ما حدث فى مجلس الدولة واعتراض قضاة أجلاء على قرار رئيس المجلس المستشار محمد الحسينى بالاستمرار فى تعيين القاضيات لا يمكن اعتباره من الشئون الداخلية للمجلس، كما لا يمكن الركون إلى التاريخ الطويل المشرف لمجلس الدولة فى الانتصار لقيم المساواة والتنوير وعصرية الدولة مبررا لهذا الموقف من قضاة أجلاء يرفضون تعيين المرأة كقاضية فى مجلس الدولة بغض النظر عن توصيفهم للقرار على أنه تأجيل للتعيين وليس رفضا. فواقع الأمر وشواهده وكل المناقشات الدائرة الآن بين القضاة الأجلاء فى الجمعية العمومية لمجلس الدولة لا تشير بأى حال من الأحوال إلى أن النية ليست فى التأجيل وإنما قرار واضح بالرفض.. إذا ما اعتبرنا أن مناقشة التوقيتات المناسبة لتعيين المرأة كقاضية تدخل فى إطار تبادل وجهات النظر التى قد ترى أن الوقت مناسب أو لا ترى، على النقيض تماما من الإقرار تصويتيا، والذى يعنى صراحة حرمانا من حق دستورى. وفى هذا السياق تم استقبال الجدل الدائر الآن فى مجلس الدولة والمحاولات المتعددة لإخراج قرار رئيس مجلس الدولة المستشار محمد الحسينى من موضعه الحقيقى إلى سياقات مختلفة.. بالمزيد من علامات الدهشة استدعت هذه الحالة من الصخب والغضب بين النخبة ورموز العمل النسائى والبرلمانيات فى مجلسى الشعب والشورى.. خاصة أن قرار المجلس الأعلى للهيئات القضائية والصادر منذ سنوات يقضى بتعيين المرأة فى القضاء وفى جميع الهيئات القضائية. إذن نحن أمام اتجاه يرفض عمل المرأة من الأساس ولا يرى صلاحيتها لتولى وظيفة أو موقع فى مساواة مع الرجل بغض النظر عن الوظيفة أو الموقع وبغض النظر أيضا عن كل ما قدمته المرأة ونجحت فيه وأثبتت جدارتها فى تولى هذه المسئولية أو هذه الوظيفة فى السنوات الطويلة الماضية.. وهو اتجاه لا ينتصر أبدا لعناصر المساواة والتنوير والمطالبات بعصرية الدولة.. والاعتراف بدور المرأة الأساسى كركيزة من ركائز تقدم هذا المجتمع. حسنا.. ليس شأنا داخليا يخص قضاة مجلس الدولة الأجلاء لا يخرج من قاعاتهم ولا يجب أن يتعرض للمناقشة والتفنيد والرفض وإنما قضية عامة.. مواجهة عامة مع أفكار واتجاهات لا تعترف بكل هذا التحديث والحراك فى مفاهيم المجتمع تطورا إلى الأمام بما يتناسق مع قيم التنوير والمساواة على مدى السنوات الطويلة الماضية ومن ثم تحاول أن تعيد التحرك إلى المربع الأول.. واستهلاك الطاقة والوقت فى أمور تم حسمها جدلا ورؤية وقانونا وتجربة.. كطرح مسألة لياقة المرأة الجسدية وقدرتها على تحمل مشاق العمل، وهو طرح للأسف جاء فى حيثيات المطالبة بتأجيل تعيين المرأة كقاضية فى مجلس الدولة. لا يجب أن تتوقف مواجهة هذا الاتجاه على عبارات شكر توجه إلى المستشار محمد الحسينى رئيس مجلس الدولة سواء من المجلس القومى للمرأة أو من المؤسسات الأخرى على قراره باستكمال السير فى إجراءات تعيين من تقررت صلاحيتهن للتعيين قاضيات فى مجلس الدولة.. فالمستشار الجليل محمد الحسينى لا ينتظر عبارات الشكر ولا يبحث عنها وقد اتخذ قراره منتصرا لنص وروح الدستور.. مصرا على إعلاء قيم التنوير والمساواة التى تستند إليها قواعد الدولة العصرية المدنية. وإنما يجب أن تمتد المواجهة بتقديم كل أنواع الدعم المعنوى والإعلامى والفكرى لقرار المستشار الجليل من جميع الهيئات القضائية الأخرى والمثقفين والإعلاميين والحقوقيين، بل من كل دعاة الحرية والتنوير فى مصر.. كل بطريقته وأسلوبه وفى الأشكال المختلفة.. بما يمثل ضغطا فكريا وإعلاميا من كل مناصرى التنوير والمساواة يمكن أن يقنع البعض من المستشارين الأجلاء فى مجلس الدولة بتغيير موقفهم الفكرى والإنسانى من المرأة. لقد قطعنا أشواطا فى طريق التحديث والعصرية.. ولا تستطيع ضمائرنا أن تقبل عودة للخلف حتى ولو لخطوة واحدة.. ومن ثم فإن ما يحدث فى مجلس الدولة ليس شأنا داخليا.