قبل ان تمضي انفلونزا الطيور التي قلصت اقتصادنا القومي الداجن اجتاح عالمنا نوعا جديدا ينتقل للانسان عن طريق الخنزير.. ولم تحقق مصر جدارة تحسب لها في مكافحة انفلونزا الطيور فكان ترتيبنا في الاصابة متقدما ولايزال صراعنا مع انفلونزا الطيور يهدد سلامتنا. علي امل ان يستفيد المسئولون من التجارب فايقاظ الوعي وعوامل الوقاية هما من أهم أسباب مقاومة المرض. وقديما قالوا "درهم وقاية خير من قنطار علاج" وعن سلامة التوجيه قيل ايضا العقل السلميم في الجسم السليم فلابد ان نحرص علي اقتناء اجسادنا سليمة الصحة والنقاء حتي نتصرف بعقل سليم وعندما بدأ الوباء الجديد انتشاره في بعض بلاد العالم اصابنا شيء من القلق والذعر والقلق الامر الذي عجل باتخاذ قرار ذبح الخنازير وحينما يفتدي الانسان بخنزير لاجل سلامة صحته فهذا أمر مقبول وليس معقولا العكس لأن الإنسان ذلك المخلوق العاقل فضله الله علي كل الكون بمخلوقاته وجماده. ولكن هذا الانسان العاقل في عديد من الاحيان لا يستنفد حقه الممكن بما حباه الله من امكانيات العقل. فمنذ سنوات صدرت أوامر وتوجيهات عديدة صارمة احيانا متفاوتة التوقيتات بشأن اقامة حظائر للخنازير بعيدا عن المناطق الآهلة بالسكان. وقد قرأنا كثيرا عن المساحات المخصصة لهذه الحظائر ومواقعها.. لنجد انفسنا بعد فوات الأوان امام مشكلة قصرت فيها حلول كل الاجهزة والادارات المحلية ولم يتحرك احدا لتنفيذ خطة النقل لهذا الحيوان خارج المدينة. حيث يتم توفير مراع جيدة بعيدا عن النفايات أو الفضلات أو القمامة. بل من خلال مراع حديثة كما هو سائد في بلدان أوروبا. وكان من الممكن للمؤسسات المسئولة التي استطاعت تحرير منطقة روض الفرج من سوق الخضروات العريق ان تحرر أيضا مدننا من حظائر الخنازير. لكنها قضية التلكؤ والاهمال. فنحن دوما لا نصحو الا علي صوت كارثة ولا تهزنا إلا اللحظات الاخيرة لأمر يقلق مضاجعنا. وليس أدل علي مثل هو ما حدث في مكافحة الطيور والتي كان لمحاولة الغناء الهزلية محاولة فيها. وكثيرا ما تدهشنا تصريحات بعض المسئولين حيال هذه القضية في دفاعهم غير المقنع فيها. ونعود لفيروس الخنازير والذي نحمد الله في شأن غيابه عنا وقانا الله شره. فلوكنا قد سارعنا في انشاء الحظائر التي نبه الخبراء بأهميتها لكان الموضوع أيسر من تلك الهرولة التي سيطرت علي القلوب والعقول ونحن نعاني الآن من ضجة ومتاعب اجتماعية ونفسية وبالطبع ستكون هناك خسائر مادية تخص السياحة لنوع من اللحوم يفضله الاجانب بالفنادق والمطاعم المصرية. والذي سوف تضطر هذه الجهات لاستيراده فيما بعد من الخارج. اما عن اقباط مصر فقد اعلن قداسة البابا شنودة في تصريحات للاهرام انه لم يتناول لحم الخنزير طوال حياته ولا يتناولها معظم المسيحيين كما قال قداسته ان مشكلة انفلونزا الخنازير ليست بهذه الخطورة في مصر. والخطورة لاتأتي من الخنازير انها من الأشخاص الذين يأتون من الخارج وهم مصابون بهذا المرض.. واضاف إنه يؤيد ذبحها بالتدريج وتعويض اصحابها وحفظها في الثلاجات علي ان الخنازير الجديدة تقام لها حظائر علي مستوي نظافة أكثر من الحالية.. ولنا ملاحظات علي ما نشرته بعض صحفنا، ففي الاهرام كتب صلاح منتصر "ان الاخوة الاقباط والاجانب سيتوجهون لشراء لحوم الماشية" وعتابي علي منتصر رغم اتساع مداركه أنه لا يعرف ماذا يأكل اقباط مصر من لحوم؟ وفي اسلوب يدعو للدهشة كتب عبداللطيف فايد محرر الصفحة الدينية بجريدة الجمهورية مطالبا بمنع تربية الخنازير نهائيا لان الخنزير حيوان خسيس. وكذلك بعدم تعويض أصحاب الخنازير نهائيا عند أبادتها.. وقيام الدولة باعدامها لا يوجب عليها تعويض اصحابها الي آخر ما جاء بكلمته من افتقاد للمنطق والحق والعدل.. لكني سأكتفي بتوجيه سؤال واحد للسيد عبداللطيف وهو لماذا يستعمل كل الناس رغم اختلاف عقائدهم علاج الانسولين المستخلص من الخنزير ذلك الخسيس؟! هل تنكر موافقتك لهذا العلاج؟ ويجب ان نتحلي بالشجاعة حينما نعترف بما صدرمن تقارير عالمية استنكرت جميعها عملية الذبح التي سارعت الادارة المصرية بالاقدام عليها. ولنا علي ذلك تعليق يحدوه المنطق وهو اذا كانت الفترة التي اعلنتها الجهات المسئولة لاتمام الذبح هي ثلاثة شهور ونصف الشهر.. اتساءل الم تكن هذه الفترة كافية لاعداد حظائر جديدة مصممة باسلوب علمي تتبناه عدة شركات مقاولات تنقل اليها كل الخنازير وساعتها نريح ونستريح ثم نتفرغ لمشكلة اكثر خطورة وهي البحث عن خطة سريعة لمسألة تلك المساحات المغمورة بالقمامة حولنا في القاهرة! وفي ملاحظة اخري نشرتها المصري اليوم في 30 ابريل "لقد تم خلال اجتماع الرئيس مبارك مع اللجنة الوزارية اليوم عرض الموقف الوبائي للمرض المسمي خطأ "انفلونزا الخنازير" مشيرا الي أن المرض الحالي هو مرض جديد تماما مركب من فيروسات مختلطة من الانفلونزا التي تصيب البشر وتلك التي تصيب الطيور والخنازير. أي ان المرض الحالي ليست له علاقة بمرض انفلونزا المعروف بيطريا كما اكد وزير الصحة للجريدة بأنه لا توجد دولة في العالم اقدمت علي اعدام الخنازير كوسيلة احترازية ويعني ذلك بوضوح ان المرض انتقاله يكون من خلال البشر وليس من خلال الخنازير. ومن خلال جميع هذه الامور والتصريحات التي تتباين احيانا تخرج علينا صحيفة اسبوعية بمانشيت عريض "انفلونزا الفتنة الطائفية" ولعل ذلك مبرره ما قالته وصرحت به السيدة امينة أباظة سفيرة الجمعية الدولية لحقوق الحيوان في مصر بقولها لوكالة الانباء الفرنسية يبدو أن القرار وكأنه يستهدف الاقباط يجب ان نعترف ان حياتنا فوق كل اعتبار واغلي من كل شيء ولكن لم تكن تصرفاتنا علي المستوي المنظم والدقيق. ثم نأتي الي التوابع التي يجب ان يسارع المسئولون في وضعها مع أولوية الخطط الحالية فمسألة القمامة هي قضية قديمة فشلت الحكومة في ايجاد حلول.. وقد كتب عشرات وربما مئات الخبراء عن كيفية حل المشكلة والاستغلال الجيد من خلال تصنيفها وتطويرها وتحويلها الي مواد جديدة تحل العديد من مشكلات السوق. ولماذا لا نحتذي بما حدث في بريطانيا التي تعتبر في اسلوب نقدره أنها "زبال أوروبا". ان ما فعله الانجليز هو اعادة تدوير هذه القمامة بعد تصنيفها.. واستغلالها في بعض الصناعات، وهناك سؤال هل الخنازير هي السبب في ايجاد هذه القمامة حولنا؟ اقول ولا حتي باقي الحيوانات هي السبب ايضا.. انما السبب الحقيقي هو عجزنا.. عجزنا فقط! فما هو مصير هذه الكميات الكبيرة من القمامة المتكدسة حول القاهرة وداخلها.. ان تقدم الشعوب يقاس بما تحققه وتعيشه من اساليب النظافة. نعود مرة اخري للمطالبة بالسرعة عوضا عن البطء الذي اصاب حياتنا بالهرولة والتوتر والقلق وسوء اتخاذ القرار. علنا نتعلم من تلك التجربة ونسرع في انشاء حظائر كالتي في الخارج لتربية الخنازير. ونوجد باخلاص حلا سريعا لمشكلة القمامة. ومرة اخري نضرب مثلا ببريطانيا التي اسست لجنة اسمها "الكوبرا" وهي لجنة طواريء قومية تضم معظم الوزارات المسئولة من الدفاع الي الصحة لمواجهة مثل هذه المفاجآت. والتساؤل الاخير: هل كان التسرع بذبح الخنازير هو الحل الناجح. ام ان التريث والحكمة والهدوء كانت من المعاني المفقودة في تلك الأزمة؟ آخر العمود.. "ماذا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها" اسماء بنت ابي بكر.