يعد المتحف الغارق أحد أبرز المعالم الأثرية الموجود في محافظة الإسكندرية، وهو عبارة عن مجموعة من الآثار التي تعود إلى العصر الفرعوني والإغريقي الغارقة تحت الماء، الأمر الذي يجعله مختلفا وفريدا من نوعه، حيث يغوص السائحون والزوار إلى أعماق البحر المتوسط حتى يشاهدوا منظرا فريدا لتلك الآثار العريقة الغارقة. توجد هذه الآثار الغارقة في منطقة خليج أبي قير وأمام قلعة قايتباي التاريخية وبجوار الميناء الشرقي لمدينة الإسكندرية، حيث ابتلع البحر الكثير من المباني والقصور والقلاع الأثرية نتيجة لتعرضها للعديد من الزلازل الشديدة، وكانت في البداية موجودة عند مقبرة عمود السواري وتم نقلها في العهد العثماني لحفظها وحمايتها من التآكل، وتعود غالبية تلك الآثار إلى العصر البطلمي، حيث أنها ابتعدت عن الشكل اليوناني التقليدي وأخذت الشكل الفرعوني المميز. ترجع بداية اكتشاف الآثار الغارقة أمام شواطئ الإسكندرية إلى عام 1910 عندما كان المهندس الفرنسي "جونديه" مكلفا بإجراء توسعات في ميناء الإسكندرية الغربي واكتشف وقتها منشآت تحت الماء تشبه أرصفة المواني غرب جزيرة فاروس. وفي عام 1933تم اكتشاف أول موقع للآثار الغارقة في مصر في خليج أبي قير شرق الإسكندرية، ويرجع اكتشافه لطيار من السلاح البريطاني، حيث أبلغ الأمير "عمر طوسون" الذي كان يعشق الآثار وكان عضوا بمجلس إدارة جمعية الآثار الملكية بالإسكندرية في ذلك الوقت. وفي عام 1961 بدأ معرفة آثار الإسكندرية الغارقة بمنطقة الحي الملكي عندما اكتشف كامل أبو السعادات الأثري الراحل كتلا أثرية غارقة في أعماق البحار في منطقة الميناء الشرقي أمام لسان السلسلة وقلعة قايتباي. وفي عام 1962 أعلن العثور على مجموعة من الآثار والتماثيل الضخمة تحت الماء، فقامت مصلحة الآثار بمساعدة القوات البحرية وللمرة الأولى بشكل رسمي بانتشال تمثال من الجرانيت، وتمثال ضخم معروف باسم تمثال "إيزيس". ومع بداية التسعينات بدأ العمل في البحث والتنقيب عن الآثار تحت الماء في الإسكندرية. ويعد موقع قايتباي من أهم مواقع الآثار الغارقة، حيث تبلغ مساحته 22500 متر مربع، ويحتوي على أكثر من 3 آلاف قطعة أثرية معمارية. وفي 1992 قام المعهد الأوروبي للآثار البحرية بأول عملية مسح شامل للتراث الأثري بالميناء الشرقي، وتمكنت من تحقيق إنجاز علمي برسم خريطة علمية دقيقة لمواقع الآثار الغارقة للميناء الشرقي. واكتشف الفرنسي فرانك جوديو في عام 2000 مجموعة كبيرة من الآثار الغارقة بمنطقة "هيراكليون"، وكذلك في منطقة شرق كانوبس التي اكتشفها جزئيا عمر طوسون 1934 وأعادت البعثة الأوروبية اكتشافها من جديد. وفي عام 2001 أعلنت البعثة المصرية الفرنسية بخليج أبي قير بالإسكندرية عن الآثار الغارقة، عن اكتشاف مدينة أثرية هامة في قاع البحر على بُعد 6 كيلو مترات من ساحل الخليج تعود إلى العصر البطلمي، وتشير إلى وجود مدينة "هيراقليوم" الإغريقية في هذا المكان. من جانبه، يوضح د. محمد عبدالمجيد، مدير إدارة الآثار الغارقة بوزارة الآثار المصرية، أن بقايا المعابد والقصور الموجودة تحت الماء في الإسكندرية تبعد حوالي 5 أمتار، لذلك لا يستطيع السائح رؤيتها، وهو ما جعل المختصين يفكرون في بناء متحف تحت الماء يجذب السائحين بشكل أكبر ويساعد على إنعاش السياحة، وقد جاءت الفكرة منذ أكثر من 20 سنة لحماية تلك الآثار الثمينة من التآكل بسبب تلوث المياه ومن التحطم بسبب مراسي قوارب الصيد لمحاولات السرقة من بعض الغواصين. وبعد عام 1997 قامت منظمة اليونسكو بالتدخل للمساعدة في تحديد مشروع المتحف، ولكن توقف كل شيء بعد ثورة 25 يناير وعاد المشروع للسطح مرة أخرى في عام 2013. ويلفت عبدالمجيد إلى أن الآثار الغارقة كبيرة وثابتة ولا يمكن إخراجها، كما أن مصر لديها أكثر من مليوني قطعة أثرية فوق الأرض، فإذا تم إخراج هذه الآثار الغارقة ماذا ستضيف لنا؟ وهذا يشير إلى أهمية إنشاء متحف غارق تحت الماء، مشيرا إلى أنه لا يوجد في العالم كله متحف مثل هذا المتحف، على الرغم من وجود نسخة مصغرة لنفس الفكرة في الصين في متحف باهيلانج في نهر يانغسي، حيث يوجد نفق خرساني به فتحات يستطيع الزائر رؤية لمحات من السمكة الصخرية المحفورة التي كانت تُستخدم لقياس منسوب النهر، مؤكدا أن العالم تحت الماء غامض وعالم الآثار الغارقة أيضا غامض، لذلك نسعى لإنشاء المتحف للحفاظ على تلك الآثار، ولتكون متاحة للجميع، ولكي تضيف فصولا جديدة في كتب التاريخ. ويشير د. مختار الكسباني، أستاذ الآثار بجامعة القاهرة، إلى أن معظم الآثار الغارقة توجد أمام قلعة قايتباي والميناء الشرق لمدينة الإسكندرية، والتي كانت موجودة في البداية عند مقبرة عمود السواري، ولكن في العهد العثماني وأيام محمد علي نقل الوال العثماني التماثيل وبعض الآثار من القبرة إلى القلعة، ليتم تحصينها ومنعها من التآكل بسبب المياه المالحة، نافيا تعرض مدينة الإسكندرية في السابق للغرق، لكن ما تم غرقه من آثار تحت الماء هي ليست لمدينة الإسكندرية، لكن بعض الآثار التي تم نقلها من مكانها ووضعها على الشاطئ، لافتا إلى أنه تم إخراج مجموعة من تلك الآثار ووضعها في معامل خاصة لمعالجتها من آثار الملح الموجودة في الماء، والبعض الآخر لم يتم إخراجه حتى الآن، لوضعه في متحف يتم تصميمه من خلال مادة شفافة مكونة من الزجاج والبلاستيك، بحيث يتمكن السائح والمواطن من رؤية هذه الآثار باستخدام الغواصات، على أن يشبه هذا المتحف الغواصة ولكن بشكل شفاف، مشيرا إلى أن الوضع الحالي لا يساعد على اكتمال بناء هذا المتحف بسبب عدم وجود خطة لإنشائه، كما يعتقد البعض أن مشكلة الرؤية تحت الميناء الشرقي هي السبب في تعطيل بناء المتحف ولكن يمكن حلها من خلال طريقة تصميم المتحف. خدمة ( وكالة الصحافة العربية )