في ظل أجواء حريصة على السرية والتعتيم ، وتشديد صارم على إبعاد الصحفيين والإعلاميين عنها ، عقدت في مكتبة الاسكندرية ورشة عمل لمناقشة قضية التعليم في مصر ، وذلك بتنسيق بين الجامعة الأمريكية ومكتبة الاسكندرية وقيادات في الحزب الوطني الديمقراطي ، عقدت على مدار يومين ، الأهداف المعلنة الورشة العمل هي مناقشة التوصيات التي خرج بها مؤتمر إصلاح التعليم في مصر والذي عقد بمكتبة الإسكندرية في شهر ديسمبر من العام الماضي . أما الهدف الحقيقي لورشة العمل وهو ما كشفت عنه مصادر " المصريون " فهو التوصل إلى صيغة وتوصيات مقبولة من خلال خطة عمل على المدى المتوسط لإلغاء التعليم الديني في مصر متمثلاً في التعليم الأزهري للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية وكذا تفريغ مناهج التعليم بكليات جامعة الأزهر بشكل تدريجي من محتواها الديني . في جلسة افتتاح مدرسة العمل أكد د. إسماعيل سراج الدين رئيس مكتبة الإسكندرية على حرص المكتبة على إحداث الإصلاحات والترتيب لها على كل الأصعدة ، مشيرا إلى أن هذا اللقاء ينقح شعار إصلاح التعليم لينتهي إلى طلبات محددة لمخاطبة المسئولين بها للوصول إلى الأهداف المرجوة في مجال إصلاح التعليم بشكل خاص ، أما الدكتور حسام بدراوي عضو الحزب الوطني ورئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب فقد أكد على خطورة وضع صيغة مفهومة لإصلاح التعليم يستطيع أن يستوعبها أفراد المجتمع دون تعقيدات بالإضافة لتكوين رأي عام ضاغط لتنفيذ أفكار إصلاح التعليم . أما د. علي الدين هلال أمين التثقيف السياسي وعضو لجنة السياسات فقال أن التنافس المؤسسي بتنفيذ الأفكار الإصلاحية التابعة من مؤسسات أخرى ، فضلا عن أن رجال السياسة والعمل التنفيذي مهتمون فقط بالخطط قصيرة المدى والإنجاز السريع متجاهلين البرامج طويلة المدى . وقد كان من المنتظر أن تشمل ورشة العمل على 8 جلسات لمناقشة 8 محاور تتعلق بإصلاح التعليم سواء الجامعي أو ما قبل الجامعي وكذا مناقشة هوية التعليم انتهاء بالتعليم الديني إلا أنه تم الاتفاق على مناقشة كل الموضوعات في جلسة واضحة بهدف التركيز على موضوعي التعليم الديني وهوية التعليم . وقد أكدت مصادر المصريون أن ورشة العمل هذه والتي عقدت برعاية الجامعة الأمريكية تهدف بشكل أساسي لمناقشة موضوع إلغاء التعليم الديني في مصر وتجفيف منابعه أسوة بما حدث الشهر الماضي في باكستان من خلال خطوات جادة قام بها الرئيس برويز مشرف رغم احتجاج قطاعات إسلامية واسعة على إجراءاته ، وذلك في إطار خطة لاستيعاب ضغوط الإدارة الأمريكية المتتالية مؤخرا من أجل تجفيف منابع هذا التعليم في معظم البلدان العربية والإسلامية ، باعتباره وفق الرؤية الأمريكية من أهم منافذ دعم الإرهاب . وقد حصلت المصريون على الخطوط العريضة للخطة الأمريكية لإلغاء هذا التعليم والتي قدمتها ورقة الجامعة الأمريكية ، وتؤكد الخطة أولا على ضرورة توحيد التعليم الأساسي فيما قبل المدرسة والابتدائي والإعدادي إلى إلغاء ما يسمى المعاهد الأزهرية الابتدائية والإعدادية . وتبرر الخطة الأمريكية هذا بأنه يجب تزويد التلاميذ في هذه المرحلة بالمبادئ الضرورية في العلوم والمعارف وإكسابهم المهارات اللغوية الأجنبية والقدرات اللازمة لاستخدام التقنيات الحديثة لاكتشاف ميوله اللاحقة وتفجير طاقته الإبداعية . وتؤكد الخطة على مراعاة التدرج في تطبيق هذه الخطة تفاديا للاصطدام مع مؤسسة الأزهر ، وكذا مع المجتمع المصري ، ولتحقيق ذلك تعمد الخطة الأمريكية إلى تنفيذ ما يسمى التقارب المنهجي عن طريق زيادة الجرعات اللغوية والدينية في مدارس اللغات والمدارس التجريبية وكذا زيادة جرعات الدراسة في اللغات الأجنبية والدراسات المدنية في مدارس التعليم الديني على حساب المواد الدينية ، بحيث تتأسس قاعدة مشتركة تسمح بإنهاء استقلالية التعليم الديني بشكل تدريجي وسلس . أما ثاني بنود خطة إلغاء التعليم الديني في مصر فتعتمد على إنشاء مدارس مشتركة تجمع بين التعليم الديني والمدني مع إدماج المدارس الأجنبية والخاصة في هذا التنسيق عن طريق مراجعة مناهجها والرقابة التربوية عليها وإخضاع معايير اختبار المعلمين والمناهج في التعليم الديني لشروط تربوية مشتركة تمهيدا لتوحيدها على المدى المتوسط . أما المرحلة الثالثة من خطة إلغاء التعليم الديني في مصر فتختص بإلغائه في المرحلة الثانوية ، وتعتمد على إلغاء بعض مناهج التعليم الديني من الثانوية الأزهرية وتدريسها في المدارس الثانوية المدنية خاصة الفنية (الزراعية والصناعية والتجارية) بزعم تعميق المحتوى المعرفي التخصصي . وتهدف الخطة الأمريكية إلى إلغاء التعليم الديني الثانوي لاحقا وإنشاء شعبة خاصة (رياضة وعلوم) في المدارس المدنية والفنية ، تحتوي مناهجها على مناهج دينية لتؤهل طلابها للالتحاق بالجامعات الأزهرية . وتنتهي الخطة بالتأكيد على تطبيق ما سبق في مرحلته الأولى على المداس والمعاهد النموذجية والتجريبية وفي حالة النجاح تعمم الفكرة على باقي المدارس . وكان من اللافت للنظر أنه رغم أن الموضوع يتعلق بإلغاء التعليم الديني في مصر فقد تجاهلت مكتبة الإسكندرية والجامعة الأمريكية دعوة أي مسئول من جامعة الأزهر أو مؤسسة الأزهر لإبداء الرأي . على صعيد آخر ، فقد تصاعدت الضغوط على وزارة التربية والتعليم بعد اللقاء الذي جمع الدكتور أحمد جمال الدين موسى وزير التربية ووفدي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والبنك الدولي مؤخرا حيث طالب الطرفان وزير التربية والتعليم بضرورة إجراء حركة تغييرات جذرية في كتب ومناهج التربية الإسلامية في جميع مراحل التعليم وإسناد تأليف الكتب إلى شخصيات معروفة باعتدالها الديني حسب قولهم وتطبيقها المعايير التي وضعها مركز راند للدراسات بواشنطن. وأبلغ الوفد وزير التربية والتعليم بأن الجانب الأمريكي سيقوم بمراجعة كافة المعونات التي تقدم لوزارة التربية والتعليم إذا لم تنفذ مشروع استبدال مناهج التربية الإسلامية بكتب ومقررات مادة القيم والأخلاق التي أعدتها مركز تطوير المناهج منذ سنوات ولكنها لم تنفذ، ورد الوزير على مطالب الطرفين بأن الوزارة أدخلت العديد من التعديلات علة منهج التربية الدينية تعزز قيم القبول بالأخر ونبذ العنف والإرهاب مشيرا أنه ليس من اللائق حاليا اتخاذ قرار باستبدال التربية الإسلامية بمادة القيم والأخلاق لكون ذلك يحدث غضب في الشارع المصري وأن الوزارة تسعى سعيا حثيثا لاختيار التوقيت المناسب لتنفيذ هذا القرار. الجدير بالذكر أن هاتين المؤسستين قدمتا منح للوزارة تقدر ب8.2 مليون دولار لإدخال تعديلات جذرية على هذه المناهج.