اليوم.. مجلس النواب يناقش حساب ختامي موازنة 2022/2023    سعر اليورو اليوم الثلاثاء 7-5-2024 مقابل الجنيه المصري في البنوك    341 مركزا تكنولوجيا تبدأ استقبال طلبات التصالح في مخالفات البناء.. اعرف الخطوات    أسعار الخضروات اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في قنا    تثبيت سعر الفائدة في أستراليا    أسعار الأسمنت اليوم الثلاثاء 7 - 5 - 2024 في الأسواق    سعر كيلو العدس، أسعار العدس اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في الأسواق    جوتيريش: الاجتياح الإسرائيلي لرفح سيكون أمرا لا يُحتمل    ماذا نعرف عن مدينة رفح التي تهدد إسرائيل باجتياحها عسكرياً؟    الجيش الإسرائيلي: تم إجلاء الغالبية العظمى من السكان في منطقة العمليات العسكرية شرقي رفح    الأهلي يتحدى الاتحاد في الدوري لمواصلة الانتصارات    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024 والقنوات الناقلة..الأهلي ضد الاتحاد    ميدو: الزمالك رفض التعاقد مع علي معلول    «الأرصاد»: انخفاض درجات الحرارة اليوم على القاهرة والسواحل الشمالية    بعد قليل.. أولى جلسات محاكمة المتهم بقتل وهتك عرض طفلة مدينة نصر    عرض عصام صاصا على الطب الشرعي لإجراء تحليل مخدرات    مصابو حادث تصادم الفيوم يغادرون المستشفى بعد استقرار حالتهم    الوطنية للطوارئ ترصد ظهور دلافين بمياه فايد في الإسماعيلية (فيديو )    7 نصائح لعلاقة ودية بعد الانفصال مثل ياسمين والعوضي.. «ابتعدي عن فخ المشاكل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    «القاهرة الإخبارية» تعرض لقطات لفض شرطة الاحتلال بالقوة المظاهرات في تل أبيب    العاهل الأردني يطالب بمضاعفة المساعدات الإنسانية إلى غزة وإيصالها دون معيقات أو تأخير    ياسمين عبدالعزيز: ولادي مش بيحبوا «الدادة دودي» بسبب مشاهد المقالب    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    ياسمين عبدالعزيز: «مشاكل بيني وبين العوضي قبل نبوءة ليلى عبد اللطيف»    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الثلاثاء 7 مايو 2024    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    مصطفى شوبير يتلقى عرضا من الدوري السعودي.. الحقيقة كاملة    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    مصر تستعد لتجميع سيارات هيونداي النترا AD الأسبوع المقبل    وسائل إعلام أمريكية: القبض على جندي أمريكي في روسيا بتهمة السرقة    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    ميلكا لوبيسكا دا سيلفا: بعد خسارة الدوري والكأس أصبح لدينا حماس أكبر للتتويج ببطولة إفريقيا    خبير لوائح: أخشي أن يكون لدى محامي فيتوريا أوراق رسمية بعدم أحقيته في الشرط الجزائي    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    مصرع سائق «تروسكيل» في تصادم مع «تريلا» ب الصف    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    ميدو: تقدمت باستقالتي من الإسماعيلي بسبب حسني عبد ربه    وفد قطري يتوجه للقاهرة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس اليوم    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثين منفصلين بإدفو شمال أسوان    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    سؤالًا برلمانيًا بشأن عدم إنشاء فرع للنيابة الإدارية بمركز دار السلام    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لينا هويان الحسن تبكي بعويل "ذئبة"
نشر في نقطة ضوء يوم 05 - 05 - 2016

ليست الصحراء في روايات لينا هويان الحسن فضاءً جغرافياً تلتقي فيه الشخصيات لتنطلق نحو أقدارها ومساراتها المتشعبة، بل إنها تيمة متجددة تلتقطها بعينها الأنثوية لتُسجّل تفاصيل الحياة البدوية «الخفية» عن كل من لا ينتمي إليها. ولا يأتي فعل الانتماء هنا عبثاً، لأنّ الصحراء المتدثرة برمالٍ وكثبانٍ ومساحات قاحلة تظلّ محصنة، فلا تتراءى بوجهها الحقيقي الساحر إلّا أمام أبنائها.
من السحر والتنجيم إلى الحبّ والثأر فالمغامرة والترحال، كتبت الحسن عن باديتها في روايات عدة، منها «سلطانات الرمل»، «بنات نعش»، «ألماس ونساء»، «البحث عن الصقر غنّام» (للفتيان)، حتى ليظنّ القارئ أنّ الكاتبة «البدوية» ستدير ظهرها إلى بيئتها الصحراوية بعدما استهلكت موضوعاتها المختلفة. إلّا أنّها أثبتت العكس في رواية جديدة تستحضر فيها عالم الصحراء، بدءاً من العنوان الرئيس «الذئاب لا تنسى» (دار الآداب).
يسير الخطّ الدرامي في رواية الحسن بين «المدينة» و«البادية»، عبر رحلة إلى قريةٍ على تخوم بادية حماه، حيث مدفن الشقيق المقتول، ياسر. وبموازاة هذه الحركة المكانية، تشهد الرواية حركة في الزمان بين واقعٍ راهن (الحرب السورية) وزمنٍ ماضٍ (طفولة في البادية الرحبة). وليس جديداً على الكاتبة، وريثة الحياة البدوية المتقلبة، أن تتحرّك في المكان، وهي التي أُهديت في عيد ميلادها درباً شقّها لها عمها باسمها، بدلاً من أن تكون هديتها لعبة أو علبة شوكولاته، على غرار سائر بنات المدن في سنّها. وليس مستغرباً أن تتمسّك بماضٍ محفوظ في ذاكرة البدوي لعلّها تحقّق عودة مشتهاة إلى «الجذور»، في ظلّ حياة من السفر والترحال الدائمين. «هنالك بشر مفطورون على النسيان وتسطيح الأشياء والأحداث والأماكن، بينما أنا فُطرتُ على التذكّر، على اجترار الحزن». (ص160)
الغائب
تُمسك الكاتبة بطرف السرد عبر تداعي ذاكرتها في سياق محادثة داخلية تتوجّه فيها إلى ذاتها مرّة، وإلى ياسر مرّات أخرى. تنطلق الراوية في رحلة ب«البولمان»، على طريق دمشق- حمص، برفقة شقيقيها، وائل ومرام. لكنّ الغائب بينهم ظلّ هو الأقوى حضوراً على امتداد الرحلتين، الزمنية والمكانية. فكان ياسر هو الموجود في ذكريات الكاتبة وفي أحلام شقيقتها وفي دموع أمها وصمت والدها وعزلة زوجته وأسئلة أطفاله...
«ياسر مات»، من هذه الجملة الخبرية المقتصدة تنطلق أحداث الرواية. فالفاجعة لا تحتمل كلاماً وتفسيرات. إمّا ذهول أو صراخ. لكنّ الكاتبة اختارت الاحتمال الثاني: «صرخت وصرخت وصرخت» (ص19) حتى أعادها صراخها إلى عواء ذئبة سمعته في طفولتها، إثر فقدانها وليدها، فظلّ صدى صوتها يسكن أذنيها طوال ثلاثين عاماً. «الذئبة تعوي وتُعلن أنها موجودة، وحزنها موجود، ولا تنسى ولا تصفح... تعوي كبطلة خرافية مرسوم قدرها سلفاً، مكبّلة بمصير مكتوب سلفاً» (ص54). تتجدّد صورة «الذئبة» في أنين أمّها المفجوعة و «عويلها»، وفي «عواءات» مديدة وصاخبة كنحيب الأسر السورية المحزونة: «كلّ السوريين يبكون. لا استثناءات. البكاء قدرنا» (ص24).
ولأنّ الحياة في الصحراء جعلتها تُدرك أنّ «الدروب» التي تُشق في الذاكرة لن تُمحى، فإننا نلتمس تماهياً بين «الكاتبة» وبين «الذئبة». فالذئاب ليست وحدها من لا ينسى، بل إنّ ذاكرة السكّان الرحّل هي دائماً ذاكرة متينة وعميقة، ربما تعويضاً عن غياب التجذّر في المكان. هكذا تغدو «الذئبة»، بحزنها وعويلها، معادلاً «وحشياً» للإنسان المتألم، وإن كانت «الذئاب» أكثر آدمية أحياناً من الإنسان: «الذئاب لا تنسى. أيضاً لا تخون بعضها. الخيانة ميزتنا نحن البشر. الخيانات لنا» (ص13).
وعلى رغم أنّ «الذئبة» (البطلة) تُشكّل في مكانٍ ما قرين الكاتبة، ب «وعيها» المنفرد المستقلّ (على طريقة فرويد) وب «لاوعيها» الجماعي أيضاً (على طريقة يونغ)، فإنّها تستذكر أيضاً كائنات البادية الأخرى ممن عايشتها وراقبتها وتبعتها، هي وشقيقها ياسر، في طفولتهما. فتعترف بأنّ البدو «تعلموا تكنيكاتهم اليومية من الحيوانات التي حولهم». من الأسود والنمور ضرورة الهجوم بدلاً من البقاء في موقع الدفاع، ومن الثعلب استخدام الخدع والحيل لبلوغ الهدف، ومن الغزالة سرعة التنقّل وعدم الالتفات إلى الوراء، ومن الصقور فنّ الصمت والهدوء...
قد تكون لينا هويان الحسن قرأت كتاب «نساء يركضن مع الذئاب» للأميركية- المكسيكية كلاريسا بانكولا بترجمته العربية عن المركز القومي للترجمة، وربما لا، إلّا أننا في كلتا الحالتين نلتمس فكرة مشتركة تقضي باستخراج قوتنا الأنثوية الحقيقية عبر العودة إلى طبيعتنا الأصلية وإطلاق طاقاتنا المبدعة التي طمستها مظاهر «التمدّن». ويتجلّى ذلك في نصٍ تقول فيه الكاتبة الأميركية: «المرأة والذئبة ترتبطان بعلاقة قرابة، كلتاهما فضوليتان تتمتعان بقدر عظيم من الإخلاص والتفاني والإدراك الداخلي والمشاعر العميقة تجاه صغارهما. وكذلك تتوافر لهما خبرة التكيف مع الظروف المتغيرة والشجاعة الفائقة والثبات بقوة على الموقف».
رحلة الأحزان
يتقصّى القارئ رحلة الأشقاء لينا ومرام ووائل وهم يشقّون دربهم بين قوافل «المحزونين». الخوف يتملّك الركّاب، مع أنّ جميعهم اتخذوا الاحتياطات اللازمة. ارتدت الكاتبة حجاباً وعباءة مع نظارتين، درءاً لمخاطر قد يتسبّب بها سفورها عند نقاط التفتيش التابعة لمسلحين متطرفين. تشعر فوق رعبها وحزنها بأنها مكبلة في ملابس لم تعتد أن ترتديها. تراقب العالم الكابوسي من خلف نظارتيها السوداوين. الموت يرتسم على الطرقات وفي وجوه الناس وملابسهم. لذا فإنها تهرب من حاضرها المحاصر بالخوف والفقد إلى ماضٍ سعيد قضته برفقة شقيقها ياسر، المشاكس، الوسيم، الضحوك، عاشق الصيد والتقليد وسماع الأساطير.
وفي عودتها إلى زمن الطفولة، تلجأ هويان إلى المخزون التراثي في صوره الموروثة، فتُقدّم المرأة نموذجاً للأصالة الإنسانية وحالةً تحوي داخلها كل قوى الطبيعة والحدس. فتحكي عن «فريال» المبدعة في سرد الحكايات والقصص، وعن «ونسة» الأيزيدية الجميلة التي قُتلت بعدما تزوجت من خارج بيئتها، وعن خاتون عمشة التي سمعت عنها أخباراً كثيرة، هي التي أُلقي بجثتها في الآبار الرومانية القديمة. فالموت لم يكتب نهاية تلك النسوة اللواتي تمرّدن بلا خوف من سلطة «العشيرة» وذكورها.
«الذئاب لا تنسى» تموج بين الرواية وسيرة الذات والمكان، تكتبها لينا بمستويين من اللغة، تقريرية - توثيقية مرة (عن نساء البادية مثلاً) وشعرية مؤثرة مرات (عن ياسر). إذن تتداخل ذكريات الراوية عن شقيقها المقتول «ظُلماً»، بذكرياتها عن البادية، كأنما تاريخ عائلتها لا ينفصل عن تاريخ باديتها، تماماً كما أنّ مأساتها «الشخصية» لا تنفصل عن مأساة وطنها، سورية.
ياسر، شقيق الكاتبة، من ضحايا المحرقة السورية الكبيرة. قُتل بذنب أنّه موظف دولة. وما حزن عائلته عليه سوى قصة «منسوخة» من آلاف القصص المحزنة في سورية. لكنّ شقيقته اختارت أن توثقها، لا لكي تُدين قاتلاً (كلّهم مجرمون آثمون) أو تحتفل به شهيداً (الجميع قتلى بالمجان)، إنما رغبةً منها في التحرّر من قهرها، من حزنها الأبدي.
تختتم هويان روايتها في بيروت حيث ترتشف قهوتها وتكتب بينما ينهمر المطر غزيراً. تختار «الورقة» درباً جديداً تشقها لتسير فيها بلا خوف وريبة. تتخذها أرضاً جديدة تقتل فيها «وحوش التذكّر» لعلها تشفى من حزنها الدفين. تكتب روايتها عن ياسر بينما يتردّد في أذنها صوت خالها وهو ينادي صقره «غنّام». وأيّ روحٍ تحتمل ذاكرة متخمة بالحزن والفقد. فقدان الأخ والوطن والأمن والسلام؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.