تعيش المؤسسات الصحافية المصرية على وقع أزمة جديدة تنذر بمضاعفة خسائرها، مع إعلان الحكومة نيتها الاستغناء عن الكتب المدرسية المطبوعة، التي تشكل أحد أهم الإيرادات للصحف المطبوعة، بعد تراجع الموارد الأخرى المتمثلة بالإعلانات والتوزيع. وتصل مخصصات طباعة الكتب سنويًا إلى ملياري جنيه (الدولار يعادل 17.60 جنيها)، وتستفيد منها المؤسسات الصحافية الحكومية، إذ تحصل كل مؤسسة على ما لا يقل عن 300 مليون جنيه كل عام، ما يعني أن التحول إلى المناهج الإلكترونية خلال عامين على الأكثر، بحسب إعلان طارق شوقي وزير التربية والتعليم، سيعود بخسائر كبيرة على الصحافة الحكومية. وتلقّت مؤسسات صحافية نبأ إلغاء طباعة الكتب بصدمة شديدة، إذ تعتمد على عائدات الكتب المطبوعة في الإنفاق على العديد من الخدمات والصيانة وسد العجز في الموازنة السنوية لها. ورأى صلاح عيسى، أمين عام المجلس الأعلى للصحافة سابقًا، أن قرار إلغاء طباعة الكتب وتحويلها لإلكترونية “كارثة كبيرة لا يتخيل أحد حجم عواقبها على المؤسسات الصحافية”. وأوضح ل”العرب” أن الاستغناء عن الكتب المدرسية يمثل ضربة قوية لموارد المؤسسات الصحافية التي تعاني بالأساس من أزمات مالية كبيرة تكاد تعصف بمستقبل بعضها وتهدد باختفائها من السوق بشكل نهائي. وأشار عيسى إلى أن تبعات ذلك ستكون زيادة الدعوات إلى تحول البعض من الإصدارات الصحافية القومية إلى إلكترونية، وبالتالي التقليص من العمالة في مجالات الطباعة والإصدارات الخاسرة، ما يفاقم من المشكلات الإدارية والغضب داخل هذه المؤسسات. وكانت المؤسسات الصحافية التي تمتلك مطابع خاصة بها، وهي الأهرام والأخبار والجمهورية وروز اليوسف والشركة الوطنية للطباعة والنشر والتوزيع، تحصل على 35 بالمئة من إجمالي طباعة الكتب المدرسية كل عام، وتوزع النسب الباقية على المطابع الخاصة والأميرية ومطابع جهاز الشرطة. ولا تقتصر المشكلة على خسارة إيرادات طباعة الكتب، حيث تورطت البعض من المؤسسات الصحافية بقروض من المصارف مؤخرا، للتوسع في إنشاء مطابع وتطوير المطابع الأخرى الموجودة لديها، طمعا في الحصول على نسبة أعلى من الكتب المطلوب طباعتها كل عام، لأن توزيع النسب على المؤسسات الصحافية والمطابع الخاصة يتم حسب قدراتها الطباعية. وصرحت مصادر خاصة أن هذه المؤسسات أصبحت في مشكلة كبيرة، لأنها كانت تعوّل على سداد القروض من عائدات طباعة الكتب، كما أن البعض من الصحف لجأت لتخفيض عدد أوراق الصحيفة لتفادي الخسائر المالية المتراكمة عليها. وأمام هذا الواقع، ليس أمام القائمين على الصحافة المكتوبة إلا البحث عن بدائل لتعويض الخسائر للبقاء في الساحة، ويقول البعض من المتابعين الذين يتبنون وجهة نظر أقل تشاؤما من غيرهم، إن توزيع الجرائد الورقية في مصر مُتَدَنٍّ جدًّا، وتم إغلاق البعض من الجرائد كالتحرير والبديل وغيرهما، لكن الصحف القومية لن تغلق، والجرائد الخاصة تبحث عن بدائل جديدة، فهي تسعى إلى معادلة بين السعر والورق والبحث عن دخل إضافي من خلال الموقع، واستغلال إعلانات على الإنترنت والبحث عن مصادر للورق أرخص من المتاح. ورغم توقف عدد كبير من القراء عن التعامل مع الصحافة الورقية بفعل التطور التكنولوجي وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، فما زال هناك قطاع من القراء مصرين على ملمس الورق ورائحة الحبر ومطالعة الجريدة الصباحية. وهناك وجهة نظر أخرى تشكك في النوايا الحكومية، وتعتبر أن الضغوط التي تمارس على المؤسسات الصحافية تأتي بهدف “خنق” الصحف وزيادة تطويعها، والتحكم في جميع مفاصلها بشكل يفضي إلى المزيد من الاستسلام، إلا أن هذا الرأي لا يجد الكثير من الآذان الصاغية نظرا إلى أن السياسة التحريرية لمعظم الصحف رسمية كانت أم خاصة لا تختلف كثيرا فهي تتبع نفس المنهج والولاء للحكومة. ويرى الصحافي والكاتب عمادالدين حسين أن التحديات التي تواجه الصحافة الورقية، تعود أساسا لمنافسة وسائل الاتصال وارتفاع أسعار الورق واستيراده، وتعويم الجنيه، وارتفاع سعر الدولار، إضافة إلى غياب أيّ تصور حقيقي للتطوير. والنتيجة أن عددا من الصحف التي كانت توزع في السبعينات من القرن الماضي بأعداد هائلة اختفت. ولا يمكن إنكار أن هناك أزمة حقيقية في المحتوى، وبخاصة مع ظهور الفضائيات والمواقع الإلكترونية، والصحف التي لن تستطيع في المستقبل أن تطور من أدائها وفكرتها وطرائق تواصلها ومحتواها، لن تكون لها فائدة. فلا بد من وجود حلول، والحلول الجوهرية تكمن في تقديم محتوى مختلف، فلم يعد مهمًّا أن تهتمّ بالخبر اليومي، إذ لا بد من تقديم محتوى مختلف يتضمن حوارات وقصص وأمور ليست متاحة لل”توك شو” على الفضائيات، وهذا بدوره يحتاج إلى نوعية جديدة من المحرِّرين والكُتّاب، كما يحتاج إلى تدريب وإعادة تأهيل واكتساب لغات، وفقا لحسين.