محمد الشماع : رئيس تحرير آخر ساعة تعيش مصر حالياً أزهي عصور الحرية فقد اختفت تماماً الخطوط الحمراء التي كانت تقيد الحريات وتكبل أي فكر حر. والوضع الراهن لا يختلف اثنان علي اتساع هامش الحرية فيه بشكل عال وغير مسبوق حيث صار الكاتب يتناول بقلمه كل الموضوعات متخطياً كل الحواجز دون قيد أو شرط. ولكن الشيء الوحيد الذي ينبغي ان يحرص الجميع علي عدم اختراقه بشكل يعود بالسلب علي مصلحة الوطن هو كل ما يمس الأمن القومي. وأي كاتب يطلق لنفسه العنان في هذه المسألة عليه أن يراقب قلمه ويخضعه للمسئولية حتي لا يتسبب عمداً أو بدون قصد في اثارة الزوابع واشعال الفتنة وطعن الوطن بخنجر مسموم. اليوم أصبح السقف مفتوحاً فعلي سبيل المثال لاتوجد عقبات في الجانب الديني كما كان في السابق فما يحدث بين الاقباط داخل الكنيسة كان اشبه بمعلومات عسكرية لايجوز البوح بها باعتبارها محظورات لايمكن تجاوزها أما حالياً فقد صار كل شيء معلوما للجميع من أدق التفاصيل بشأن الخلافات التي تدب بين رجال الكنيسة وذلك متاح بمنتهي الشفافية والوضوح. وكذلك الحال بالنسبة لقضايا الدين الاسلامي فما أكثر الاختلافات في الآراء وكلها مطروحة بحرية تامة للنقاش والجدل. من ناحية أخري تم اختراق كل الموضوعات الشائكة فالموضوعات الجنسية التي فرضت عليها قيود شديدة بوازع من العادات والتقاليد والدين وتبدل الحال الآن وصارت تلك القضايا تدرس وتناقش وتعالج مثل قضايا التحرش الجنسي والاغتصاب والملابس العارية للفتيات وانتهاء بالحجاب وغيرها من قضايا كانت لاتخرج من الجدران المغلقة، إبان عصور تراجع الحرية بينما تثار الآن علي الفضائيات وتتناولها الصحافة بمختلف اشكالها. وفي مجال السياسة والاقتصاد زادت اصوات المعارضة التي توجه انتقادات حادة لسياسات الحكومة وكل يوم تخرج كتابات ضد الخصخصة وبيع الشركات أو تنفيذ اتفاقية الكويز ولايوجد أي تعتيم علي أي رأي سواء اتفق أو اختلف مع توجهات الدولة. أيضاً في ظل التعديلات الدستورية الحالية تشن الصحافة بما فيها القومية حملة انتقادات علي أمل الوصول إلي الشكل الافضل. وهذا بالطبع يميز الصحافة المصرية عن غيرها من الصحف الموجودة في البلدان العربية الأخري التي لا تتمتع ولو بجزء ضئيل من مساحة الحرية المتاحة لوسائل الاعلام المصرية. وبالرجوع إلي الوراء في عهود الخطوط الحمراء نجد ان الكتاب الكبار كانوا يحاولون بقدر المستطاع ان يمسكوا بالعصا من المنتصف، وعلي ما أتذكر في بداية السبعينيات من القرن الماضي تم اقالة رئيس تحرير صحيفة قومية من منصبه لمجرد انه انتقد علي صفحات الجريدة تسريحة شعر إحدي المذيعات. هناك اذن فرق كبير بين الماضي والحاضر فقد صار الكاتب فارساً مغواراً في كل الميادين ولكن وجب علينا ان نتمهل قليلاً لندرك حقيقة الاوضاع فلا توجد حرية مطلقة في أي مكان في العالم حتي أمريكا قلعة الحريات لاتعرف سوي الحرية المسئولة ومن ثم علي كل مبدع ان يضع نصب عينيه المسئولية قبل أن يقبل عل أي عمل أو فعل أو قول.