سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك وبداية موسم الحج    مصرع أكثر من 29 شخصا وفقد 60 آخرين في فيضانات البرازيل (فيديو)    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    الخضري: البنك الأهلي لم يتعرض للظلم أمام الزمالك.. وإمام عاشور صنع الفارق مع الأهلي    جمال علام: "مفيش أي مشاكل بين حسام حسن وأي لاعب في المنتخب"    "منافسات أوروبية ودوري مصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    10 أيام في العناية.. وفاة عروس "حادث يوم الزفاف" بكفر الشيخ    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين في غزة جائزة حرية الصحافة لعام 2024    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    أيمن سلامة ل«الشاهد»: القصف في يونيو 1967 دمر واجهات المستشفى القبطي    بركات ينتقد تصرفات لاعب الإسماعيلي والبنك الأهلي    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    مصطفى شوبير يتلقى عرضًا مغريًا من الدوري السعودي.. محمد عبدالمنصف يكشف التفاصيل    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    محمد هاني الناظر: «شُفت أبويا في المنام وقال لي أنا في مكان كويس»    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    ملف رياضة مصراوي.. هدف زيزو.. هزيمة الأهلي.. ومقاضاة مرتضى منصور    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    الغانم : البيان المصري الكويتي المشترك وضع أسسا للتعاون المستقبلي بين البلدين    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    خالد منتصر منتقدًا حسام موافي بسبب مشهد تقبيل الأيادي: الوسط الطبي في حالة صدمة    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطيب تيزيني: الإنسان المشروع
نشر في نقطة ضوء يوم 29 - 05 - 2019

هل يمكننا القول بمناسبة رحيل الطيب تيزيني السبت الماضي (18 مايو/أيار 2019) بنهاية المشاريع الكبرى التي حملها مع ثلة من معاصريه الباحثين العرب الذين اضطلعوا بإعادة قراءة الفكر العربي الإسلامي، قراءة جديدة، أمثال المغربي محمد عابد الجابري، ومحمد أركون الجزائري، وهشام جعيط التونسي، وحسن حنفي المصري، وحسين مروة اللبناني، وغيرهم ممن اهتموا بالتراث العربي الإسلامي من السبعينيات إلى أواخر التسعينيات من القرن الماضي؟
نطرح مثل هذه الأسئلة دائما، كلما غادرنا علم من أعلام الثقافة العربية المعاصرة، لأننا نستشعر فداحة الخسارة، ولا سيما حين لا نجد من يعمل على الاهتمام بمشاريعهم أو العمل على مواصلتها، أو إعادة قراءتها قراءة نقدية فاحصة، تؤكد أن هناك مسارات مفتوحة ومستمرة للتطوير والإغناء وإعادة التوجيه.
يمكننا التمييز بين الباحثين العرب بتقسيمهم إلى فئتين كبيرتين: فئة تكتب عما تقرأ، وأخرى تفكر في ما تقرأ من خلال مشروع تكرس له حياتها. كان الطيب تيزيني من بين هؤلاء الرجال الذين نذروا حياتهم لمشاريع تسائل وتبحث، وتعيد التفكير في الواقع والتاريخ من أجل المستقبل. فمنذ كتابه «مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط» الذي أعده من الأدبيات الكلاسيكية في دراسة الفكر العربي الإسلامي، وهو يواصل تطوير مشروعه بالرجوع إلى الإسلام المبكر، وما قبله، متابعا مساره إلى العصر الحديث، وهو يناقش ويساجل معاصريه، ممن اهتموا مثله بالتراث الفلسفي العربي. لقد حاور أبا يعرب المرزوقي، وساجل محمد سعيد رمضان البوطي، وكرّس كتابا بكامله في مناقشة محمد عابد الجابري. أنجز تيزيني ستة أجزاء من مشروعه الفكري، معتمدا في ذلك المنهج المادي الجدلي المؤسس على المنهج التاريخي، واضعا الفكر العربي الإسلامي في نطاق الفكر الإنساني، مركزا على ما كان يسميه طريق الوضوح المنهجي.
عندما صدر كتابه مشروع رؤية جديدة كنا طلبة في كلية الآداب في فاس. وكان المناخ الفكري والسياسي السائد في الجامعة المغربية حين كانت جامعة حقيقية، يجعل من هذا الكتاب أساسا لمنطلق جديد في فهم التراث الفلسفي العربي الإسلامي، ولقد أدى هذا الكتاب إلى بروز اهتمام بالغ بالفكر والسياسة معا، وتشهد بذلك البحوث التي ركزت جهدها على إعادة النظر في التاريخ في ضوء تحولات الواقع العربي. وما انخراط الجابري من خلال أطروحته حول ابن خلدون والعصبية والدولة سوى تعبير عن رؤية جديدة للتراث بهدف إبراز جوانب منه تم تغييبها من لدن من كانوا يحتكرونه، معتبرين أنفسهم أوصياء عليه. وكان كتاب «النزعات المادية» لحسين مروة يصب في الاتجاه نفسه، فكانت كل المشاريع التي دشنت في هذه الحقبة إعلانا على أن هناك تراثا آخر، ورؤيات مختلفة غير تلك التي ظلت تختزله في الجوانب الدينية التشريعية فقط، غير ملتفتة إلى جوانبه المعرفية الأخرى، سواء كانت ذات بعد إبستيمولوجي أو أيديولوجي. وكانت النتيجة تحرير الفكر العربي الإسلامي من الرؤية الأحادية التي كانت سائدة.
ظل الهاجس السياسي موجها لمختلف المشاريع فكان لهذه الهيمنة أن جعلت السجال السياسي موجها للمشاريع، ولم تكن المعرفة العلمية هي المحددة لما يمكن أن يكون عليه المشروع السياسي.
فما الذي جعل المشاريع المشار إليها، وعلى رأسها مشروع الطيب تيزيني تتشكل في هذه المرحلة بالضبط، وتستقطب اهتماما متزايدا من لدن المشتغلين بالفكر والفلسفة الإسلاميين؟ أرى من بين عوامل متعددة أن هزيمة العرب في يونيو/حزيران 1967 كانت وراء تجديد الرؤية، والدعوة إلى فتح مشاريع جديدة لفهم الذات في الواقع والتاريخ. لا تختلف الهزيمة العربية الكبرى في تقديري عن مشروع النهضة العربية وهي تواجه الاستعمار، وإذا كان سؤال النهضة قد دفع في اتجاه البحث عن الذات في علاقتها بالآخر، كانت الهزيمة مدعاة للتفكير في الذات العربية الإسلامية في علاقتها بنفسها في التاريخ والواقع.
ظل سؤال النهضة مطروحا، وانضاف إليه سؤال قراءة الذات بعد الهزيمة، فكان أن توازى السؤال الفكري مع المشروع السياسي. فكان السياسي موجها للفكري، كما كان الفكري في خدمة السؤال السياسي. وكان أن اختلط السؤال الأبستيمولوجي بالطرح الأيديولوجي، ورغم الوعي بالبعد المنهجي، وقضاياه المعرفية في القراءة والتحليل، ظل الهاجس السياسي موجها لمختلف المشاريع فكان لهذه الهيمنة أن جعلت السجال السياسي موجها للمشاريع، ولم تكن المعرفة العلمية هي المحددة لما يمكن أن يكون عليه المشروع السياسي. يبدو لنا ذلك بجلاء في كون الخلفية الفكرية والمنهجية للبحث في التراث العربي الإسلامي توجهها أسئلة الحاضر الفكري، فكانت القراءات أيديولوجية في العمق، سواء تبنت المادية الجدلية، أو التاريخانية، أو بعد الملامح البنيوية.
يدفعنا هذا الواقع إلى التساؤل: ماذا بعد تلك المشاريع؟ هل استنفدت دورها في تجديد الرؤية إلى الذات في التاريخ والواقع؟ هل انتهت إلى الطريق المسدود؟ ماذا حققت؟ وماذا كان عليها أن تحقق ولم تفعل؟ هذه الأسئلة ونظيراتها متصلة بالتاريخ والذات والواقع والآخر لا يمكنها سوى تدشين مشاريع جديدة لقراءة ما أنجز، وإعادة قراءة الفكر العربي الإسلامي في ضوء الإنسانيات الرقمية وهي تبين لنا دور الوسائط في تشكل الأفكار، والتواصل بين الناس. إن مشروع تيزيني، ومشاريع غيره مفتوحة للبحث وللسؤال وفاء لجيل وتقديرا لمجهودات استكشافية للذات في الواقع والتاريخ.
...
٭ كاتب مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.