لم تكتف أمريكا برفضها حتى الآن الانضمام إلى اتفاقية أوسلو لحظر القنابل العنقودية بل حاولت خلال المؤتمر الدولى الرابع حول الأسلحة التقليدية الذى عقد فى جنيف تمرير مشروع معاهدة لتنظيم استخدام هذه القنابل الخطيرة بدلا من حظرها، والذى لو تمت الموافقة عليه كان سيمثل - بحسب تأكيد الناشطين - ردة غير مسبوقة على قوانين حقوق الإنسان، إلا أن الإرادة الدولية نجحت هذه المرة فى الانتصار على غطرسة القوة العظمى الأمريكية. فقد فشل المسعى الأمريكى بعدما اصطدم بمعارضة 50 دولة، فى مقدمتها النرويج والمكسيك والنمسا، تدعو لحظر القنابل العنقودية، وذلك بالرغم من الدفاع الذى قدمته الولاياتالمتحدة عن مشروع المعاهدة مدعومة من قبل المستخدمين والمنتجين الرئيسيين الآخرين للقنابل العنقودية بما فى ذلك ربيبتها إسرائيل وروسيا والصين والهند، حيث قالت إنه يقدم فرصة لتنظيم أبرز المستخدمين والمنتجين للأسلحة فى العالم والذين يمتلكون ما بين 85 و90% من مخزونات هذا النوع من الذخيرة ولكنهم لم ينضموا لمعاهدة أوسلو وليست لديهم النية لذلك. ومع ذلك اعترض ناشطو حقوق الإنسان على مشروع المعاهدة مؤكدين أن سعى الولاياتالمتحدة ومن يدعمها من الدول إلى الاكتفاء بوضع ضوابط على صنع واستخدام القنابل العنقودية من شأنه أن يضفى الشرعية على هذا النوع من الذخائر مما يمثل تراجعا عن اتفاقية أوسلو التى تفرض حظرا شاملا على استخدام وتخزين وإنتاج وبيع الذخائر العنقودية والتى وقعت عليها حتى الآن 111 دولة من بينها عدد من أكبر المستخدمين والمنتجين أو المخزنين للقنابل العنقودية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وهولندا. والاتفاقية التى دخلت حيز التنفيذ كقانون دولى ملزم فى الأول من أغسطس 2010 توجب أيضا على الدول الموقعة عليها المساعدة فى تطهير المناطق المتضررة وكذلك تقديم المساعدة للضحايا والمجتمعات المتأثرة. وتكمن خطورة القنابل العنقودية فى أن الواحدة منها تحتوى على مئات من القنابل الصغيرة التى تنطلق منها بمجرد إسقاطها لتنتشر على مساحة واسعة من الأرض وتتسبب فى الوفاة الفورية والإصابة بعاهات مستديمة وذلك دون أن ينفجر عدد كبير منها لتبقى كألغام أرضية قد تنفجر ولو بعد مضى سنوات طويلة من انتهاء الحروب وتتسبب فى وقوع أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، خاصة الأطفال حيث ينجذبون إليها لصغر حجمها وأشكالها غير العادية، هذا بالإضافة إلى ما تتسبب فيه من إعاقة لجهود الإغاثة وإعادة الإعمار وتهديد سبل المعيشة. وقد تسببت هذه الأسلحة فى مقتل أكثر من 100 ألف مدنى منذ عام 1965، ثلثهم من الأطفال. وتعد ألمانيا هى أول دولة استخدمت الأسلحة العنقودية فى الحرب العالمية الثانية. ومن أكثر الدول تلوثا بالقنابل العنقودية هى بلاد البلقان ولبنان والعراق وأفغانستان وكمبوديا وأثيوبيا والسودان وسيراليون وأريتريا وفيتنام. وكانت القوات الأمريكية قد استخدمت القنابل العنقودية فى حربيها على العراق وأفغانستان وتزايدت الدعوات لحظر القنابل العنقودية عقب الحرب الإسرائيلية على لبنان فى يوليو 2006 حيث استخدمتها إسرائيل بطريقة عشوائية وبكثافة لا سابق له. ورغم فشل أسبوعين من المفاوضات بجنيف فى التوصل إلى اتفاق حول مصادقة المزيد من الدول على اتفاقية أوسلو، إلا أن «الحملة الدولية لحظر الذخائر العنقودية»- التى تتكون من تحالف دولى من أكثر من 350 منظمة غير حكومية تعمل فى 100 دولة فى كل أنحاء العالم لتشجيع اتخاذ إجراءات عاجلة ضد القنابل العنقودية- أكدت أن فشل تمرير مشروع المعاهدة الأمريكية يعزز اتفاقية أوسلو ويدعم معاهدة حظر الألغام لعام 1997 ويعزز حقوق الضحايا والناجين ما يشجع على مواصلة دعوة جميع البلدان المتبقية إلى الانضمام إلى اتفاقية حظر الذخائر العنقودية.