سامي القمحاوي: تشهد الساحة السياسية الإيطالية أزمة جديدة تهدد بقاء حكومة بيرلسكوني وتجعل كل الاحتمالات مفتوحة. خصوصا بعد رفض رئيس الوزراء تقديم استقالته ومحاولاته للبقاء,عبر التفاوض مع رئيس مجلس النواب جانفرانكو فيني للبحث عن مخرج, بعيدا عن اللجوء إلي الانتخابات المبكرة, التي لا ترغب بها معظم القوي السياسية. وصلت الأزمة الإيطالية الجديدة إلي ذروتها بعد دعوة فيني أمام أول مؤتمر تأسيسي لحزبه الجديد' مستقبل وحرية من أجل إيطاليا' بيرلسكوني إلي تقديم استقالته والبدء في تشكيل حكومة جديدة من يمين الوسط يكون لها برنامج مختلف تستطيع إكمال الدورة التشريعية حتي عام2013 وتهديده أنه في حال عدم استجابة بيرلسكوني فإن أعضاء حزبه سيستقيلون من الحكومة وهي الدعوة التي رفضها بيرلسكوني وأكد' أن علي فيني إذا أراد نهاية هذه الحكومة أن يصوت ضدها في البرلمان ليتحمل مسئولية العودة المبكرة المحتملة إلي صناديق الانتخاب في ظل الظروف التي تمر بها إيطاليا'. الأزمة كانت متوقعة منذ بداية نشوب الخلافات بين رئيس الوزراء سيلفيو بيرلسكوني وحليفه رئيس مجلس النواب جانفرانكو فيني في أبريل الماضي وانشقاق الأخير عن الحزب الحاكم في يوليو بعد معارضته لعدد من سياسات بيرلسكوني وقد وضع هذا الانشقاق رئيس الوزراء الإيطالي في أزمة خصوصا بعد انضمام أكثر من40 نائبا في مجلسي النواب والشيوخ إلي فيني مما جعل حكومة بيرلسكوني لا تتمتع بالأغلبية البرلمانية المطلوبة. وتتمثل أهم الخلافات بين بيرلسكوني وفيني التي كانت سببا في هذا العداء السياسي بينهما تزايد نفوذ رئيس الوزراء داخل الحزب الحاكم وعدم النقاش في زعامته والتساهل مع حزب رابطة الشمال فيما يتعلق بخططه للانفصال وإنشاء فيدرالية وكذلك يختلف الطرفان بشأن التعديلات القانونية الخاصة بقانوني التنصت الهاتفي علي المجرمين والمحاكمة المختصرة كما يختلفان حول قضية المهاجرين حيث يطالب فيني بمنح الجنسية بشكل مباشر لمواليد المهاجرين في إيطاليا وبتقليل السنوات لمنح الجنسية من عشر سنوات إلي خمس. وعلي الرغم من الغموض الذي يحيط بما يمكن أن تصل إليه الأزمة السياسية الإيطالية إلا أن هناك سيناريوهين لا يمكن أن يخرج الحل عنهما: السيناريو الأول: أن يتم الاتفاق بين بيرلسكوني وفيني علي تشكيل حكومة جديدة برئاسة بيرلسكوني وهو السيناريو الذي ألمح إليه فيني حينما أبدي استعداده للدخول في حكومة جديدة يقودها بيرلسكوني علي أن تضم حزبه وحزب' اتحاد الوسط' المسيحي المعارض الذي خرج من التحالف اليميني في الانتخابات الأخيرة لكن هذا السيناريو يعني عمليا تراجع زعامة بيرلسكوني وتقليص تأثير حزب رابطة الشمال القوي في الحكومة الحالية وهو أمر من الصعب أن يقبل به بيرلسكوني. وتدفع عددا من القوي الإيطالية في اتجاه الحل حيث عبر رئيس مؤتمر الأساقفة الإيطاليين أعلي سلطة للكنيسة الكاثوليكية القوية الكاردينال أنجلو سودانو عن الشعور بالأسي للوضع المتولد مشددا علي ضرورة الخروج من حالة الجمود السياسي وفيما أوضح سودانو أن الكنيسة' لا تملك نصائح تقنية أو سياسية' تتقدم بها للخروج من الأزمة حذر من تداعيات' فقدان الناس ثقتهم في الطبقة السياسية' مما يهدد آليات التلاحم الضرورية للمشاركة في مواجهة العقبات أمام مستقبل البلد وهو ما يجعل الحل مطروحا خصوصا بعد الإعلان عن المفاوضات مع فيني بوساطة من أمبرتو بوسي زعيم حزب رابطة الشمال الذي أكد أن هناك سبل للخروج من الأزمة وإنقاذ حكومة بيرلسكوني. السيناريو الثاني: يتمثل في الاحتكام إلي البرلمان بالاقتراع علي طرح الثقة في الحكومة والعودة إلي الناخبين لاختيار الأحزاب التي يمكن أن تشكل حكومة جديدة وهنا يصبح علي فيني تشكيل تحالف برلماني قادر علي إسقاط حكومة بيرلسكوني وهو ما يعتبره المحللون أمرا صعبا في ظل تفكك اليمين ومعاناة اليسار من أزمة حقيقية داخلية منذ خسارته في الانتخابات الأخيرة قبل عامين كما أن جميع القوي السياسية لا ترغب بشكل حقيقي في انتخابات مبكرة في ظل السخط الشديد من جانب الرأي العام الإيطالي علي نخبته السياسية وهو ما يجعل جميع القوي متخوفة من الانتخابات المبكرة. الأمر المؤكد أن الخروج من الأزمة الراهنة علي الساحة الإيطالية لن يعني القضاء عليها فبذور الأزمة موجودة وستظل حيث أن الخلافات السياسية بين بيرلسكوني وفيني لا يمكن أن تنتهي كما أن إصرار' حزب الحرية' الحاكم علي زعامة بيرلسكوني الذي يعاني من تدني شعبيته حتي بين رجال الأعمال الإيطاليين بل وإعلانه علي لسان حاكم إقليم لومبارديا' روبرتو فورميجوني' أن بيرلسكوني سيكون مرشح الحزب في حال اللجوء لانتخابات مبكرة يجعل فرصه في الفوز بأي انتخابات مبكرة ضئيلة جدا.