وزير التعليم العالي يبحث مع مدير «التايمز» تعزيز تصنيف الجامعات المصرية    تراجع أسعار النفط وسط توقعات ببقاء أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول    غرفة المطاعم تعتمد الميزانية وأسماء الفائزين في الانتخابات بالتزكية    وزير الرى: 70 % من استهلاك المياه في الزراعة وإنتاج الغذاء    المستشار حنفي جبالي يلتقي رئيسة الاتحاد البرلماني الدولي    خارج معسكر المنتخب| فترة غياب مرموش بعد جراحة اليد    انطلاق الامتحانات التحريرية للدبلومات الفنية بعد غد    إقبال السياح على مكتبة مصر العامة بالأقصر (صور)    تضامن الفيوم تنظم قوافل طبية تستهدف الأسر الفقيرة بالقرى والنجوع    السكة الحديد: تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط بسبب ارتفاع الحرارة    وزير الصحة يفتتح الجلسة الأولى من تدريب "الكبسولات الإدارية في الإدارة المعاصرة"    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    مجلس الوزراء يبدأ اجتماعه الأسبوعي بالعاصمة الإدارية لبحث ملفات مهمة    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بورسعيد    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    أحمد أيوب ل"هذا الصباح": ثبات موقف مصر تجاه فلسطين أقوى رد على أكاذيب إسرائيل    مصدر رفيع المستوى: ممارسة مصر للوساطة جاء بعد إلحاح متواصل للقيام بهذا الدور    هاني شكري: الكاف المسؤول عن تنظيم نهائي الكونفدرالية ونتمنى فوز الأهلي بدوري الأبطال    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    العمل: تسليم شهادات إتمام التدريب المهني لخريجي 6 برامج تدريبية مجانية بأسوان    كيفية الحفاظ على كفاءة التكييف في فصل الصيف    مصرع سيدة دهسا أسفل عجلات سيارة بمصر الجديدة    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل ابن زوجته بالقليوبية    ترقب المصريين لموعد إجازة عيد الأضحى 2024: أهمية العيد في الحياة الثقافية والاجتماعية    انتقاما من والده.. حبس المتهمين بإجبار شاب على توقيع إيصالات أمانة بالمقطم    تطورات الحالة الصحية للفنان عباس أبو الحسن.. عملية جراحية في القدم قريبا    الخارجية الفرنسية: الاعتراف بدولة فلسطينية ليس أمرا محظورا بالنسبة لفرنسا    وزير العمل: مصر تمتلك عمالة ماهرة مؤهلة للتصدير إلى السوق العربي والدولي    هلا السعيد تتعرض للتحرش من سائق أوبر: "فك حزام البنطلون"    أبرزهم بسنت شوقي ومحمد فراج.. قصة حب في زمن الخمسينيات (صور)    فرقة طهطا تقدم "دراما الشحاذين" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    "لحصد المزيد من البطولات".. ليفاندوفسكي يعلن البقاء في برشلونة الموسم القادم    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    جوارديولا: أود مشاركة جائزة أفضل مدرب بالدوري الإنجليزي مع أرتيتا وكلوب    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    بإشارته إلى "الرايخ الموحد".. بايدن يتهم ترامب باستخدام لغة هتلر    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    ميناء دمياط يستقبل 10 سفن خلال 24 ساعة وحركة الواردات من القمح تصل ل 12 ألف طن    بروتوكول تعاون بين نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب و"الغردقة لسينما الشباب"    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    سفير الاتحاد الِأوروبى بالأردن: "حل الدولتين" السبيل الوحيد لحل القضية الفلسطينية    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    الرئيس الصيني: السياحة جسر مهم بين الشعبين الصيني والأمريكي للتواصل والتفاهم    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    5 نصائح غذائية للطلاب خلال فترة الامتحانات من استشارية التغذية    51 مباراة دون هزيمة.. ليفركوزن يسعى لمواصلة كتابة التاريخ في موسم استثنائي    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    طريقة صنع السينابون بالقرفة.. نكهة المحلَّات ولذَّة الطعم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    اجتماع الخطيب مع جمال علام من أجل الاتفاق على تنظيم الأهلي لنهائي إفريقيا    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قيود قانونية تمنع تولي المرأة الوظائف العامة
نشر في نهضة مصر يوم 08 - 03 - 2010

خلال الأيام القليلة الماضية، قامت قيامة الدنيا ولم تقعد، وذلك بسبب قرار رفض أو إرجاء أو تأجيل الجمعية العمومية لمجلس الدولة وكذلك المجلس الخاص به، تعيين النساء كقاضيات في المجلس، وقد ترافق مع ذلك وتزامن معه، القيام بحملة إعلامية واسعة مُتعددة الجبهات والنوايا، استهدفت بكل أسف التعريض والتجريح والتحريض بل والسخرية أيضاً من القرار المُتخذ، وذلك تحت دعاوي واتهام السادة الأفاضل أعضاء الجمعية العمومية، بالرجعية والتخلف والتطرف وتقديس الثقافة الذكورية ومعاداة المرأة ومخالفة الدستور وصحيح القانون، ولم يقتصر الأمر علي الإعلام فقط، بل تخطاه إلي جهات ومراكز صنع قرار أخري ركبت نفس الموجة، وراحت تلمح وتُسفه بالقرار، وتدعو من طرف خفي لرفضه ومناقضته، في ظل سيادة لغة للخطاب تعاملت مع القرار وأعضاء المجلس الموقر، وكأنهم أناس فاقدو الأهلية والإدراك والفعل والفهم الصحيح. الأمر الذي أعتقد أنه قد سبب للكثيرين منا شعوراً هائلاً بالإحباط والحزن علي ما آلت إليه أحوالنا ولغة خطابنا وقناعاتنا وفهمنا المبتسر للتعامل المفروض مع هذا الحدث ودوافعه ومبررات أصحابه والمنطق الخاص الذي يحكم آراءهم ومواقفهم.
إن قناعاتنا الشخصية بخصوص كل الذي جري، تدفعنا في الحقيقة بداية إلي وجوب التأكيد أولاً علي تكرار احترام وتبجيل المنظومة القضائية المصرية بهيئاتها الثلاث، القضاء العادي وعلي رأسه محكمة النقض، والقضاء الدستوري بمحكمته الواحدة، والقضاء الإداري ويمثله مجلس الدولة، والذي يعتبر في الواقع هو حصن الحقوق والحريات في البلاد، حيث يعهد إليه كبح جماح الجهات الإدارية إذا حادت عن جادة الصواب وصحيح حُكم القانون، كما أننا لا نزال نعتقد بأن مجلس الدولة عندما بادر باتخاذ القرار المُشار إليه، فإنه لم يتجاوز أو يتجن أو يفتئت علي الدستور والقانون، وبأن من أولويات حقوقه وحقوق أعضائه اتخاذ ما يرونه لصالح المؤسسة العريقة التي يتشرفون جميعاً بنسب الانتماء إليها.
(2)
لكل ذلك، كانت رغبتنا في محاولة مناقشة واستعراض بعض أصول المسألة برمتها، حتي نكف عن الجدل العقيم والصخب المُثير الذي غلف تلك القضية خلال الأيام الماضية، وفي هذا السياق فإن حديثنا سوف يتطرق إلي زاويتين هامتين وهما أولاً: إعادة قراءة المبادئ التي أقرتها الأمم المتحدة بشأن استقلال القضاء للامتثال لها والتمسك بها، وثانياً: محاولة الاجتهاد في رصد المبررات الموضوعية والمبادئ القانونية والعملية المُسوغة لقرار مجلس الدولة حسب فهمنا المتواضع بهذا الشأن.
مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن
استقلال السلطات القضائية
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29/ نوفمبر 1985 القرار رقم 40/32، كما أقرت بتاريخ 13 ديسمبر 1985 القرار رقم 40/146، وهما القراران المحددان لعلاقة ونظرة الهيئة الدولية لقضية استقلال السلطات القضائية في دول العالم المختلفة، وبعد ذكر العديد من الحيثيات الخاصة بخلفيات هذين القرارين، والتي منها مثلاً وجود فجوة بين الرؤية التي تقوم عليها مبادئ تطبيق القوانين والحالة الفعلية لها أحياناً،وكذلك ضرورة أن يسير القضاء وإدارة شئون القضاة في كل بلد علي هدي تلك المبادئ وضرورة تحويلها إلي واقع ملموس، وفي ظل ادراك كامل لموقف القضاة باعتبارهم أصحاب القرار الأخير بشأن حياة المواطنين وحرياتهم وحقوقهم وواجباتهم وممتلكاتهم، فإن الهيئة الدولية وهي تؤكد علي إيلاء الاعتبار أولاً لدور القضاة بالنسبة إلي نظام القضاء ولأهمية إختيارهم وتدريبهم وسلوكهم، فإنها تري وجوب مراعاة الحكومات وإحترامها (في إطار تشريعاتها وممارساتها الوطنية) للمبادئ الأساسية التي وُضعت لمساعدة الدول الأعضاء في مٌُهمتها المتعلقة بضمان استقلال السلطة القضائية وتعزيزها، وأن تٌُعرض هذه المبادئ علي القضاة والمحامين وأعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية والجمهور بوجه عام، وفي هذا الاطار فقد أخذت الأمم المتحدة _ من خلال الجمعية العامة لها _ بالعديد من المبادئ الخاصة بتلك المسألة، والتي من أهمها ما يلي:
- أن تكفل الحكومات استقلال السلطة القضائية، وأن ينص علي ذلك في الدستور وقوانين الدول، وعلي أن من واجب كافة المؤسسات الحكومية الأخري وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية .
2- تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز وعلي أساس الوقائع ووفقاً للقانون، ودون أية تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات مباشرة أو غير مباشرة من آية جهة أو لأي سبب.
3- تكون للسلطة القضائية الولاية علي جميع المسائل ذات الطابع القضائي، كما أنها تنفرد بسلطة البت في المسائل المعروضة عليها للفصل فيها وفي نطاق اختصاصها.
(3)
4- إنه لا يجوز أن تحدث تدخلات غير لائقة أو لا مُبرر لها في الإجراءات القضائية، ولا تخضع الأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم لإعادة النظر.
5- لكل فرد الحق في أن يحاكم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تُطبق الاجراءات القانونية المُقررة.
6- أنه يحق _ وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان
_ لاعضاء السُلطة القضائية كغيرهم من المواطنين،
التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع، ومع ذلك يشترط أن يسلك القضاة دائماً لدي مُمارسة حقوقهم، مسلكاً يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واستقلال القضاء.
7- تكون للقضاة الحرية في تكوين جمعيات للقضاة أو غيرها من المُنظمات لتمثيل مصالحهم والنهوض بتدريبهم المهني وحماية استقلالهم القضائي.
8- إنه يتعين علي من يقع عليهم الاختيار لشغل الوظائف القضائية أن يكونوا من ذوي النزاهة والكفاءة، وأن تشتمل إجراءات تعيينهم علي طريقة تكفل إختيارهم بدوافع سليمة، كما أنه لا يجوز عند اختيارهم أن يتعرض أي شخص للتمييز علي أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الآراء السياسية أو المنشأ القومي أو الاجتماعي.
9- يلتزم القضاة بالمحافظة علي أسرار المهنة فيما يتعلق بمداولاتهم وبالمعلومات السرية التي يحصلون عليها أثناء أداء واجباتهم الأخري خلاف الاجراءات العامة الأخري.
القيود القانونية الواردة علي حق المرأة
في تولي الوظائف العامة
عالجت دراسة هامة (وإن كانت موجزة) منشورة علي الموقع الخاص بكلية الحقوق _ جامعة المنصورة تلك القضية في دراسة مقارنة للقانونين المصري والفرنسي،حيث جاء في مُستهل الدراسة أنها تعرضت لتلك الاشكالية بعد تطورات قضية تعيين المرأة بالوظائف الفنية بمجلس الدولة (وظائف القضاة) ولغرض الايجاز فسوف نعرض هنا لأهم ما جاء بها، وإن كان ذلك لا يمنعنا من التوصية بقراءتها كاملة، نظراً لارتباطها الوثيق بما نتحدث عنه، وقد استعرضت الدراسة في مقدمتها بعض الركائز القانونية الأساسية التي يجب وضعها أمام الرأي العام، منعاً وتحجيماً للبلبلة القائمة علي غير أساس في الهجوم المثير للاندهاش الذي صاحب تلك القضية منذ بداياتها الأولي، وذلك علي النحو التالي:
(4)
أولاً: إن مجلس الدولة المصري هو حصن الحقوق والحريات العامة لكافة المواطنين، ولا يجب مطلقاً التشكيك في حرية قضائه وقضاته، ولهذا فإنه من غير المُتصور أن يتخذ المجلس موقفاً مُصادماً للدستور أو منافياً للشرعية الذي هو أحرص الجهات علي كفالتها وحسن تطبيقها طبقاً لولايته الدستورية.
ثانياً: إن نطاق القضية المعروضة لا يدور حول منح المرأة لحقوقها الدستورية أو منعها، لأن الحقوق الدستورية لا تخضع للاستفتاء، وعليه فإن النقاش الواجب ينبغي أن يمتد حول مدي جواز وضع أية قيود قانونية علي حق المرأة في تولي الوظائف العامة، وإذا وُجدت بعض الاستثناءات في ذلك فما هو نطاقها وحدود مشروعيتها؟؟
وقد أشارت نتائج الدراسة في هذه الجزئية، إلي أن التعيين في الوظائف العامة يخضع في الأساس لمبدأ مساواة المواطنين والتعيين طبقاً للكفاءة والجدارة . إلا أن السؤال الذي تجب الإجابة عليه هنا يدور حول مدي اعتبار مبدأ المساواة من المبادئ المُطلقة التي لا يرد عليها أية استثناءات؟ وأيضاً مدي مشروعية بعض القيود الواردة علي مبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة؟.... وقد أجابت المحكمة الدستورية العليا علي التساؤل السابق حين قضت بأن ((مبدأ المساواة أمام القانون ليس مبدأً تلقينياً جامداً منافياً للضرورات العامة، ولاهو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المُطلق بين الأشياء، وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير لتنظيم موضوع محدد أو توقياً لشر تقرر ضرورة رده، إلا أن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفاً عن نزواتها ولا مُنبتاً عن اعتناقها لأوضاع جائرة تٌُثير ضغائن وأحقاداً تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولا عدوانها مُعبراً عن بأس سُلطانها، بل يتعين أن يكون موقفها إعتدالاً في مجال تعاملها مع المواطنين، ومن الجائز بالتالي أن تُغاير السلطة التشريعية ووفقاً لمقاييس منطقية بين مراكز لا تتحد مُعطياتها أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، علي أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها...... وإذا كان الأصل المٌُقرر دُستورياً هو مبدأ المساواة أمام الوظيفة العامة، فإن ذلك لا يمنع المُشرع من اجراء بعض الاستثناءات لضرورة تقتضيها طبيعة بعض الوظائف)) حيث أقر مجلس الدولة الفرنسي مثلاً بوضع بعض القيود علي تعيين وترقية المرأة،إذا كانت مُقتضيات طبيعة الوظيفة تتطلب ذلك، مثلما أقر مجلس الدولة هناك صراحة علي إيراد ذلك الاستثناء للمرأة في بعض الوظائف الخاصة بإلادارة العامة في المُستعمرات الفرنسية، وأيضاً بالنسبة للوظائف في مجال الخدمة العاملة للشرطة الوطنية، حيث اعتبر أن ظروف العمل بها، تبرر الاستبعاد الكامل للمُرشحات من النساء للالتحاق بتلك الوظائف . وهكذا يتضح أن مبدأ المساواة في القانون الفرنسي (والذي نعتبره الأب الشرعي للقانون المصري) لا يمنع أن تعامل الادارة المراكز المختلفة بطريقة مختلفة، أو أن تخرج عن المساواة لأسباب تتعلق بالصالح العام،
(5)
ولا تختلف قواعد القانون الأوربي عما سبق ذكره، وخلاصة الأمر إذن أن الأصل العام هو عدم جواز التفرقة بين الجنسين في تولي الوظائف العامة إلا إذا إقتضت طبيعة الوظيفة أو شروط ممارستها ذلك . أما وأن مجلس الدولة (جمعيته العمومية ومجلسه الخاص) قد تحفظ أو حتي رفض مبدأ تعيين المرأة بوظائف القضاة به في الوقت الراهن علي الأقل، فلعله يكون مٌُفيداً أن نُلقي الضوء علي بعض الاعتراضات التي أوردتها الدراسة التي نوهنا عنها في مجال التساؤل حول ملاءمة المرأة وطبيعتها لمتطلبات شغل الوظيفة القضائية بشكل عام، وفي مجلس الدولة بشكل خاص. وهنا ينبغي ألا تغيب عنا الاعتبارات والتحفظات التالية كما وردت في الدراسة المُشار إليها:
أولاً: أنه إذا كان البعض يري أن المرأة قد حققت نجاحاً عند تعيينها في المحكمة الدستورية العليا والقضاء العادي، فإنه يمكن رد ذلك القول، عند ملاحظة أن السيدة القاضية الوحيدة بتلك المحكمة المُشار اليها (من بين 17 قاضياً بها) منذ تعيينها من حوالي سبع سنوات، لم تكتب ربما حتي الآن حكماً واحداً "مع احترامنا الكامل لشخصها "، وذلك بسبب قلة عدد الدعاوي التي نظرتها المحكمة والتي بلغت في عام 2009 نحو 186 دعوي فقط تقريباً، الأمر الذي جعل نصاب أي قاض بها ومعدل إنجازه لا يزيد عن عشر دعاوي في السنة بمعدل دعوي واحدة في كل شهر، فضلاً عن أن مقر تلك المحكمة يقع في العاصمة دون سواها، ومن ثم فإنه لا يسري عليها قواعد النقل وعدم التوطن.
ثانيا: إن الحديث عن نجاح تجربة التحاق المرأة بالقضاء العادي، فهو يحتاج أيضاً لمناقشة هادئة، فقد أُقحمت تلك التجربة لتحمل في طياتها تمييزاً غريباً لصالح المرأة، إذ أن السيدات المُعينات بالقضاء العادي، تم تعيينهن في محافظتي القاهرة والاسكندرية فقط، وهو ما يعني عدم مُساواتهن بالرجال الذين يخضعون لشروط وظروف عمل مختلفة عند نقلهم لباقي محافظات ومدن الجمهورية الأخري، مما يلقي بظلال كثيفة من الشك حول مصداقية نجاح تلك التجربة، فالحق لا يمكن أن يقابله إلا واجب، فإذا كان من حقهن التعيين، وجب مُساواتهن بنظرائهن في كافة الظروف، كما أنه لم يقل لنا أحد حتي الآن ما هو الإنجاز الذي أنجزته السيدات القاضيات، والذي كان الرجال قد عجزوا عن تحقيقه قبل تعيينهن في سلك القضاء؟؟
ثالثاً: إن إعتراض الجمعية العمومية لمجلس الدولة والمجلس الخاص به علي ركوب موجة ومظاهرة تعيين النساء كقاضيات بالمجلس الموقر، له ربما - حسب اجتهادنا المتواضع - مبرراته وأسبابه القانونية
وفي المُجمل، وإذا جاز لنا أن نُبدي رأياً شخصياً بهذا الخصوص، فإن أول ما يتبادر إلي الذهن هنا، هو تأكيد احترامنا وكامل تقديرنا لكافة أجنحة السلطة القضائية في مصر، في نفس الوقت الذي ندعوا الجميع فيه للكف عن التدخل "الغوغائي غير الموضوعي" في صميم أعمال تلك السلطة، مثلما حدث في ذلك الصخب السخيف الذي طغي ولكل من هب ودب تعليقاً علي القرار المحترم للجمعية العمومية لمجلس الدولة ومجلسه الخاص، بتأجيل أو حتي برفض تعيين النساء في مجلس الدولة، وليسمح لنا هؤلاء الذين رفعوا راية الرفض والتشهير بقرار المجلس، أن نسألهم بهدوء عن الذي يمكن أنه تحققه النساء،والذي عجز الرجال عن تحقيقه طوال السنوات التي مضت منذ إنشاء مجلس الدولة وحتي الآن؟؟!!.... لقد تضمن البيان الصادر عن الجمعية العمومية الأخيرة للمجلس، والذي أصدره نادي قضاة مجلس الدولة، ما يفيد بأن عدد السادة القضاة الذين أيدوا قرار الجمعية العمومية بلغ 318 قاضياً من 319 هم حضور الجمعية بالكامل الذين حضروا الاجتماع، مما يؤكد علي تمسك وإصرار الجمعية العمومية علي موقفها وقرارها بإرجاء النظر في أمر تعيين النساء بالمجلس للمزيد من البحث والدراسة، كما أضاف البيان - وبأدب جم - دعوته لكافة الأطراف بالامتناع عن ممارسة الضغوط والانتقادات والتطاول في شأن داخلي خاص بصميم أعمال وإختصاصات المجلس، وهو ما يتسق تماماً مع المبادئ الأساسية لإستقلال القضاء كما قررته وسطرته الجمعية العامة للأمم المُتحدة مثلما اتضح من قبل!!
أيها السيدات والسادة.... ارفعوا أيديكم وكفوا ألسنتكم عن أعمال مجلس الدولة، فأصحابه هم أدري بشئون مجلسهم ودنياهم.
مع خالص تقديري وتحياتي،،،،،،،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.