بين شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله (الجانب الحسى) وإماطة الأذى عن الطريق (الجانب المادى) تقع مسافة الإيمان، فالجانب الحسى والغيبى بخالق للكون يفترض تسبيحه والإيمان والتسليم له فى كل الأمور والسير حسب منهجه فى العبادة والشكر والعمل إلى يوم يستوجب فيه الحساب والعقاب، «فمن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها»، وأن الرسول العظيم هو صاحب رسالة وبلاغ نقل عن الله ما لم نره وحدثنا بآيات عظيمة رآها بنفسه إلينا بيقين وسلمنا بها كأننا رأيناها بأم أعيننا تصديقا للرسول الكريم (إن قال فقد صدق) أو إعمالا لعقولنا أن وراء هذا الكون إلهاً عظيماً لا ينازعه فى الملك شريك. والجانب الحسى والمادى من عمل متقن وأخذ بالأسباب وتخطيط مستقبلى مبنى على الدراسة والعلم مرورا بقبول الآخر واحترامه والأخذ بنصيبك فى الدنيا من المتعة والترويح مرورا بإماطة الأذى عن الطريق هى كلها جغرافية ومناطق الإيمان. ينتقل الإنسان فى هذه المسافة بينهما بخطى هينة حتى لا يشعر فيها باللحظة الفاصلة بين الشىء ومقابله بين الليل والنهار وبين حرارة الشمس المتوجهة وبرودة الشتاء القارسة وبين الوديان والمروج والصحراء القاحلة فكلها جغرافيات وتضاريس متداخلة فيهما بينها فحين يخلص الإنسان لله وللعباد ويخلص فى صلاته كما يخلص فى عمله وينفق زكاته فاصلا بين حقه وحق الله كما يفصل بين حقه وحق صاحب العمل وكأنه فى الحالتين فى واحد لا يفرق بين صلته بالله وصلته بالعباد حين يشعر الإنسان أنه فى صلاة وزكاة وتعبد وقيام ليل وتهجد وحج وعمرة وهو لا يعرف أهو مع الله أو مع العباد يؤدى واجب الله أو واجب العباد، فكما أنت مكلف بقضاء ديون الله فأنت مكلف بقضاء ديون العباد على نفس الدرجة وأنت مكلف ألا تكذب على الله وعلى العباد أيضا ومكلف بإقامة العدل بين الناس إذا كانوا من رعاياك أو غير. فماذا نحن فى ذلك: لقد أخلصنا فى ظاهرنا لله فقط وأطلقنا اللحى والحجاب والنقاب وأقمنا الليل ندعو الله ونتهجد وننام على مكاتبنا نهارا وأغفلنا حقوق العباد وحوائج ومصالح العباد نقرأ فى المصاحف تبركا ونحن نقود سياراتنا مهددين حياة المارة ونسينا أن التركيز فى القيادة كالتركيز فى العبادة وأن سلامة وأمان الناس وحفظ أرواحهم ودمائهم تكليف من الله فدمه وماله وعرضه حرام. أخطأنا الفهم فى أن الحسنات يذهبن السيئات فركضنا وأسرفنا فى الاثنين معا وعلى كثرة ما نسىء نكثر فى الحسنات لتذهبن السيئات واعتمدنا على صبر الله لكثرة حبه لمن يسىء ليلا ويتوب نهارا أو يسىء نهارا ويتوب ليلا فقسمنا نهارنا وليلنا بين الإساءة والتوبة حسب الترحال وأوان الخطيئة واستغلال الفرص واعتمدنا أيضا على كرم رسول الله وشفاعته لنا ويقيننا المطلق من أن كل المسلمين سيدخلون الجنة فلم يعد لنا حاجة إلى العمل والإخلاص والتركيز نسرق العباد ونرشو ونرتشى ثم شيدنا المساجد لنفوز ببيت مع الأنبياء فى الجنة ونسينا أن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون. ثم ماذا: الإيمان واحد لا يتجزأ.. الكل فى واحد.. مزيج بين جغرافيات الفصول الأربعة وتضاريس الكرة الأرضية كلها، حقوق الله فى العبادة والشكر والطاعة وحقوق العباد فى الواجب والوفاء بالوعود والعهود، الدقة فى العبادة لله والدقة فى العمل مع العبادة.. والشكر لله والإخلاص فى العمل للعباد، وعلى قدر الالتزام بدقة الوضوء والصلاة يكون الالتزام بالعمل.. حين تؤدى صلاة شكر لله وتكون على ضوء وحين تؤدى واجب العباد تكون على وضوء أيضا.. كلا اللقاءين أنت فيهما مع الله وفى مسجده وتحت مظلته.. يحبك الله كثيرا حين تكون مع عباده على درجة الحب والنقاء والإخلاص والود - كما أنت معه - أتعلم أن درجة حبك لى أكبر وأعظم حين تحب ابنى أكثر منى ونحن جميعا أبناء الله وأحبابه.