مسألة الاجور اصبحت تمثل ملفا متفجرا لم يعد يحتمل التأجيل اوالانتظار . فنار الاسعار تكوي الجميع وقد ادت لانفجارات واحتجاجات من فئات اظن انه لم يدر بخلد الحكومة انها ستضطر لمواجهتها يوما ما تمخض الجبل فولد فأرا وتمخض المجلس القومي للاجور فولد فقرا . 400 جنيه يا مجلس؟ ألم تسمع عن الارتفاع الجنوني لاسعار جميع السلع والخدمات الاساسية الذي خلق واقعا اليما يهدد بأن يعصف بالامان الاجتماعي؟! الحد الادني يا مجلس له شروط اذ لابد ان يضمن حياة كريمة للانسان من مسكن ومأكل وملبس وغذاء . وما لم يكفل ذلك ينفتح باب الفساد علي مصراعيه . قرر المجلس ان يكون الحد الادني 400 جنيه شهريا بينما كان وجدي الكرداني ممثل القطاع الخاص به قد صرح قبل صدور هذا القرار بأن الحد الادني للاجور في القطاع الخاص لايقل عن 450 جنيها اي اعلي من الحد الادني الذي خرج به المجلس . فهل انعقد المجلس القومي للاجور كي يخفض الحد الادني للاجور بالعند في العمال؟ تصر الحكومة علي لسان الوزراء المختصين علي ان معدلات نموالاقتصاد المصري في تحسن مستمر ولكن تحسن هذه المعدلات لم ينعكس بصورة ايجابية علي مرتبات العاملين في مصر . بل ان الاجور تدهورت لأن اسعار السلع والخدمات ارتفعت بصورة صاروخية بعد ان اتجهت الدولة لتطبيق نظام السوق الحر دون ان تربط ذلك بسياسة اجور ملائمة مثلما تفعل دول الاقتصادات الحرة . احتاج الامر لرفع دعوي علي الحكومة فألزمتها محكمة القضاء الإداري بوضع حد أدني عادل لأجور العاملين بالدولة، يتناسب مع نفقات المعيشة والزيادة الكبيرة في الأسعار، والتي طرأت مؤخرًا . لكن المجلس القومي للاجور الذي يضم ممثلين للحكومة والقطاع الخاص واتحاد العمال اقر حدا ادني يمثل تكريسا للاقتراحات السابقة من الدولة بمبلغ 400 جنيه والذي رفضه اتحاد العمال من قبل واعترض عليه مرة اخري في الاجتماع الذي عقد يوم الخميس الماضي وقرر عقد اجتماع لاتحاد العمال يوم الاحد لبحث الامر . وكان عبد الرحمن خير ممثل العمال في المجلس قد عرض دراسة تقترح ثلاثة مستويات للحد الادني للعامل العادي 500 جنيه، والمتوسط 700 جنيه، والعامل الماهر 1000 جنيه ويصل الي 1200 جنيه ويجوز ان يكون بدون حد اقصي لكن هذه الدراسة لم تلق اذانا صاغية . وقد صرح خير في برنامج صباح الخير يا مصر يوم الخميس بان قرار محكمة القضاء الاداري والذي صدر بوضع حد ادني للاجور يطبق من الناحية القانونية علي جميع المصريين بينما تراه الحكومة مقصوراً علي العمال مع استبعاد موظفي الحكومة الذين يبلغ عددهم مايقرب من الستة ملايين موظف . واضاف ان عددا من رجال الاعمال وخاصة في صناعات النسيج اقتنعوا بان زيادة اجور العمال والعاملين سيرفع الانتاج في المصانع بشكل جدي حيث ان العمال في الدول المتقدمة يتم التعامل معهم مقابل العمل بالساعة وليس بالشهر ويتميزون بانتاجية عالية جدا . اثر ذلك ظهر الدكتور عثمان محمد عثمان وزير الدولة للتنمية الاقتصادية ورئيس المجلس القومي للاجور في برنامج 48 ساعة علي قناة المحور مع المذيع اللامع سيد علي مساء الجمعة ليدافع عن قرار المجلس ويشرح الامر مدعما بالبيانات المتوافرة لديه . لكنه كان يركز في حديثه علي ان الحد الادني الذي تم اقراره يتجاوز الحد الادني القومي للفقر والذي يبلغ 185 جنيها شهريا رغم انه من المفترض الا يعاني من يعمل من الفقر، اويكون بالكاد فوق حد الفقر ، كما يفترض ان يرتبط الاجر بالاسعار التي لا تكل الحكومة عن رفعها كل حين متعللة بارتفاع الاسعار العالمية رغم انها لا تصرف للموظفين في الدولة مرتبات عالمية . تجاهل الوزير العلاقة بين هذا الاجر والاسعار النار لكن مداخلة من عبد الرحمن خير ممثل العمال في المجلس القومي للاجور حذرته من رد فعل العمال ازاء سوء حال الاجور واحتمال عودتهم للاحتجاج، وهوتحذير رفضه الوزير علي اعتباره تهديدا رغم ان احتجاجات العمال وموظفين آخرين تكررت مرارا علي مدي السنوات الاخيرة بسبب ضعف الاجور . وكانت هناك مفاجأة أخري للوزير الذي اكد ان هذا الحد الادني يخص العامل غير المدرب الذي ليس لديه خبرة في بداية تعيينه، وانه ليس هناك في اجهزة الدولة من يحصل علي مرتب يقل عن هذا الحد الادني، حيث تلقي البرنامج اتصالات من عاملين معينين في اجهزة الدولة بينهم اطباء وصيادلة لا يصل اجمالي المرتب الذي يتقاضاه اي منهم الي الحد الادني الذي كان يتحدث عنه رغم ان بعضهم يعمل منذ 11 عاما في وظيفته، ولم يتم اي خصم من مرتباتهم بسبب توقيع عقوبة اواقساط تسدد كما تساءل الوزير . وفي الحقيقة فان مسألة الاجور اصبحت تمثل ملفا متفجرا لم يعد يحتمل التأجيل اوالانتظار . فنار الاسعار تكوي الجميع وقد ادت لانفجارات واحتجاجات من فئات اظن انه لم يدر بخلد الحكومة انها ستضطر لمواجهتها يوما ما واصبحت مطالبة بالتصالح معها . ومن المعروف أن عدم دفع اجر يفي باحتياجات المرء يجعله يسوغ لنفسه، في حالات كثيرة، الفساد والرشوة اونهب المال العام اذا تسني له ذلك، اوعلي احسن الاحوال يدفع هذا العامل لعدم القيام بالواجبات المنوطة به لانصراف ذهنه الي كيفية تدبير اموره، اولتوفير جهده للعمل الاضافي الذي يضطر للذهاب اليه بعد عمله الاساسي اوعلي حسابه في اغلب الحالات لتوفير متطلبات حياته . وليس هناك اي شك في ان محاولة تحقيق التوازن بين الاجور والاسعار وتقريب الفوارق بين الدخول ليست مهمة سهلة لكنها ايضا ليست مستحيلة . وسينعكس توفير المعيشة الكريمة للمواطنين بصورة ايجابية علي ارباب العمل ايا كانوا، وعلي الوطن الذي سيجنبه ذلك مزالق كثيرة يؤدي اليها الفقر والاحتياج .