تعيش الصحف الورقية هذه الأيام أزمة اقتصادية طاحنة. تضعها في مواجهة تحديات وجودية هي الأخطر في تاريخها. ذلك أن تدهور الجنيه أمام الدولار ضاعف أسعار الورق ومستلزمات الطباعة بمعدلات غير مسبوقة.. حيث قفز سعر الورق من 6400 جنيه للطن إلي 13 ألفاً الأمر الذي يجعل خروج الصحف بسعرها الحالي ضرباً من الخسارة المحققة التي يستحيل تحملها. كما أن تحريك تلك الأسعار قد يهددها بمزيد من التراجع علي صعيد التوزيع. الأزمة تنوعت اصداؤها وتجلياتها. فمطابع مؤسسة الأهرام أعلنت زيادة تكلفة الطباعة لديها 80% من قيمة التعاقدات دفعة واحدة. فيما أعلنت المطابع عن صعوبات كبيرة في الاستمرار في طباعة الكتاب المدرسي للفصل الدراسي الثاني. نظراً لارتفاع تكلفة الانتاج وتدني الأسعار المتفق عليها مع الحكومة في مناقصة الكتاب المدرسي بداية العام الماضي. الأمر الذي دفع غرفة صناعة الطباعة للدعوة إلي حظر تصدير الورق لفترة مؤقتة "بالمناسبة ما ننتجه محلياً لا يتجاوز 40% من احتياجاتنا" كما دخل المجلس الأعلي للصحافة علي الخط بتصريح أمينه العام عن انعقاده هذا الأسبوع لبحث تداعيات الأزمة. خشية اغلاق بعض الصحف وتسريح عمالتها. الصحف الورقية في مأزق أكبر من امكانياتها. ولن تلجأ بسهولة إلي تحريك أسعارها حتي لا يصاب توزيعها بركود جديد يفرضه ضعف القوة الشرائية للمواطن القارئ الذي تعد الصحيفة بالنسبة له سلعة مرنة أو غير أساسية.. الأمر الذي يجعل الخروج من المأزق مرهوناً بتدخل عاجل من الحكومة بدعم صناعة الورق محلياً وخفض أعبائها المالية بإعفائها من ضريبة القيمة المضافة المفروضة علي مدخلاتها. وإعادة النظر في تسعيرة الطاقة لهذه المصانع وانشاء أخري جديدة لانتاج الورق.. فليس معقولاً أن تكتفي دولة بحجم مصر بمصنعين اثنين لانتاج الورق "ادفو وقنا" بينما تعليمها كله وصحافتها لا يستطيعان الاستغناء عن الطباعة حتي هذه اللحظة. وماذا يمنع مثلاً استحداث إدارة مستقلة لاستثمار أصول المؤسسات الصحفية القومية المهملة وإنشاء مصانع تنتج لحسابها ما تحتاج إليه من ورق ومستلزمات طباعة لها وللغير بما يضمن انتظام عجلة انتاجها والحيلولة دون تشريد آلاف العاملين بمطابعها.. ناهيك عن تخليصها من الديون المتراكمة عليها واطلاقها علي طريق التحول الرقمي الناجح صيانة للأمن القومي وللرأي العام. انهيار الصحافة المطبوعة لا يلقي بظلاله الوخيمة علي تشريد آلاف العاملين في مطابع الصحف القومية والخاصة فحسب لكنه مؤشر خطر علي بوصلة الرأي العام التي لا تكفي المواقع الالكترونية علي أهميتها وحتميتها لبعث الطمأنينة في درجة الثبات والموثوقية قياساً بما تمثله الصحيفة المطبوعة في وجدان كثير من المصريين الذين لا يزالون مرتبطين بها وجدانياً دون أن يعني ذلك إغفال احتياجات جيل شاب. كثير منه لم يمسك في يده صحيفة ورقية من قبل. يتابع فقط تلك المواقع. الدولة مدعوة لاستنفار الجهد والنفير والعمل المنظم لانقاذ ما يمكن انقاده من صحافتنا المطبوعة التي عليها هي الأخري تغيير سياستها التحريرية جذرياً. والتحول من الخبر إلي ما بعد الخبر. فالركود لن يصيب صناعة الصحف وحدها بل سوف تمتد اثاره أيضاً لسوق الطباعة والنشر برمتها في وقت لا يملك المجتمع القدرة الكافية علي التحول الرقمي تعليماً وإعلاماً. تحرير سعر الصرف ليس بدعة لكن توقيته وإغفال ما يلزمه من اجراءات إصلاحية مصاحبة جعله جزءاً من المشكلة لا طريقاً إلي علاج اختلالات.