المفاوضات المباشرة قد تكون هي الوسيلة الوحيدة- غير الحرب بالطبع- لإقناع إيران بالتخلي عن قدراتها النووية. فإذا ما وضعنا في اعتبارنا أن إيران النووية ستشكل تهديداً لإسرائيل، وستكون سبباً في ارتفاع أسعار النفط. أثناء احتفال الرئيس بوش بالذكري الستين لقيام دولة إسرائيل وجه هجوماً علي "باراك أوباما" من وراء البحار، وفي غضون ذلك كان هناك في داخل الولاياتالمتحدة حليف شبه دائم للرئيس، يردد ما يقوله تقريباً هو "جون ماكين". فعندما اتهم بوش "البعض" -ومنهم أوباما- بأنهم يسعون إلي "الشعور الزائف بالراحة من خلال استرضاء الآخرين"، كرر "ماكين" هذا القدح المعيب عندما تساءل مستنكراً: "ما الذي يريد أوباما أن يتحدث بشأنه مع أحمدي نجاد"؟ لم يكن هذا هو السؤال الذي يجب أن يسأله "ماكين"... فالسؤال الضائع وسط هذا الكم من التصريحات والأقوال يفترض أن يكون كالتالي: "لماذا يجب علينا مشاغلة إيران؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نقر بداية بأن سياسة عدم مشاغلة إيران قد فشلت فشلاً ذريعاً في الحقيقة. فبوش ينشغل بخداع نفسه من خلال القول إن سياسة عدم مشاغلة إيران قد نجحت، في حين أن ما حدث في الواقع يتنافي مع ذلك، إذ ازدادت إيران قوة، كما أنها لا تزال تواصل سعيها لإتقان دورة الوقود النووي، وتواصل سياسة تسليح الميليشيات في العراق ولبنان، وتدعم وكلاءها من المنظمات الإرهابية المعادية لإسرائيل، وتحتضن رئيس الوزراء العراقي "نوري المالكي"، وتنفق بسخاء علي إعادة بناء أفغانستان، وترسيخ نفوذها عبر أرجاء المنطقة. بدلاً من تأييد خطاب بوش المسموم، كان علي "ماكين" أن يستدعي تجربة "جيمس بيكر" وزير خارجية جورج بوش الأب. فبعد سنوات من التهرّب والتمنع، اختبرت إدارة الرئيس الأمريكي علي مضض التوصيات، التي وردت في تقرير "بيكر- هامليتون" وشرعت في إجراء محادثات مع إيران، وإن اتخذ ذلك صورة حوار منخفض المستوي، يقتصر فقط علي موضوع العراق. فهل كان جيمس بيكر عندما قدم تلك التوصيات ساعياً إلي استرضاء الآخرين؟ وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس يهاجم خصومه السياسيين من منصة الكنيست، كان هناك مسئولون من إدارته يلتقون وجهاً لوجه مع الإيرانيين. لا خلاف علي أن كلمات أحمدي نجاد غالباً ما تكون منفرة، ولا خلاف أيضاً علي أن إيران قد لعبت دوراً ضاراً في سياسات الشرق الأقصي، ولكن عندما يلتقي سفيرنا في العراق بنظرائه الإيرانيين، فإنه لا يكون في تلك الحالة ساعياً إلي الإحساس بذلك "الشعور الزائف بالراحة من خلال استرضاء الأعداء"، وإنما يكون ساعياً إلي مواجهة حقيقة واضحة، وهي أن إيران تمارس نفوذاً في العراق. ولا ننسي أيضاً أن وزير الدفاع "بوب جيتس" والأدميرال "مايك مالين" رئيس هيئة الأركان المشتركة قد دعيا إلي مشاغلة إيران... فهل هما أيضاً من الساعين إلي استرضاء الأعداء؟ سخف وأي سخف. المفاوضات المباشرة قد تكون هي الوسيلة الوحيدة- غير الحرب بالطبع- لإقناع إيران بالتخلي عن قدراتها النووية. فإذا ما وضعنا في اعتبارنا أن إيران النووية ستشكل تهديداً لإسرائيل، وستكون سبباً في ارتفاع أسعار النفط أكثر من الحد القياسي الذي وصلت إليه، وقد تكون سبباً في إشعال نار سباق أسلحة إقليمي ما لم نبذل قصاري جهدنا للحيلولة دون ذلك. ومعارضو الحوار عادة ما يتهكمون بالقول إن الحوار في حد ذاته لا يمثل استراتيجية. إذا ما كان هذا رأيهم حقاً، فيجب أن يعرفوا أن التباعد ليس استراتيجية أيضاً. لقد أدلي "ماكين" بتصريح جاء فيه: "إن الشيء الأسوأ من اتباع أمريكا للخيار العسكري هو وجود إيران مسلحة نووياً". علي الرغم من تمنّعه المعلن، فإن "ماكين" عندما يتبرأ من الدبلوماسية، سيكون بذلك كمن يساهم في إعداد العدة لخيار الحرب. ولكن ما الذي يمكن لنا تحقيقه من وراء الحديث مع إيران؟ البعض يقول إن مشاغلتنا لإيران لم تنتج شيئاً حتي الآن. قد يكون ذلك صحيحاً، ولكننا لو اتبعنا مقاربة أقل فتوراً ومشروطية، من مقاربتنا الحالية، فإننا قد ننجح في كسر الجمود، ولن نتمكن من إدراك مغزي ذلك قبل تجربته. الإجابة عن السؤال الأخير، هو أن الحوار يساعدنا علي عزل أحمدي نجاد، بدلاً من تقوية وضعه من خلال عدم الحوار معه وجعله قادراً علي عزلنا. وحتي لو فشلنا في التوصل لاتفاقية، فإن مشاغلة إيران ستفجر ثلاثة حوارات يرجح أن تؤدي إلي تعزيز وضعنا. الحوار الأول: بين قادتنا وبين إيران، صحيح أن إيران لن تأبه بمعظم ما نقوله بداية من عدم الانتشار النووي، إلي الحرب المضادة للإرهاب، لكن ليس من غير المنطقي توقع أن إيران ستسعي في اللحظة المناسبة إلي عقد صفقة معنا مقابل الحصول علي حوافز اقتصادية، ومساعدات في مجال الطاقة، وتطبيع للعلاقات، أو عدم تعهد بالغزو. الحوار الثاني: بين الرئيس الأمريكي والشعب الإيراني، يجب علينا انتهاز الفرصة كي نخبر الشعب الإيراني الذي يعد من أكثر شعوب المنطقة ميلاً لأمريكا، عن الكيفية التي ساهم بها رئيسهم في عزلهم وحرمان ثقافتهم العظيمة من مكانتها المستحقة في العالم، وحرمان المنطقة بأسرها من حوار بناء. الحوار الثالث: هو حوار مع العالم، فمن خلال استئناف حوارنا مع إيران، سنستعيد مكانتنا الأخلاقية السامية، وهو إنجاز ليس بالقليل بحال. فإذا ما رفضت إيران أن تتزحزح عن موقفها وعنادها، فستكون لدينا في تلك الحالة قوة رافعة جديدة لكشفها كتهديد محتمل يحمل العديد من النوايا السيئة التي لا يمكن تبريرها. وهؤلاء الذين يقولون إنهم لا يستبعدون أي خيار من الخيارات المطروحة، عليهم ألا يقيدوا حركة أمريكا من خلال رفض الدبلوماسية. ففي الوقت الذي تضخ فيه أجهزة الطرد المركزي الإيرانية اليورانيوم المخصب، لا زلنا نسأل السؤال الخطأ. فبدلاً من التساؤل عن السبب الذي يجعل "باراك أوباما" راغباً في الحديث مع إيران، يجب علينا أن نسأل: ما الذي يدعو جورج بوش وجون ماكين إلي الانتظار؟