مصر للطيران تبدأ جسرها الجوي لعودة الحجاج .. غداً    "ميقاتي" لمبعوث الرئيس الأمريكي: لبنان لا يسعى للتصعيد.. ويطالب بوقف العدوان الإسرائيلي    تعرف على تشكيل سموحة والداخلية في لقاء اليوم    ضبط 147 بطاقة تموينية بحملة مركزية على المخابز والمطاحن في الإسكندرية    أسرة صاحبة أشهر فيديو بموسم الحج: "كانت دائمة التقرب إلى الله"    القليوبية: استقبلنا 525 أضحية خلال عيد الأضحى    البنك المركزي يعلن ارتفاع الودائع ل 10.6 تريليون جنيه في فبراير الماضي    تضامن الدقهلية: نحر 54 رأس ماشية وتوزيعها على الأسر الأولى بالرعاية    الإسكان: جارٍ تنفيذ 23 مشروعًا لمياه الشرب لخدمة أهالي الوادي الجديد    أعلى معدل بأول 5 أشهر من 2024.. وزير التجارة والصناعة: الصادرات السلعية تسجل 16.55 مليار دولار    فوتوسيشن وحفلات زفاف.. حدائق القناطر تستقبل المحتفلين بثالث أيام العيد (صور)    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الهندسة الزراعية والنظم الحيوية جامعة الإسكندرية فرع الشاطبي    وفاة 9 أشخاص جراء الانهيارات الأرضية والفيضانات في جنوب الصين    موعد مباراتى ديربى مدريد بين الريال وأتلتيكو بالدورى الإسبانى 2024-2025    وزير الري يتابع الموقف المائي خلال فترة إجازة عيد الأضحى    شد الحبل وكراسى موسيقية وبالونات.. مراكز شباب الأقصر تبهج الأطفال فى العيد.. صور    "هبطلك كورة".. ميدو يكشف واقعة بين لاعب الزمالك وأحد الحكام في لقاء المصري البورسعيدي    "اتكسف وغصب عنه".. ميدو يعلق على أحداث مباراة الزمالك والمصري البورسعيدي    تحديد موعد مباراتي الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة في الموسم الجديد بالليجا    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    9 برامج تدريبية ضمن مبادرة "طور وغير" بتعليم الوادي الجديد    إصابة 5 أشخاص نتيجة انقلاب توك توك فى ترعة الشيخ سليم فى الإسماعيلية    ثانى أيام التشريق.. الحجاج المتعجلون يودعون المشاعر المقدسة بالدموع.. أداء طواف الوداع بالحرم وسط استعدادات مكثفة والمدينة تتأهب لاستقبالهم.. مستشفى متنقل وأطقم طبية للطوارئ.. و251عربة كهربائية لنقل الحجاج..صور    بالأسماء.. مصرع شخص وإصابة 5 آخرين في حادث تصادم على طريق أجا بالدقهلية    محافظة القاهرة تتصدى لمخالفات بناء بمناطق عابدين والسلام والساحل    بائع غزل البنات بين قسوة الواقع وإطعام أطفاله!    خالد جلال يفتتح عرض "مش روميو وجوليت" على المسرح القومي (صور)    معلومات الوزراء: المتحف المصرى بالتحرير أقدم متحف أثرى فى الشرق الأوسط    أبرز 8 معلومات عن الشيخ مصطفى إسماعيل في ذكرى ميلاده.. ينشرها الأزهر للفتوى    بعد عملية استغرقت 90 دقيقة، حاجة مغربية تستعيد حركتها وتواصل مناسك الحج    طريقة عمل الطحال المحمر في ثالث أيام عيد الأضحى    مجدي يعقوب: تقدم الشعوب ليس بالمال ولكن بمدى اهتمامه بالصحة والتعليم - (فيديو)    لن تتوقع.. هذا ما يفعله العنب بالكوليسترول والقلب    حزب الله اللبناني: استهداف دبابة ميركافا إسرائيلية وإصابتها إصابة مباشرة    الجيش الأمريكي يدمر 4 رادارات دفاعية وزورقا ومسيرة حوثية    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 من أعضاء المهن الطبية للدراسات العليا بالجامعات    رئيس الإمارات وأمير الكويت يهنئان الملك سلمان بنجاح موسم الحج    بسبب الإقبال الكبير.. عرض «الحلم حلاوة» يعتذر لجمهوره الذين لم يتمكنوا من الحضور    حزب الله: استهدفنا دبابة إسرائيلية من نوع ميركافا وحققنا إصابة مباشرة    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    ضبط عنصرين بالإسكندرية بحوزتهما كمية من المخدرات تقدر ب 1.5 مليون جنيه تقريباً    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    اتفسح وأنت فى البيت.. الحديقة الدولية تستقبل زوارها للاحتفال بثالث أيام عيد الأضحى    يورو 2024| التشكيل المُتوقع لجورجيا أمام تركيا في بطولة الأمم الأوروبية    سيتي يبدأ المشوار بمواجهة تشيلسي.. خريطة مباريات القمة في بريميرليج 2024-2025    احذر الحبس 10 سنوات.. عقوبة تزوير المستندات للحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة لذوي الإعاقة    «المهايأة».. كيف تتحول شقة الميراث إلى ملكية خاصة دون قسمة؟    قيادي بحماس: المقاومة الفلسطينية فككت مجلس الحرب الإسرائيلي    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024 ثالث أيام عيد الأضحى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 18-6-2024    دعاء الأرق وعدم النوم.. لا إله إلّا الله الحليم الكريم    «الصحة»: فحص 13.6 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الاعتلال الكلوي    أخبار الأهلي : الزمالك يتلقي صدمة جديدة بعد التهديد بعدم مواجهة الأهلي    دفاعا عن الاستقلال والعدالة..كوريا الشمالية ترى القتال إلى جانب روسيا شرفا    إسعاد يونس: عادل إمام أسطورة خاطب المواطن الكادح.. وأفلامه مميزة    إيهاب فهمي: بحب أفطر رقاق وفتة بعد صلاة العيد وذبح الأضحية    تهنئة إيبارشية ملوي بعيد الأضحى المبارك    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل كانت هناك نهضة عربية فعلا؟
نشر في نقطة ضوء يوم 02 - 08 - 2016

سؤالٌ يُشوِّش على ما صار صُلبا، له صبغة قناعة تنزل منزلة اليقين، لكن مهما كان الموقف منه فمن الوارد أن يكُون الفكر العربيّ قد سلك إليه طريقا مسدودا أو غير سالك مُعتمدا في ذلك على مُنطلق قادت إمكاناته إلى ما نحن عليه اليوم من سوء الحال، واضطراب المآل.
وليس من المستبعد أن يكُون قد عُولج سؤالُ النهضة بنوع من البراءة، حتّى لا نقول بسوء تدبير الواقع في علاقته بالفكر. ومُؤدّى ما نتوخّى إثارته – في هذا النطاق- الشكّ في أن يكُون ما حدث مُتطابقا مع ما فُكِّرَ فيه بوصفه سؤال نهضة. ويترتَّب على هذا الشك سؤال أهمّ ذو طبيعة تركيبيّة: إذا لم تكن قد حدثت «نهضة» عربيّة في عصرنا الحديث فما الذي كان؟ وكيف يُسمّى؟ وكيف يرتَّب قياسا إلى صيرورات مُماثلة في التاريخ الحديث؟ مُقتنع أيُّما اقتناع بأنّ مثل هذا الأسئلة ستجعل عديدا من الدراسات التي تناولت «النهضةَ» العربيّة بالدرس والتحليل وفكرَها في مأزق نظريٍّ، كما لا بدَّ أن تنشأ من جرّاء هذا تبعات أخفّها استنكارا: التجاهل، لكن لا بأس.
وأوّل ما نروم مُناقشته في هذا الجانب مفهوم الاصطلاح الغربيّ renaissance، فهو لا يعني ما يدلّ عليه لفظ «النهضة» في الذهن العربيّ (لا العقل، وإنّما تعقيله)، وما يُفضي إليه الفعلُ منه (نهض) من معانٍ في اللسان العربيّ. وسنُؤجِّل مُناقشة صحّة هذا الأمر بدوره في ما يلي من هذا المقال المقتضب. وما يدل عليه المفهوم الغربيّ يرتبط بفعل إعادة الولادة الذي يستتبع- بالضرورة- تحوُّلا جذريّا يُفضي إلى بداية جديدة لصيرورة حياة أخرى تقطع مع صيرورة حياة سابقة؛ الشيء الذي يفترض فهم إعادة الولادة أيضا في سياق الانبعاث بعد الموت؛ أي بعث الحياة في ما صار في عداد الموتى، ومن هنا تكتسب السابقة اللسانيّة (re) شرعيتها لتدلّ على ولادة ثانية بعد ولادة أولى. بهذا المعنى المركَّب ينبغي فهم المفهوم الغربيّ، لكن لن يستقيم هذا الفهم إلّا بوضع العلاقة بالإرادة في قلب كلّ هذا، بما يُفيد أنّ الإرادة في الولادة من جديد نابعة من الذات المعنية بها، ومن الأكيد أنّ هذا الشرط يقتضي استبعاد كلّ تفعيل خارجّي لهذه الإرادة؛ أي فرضها من قِبَل قوّة غيريّة. كما ينبغي فهم هذه الولادة- مثلما حدثت في الغرب- في اتّصالها بماضٍ ما؛ إذ لا تعني- كما يُخيَّل إلى البعض ممّن يُطلق الأحكام جزافا- القطيعةَ مع الماضي؛ فالعكس هو الوارد. لكنّ هذا الاتّصال بالماضي هو من طبيعة مُركّبة؛ حيث لم يكن الأمر يتعلّق بماضٍ أوروبيّ واحد، وإنّما باثنين؛ أحدهما كان دليلا إلى الهدف من إعادة الولادة، وثانيهما إلى الوسيلةَ إليه: إعادة إحياء القوّة الرومانيّة (النظام الإداريّ والامتداد الجغرافيّ) بوساطة الفكر اليونانيّ (الجدال السياسيّ). إلى أي حدّ- إذن- كان قياس مُناقشة ما سُمِّي بالنهضة على ما حدث في الغرب مقبولا، سواء في حدود تطابق الواقعيْن (العربيّ/ الغربيّ)، أم في السياق الاستراتيجيّ لكلّ منهما؛ إذ لا ينبغي التغاضي عن تلازم الهدف والوسيلة في هذا النطاق؟
يُعَدّ اصطلاح النهضة – إذن، وكما اُسْتُهلك في توصيف مرحلة من تاريخنا الحديث – غير مُناسب البتّة وفق علّتيْن؛ تتّصل الأولى منهما بانتفاء المعنى الأوروبيّ الذي أتينا على توضيحه من قَبْلُ، إذ كان من الأليق ألّا يكُون الحديث عن النهضة، بل عن الانبعاث، لأنّ هذا الأخير يحمل في طياته التركيب بين إعادة الولادة والحياة بعد الموت. وتتمثّل العلّة الثانية في كون اصطلاح النهضة في اللسانيّ العربيّ يرتبط بحالتين من الاستعمال: تتّصل الحالة الأولى بمن هو في طور الإفاقة بعد النوم، وتتعلّق الحالة الثانية بمُحاولة النهوض من العثرة بعد السقوط أرضا. وهما حالتان مقبولتان من أجل اعتمادهما في توصيف الرغبة في مُجاوزة واقع حضاريّ مُتردّ نحو الأفضل، على أساس ألّا يكُون هناك نمط واحد لهذا الانبعاث؛ ومن ثمّة يُسوَّغ استعمال اصطلاح النهضة بالمعنى الدالّ على الخروج من وضع الجمود (النوم)، بما يعنيه هذا من تركيب بين هذه الرغبة وَصِفَتَي القوّة والارتفاع (المكان الناهض: المُرتفع) اللتين هما من دلالات فعل (نهض). لكن حتّى هذا المخرج لا يحلّ المعضلة، إذ يضعنا أمام مأزق آخر مُتأتٍّ من علاقة الإرادة الإفاقة؛ فلم تكن ذاتية نابعة من الذات العربيّة اختيارا وقرارا، بل كانت حاجة غيريّة ذاتَ اتّصاف قهريّ، وانتقائيّة وتلفيقيّة. لم ينهض الجسد المُنهك من تلقاء نفسه، ولا حتّى بطلب المُساعدة، وإنما بفعل إرادة الغير.
وقد نشأ هذا الوضع التباسٌ أدّى بالفكر الذي اضطلع بفهم مرحلة «النهضة» إلى أن يُعاني من فهم الإخفاق الذي وسم الإفاقة القيصريّة؛ ومردّ هذا إلى غياب الشكّ في مفهوم النهضة، وغياب فهم الدينامية التي كانت تعمل بمُوجبها الإرادة الغيريّة، وتوصيفها على نحو دقيق، وبما يليق من الاصطلاح الذي بمقدوره توصيفها. ما هذا الذي كان واردا، إذن، ألّم تكن هناك نهضةٌ بالمفهوم العربيّ، أو انبعاث بالمفهوم الغربي؟ ينبغي استنباط ما كان واردا من الإرادة الغيريّة التي وقع التماهي معها، والتي أُشير إليها بعديد من الاصطلاحات التي تحتاج إلى إعادة النظر فيها، وفي مُقدِّمتها النموذج. ولعلّنا واجدون الاصطلاح الأنسب الذي يتوافق مع الوضع في هذه المرحلة من تاريخ العرب الحرج في اللفظ الفرنسيّ le rétablissement الذي يُفيد إعادة التقويم والترميم والتأهيل. لكنّ الدلالة التي نروم استخلاصها- في هذا النطاق- تتعلّق بالعمل على جعل كيان ما أو مُؤسَّسة ما في وضع اشتغال جيّد بعد توقّف، أو عطب، أو نقص في المردودية؛ فهذا ما حدث بالضبط، وكانت البداية مع حملة نابليون بونابرت إلى مصر التي مثَّلت تمظهر الإرادة الغيريّة التي كانت تُحقّق هدفها الخاصّ الماثل في صيرورة انبعاثها، وكنّا نحن موضوعا لها، كما كانت الرغبة في إنهاض المنطقة العربيّة موضوعا لها. لقد كانت الإرادة- إذن- غيريّة، ومتأتّيّة من هدف ماثل في إعادة تأهيل مُجتمعات غيريّة، لا من أجل سواد عينيها، أو لكي تكون مُساوية للدول المُتقدِّمة الصناعية حينذاك في القدر، ولكن لكي تقبل الانضواء في منظومتها الاقتصاديّة (القوّة والنظام الرومانيّيْن)، لا في منظومتها السياسيّة. لكن ما الداعي لأن تهتمّ الدول الغربيّة المُسيطِرة بتأهيل المُجتمعات المتخلِّفة من طريق إدماجها في منظومتها الاقتصاديّة؟ يعود السبب في هذا إلى علاقة الاقتصاد، خاصّة السوق، بتعميم معرفة الفعل (المهارات): le savoir faire ؛ فلا يُمْكِن تصدير بضائع مُصنّعة – خاصّة منها تلك المُتعلِّقة بالتقنية- من دون التمكُّن من معرفة استعمالها. ويتطلّب هذا الهدف الأخير تعلّمات مُعيَّنة مُرتبطة باستعمال الكتابة والحساب. هذا فضلا عن كون التأهيل الإداريّ والتمدنيّ يقتضي استيراد ما به يتأسّس. ولم يكن ليحدث هذا من دون الاستعمار؛ فإلى جانب الموادّ الخامّ، كانت هناك ضرورة تأهيل السوق في الدول المُستعمَرة لكي تُدمج في بنيتها الحاجةَ إلى مُنتجات المصانع الغربيّة. ويترتَّب على هذا ضرورة إعادة النظر في لفظ «النهضة» الذي ظلّ يُستخدم للدلالة على وضع تاريخيّ مُلتبس، فما كان واردا هو فعل إعادة التأهيل بوصفه إرادة غيريّة، والذي يُمْكِن تسميته إنهاضا، فحتّى النهوض لم يكن واردا. ومن ثمّة كانت الإشكالات الفكريّة التي طُرحت- في إطار الإصلاح أو التقدّم- نابعة من مُنطلق لم يُفكَّر فيه إلّا في ضوء جدول أعمال هُيِّئَ وفق قياس على الغير، وعلى أسئلته من دون التنبّه إلى فهم تاريخية انبعاثه، ومُحاورته في ضوء الإرادة الذاتيّة، والأسئلة المُرتبطة بها، وما زال الوضع كذلك. فهل هناك اليوم شيءٌ ينبغي استئنافه في إطار التراكم الذي تحقّق داخل صيرورة وصلت إلى المأزق؟
ما نحتاجه اليوم ينبغي استخلاصه وفق ثلاثة مبادئ أسس: تعدّد الانبعاث، ورفض التبعية، وتغيير طرائق التفكير. نحتاج- إذن- للقطعُ مع تصوّر للانبعاث ظلّ يتخذ من الغرب نموذجا له؛ إذ لا شيء يدعو إلى ضرورة مُحاكاة انبعاث الغير غربيّا كان أم غير غربيّ، فهناك أشكالٌ مُتعدِّدةٌ من الانبعاث مُختلفةٌ، فإذا كان الهدف يكاد يكُون واحدا (التقدّم) فمن الوارد أن تختلف الوسائل، أو على الأقلّ طرائق استعمالها. وهناك أمثلة في هذا الصدد: التجربة اليابانيّة، والتجربة الهنديّة، وتجربة دوّل جنوب آسيا. ويترتّب على هذا أنّ التجربة العربيّة ينبغي أن تُقام على أساس إعادة التأسيس في ضوء تاريخ المنطقة الفكريّ العقلانيّ، والانفتاح على العالم في مسألة التدبير الجيّد للمُجتمع. وقلنا إعادة التأسيس لأنّنا ورثنا اليوم تركة مُركَّبة مُخالِفة للوضع الأوروبيّ بعد القرون الوسطى: الموت التاريخيّ، وإنهاض مُعوِّق مُفْضٍ إلى التواكل حتّى في الجانب الأمنيّ.. ويقتضي المبدأ الثاني الخروج من التبعية للغير في كلّ شيء، والشروع في إثبات الذات من طريق التركيب بين تقديس العمل، والاجتهاد، ولن يتحقَّق هذا إلا بامتلاك القدرة على توليد الأسئلة الخاصّة بما يسمح بمُحاورة المُنتَج الإنسانيّ في تنوّعه، والسعي إلى المُساهمة فيه، وبما يُخرج الذات من مجال التتلمذ الاستهلاكيّ (خيري بك) الذي يُحوِّلها إلى عالة على الغير. وأهمُّ هذه المبادئ الثلاثة تغيير طرائق التفكير؛ فقد كان الجهد كلُّه مُنصرِفا إلى مُحاولة البحث في الأفكار واستيرادها من الماضي أو من الغير، والاختصام حول الأصلح منها، بينما لم يُتنبّه إلى أنّ المُشكلة لم تكن كامنة في طبيعة الأفكار ذاتها، أو في صلاحها أو فسادها، بقدر ما كانت كامنة في طرائق التفكير التي ظلّت ثابتة، وتقليدية موروثة، ومُشكِّلة الوجدان والعقل العربيَّيْن، ولم تُتغيَّر بما يتلاءم مع العصر وأسئلته. لا تنفصل هذه المبادئ الثلاثة عن سؤال من يمتلك الإرادة في تحيينها؛ وهذا موضوع آخر يرتبط بحركة التنوير العربيّ، وبالشروط السوسيو- ثقافيّة والاقتصاديّة التي تتحكَّم فيها.
.......
٭ أديب وأكاديمي مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.