى أن ممارسات العنف فى ميدان التحرير ساهمت فى رفع تكاليف الديون المصرية إلى مستويات قياسية، حيث صعدت تكاليف أذون الخزانة بشكل خطير، موضحاً أن الديون قصيرة الأجل ستكون العبء الأكبر على الخزانة العامة، لأن تكاليفها عادة تكون أعلى من الديون طويلة الأجل، والمخاطر السياسية الحالية تزيد الضغوط عليها. وقال حجازى إن لانتخابات البرلمانية تمثل علامة مضيئة لتحسن الاقتصاد المصرى، فالوضع الأمثل للمستثمرين الأجانب هو وجود نظام سياسى عليه توافق مجتمعى، وأنه فى حالة موافقة صندوق النقد على اقراض مصر سيكون ذلك بمثابة شهادة من الصندوق على الجدارة الائتمانية لاقتصاد البلاد، بما سيخفض من تكاليف ديونها، بعد الارتفاع المستمر لأعباء الديون وتخفيض وكالة موديز للتصنيف الائتمانى لمصر ثلاث مرات خلال العام الجارى، إلا أن الخبير المصرفى أكد أن مصر تحتاج لتطبيق سياسات اقتصادية تطمئن المستثمرين الأجانب، بحيث تكون هناك رؤية واضحة عن كيفية مواجهة تحديات الاقتصاد الكلى وتخفيض معدلات بطالة الشباب وعجز الموازنة. من جانبه توقع أحمد رشدى الخبير المصرفى أن يوافق الصندوق على تقديم قرض بقيمة3.2 مليار دولار إلى مصر مادام أنها تقدمت للحصول عليه، لأن الصندوق كان قد بادر بالإعلان عن استعداده لتقديمه بالفعل لمساندة الاقتصاد المصرى على تجاوز تحديات المرحلة الانتقالية بعد الثورة، وبتسهيلات وسعر فائدة لايتجاوز1.5%، وهذا دور الصندوق الدولى لمساعدة الدول الأعضاء خلال الأزمات، إلى جانب دوافع مجلس إدارة الصندوق بمساندة دول الربيع العربى وفى مقدمتها مصر، كما أن المفاوضات ستستغرق بعض الوقت. وأضاف أن تحرك سعر الصرف وارتفاع الدولار أمام الجنيه فى هذه الحدود يجب ألا يقلق، يجب تحريك سعر الصرف تدريجيا لحماية الاحتياطى الأجنبى من التآكل، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يعكس كفاءة ادارة السياسة النقدية للحفاظ على الاحتياطى الأجنبى خاصة فى ظل تراجع الايرادات من موارد النقد الأجنبى، إلى جانب الخسائر التى تكبدتها البورصة، كما أن هذا التحرك التدريجى فى سعر الصرف أمر جيد لأنه يتفادى الارتفاع المفاجئ، حيث يسهم فى توجيه الطلب وترشيد الاستيراد بسبب تراجع الطلب على السلع المستوردة لارتفاع اسعارها، وبالتالى يقلل من الضغط على الطلب على العملات الأجنبية بالسوق المحلية ويقلل بالتالى من الضغط على ميزان المدفوعات. أما خالد الميقاتى رئيس جمعية شباب الأعمال فقال إن حجم الاحتياطى الحالى غير مقلق لأنه يغطى الاستيراد لنحو 5 أشهر تقريبا، وهو ما يمثل الحد الأقصى لاحتياطى النقد الاجنبى للكثير من الدول النامية التى تحتفظ باحتياطى يكفى الاستيراد ما بين3 إلى 5 أشهر فقط، الاحتياطى الأجنبى الذى كان لدينا قبل الثورة كان مبالغا فيه ولكن استفدنا منه بالتاكيد خلال الأشهر الماضية، وبالنسبة للدولرة فأعتقد أن البنك المركزى سبق تحرك سعر الصرف بخطوة مهمة بتشجيع البنوك العامة على رفع سعر الفائدة على بعض أدوات الادخار بالعملة المحلية. وأكد أن الاقتصاد المصرى يمتلك القدرة على تجاوز هذه المرحلة، ولكن القلق الحقيقى مصدره الشق السياسى وانعكاساته على الأداء الاقتصادى، لأن الجميع يترقب ما الذى سيحدث فى مصر بعد الثورة هل سيتم تحول ديمقراطى سليم، وما هى الفترة التى يستغرقها ذلك، وأكرر من جديد أن مصر الآن لديها فرصة حقيقية لبناء نظام ديمقراطى سيوفر المناخ الملائم لتحقيق قفزة اقتصادية ونوعية على كل المستويات، ورفع القدرة التنافسية وتحقيق عدالة اجتماعية، حيث إن كل فئة لها رأى وقدرة على التغيير من خلال قدرتها التصويتية فى الانتخابات مما يدفع الحكومات المنتخبة على تلبية احتياجات جميع الفئات والالتزام بالعدالة الاجتماعية.