مبكرا جداً أطلق الرئيس السابق ورئيس الوزراء الروسى الحالى «فلاديمير بوتين» أول طلقة فى سباق انتخابات الرئاسة الروسية التى ستجرى بعد عامين من الآن مشعلاً بذلك صراعا بات على الأبواب خاصة إذا أراد الرئيس الحالى «ديمترى ميدفيديف» ترشيح نفسه للبقاء على عرش الكرملين لفترة رئاسية ثانية.. وفيما عده كثير من المراقبين تدشيناً لحملته لانتخابات الرئاسة القادمة أكد بوتين فى حديث لجريدة «كوميرسانت» الروسية أنه أكثر الاشخاص فى روسيا اهتماماً بالانتخابات الرئاسية القادمة فى تلميح مباشر لا يخفى على أحد انه ينوى ترشيح نفسه لاستعادة كرسى الرئاسة مرة أخرى بعد خروجة من الكرملين قبل عامين تاركاً كرسى الرئاسة لتلميذه الوفى ورئيس وزرائه وقتئذ ميدفيديف احتراماً للدستور الروسى الذى يمنع بقاء الرئيس لأكثر من فترتين رئاسيتين.. والواقع ان بوتين أراد بالاعلان عن تفكيره فى خوض الانتخابات الرئاسية القادمة ضرب أكثر من عصفور بطلقة واحدة اولها اثبات مدى امساكه بمقاليد الحكم فى روسيا وعلى الرغم من ادراك الجميع لهذه الحقيقة الا ان صوت المعارضة الروسية اصبح اعلى بكثير مما سبق وهو ما يفسره تهديد بوتين فى نفس الحوار بالتعامل بشدة مع المظاهرات غير القانونية التى ازدادت مؤخراً والتى تطالب باستقالة الأخير من رئاسة الوزراء والأهم كان قطع الطريق امام ميدفيديف حتى لا يفكر فى فترة رئاسة ثانية يمنحها له الدستور وقد تبعد الاستاذ عن كرسيه المفضل اربع سنوات أخرى خاصة ان هناك مؤشرات ان كرسى الرئاسة قد منح ميدفيديف الشجاعة ليظهر بعض الاستقلالية عن استاذه حتى ان بعض الخبثاء يشير إلى ان مظاهرات المعارضة الروسية حتى وان كان ليس للتلميذ يد فيها فأنها جاءت على هواه وبشدة وقد تمنحه بعض الامل فى البقاء على عرش الكرملين.. ومع ذلك فلن ينسى الشعب الروسى لبوتين انه الشخص الذى اعاد بناء روسيا الحديثة بعد الانهيار الذى اصابها عقب انهيار الاتحاد السوفيتى السابق وطوال عهد خلفه الرئيس الاسبق «بوريس يلتسين» خاصة ان بوتين تسلم دولة مهلهله تماماً سواء اقتصادياً او اجتماعياً أو حتى عسكرياً واستطاع فى خلال 8 سنوات فقط اعادة هيبة روسيا كدولة كبرى بل يمكن القول ان انتصاره الحاسم والسريع فى جورجيا والذى اعتبره الكثيرون هزيمة لأمريكا قد انهى نظام القطب الواحد ودشن لبداية نظام متعدد الاقطاب تزاحم فيه روسيا الصدارة مع امريكا والصين والاتحاد الاوروبى.. ولكن الأهم بالنسبة للشعب الروسى كان النجاح الساحق لبوتين فى قيادة الاقتصاد الروسى لاستعادة قوته بعد انهياره التام على أيدى سلفه يلتسين ولن ينسى الروس ايضاً أن بوتين اظهر احتراماً كبيراً للدستور الروسى قلما اظهره حاكم الكرملين طوال تاريخ روسيا سواء فى عصر القياصرة أو فى العهد الشيوعى فهو أول زعيم يرفض تعديل الدستور ليبقى على عرش الكرملين لفترة ثالثة بعد انتهاء فترتى رئاسته عام 2008 معلناً نزوله طواعية عن كرسى الرئاسة وقبوله بمنصب رئاسة الوزراء فى سابقة تاريخية تزيد من احترام الرجل فى عيون كثير من ابناء وطنه وتدل على احترامه لنفسه وللديمقراطية حتى ولو كان قد واصل الحكم من وراء الستار وفى مقعد الرجل الثانى عن طريق اختياره تلميذه ميدفيديف ليجلس على كرسى الرئاسة ويكتفى الاستاذ بمقعد رئاسة الوزراء .. والواقع ان تجربة بوتين ميدفيديف تعتبر ظاهرة استثنائية فى التاريخ الروسى الذى اعتاد ان يكون لساكن الكرملين الكلمه الأولى والأخيرة فى البلاد لكن يبدو ان الثوابت تتحطم عند صخرة رجل مثل بوتين فعلى الرغم من خروجه من الكرملين منذ عامين الا انه مازال هو الرجل الأقوى فى روسيا بل ان مركز الثقل السياسى قد انتقل من الكرملين مقر الرئيس إلى البيت الأبيض مقر رئاسة الوزراء ومع ذلك فإن بوتين ترك الباب مفتوحاً – ولو قليلاً – امام كل الاحتمالات مؤكداً انه سيتفاوض مع ميدفيديف حول اسم المرشح الذى سيشارك فى الانتخابات الرئاسية المقبلة وانهما سيتفقان على اسم المرشح الرئاسى القادم ولكنه سرعان ما عاد ليؤكد انه فى كل بلاد العالم فالرئيس المنتهية ولايته يقوم بدعم مرشح قادم للمنصب فى اشارة تبدو واضحة ان مهمة ميدفيديف فى الكرملين قد انتهت وانه هو القادم ليستعيد عرشه ويبدو ان بوتين قد نسى ان الدستور يسمح لتلميذه العزيز بفترة رئاسة ثانيه قد يرى ميدفيديف من حقه ان يحصل عليها..