بالرغم من الثقة الكبيرة التى يبديها رئيس الوزراء الإيطالى سيلفيو بيرلسكونى فى قدرته على الصمود مجددا والاحتفاظ بمنصبه فى حال الهزيمة فى اقتراع الثقة على حكومته المقرر الشهر القادم واضطراره إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، فإن أحدث استطلاعات الرأى تنذر بنهاية ال «فارس» بيرلسكونى الذى استطاع تولى رئاسة الوزراء ثلاث مرات خلال مشواره السياسى الذى بدأه عام 1994 .. فقد أظهر استطلاع للرأى أجرته مؤسسة (آى بى آر) مؤخرا ونشرته صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية على موقعها على الانترنت تراجع شعبية بيرلسكونى إلى 35%، وهذا هو أدنى مستوى تصل إليه شعبية قطب الإعلام الحكومى الإيطالى البالغ من العمر 74 عاما منذ فوزه بأغلبية ساحقة فى انتخابات عام 2008. ويأتى هذا فى الوقت الذى تمر فيه حكومة بيرلسكونى بأزمة سياسية تعود جذورها إلى إبريل الماضى عندما دبت الخلافات بين بيرلسكونى وحليفه السابق ورئيس مجلس النواب جيان فرانكو فينى ليبلغ التوتر بينهما ذروته فى يوليو بقيام بيرلسكونى بطرد فينى من الائتلاف الحكومى مما أدى إلى انشقاق الأخير على رأس 44 نائبا عن حزب بيرلسكونى «شعب الحرية» الذى كان قد أسسه معه عام 2008 والإعلان عن تشكيل حزب «المستقبل والحرية» بالتحالف مع حزب بير فرناندو كازينى زعيم حزب «وحدة» الديمقراطى المسيحى وكتلة فرانشيسكو روتيلى «الوحدة من أجل إيطاليا» وبهذا تمكن فينى من تكوين تحالف وسط يستطيع التنافس على الزعامة بين تحالف بيرلسكونى اليمينى من ناحية وتحالف وسط اليسار من ناحية أخرى فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، وتفاقمت الأزمة أوائل الشهر الحالى عندما طالب فينى رئيس الوزراء علانية بتقديم استقالته من أجل توسيع الائتلاف، إلا أن بيرلسكونى رفض الاستقالة وتعهد بإجراء اقتراع على الثقة فى مجلسى البرلمان فى 14 ديسمبر المقبل فور تمرير قانون الميزانية الذى يخضع حاليا للنقاش. وكان بيرلسكونى قد استطاع أن ينجو بإجراء مماثل فى أواخر سبتمبر الماضى، ولكن مع تقديم أربعة من الوزراء المنتمين لحزب «المستقبل والحرية» استقالتهم من الحكومة يتوقع معظم المحللين أن يخسر رئيس الوزراء الاقتراع فى مجلس النواب حيث لم تعد لديه أغلبية مضمونة. كما كشفت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ عن وجود سخط متزايد بشأن رئيس الوزراء بين قطاعات مهمة من يمين الوسط. وواجه بيرلسكونى ضغطا جديدا بعد إعلان وزيرة تكافؤ الفرص مارا كارفاجنا عن عزمها الاستقالة من منصبها بسبب افتقادها للنفوذ فيما يتعلق بمشكلة التخلص من النفايات التى تعانى منها نابولى، فوسط المشكلات التى تحاصر بيرلسكونى وأدت إلى انخفاض شعبيته لهذه الدرجة، بدءا من سلسلة الفضائح الجنسية التى تلاحقه، ومرورا بتهم الفساد الموجهة إليه ووصولا إلى الوضع الاقتصادى المتأزم، تبرز أزمة القمامة فى نابولى القائمة منذ فترة طويلة كأكثر المشكلات التى تهدد مستقبل بيرلسكونى حيث إن الفوز الكاسح الذى حققه فى الانتخابات العامة فى عام 2008 كان الفضل الكبير فيه يعود إلى العهود التى قطعها على نفسه بالقضاء على هذه المشكلة. وبالرغم من الجهود التى بذلها بيرلسكونى لحل المشكلة، إلا أن أكوام القمامة عاودت ظهورها فى نابولى والمنطقة المحيطة لدرجة أن الاتحاد الأوروبى يدرس فرض غرامات كبيرة على إيطاليا بسبب فشلها فى معالجة الموقف. وفى أكتوبر الماضى، خرج المئات من سكان المنطقة إلى الشوارع وأعاقوا شاحنات نقل القمامة ودخلوا فى مناوشات عنيفة مع الشرطة، وأصروا على مواصلة الاحتجاجات بالرغم من تعهد بيرلسكونى بالتعاون مع السلطات المحلية لإصلاح المشكلة خلال الأيام المقبلة. كما يواجه بيرلسكونى انتقادات متزايدة بسبب تباطؤ الجهود الحكومية المبذولة لإعادة إعمار مدينة لاكويلا التى ضربها زلزال مدمر فى السادس من ابريل 2009، والأسوأ من ذلك أن بيرلسكونى أصبح يثير الانتقادات حتى فى الأمور البسيطة.