تُمثل الهجمات علي الأهداف الاقتصادية خاصة علي البني التحتية للمنشآت النفطية تحولاً جديدًا في استراتيجية القيادة المركزية العليا لتنظيم القاعدة؛ حيث دعا زعيم التنظيم، أسامة بن لادن، من قبل بمهاجمة منشآت النفط الخليجية. وقد تم تنفيذ هذه الاستراتيجية حتي الآن من قبل الفروع المحلية للتنظيم في كل من العراق والمملكة العربية السعودية واليمن. ففي فبراير 2006 وقع الهجوم الأول علي منشآت نفطية سعودية واستهدف مجمع أبقيق، والذي يحتوي علي حوالي سبعة ملايين برميل من النفط يوميا أو ما يعادل ثلثي إنتاج المملكة. ويري البعض بأن محاولات تدبير الهجمات علي منشآت نفطية وغيرها من منشآت الطاقة قد تمثل الوجه الرئيس لما يسمي بالجهاد الاقتصادي، وتنطوي هذه الهجمات علي تهديد للدول المنتجة والمستوردة للنفط علي حد سواء؛ حيث تعتمد كثير من الدول الغربية وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية بدرجة كبيرة علي النفط الموجود في منطقة الشرق الأوسط؛ لذلك وقعت مع المملكة العربية السعودية في 6 من مايو 2008 اتفاقًا يقضي بالتعاون من أجل حماية البني التحتية للطاقة الخاصة بالمملكة من الهجمات الإرهاب خاصة مع تصاعد التهديدات التي أطلقها تنظيم القاعدة باستهداف المنشآت النفطية وحرمان الغرب من هذه الإمدادات. وفي هذا الإطار دعت مؤسسة التراث الأمريكية Heritage Foundation في يونيه من عام 2008 عددًا من المتخصصين في مجال الطاقة وبعض الخبراء السياسيين للمشاركة في إعداد دراسة لتقدير الآثار الاقتصادية للهجمات الإرهابية علي مصادر الطاقة ومدي تأثير ذلك علي أزمة الطاقة العالمية. وحمل التقرير عنوان: الاستجابة العالمية للتهديد لأزمة توليد الطاقة The Global Response to a Terror- Generated Energy Crisis. وهذه الدراسة تشبه دراسة تم إعدادها عن الطاقة في الفترة ما بين عامي 2006 و2007، ولكنها علي نطاق جغرافي واقتصادي أوسع. وتهدف إلي تقديم نموذج عملي للآثار الاقتصادية المترتبة علي حدوث هجمات إرهابية علي الدول المصدرة للبترول مثل السعودية، وخطوط توزيع البترول بين الشرق الأوسط والدول الآسيوية المتقدمة اقتصاديا. وفي الوقت ذاته تحاول أن تفسر كيف تؤثر كلًّ من المبادرات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية علي الأزمة العالمية للطاقة، واستجابة كلٍّ من القطاع العام والخاص لتحديات السياسة الخارجية. خطة الهجمات الإرهابية يشير فريق الباحثين إلي أن الأزمة تتمثل في نجاح هجوم إرهابي منسق يقوم به تنظيم القاعدة أو الجماعات المنضوية تحت لوائه التي تعمل في آسيا الوسطي والمحيط الهادي، يهدف إلي حدوث أزمة نفطية عالمية، والتي يتم بموجبها ستنخفض عمليات نقل البترول من الدول المنتجة إلي الدول المستهلكة؛ بهدف تدميرها اقتصاديا وكسر التحالفات السياسية الغربية. وتطرح الدراسة تصورًا للهجمات الإرهابية علي مصادر الطاقة وبناها التحتية، فتشير إلي أن الهجمات الإرهابية تبدأ بتدمير محطة رأس التنورة، وقيام التنظيم باحتجاز 300 تلميذ كرهائن، في الوقت الذي تكون فيه قوات الأمن السعودية مشتتة نتيجة للهجمات علي عملية إنتاج وشحن البترول في كلٍّ من رأس التنورة وأبو كويك. كما يتم تدمير مقر شركة أرامكو السعودية. وفي الوقت ذاته تقوم الجماعة الإسلامية في إندونيسيا بهجمات علي ناقلات النفط التي تعبر مضيق ملقا - مضيق في المحيط الهندي بين ماليزيا وجزيرة سومطرة - ووضع 52 لغمًا في مضيق ملقا (بالقرب من سنغافورة)؛ وهو الأمر الذي يعوق الوصول إلي الدول المستهلكة وزيادة تكاليف نقل البترول عبر العالم سواء للدول المستهلكة والمنتجة. مدي تأثر الدول بهجوم إرهابي قام الباحثون باختيار مجموعة من الدول التي تمثل أهم الدول إنتاجًا واستهلاكًا للبترول وأكثرها تأثرًا بالاحداث الإقليمية. وتري الدراسة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أكثر الدول تأثرًا بأي خسارة تحدث في الإنتاج العالمي والذي سوف لا يغطي احتياجاتها من البترول. أما الدول الأوروبية فتستورد أكثر من 3 ملايين برميل في اليوم من الشرق الأوسط أي أقل من الولاياتالمتحدة ومن ثم فهم يتأثرون لأي حدوث خلل في انخفاض الكمية المعروضة للنفط إلي جانب اعتمادها علي موردين آخرين. وتشير الدراسة إلي أن الصين واليابان تعتمدان بشكل كبير علي بترول الشرق الأوسط خاصة من الدول المصدرة عبر مضيق ملقا فواردات الصين تبلغ حوالي 4 ملايين برميل يوميا منها 2.2 مليون برميل يوميا يتم نقلها عبر المضيق، لكن اليابان تستورد حوالي 5.4 مليون برميل يوميا عبر المضيق. أما الهند فتستورد حوالي 2 مليون برميل يوميا، معظمها من الشرق الأوسط من خلال مضيق هرمز كما أنها تعتمد أيضًا علي الغاز الطبيعي وتوليد الطاقة الكهربائية وذلك لمقابلة النمو السريع لاقتصادها؛ ومن ثم فهي تتأثر بانخفاض الإنتاج في الخليج العربي. هذا في حين تتمتع استراليا بمكانة فريدة بين هذه الدول حيث إنها أكبر الدول الغربية القريبة من مضيق ملقا فلديها روابط اقتصادية ودبلوماسية مع الدول المتقدمة في الإقليم الآسيوي خاصة الصين. فهي نشطة جدًا في إنتاج البترول والغاز الطبيعي ومؤخرًا بدأت في تصدير كميات صغيرة من البترول تبعًا للتقدم الاقتصادي. الاستجابة الدولية للهجمات الإرهابية تشير الدراسة إلي أن استجابة هذه الدول للهجمات الإرهابية تنحصر في ثلاث مجالات: دبلوماسية واقتصادية وعسكرية. وعن الولاياتالمتحدة تقول الدارسة: أن استجاباتها الدبلوماسية تنطوي علي التعاون مع الحلفاء للرد علي هذه الهجمات، بالإضافة إلي مشاركتها في جميع المحافل والمنظمات الدولية مثل حلف شمال الأطلسي ورابطة دول جنوب شرق آسيا، ووكالة الطاقة الدولية وذلك لتطوير استجابة شاملة. فضلاً عن عدم تشجيعها علي رفع الجزاءات المفروضة علي بعض الدول مثل إيران.وعلي المدي الطويل ستعمل علي تعزيز الشفافية وتحرير التجارة الدولية لأسواق الطاقة والتشجيع علي رفع الحواجز لاستكشاف وإنتاج الطاقة من جانب الدول الأخري. هذا وتسعي واشنطن لإزالة العوائق التنظيمية لتوسيع إنتاج الطاقة والطاقة النووية وتكنولوجيا الفحم النظيفة. بالإضافة إلي إزالة التعريفات الجمركية والحواجز التنظيمية علي واردات الطاقة مثل القطران الكندي والنفط والإيثانول البرازيلي . أما سياستها العسكرية تتمثل في تقديم أقصي دعم للبحرية الأمريكية في الممرات البحرية لمضيق هرمز وملقا، وإعادة تركيز الاستخبارات علي التهديدات الجديدة وعلي غيرها من المنظمات المتحالفة مع تنظيم القاعدة والجماعة الإسلامية. أما الاتحاد الأوروبي فتتمثل استجابته الدبلوماسية في العمل من خلال وكالة الطاقة الدولية للحد من استهلاك الاتحاد الأوروبي حوالي 3 مليون برميل يوميا والمشاركة في اجتماع مجلس الإدارة الوكالة الدولية للطاقة لتحديد تدابير إضافية في حالات الطوارئ لإمدادات النفط. وعلي المدي الطويل سيسعي إلي خلق شراكة من أجل أمن الطاقة لأهم مستهلكي الطاقة في العالم بالتعاون مع وكالة الطاقة الدولية، وكذلك العمل مع الولاياتالمتحدة، الهند، الصين، اليابان. وفيما يتعلق بالصين تتمثل استجاباتها الدبلوماسية في التنسيق مع منظمة شانغهاي للتعاون للمشترك لتامين إنتاج نفط آسيا الوسطي وحث الاتحاد الأوروبي، اليابان، والولاياتالمتحدة إلي إطلاق بعض احتياطيات النفط. وعلي المدي الطويل يتركز نشاطها الدبلوماسي حول تعزيز سبل الحصول علي الطاقة الإضافية من الدول المجاورة من خلال مجموعة من خطوط الأنابيب. وعلي صعيد السياسة العسكرية تتضمن خلاصة التقرير رأي فريق الباحثين أن انقطاع إمدادات الطاقة سيؤدي إلي زيادة كبيرة في الأسعار العالمية للنفط مع غياب مصداقية السياسات الوطنية والدولية كما سيكون هناك انخفاض كبير في الناتج الاقتصادي للولايات المتحدة وغيرها من البلدان الصناعية بالإضافة إلي فقدان 592.000 عامل وظائفهم. وبالرغم من كل هذه الآثار فإن فريق الباحثين يرون أن السياسات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية التي سوف تتخذها الدول تجعل من الممكن استيعاب معدل الطلب علي الطاقة علي المدي القصير فضلاً عن أنه سيتم مواجهته والتغلب علي كلٍّ من مسألة فقدان الوظائف ومعدل التضخم الخاص بالناتج المحلي الإجمالي و معدل التضخم الخاص بالدخل وذلك خلال عام واحد أو عامين من الهجوم . ويخلص فريق الباحثين إلا أنه بالرغم من أن الهجوم علي مصادر الطاقة سيكون له أثر عميق ودائم علي الاقتصاد العالمي وسيتعين علي الولاياتالمتحدة وحلفائها ممارسة قيادة فعالة وحاسمة لمعالجة ومواجهة التحديات التي تفرضها هذه الأزمة.