أطالب وأخاطب كل الحكام العرب بدون استثناء، ملوكا أم أمراء أم رؤساء جمهوريات، وأقول لهم، تعلموا وخذوا العبرة من ثورة شعب تونس أخيرا عاد قلب العروبة ينبض من جديد، أخيرا تعلو رايات الشعوب، مرة أخري يعود صوت الشعب العربي ليعلو ويعلن الصمود، ويؤكد أن الشعب العربي لن ترهبه سطوة الحكام، ولن تخرصه ديكتاتورية السلطة مهما حكمت بقيود من حديد ونار. من تونس يعود الأمل، من تونس تأتي البشارة، من تونس تعلن الشعوب العربية أن العرب ليسوا خانعين خاضعين، أن الشعب العربي شعب حر أبي قد يصبر علي الظالم، أملا في الإصلاح، ولكنه يرفض أن يطول الاستعباد ويدوم الطغيان. أصبح عندي اليوم أمل في غد عربي مشرق، في أيام عربية آتية تعيد تصحيح التاريخ العربي المكتوب في السنوات الأخيرة بمداد الظلم والطغيان، أصبح عندي أحلام للأبناء والأحفاد، في مكان كريم تحت الشمس، بعد أن طال ليل البطالة ونهار الحرمان. من جديد يعود إلي إيماني وتستقيم قناعاتي ويكبر ولائي وانتمائي بعروبتي ومصريتي التي كادت أن تتوه وسط زحام التزوير والتهليب والفساد والاستعباد، وحكم الفرد وزواج المال والسلطة. طاقة النور انفتحت، وشعاع الأمل ينبعث من جديد بدماء شهداء تونس، وانتهاء شرعية أحد الأنظمة الديكتاتورية الطاغية في وطننا العربي وما أكثرها. من تونس يعود إلي كل عربي الأمل في صحوة عربية وتتأكد ثوابت حركة الشعوب وأنها هي صانعة مستقبلها، وحارسة حريتها، وقاهرة جلاديها، من بلد الشاعر العربي الثائر أبو القاسم الشابي أكد الشعب التونسي بدم الشهداء، رافضا استمرار الظلم والمهانة، أن يستمر اللصوص في سرقة مقدراته، أن ينهش الفساد ثرواته، أن تتركز الثروة والسلطة في أيدي طغمة قليلة لا تعمل إلا لصالحها وتضخم أرصدتها في بنوك الأجانب، من بلد الشابي خرج الشعب التونسي ليصرخ في كل الشعوب العربية الرابضة تحت نير الاستعباد وتحكم الطغاة، الذين يحكمون شعوبهم بالنار والدم، تصرخ فينا : اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر كذلك قالت لي الكائنات وحدثني روحها المستتر ودمدمت الريح بين الفجاج وفوق الجبال وتحت الشجر إذا ما طمحت إلي غاية ركبت المني ونسيت الحذر ومن لا يحب صعود الجبال يعش ابد الدهر بين الحفر فعجت بقلبي دماء الشباب وضجت بصدري رياح أخر وأطرقت أصغي لقصف الرعود وعزف الرياح ووقع المطر وقالت لي الأرض لما سألتُ: يا أم هل تكرهين البشر ؟: أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلذ ركوب الخطر وألعن من لا يماشي الزمان ويقنع بالعيش، عيش الحجر هو الكون حي يحب الحياة ويحتقر الميت مهما كبر وقال لي الغاب في رقة محببة مثل خفق الوتر يجيء الشتاء شتاء الضباب شتاء الثلوج شتاء المطر فينطفئ السحر سحر الغصون وسحر الزهور وسحر الثمر وسحر السماء الشجي الوديع وسحر المروج الشهي العطر وتهوي الغصون وأوراقها وأزهار عهد حبيب نضر ويفني الجميع كحلم بديع تألق في مهجة واندثر وتبقي الغصون التي حملت ذخيرة عمر جميل عبر معانقة وهي تحت الضباب وتحت الثلوج وتحت المدر لطيف الحياة الذي لا يمل وقلب الربيع الشذي النضر قلبي مع شعب تونس، بلد الشاعر الثائر الحكيم الذي وصف حالنا، ورسم للشعوب العربية خارطة طريق الحرية، واضحة جلية، مؤكدا علي إرادة الشعوب في خلع كل حاكم مستبد واستعادة الحقوق وصون الكرامة. قلبي مع تونس أن يسرق الانتهازيون هناك انتصار الشعب، أن يتم إجهاض انتفاضتهم المباركة، وأن يلتف الفاسدون حول مكاسبهم التي لم تأت إلا بالدماء، وأن يلجأ عشاق السلطة إلي المناورة، ويضيعون علي الشعب تضحياته. قلبي مع الشعب التونسي، متمنيا أن يعرف كيف يحافظ علي استمرارية مسيرته نحو الحرية والانعتاق من نير الاستبداد، أتمني أن يحافظ التونسيون علي وحدتهم، أن يكونوا صفا واحدا، وأن يعملوا علي استقرار وأمن بلادهم، وأن يضربوا بيد من حديد كل من يعبث بمقدراتهم ويخرب بلادهم، حتي تكون ثورتهم ثورة حرية وبناء وليس فوضي وهدم. أما عدل وحرية.. وإما ثورة جياع!! قلبي مع الشعب التونسي، وأنا مازلت أقولها، قلبي وعقلي مع تونس، وأخشي أن يتم اختطاف وسرقة الثورة الشعبية الجماهيرية في تونس وتُسرق من قبل بقايا نظام بن علي ودعاة الديكتاتورية والاستبداد سواء في تونس أم خارجها في الدول العربية المجاورة أم في دول الغرب وأمريكا التي لاتريد الخير لشعب تونس أو غيره من الشعوب العربية. فثمة مؤامرة محلية عربية من دول الجوار ودولية يتم نسج خيوطها لإجهاض ثورة الشعب التونسي، والالتفاف علي تضحياته، ونكران وتهميش دم شهداء ثورة الياسمين، وما تصريحات القذافي إلا خطوة في تلك المؤامرة, ولابد أن تعي جماهير تونس ذلك، وتحول دون أن تتحول ثورتهم إلي درب من الفوضي، ومجرد انقلاب، اطاح بديكتاتور ونصب طواغيت آخرين. وبداية أنا لا أطالب بتصدير الثورة الشعبية التونسية إلي دول الجوار أو إلي غيرها من الدول العربية، ولكنني أطالب وأخاطب كل الحكام العرب بدون استثناء، ملوكا أم أمراء أم رؤساء جمهوريات، وأقول لهم، تعلموا وخذوا العبرة من ثورة شعب تونس، أحذروا مما حدث للرئيس المخلوع والمطرود"زين العابدين بن علي"وأعملوا لصالح شعوبكم. لن نحاسبكم، حاسبوا أنتم أنفسكم، قبل أن تُحاسبوا، فأنتم أمناء علي أوطانكم، مصالح شعوبكم هي الهدف والمبتغي من وجودكم علي كراسي الحكم، وتعلمون، كما نعلم جميعا أن العدل أساس الملك، والحكم تكليف وليس تشريفا، ولولا ظلم وجبروت من كان قبلكم، وخاصة في بلادنا العربية، ما وصلتم أنتم إلي مقاعد حكمكم، وكلكم، وخاصة الرؤساء منكم، جاء عبر بوابة المشاكل وحالات الاحتقان، وعلي أسنة رماح الغضب الشعبي، والحرمان والتخلف الذي أصبح سمة سائدة في بلادنا العربية. ومعني ذلك أنكم تدركون جيدا أن تلك الشعوب التي حكمتموها وما زلتم، سواء كان بإرادة هذه الشعوب الحرة، أم بتزييف إرادتها، فأنتم اليوم الحكام، الذين عقدت تلك الشعوب عليكم آمالها، وخاصة الفقراء المحرومين من كل الحقوق، اقتصادية كانت أم سياسية، تلك الطبقات الفقيرة التي تدفع دائما الثمن. توقع الفقراء والمحرمون من الحقوق أن تتحسن الأحوال، وأن يشعروا أنهم مواطنون من الدرجة الأولي في بلادهم، وأنهم ليسوا فقط أدوات وآلات عمل، تنتج للسادة، دون أن تأكل مما تنتجه، تشقي وتعرق، ويسرق الآخرون ثمار عرقهم وجهدهم، حلموا أن يكونوا شركاء في تقرير مصير بلادهم، ومصائرهم، أن يستطيعوا التعبير عن قضاياهم بحرية، أن يسمع صوتهم، أن يكون لهم الحق في معارضة الحاكم، طالما أهمل الحقوق، وطغي وتجبر. عندما حكمتم تلك الشعوب، عقدتم معها عقد شراكة ونيابة، لاصكوك أو عقود عبودية واستبداد، أنتم تديرون الأوطان لصالح المواطنين، وتقدمهم وخيرهم، جئتم لتخدموا الشعب كل الشعب بطبقاته وعرقياته وطوائفه المختلفة، بدون تفرقة أو تمييز، ولم تأخذوا توكيل الشعب لتهدروا ثروات بلاده، أو لتعملوا لصالح الأعوان والأقارب والمحاسيب، مثلما فعل زين العابدين بن علي، الذي وزع المناصب والثروات علي مجموعة من أقاربه واقارب قرينته، وأدني المحاسيب وأقصي كل من يخالفه الرأي. توليتم العروش لتعدلوا وترفعوا من مستوي معيشة شعوبكم التي تعاني من الفقر والبطالة والجهل والمرض، لا لتزيدوا الناس فقرا وبؤسا، ومرضا، وتتركوا الشباب فريسة لغول البطالة، وبدلا من ان تجعلوا ثروات الشعب ملكا ومنفعة للشعب كله، ركزتم السلطة والثروة في نسبة قليلة، لاتتعدي مجموعة من يحيطون بكم ويرتبطون بعروشكم، من رجال مال وأعمال صنعتموهم، وأسلمتوهم ثروات البلاد ورقاب العباد، بل وتركتموهم يحتكرون كل شيء، ويتحكمون في الأسواق، يرفعون الأسعار ولا يبالون بالفقراء محدودي الدخل، الذين لم تعد تخدرهم الوعود الكاذبة بأنهم محل رعايتكم واهتمامكم، فقد جعلتم مجالسكم النيابية التي لا تمثل الشعب بأي حال من الأحوال تصدر من التشريعات ما يؤكد تحيزكم للأغنياء وتجنيكم علي الفقراء. الأمر بيدكم يا حكام العرب، فإما عدل وحرية وديمقراطية حقيقية، وإما جوع وحرمان، وثورة جياع قد لاتؤمن عقباها!!