اولي خطوات الاصلاح ان نكف اولا عن الصياح والدخول في معارك وهمية وجانبية في التعليم المصري فهذه الحواشي مثل الازمات المتتالية التي دخلتها وزارة التربية والتعليم مؤخرا ليس من المتوقع ان تخف حدة انتشار احداث العنف بمدارسنا في الامد المنظور او القريب الا في حالة واحدة فقط هي الاعلان عن الغاء التعليم بمدارسنا الحكومية المجانية! وليس من قبل المبالغة او التهويل من الاحداث الحالية او حتي ارتداء النظارة السوداء ورؤية نصف الكوب الفارغ ان نقول ان هذا المسلسل الذي بدأ في السنوات القليلة الاخيرة ومتوقع له ان تزداد نسبة العنف في المدارس بكل اشكاله من قتل وضرب- وتعذيب وتحرش- طالما بقيت المعطيات الحالية كما هي بدون اي تغير او تعديل او اتخاذ خطوات جادة نحو اصلاح التعليم. كذلك لا يكفي ان نقول ان هناك اجراءات حازمة قد اتخذت لمواجهة مثل هذا الانفلات الذي اعلم انه قد يكون حالات فردية وليست عامة ولكن تكرار الحالات الفردية بشكل يومي "يعني ان هناك شيئا خطأ يحدث" لانه حتي هذه اللحظة لا اعرف ما هي الاجراءات الحازمة التي اتخذت لمواجهة ما يحدث واذا كان المقصود بتلك الاجراءات هي مجرد فصل ونقل وخصم لعدد من الافراد هنا او هناك فهذه الاجراءات مع احترامنا البالغ بها قد تزيد من حجم الاحتقان الموجود بالفعل في المدارس ولا تزيله او تقضي عليه ولكن الاخطر اقتراح ان تزداد قبضة الامة داخل المدارس هو ما يجب ان نتوقف عنده كثيرا لان مجرد طرحه وترويجه الان يمثل خطرا في بوصلة علاج الامور.. بل لعلي ازيد واقول كفي لمثل هذه المقترحات التي تهرب من تحمل مسئولية الاصلاح في مؤسسات التعليم وتحيل الامر للمؤسسة الامنية انه هروب من المسئولية والقاء عبء المهمة علي اخرين، حتي نرفع عن ايدينا عما يحدث ومواجهته، والنقطة الثانية هي ضرورة ان نترك مؤسسة الامن في حالها لمواجهات اهم واخطر تمس وحدة الوطن وامنه والحفاظ عليه وليس من المتصور ان يلقي بعض المسئولين بالفكرة والكرة الان علي الساحة حتي نمسك بها ونروج لها ونجد فيها الخلاص. والاغرب ان عددا من الزملاء واجهزة الاعلام بدأوا في الترويج لهذه الفكرة باعتبارها الحل المتاح ولا اعلم هل مواجهة العنف بالمدارس مهمة الامن المصري، ام مواجهة اخطار تنظيم القاعدة وجماعات العنف والسلفيين وتهديدهم باعمال ضد الوطن وضد الكنيسة المصرية.. فقد آن الاوان ان ننبذ مثل هذه الافكار والاقتراحات حتي لو كانت بحسن نية لانها في النهاية ستصب في مصالح اعداء الوطن حينما يجيد الامة والمؤسسات الامنية الوطنية في مصر في اداء دورها الاساسي وهو حماية الوطن وابنائه من اعدائه في الخارج والذين يستخدمون ايضا نفرا من الداخل لمعاونتهم.. والعدو ليس في هؤلاء الاطفال أو حتي المؤسسة التعليمية بكل ما تضمه من طلاب ومدرسين واداريين وغيرهم. وفي العدد قبل الماضي كتبت مقالا ايضا عن عودة احداث العنف بالمدارس وذكرت ان مدارسنا "سابقا" تحولت الي ساحة حرب عالمية ومع ارتفاع وتيرة احداث العنف والمتوقع بها ان تستمر ايضا حتي نهاية العام الدراسي الحالي بل والقادم ايضا جعلني اعاود الكتابة عن هذه القضية لان السبب الرئيسي في كل هذه الاحداث هو ما اراه من إهدار لقيمة المعلم المصري ونسيان اوضاعه علي مر السنوات.. فهذا الاهمال هو وراء كل الظواهر التي نعيشها الان وعلي رأسها الدروس الخصوصية التي اصبح خطرها لا يمكن السكوت عليه لان كل ما يحدث الان في مدارسنا هو الافراز الطبيعي لظاهرة إهمال اوضاع المدرس والمدرسة فاصبحت هناك مدارس بديلة في الدروس الخصوصية "أيا كانت تسميتها مجموعات، مراكز الي اخره، فالتلميذ اصبح لا يحترم معلمه لانه يعلم أيا كان فقر هذا الطالب" انه سوف يجد البديل في مدارس اخري ومجموعة ومركزا والمدرس بدوره لا يستطيع ان يقول لا لكل اشكال المهانة التي تحدث من حوله لان مرتبه الرسمي بالكادر وبدونه تجعله لا يتجاوز خط الفقر المعروف عالميا ولا يجعله يحصل علي الحد الادني من الحياة الادمية له ولاسرته بدون اللجوء الي هذه الحلول البديلة التي انهكت التعليم المصري وتكاد الان تقضي عليه تماما. لقد اوضحت حوادث العنف في السنوات الاخيرة.. المدي الذي وصل اليه اهمالنا لقضية التعليم وعدم توفير الاعتمادات اللازمة للنهوض به وهذا ليس تعسفا او مهاجمة للحكومة في توقيت قلق وهو الانتخابات البرلمانية التي ستجري هذا الشهر ولكنه واقع نعلمه جميعا فقد انخفضت موازنات التعليم خلال السنوات الماضية بشكل كبير للغاية.. وهذا الانفاق المتدني علي التعليم في السنوات الاخيرة وهو ما ادي لتراجع ترتيب مصر عالميا وعربيا في تقارير التنمية البشرية، ففي التقرير الاخير للامم المتحدة حول التنمية البشرية لعام 2010 تؤكد المؤشرات تراجع مستوي الانفاق علي التعليم وبطء نتائج التعليم وتطويره في السنوات الاخيرة مقارنة بسنوات سابقة. ورغم كل الكلام والحديث المتكرر حول اهمية التعليم المصري... فان ما يحدث الان بالمدارس يعكس ان الازمة تزداد حدة خاصة في المدارس الحكومية الرسمية، فقليلا ما نسمع عن غرائب وطرائف تحدث في المدارس الخاصة بل وحتي التجريبية.. اذن فالقضية الان واضحة وهي ان الازمة في التعليم الحكومي الذي اصبح فاضحا لكل مشاكل المجتمع من ثقافة العشوائية والازدحام في فصول يزيد عدد طلابها علي 130 طالبا وعدم عقلانية واشاعة ثقافة الاتكال والشكوي الدائمة والفهلوة.. وازدياد معدل التدين الشكلي في المجتمع.. والغريب ان ظواهر التحرش بدأ يزداد حجمها في المدارس حتي بين الاطفال كما حدث في الدقهلية والقاهرة وغيرهما.. رغم ازدياد معدلات التدين الشكلي التي نلاحظها في المجتمع. اولي خطوات الاصلاح ان نكف اولا عن الصياح والدخول في معارك وهمية وجانبية في التعليم المصري فهذه الحواشي مثل الازمات المتتالية التي دخلتها وزارة التربية والتعليم مؤخرا.. تشتت الجهود والفكر في اصلاح جدي للتعليم المصري الحكومي وقضاياه وعلي رأسها اولا واخيرا هي اوضاع المعلم المدرس والمدرسة.. وبدون هذه الخطوة الرئيسية لعودة المعلم الي مكانته ووظيفته واحترامه، سوف تزداد الاخطار يوميا واعتقد ان قريبا سوف تحتل اخبار وحوادث التعليم المصري ليس فقط صفحات الحوادث وانما جميع صفحات واوقات المؤسسات الاعلامية.. باعتبارها من قضايا الامن القومي لمصر.