أضحي أمن الطاقة ذا أهمية كبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية وكذلك للدول الصناعية الكبري ، حيث لا يمكنها الاستغناء عن النفط والغاز الطبيعي، في ظل تزايد الطلب العالمي علي الطاقة. فالنمو السريع للاقتصاد العالمي يستدعي زيادات كبيرة في إمدادات الطاقة، حيث إن الاعتماد علي مصادر أخري مثل الفحم والطاقة النووية والمصادر البديلة المتجددة سيكون مساعداً علي تلبية الطلب، وليست متجاوزةً لأهمية النفط والغاز الطبيعي، لاسيما في ظل ارتفاع سعرهما، وبصفة خاصة النفط الذي استغرق 37عاماً فقط ليتضاعف سعره 50 ضعفاً, والذي يتم الاعتماد عليه بشكل أساسي في الحياة اليومية للمواطن الأمريكي كوقود لمحرك سيارته, ومصدر لتدفئة منزله. وانطلاقاً من أهمية مصادر الطاقة وتأمينها فإن تلك القضية أمن الطاقة ستكون علي أجندة الرئيس الأمريكي القادم، ولعلها أضحت تحتل مكانة لا يمكن إنكارها في برامج المتنافسين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي علي البيت الأبيض. وقد تنوعت الرؤي الأمريكية لتأمين مصادر الطاقة التي تعد عصب الحياة الأمريكية ما بين البحث عن بدائل جديدة متجددة، أو البحث واستكشاف مناطق جديدة يكمن فيها مصادر الطاقة بكميات كبيرة، وخاصة المناطق التي لا تشهد صراعات ونزاعات؛ لتعويض وتنويع المصادر أو تقليل الاعتماد علي المناطق الحالية كمنطقة الخليج، التي تشهد صراعات تُضيف بعدا آخر إلي تأزم السياسة الأمريكية علي الصعيد الخارجي. وفي إطار الأهمية التي باتت توليها الولاياتالمتحدةالأمريكية لقضايا أمن الطاقة, فإننا في هذا التقرير نعرض لندوة عقدها "معهد بروكينجز" "Brooking Institution", بعنوان "أمن الطاقة, وألوية الطاقة:قضايا رئيسية تواجه الرئيس القادم" " "Energy Security Energy Urgency :key Issues Facing The Next President" بتاريخ 18 ديسمبر 2007, شارك فيها "كارلوس باسكول" "Carlos Pascual" نائب الرئيس ومدير برنامج السياسة الخارجية في المعهد كرئيس للجلسة, و"ديفيد بي.ساندلو" " David B Sandalow" الباحث المتخصص في سياسات الطاقة والمناخ بالمعهد, وعمل كمساعد وزير الخارجية ومستشار مجلس الأمن القومي, وكان مسئولاً سابقاً عن سياسات المناخ, و"ريتشارد لوجار" "Richard G Lugar" السيناتور الجمهوري عن ولاية "إنديانا" "Indiana". أمن الطاقة أولوية أمريكية في بداية افتتاحه للندوة أكد رئيسها "كارلوس باسكول" "Carlos Pascual" علي أن أمن الطاقة بات من أهم القضايا المؤثرة علي القوي العظمي في العالم وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية, إلي جانب العديد من القوي الصاعدة مثل الصين والهند, لاسيما وأن تلك الدول من أكبر مستهلكي الطاقة في العالم. مُشيراً إلي أن قضايا أمن الطاقة تُعد من أهم التحديات التي ستواجه الرئيس الأمريكي القادم, خاصة في ظل عدم استقرار أسعار الطاقة، ومحدودية مصادرها. فاعتماداً علي تقرير منظمة الطاقة العالمية بشأن مستقبل الطاقة عام2030، الذي يشير إلي توقع استثمار ما يقرب من 22تريليون دولار في إنتاج الطاقة خلال العشرين عامًا القادمة,أوضح" باسكول" ""Pascual أن الطاقة النووية قد أضحت خياراً جذابا ًنظراً؛ لارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي من ناحية, وآثارهما السلبية علي البيئة من ناحية ثانية, لاسيما وأن 66دولة حول العالم باتت تمتلك برنامجا ًنووياً, منها 9 دول تمتلك برامج نووية عسكرية. ومن جانبه أكد السيناتور "لوجار" "" Lugar أن الطلب الأمريكي المتزايد علي الطاقة, وتكاسل واشنطن عن إيجاد مصادر بديلة؛ سيؤدي إلي ظهور آثار كارثية علي مستويات المعيشة وعلي الاقتصاد الأمريكي, وكذلك علي أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة, مشيراً إلي أن المسئولين عن أمن الطاقة في واشنطن قد انتهجو سياسات دفاعية بدلا من اتخاذ سياسات من شأنها ترشيد استخدام الطاقة؛ لتجنيب واشنطن من الولوج في صراعات من أجل تأمين مصادر الطاقة، الذي مكن بدوره أعداءها في ظل امتلاكها لها من تهديد المصالح الأمريكية، فضلا عن ارتفاع أسعارها إلي مستويات قياسية. الاستثمار والحماية علي رأس الحلول أكد السيناتور "لوجار" "" Lugarعلي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحتاج إلي إعادة ضبط سياساتها تجاه تُرشيد الطاقة, حيث تشير إحصاءات الوكالة الدولية للطاقة إلي أن الطلب علي الطاقة سيرتفع بنسبة 50% قبل حلول عام 2030,علي أن تأتي ثلاثة أرباع هذه النسبة من العالم النامي, وبما يعادل 45% من الصين والهند وحدهما, فيما يتوقع أن تكون نسبة 84% من ارتفاع هذا الطلب علي الوقود الكربوني, الأمر الذي سينتج عنه زيادة نسبة انبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 57%, كما سيتزايد الاعتماد علي منظمة أوبك بنسبة 50%. وفي ظل ارتفاع أسعار النفط إلي مستويات قياسية تخطت حاجز ال100 دولار للبرميل, أشار "لوجار" "Lugar" إلي ارتفاع إيرادات الدول المصدرة للنفط, فطبقاً لوزارة المالية الأمريكية فإن الاستثمار الوطني في هذه الدول قد تضاعف خلال عامي 2000و2005 من 1.9 إلي 2.9 تريليون دولار, مُحدثاً نمواً هائلاً في اقتصاديات هذه الدول, ما نتج عنه نقل الثروة من الدول المستهلكة وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية للدول المنتجة, في وقت ارتفع فيه العجز التجاري الأمريكي بنسبة 1.2% ليصل إلي 57.8 مليار دولار بسبب ارتفاع فاتورة واردات النفط. كما نتج عن انخفاض قيمة الدولار ارتفاع في حجم الدين الوطني للولايات المتحدة بنسبة 44%, مع توقع حدوث كساد اقتصادي كبير, غير أن هذه التطورات السلبية في مجملها, لا تُعد عاصية علي الحل, بل أن علاجها يستلزم إيجاد آليات من شأنها تخفيف الاعتماد المتزايد علي الطاقة, وهو ما يجعل قضايا أمن الطاقة من أهم القضايا المطروحة علي أجندة مرشحي الانتخابات الرئاسية, علي الرغم من كثرة القضايا السياسية الآنية مثل الحرب علي الإرهاب, والحرب في العراق, بالإضافة إلي تراجع أداء الاقتصاد الأمريكي,لاسيما وأن الناخب الأمريكي يعاني من ارتفاع أسعار المشتقات النفطية من الجازولين والبنزين ووقود التدفئة المنزلية, الأمر الذي يجبر مرشحي الرئاسة علي قطع الوعود بتقليل أسعار هذه المشتقات وتخفيض الضرائب علي منتجات النفط. بدائل الطاقة..هل يمكن أن تكون حلاً ؟ في إطار الحديث عن بدائل الطاقة أشار المشاركون في الندوة إلي أهمية إيجاد بدائل ذات أسعار مناسبة للمستهلكين يمكن أن تُوفر أموالهم, وتساعدهم علي العيش في مستوي اقتصادي أفضل, فقد أشار السيناتور"لوجار" "" Lugarإلي أن الطاقة الكهربائية المولدة محلياً يمكن أن تعد بديلاً جيداً لمصادر الطاقة الكربونية- النفط ومشتقاته - خصوصا ًمع وفرتها. هذا إلي جانب بدائل الطاقة التقليدية الأخري مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح, التي تمتلك الولاياتالمتحدة قدرات علمية عالية لتنفيذ هذه المشروعات, إلي جانب توافر التكلفة, ووجود الأراضي اللازمة لإنشاء هذه المشروعات. في حين أن استكشاف النفط المحلي لن يسهم في حل أزمة الاستيراد المتزايد للطاقة من الدول الغنية بالنفط. كما عرض لطريقة غير تقليدية لتوليد الطاقة, وهي إنتاجها من مادة السليلوز المستخلصة من النباتات,عبر تحويلها إلي الإيثانول, ذلك البديل الأكثر كفاءة للبنزين. وهي تلك الطريقة التي بدأ الترويج لها منذ عدة سنوات في العديد من دول العالم كالبرازيل, في حين تم تأجيل الإعلان عنها كمشروع تجاري في الولاياتالمتحدةالأمريكية, إذ أن مشروع سليلوز الإيثانول يتطلب من أجل تنفيذه أن تقوم القيادة السياسية الحالية متمثلة في الرئيس و الكونجرس الأمريكي بتأسيس البنية التحتية لهذا المشروع. وفي هذا السياق جاء تأكيد السيد "ساندالو" " Sandalow" علي وجوب تعاون الجهات المختصة في توفير نوعية من السيارات قادرة علي الاستغناء عن البنزين كمصدر وحيد للوقود, مؤكداً أن هذا الأمر سيكون له أثر ليس فقط علي مستوي إنفاق المواطنين علي الطاقة ولكن أيضاً علي البيئة والمناخ, الذي أصبحت تغيراته من أهم القضايا البيئية الحالية, وبصفة خاصة مع تعرض الولاياتالمتحدة للعديد من الأعاصير التي تضرب معظم ولايتها تاركة ما يشبه الدمار الشامل فيها من ناحية, ونجاح مثل هذه التجارب في العديد من الاقتصاديات الصاعدة مثل الهند والصين والبرازيل, من ناحية أخري, حيث استخدمت الصين بالفعل ما نسبته 16% من إجمالي عدد السيارات فيها, سيارات تعمل بالوقود البديل. معوقات اللجوء لمصادر الطاقة البديلة في تساؤل طرحه أحد الحاضرين عن السيارات الكهربائية التي تعمل بالوقود البديل""Plug-In Electric Vehicles" والتي تم الترويج لها ضمن البرنامج المقترح لتحسين ترشيد استخدام الطاقة في الولاياتالمتحدة، وكيفية إغراء المواطن باستخدام هذا النوع من السيارات, عبر إعلامه بفارق التكلفة, وبالتالي التوفير الذي يمكن أن يجنيه, لاسيما في ظل الإحباط الذي يصيبه من فواتير الطاقة التي يقوم بدفعها. في رده علي هذا التساؤل أوضح السيناتور"لوجار" "" Lugar أن هذه الخطوة ستكون قابلة للتنفيذ أو بالأحري للتناول عقب انتهاء الاستحقاق الانتخابي الرئاسي القادم نوفمبر 2008, مقترحاً تعاون الحزبين الديمقراطي والجمهوري في هذا الإطار, إذ أن هذا المشروع يحتاج إلي دعم القيادة السياسية بشكل كبير, وذلك عبر بناء وتوفير البنية التحتية ثم الترويج للمشروع. وعن تأثير اللجوء لاستخلاص الطاقة من مادة السيليلوز النباتية الموجودة في الذرة علي ارتفاع مستويات تضخم أسعار الغذاء, وأسعار السلع الوسيطة, أوضح السيناتور"لوجار" "Lugar" أن الاستعانة بالذرة في توليد طاقة غير تقليدية لا يزال ضمن نطاق ضيق, كما لا يتوقع أن يكون في المستقبل القريب بديلاً عن جزء كبير من اعتماد الولاياتالمتحدة علي النفط, وبالتالي فإن تأثيره علي الأسعار سيكون محدوداً, هذا إذا ما حدث تأثير. وبالنظر إلي سعر الذرة وأنواع الأغذية المستخرجة منه, يلاحظ علي سبيل المثال أن سعر الذرة الخام لا يمثل أكثر من 5% من سعر عبوة رقائق الذرة "Corn Flakes" هذا بالإضافة إلي إمكانية استخراج مادة إيثانول السيليلوز من أكثر من نبات إلي جانب الذرة مثل قصب السكر وغيره. يمكن بالتنسيق بين الولاياتالأمريكية التغلب علي نقص هذا المنتج في ولاية ما, من ناحية, والاستعانة بخبرات من سبقوا واشنطن في تنفيذ هذه المشروعات من ناحية أخري, وذلك عبر تعزيز سياسات الولاياتالمتحدة في دول أمريكا اللاتينية, لاسيما البرازيل التي يمكن الدخول معها في شراكه في هذا الإطار للمساعدة والعمل علي تطوير برنامج الطاقة البديلة غير التقليدية في الولاياتالمتحدة, و في الوقت نفسه ستمثل هذه الشراكات عاملاً مهما في تحسين الدخل القومي لهذه الدول وبالتالي تعزيز علاقات الولاياتالمتحدة بها. وفي تساؤل أخير عن الدور المرتقب للرئيس الأمريكي القادم في حل قضايا أمن الطاقة, أشار السيناتور"لوجار" "" Lugarإلي أن الرئيس القادم أياً ما كان انتماؤه الحزبي سيحصل علي دعمه الشخصي كسيناتور جمهوري، وأن أولويات تناوله لمشكلات المجتمع الأمريكي ستحددها الاستبيانات التي أعدتها مؤسسات مهتمة بخدمة المجتمع الأمريكي, وبعض الصحف الكبري التي أعدت استطلاعات رأي عديدة في هذا الإطار, فيما أوضحت هذه الاستطلاعات والاستبيانات أهمية قضايا أمن الطاقة, وإن لم تركز عليها بشكل كبير, ولذلك ستكون أجندة الرئيس القادم عامرة بالقضايا التي تحتاج إلي حسم, مثل العناية الطبية والضمان الاجتماعي وموازنة النفقات وضبط الميزانية. وكل هذه القضايا الداخلية لا تنفصل إلي حد كبير عن قضايا أمن الطاقة وتوفيرها بأسعار مناسبة, هذا إلي جانب قضايا السياسة الخارجية. غير أن أولوية الدخل الأمريكي لابد وأن تأتي في مقدمة أولويات أجندة الرئيس القادم, إذ أن هذا يعد السبيل الوحيد لنجاح سياساته ونجاح الشعب الأمريكي أيضا.