تسلا تعتزم زيادة سعر سيارتها موديل 3 في أوروبا اعتبارا من الشهر المقبل    محافظ الغربية يتابع أعمال الرصف بمحيط عمارات الاوقاف بالعجيزي    مراكز مطروح تستعد لاستقبال المصطافين فى عيد الأضحى    متحدث الجيش السوداني يعلق على إعلان تشكيل حكومة مدنية بولاية جنوب دارفور    الأهلي يعلن غياب أكرم توفيق عن مواجهة فاركو    "صبحي" يشهد انطلاق "يوم الخير" استعدادا لعيد الأضحى المبارك    هل وصلت الحرارة بالمملكة إلى 72 درجة؟.. مدير البعثة الطبية المصرية يُوضح    لظروف أمنية.. إلغاء حفل عنبة وحمو بيكا وعمر كمال    آمال ماهر تشكر جمهور الكويت بعد حفلها: كانت ليلة رائعة    ثقافة القاهرة تقدم لقاءات توعوية وأدبية وأنشطة للأطفال بمبادرة ثقافتنا في إجازتنا    محافظ شمال سيناء يعتمد الخطة التنفيذية للسكان والتنمية    محي الدين: الأهلي للصرافة تعمل خلال إجازة عيد الأضحى    محافظ الجيزة يستقبل وفود الكنائس بالمحافظة للتهنئة بعيد الأضحى المبارك    اوس اوس يصل العرض الخاص لفيلم «عصابة الماكس»    من فضائل يوم عرفة.. تكفير الذنوب والتأكيد على الأخوة بين الناس    رئيس هيئة الدواء: دستور الأدوية الأمريكي يحدد معايير الرقابة ويضمن سلامة المرضى    "العدل الأوروبية" تغرّم المجر بسبب سياسات اللجوء    بمليار دولار وارتفاعه 250 مترًا.. معلومات عن برج «فوربس» المقترح بالعاصمة الإدارية    بعد لقائهما بيوم واحد.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالا من نظيره الإيراني    افتتاح عدد من الوحدات الحديثة بمستشفيات المنيا الجامعية    محافظ أسيوط يضع حجر أساس مدرسة المحبة بمدينة المعلمين    عيد الأضحى 2024 | أحكام الأضحية في 10 أسئلة    شواطئ ودور سينما، أبرز الأماكن فى الإسكندرية لقضاء إجازة عيد الأضحى    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 14-6-2024، السرطان والأسد والعذراء    يورو 2024.. نزلة برد تجتاح معسكر منتخب فرنسا    تخرج الدورة الأولى للمعينين بالهيئات القضائية من الأكاديمية العسكرية المصرية    الكويت: حبس مواطن ومقيمين احتياطا لاتهامهم بالقتل الخطأ فى حريق المنقف    رئيس صندوق التنمية الحضرية يتابع الموقف التنفيذي لمشروع "حدائق تلال الفسطاط"    وكيل الصحة بمطروح يتابع سير العمل بمستشفى مارينا وغرفة إدارة الأزمات والطوارئ    "المحطات النووية": تركيب مصيدة قلب المفاعل للوحدة الرابعة بالضبعة 19 نوفمبر    محاولة اختطاف خطيبة مطرب المهرجانات مسلم.. والفنان يعلق " عملت إلى فيه المصيب ومشيته عشان راجل كبير "    فطار يوم عرفات.. محشي مشكل وبط وملوخية    نقل المصابين في مشاجرة عائلتي بكوم إمبو للمستشفى الجامعي وسط حراسة أمنية مشددة    نقيب الأشراف مهنئًا بالعيد: مناسبة لاستلهام معاني الوحدة والمحبة والسلام    انفجار مولد الكهرباء.. السيطرة على حريق نشب بمركز ترجمة بمدينة نصر    النيابة أمام محكمة «الطفلة ريتاج»: «الأم انتُزّعت من قلبها الرحمة»    في وقفة عرفات.. 5 نصائح ضرورية للصائمين الذاهبين للعمل في الطقس الحار    مجانًا.. فحص 1716 شخصًا خلال قافلة طبية بقرية حلوة بالمنيا    مدة غياب وسام أبو علي عن الأهلي بعد الإصابة الأخيرة    ضبط أحد الأشخاص بسوهاج لزعمه قدرته على تسريب امتحانات الشهادة الثانوية    ضبط نجار مسلح أطلق النار على زوجته بسبب الخلافات فى الدقهلية    آداب عين شمس تعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2024    كندا تعلن عن تزويد أوكرانيا بصواريخ ومساعدات عسكرية أخرى    لبيك اللهم لبيك.. الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال الجاج    حملة مرورية إستهدفت ضبط التوك توك المخالفة بمنطقة العجمى    «الإسكان»: تنفيذ إزالات فورية لمخالفات بناء وغلق أنشطة مخالفة بمدينة العبور    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في مستهل تعاملات الخميس    دار الإفتاء توضح حكم صيام يوم عرفة    قيادي ب«مستقبل وطن»: جهود مصرية لا تتوقف لسرعة وقف الحرب بقطاع غزة    «معلومات الوزراء»: 73% من مستخدمي الخدمات الحكومية الإلكترونية راضون عنها    على خطى كرة القدم.. ريال مدريد بطلا لدوري السلة    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    عبد الوهاب: أخفيت حسني عبد ربه في الساحل الشمالي ومشهد «الكفن» أنهى الصفقة    مدرب بروكسيي: اتحاد الكرة تجاهل طلباتنا لأننا لسنا الأهلي أو الزمالك    ناقد رياضي ينتقد اتحاد الكرة بعد قرار تجميد عقوبة الشيبي    هشام عاشور: "درست الفن في منهاتن.. والمخرج طارق العريان أشاد بتمثيلي"    اتحاد الكرة يعلن حكام مباراتي بيراميدز وسموحة.. وفيوتشر أمام الجونة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يراقب من في الصحافة السعودية؟

عندما انتهيت من قراءة كتاب جون برادلي «تعرية المملكة السعودية»Saudi Arabia Exposed وهو كتاب معظمه سطحي في نظري ويهدف إلي الإثارة عبر تلقط السلبيات التي لا تخلو منها أية دولة ولا يهدف حقا للبحث الجاد عن الحقيقة. والذي يغلب عليه العرض المتحيز وغير الموضوعي وأحيانا المتجاهل عمدا لأحوال السعودية. ولكن رغم كل ما سبق وجدت في هذا الكتاب فصلا ممتازا بعنوان «من يراقب من؟»Who censors who? والذي يعتبر أفضل فصل في الكتاب لكونه يتعلق بتخصص المؤلف أي الصحافة ووضح فيه جهد المؤلف في الحصول علي معلومات موثقة من كبار الكتاب والمثقفين السعوديين، وكذلك رصد ثم تحليل بعض الأمور بصورة صريحة وجريئة لم نعتدها في السعودية لأنها من ناقد ومراقب خارجي لا يسعي لمنصب ولا ترقية. ولذلك قررت ترجمة هذا الفصل وقمت بتنقيح الترجمة قليلا لأن برادلي لم يستطع إخفاء إنحيازه السافر للتيار الليبرالي علي حساب التيار الديني. وجميع الألقاب محفوظة للشخصيات السامية والعامة التي لم يذكرها المؤلف. ثم بذلت مجهودا في تلخيص تقسيم وتبسيط الفصل ليقع في 30 فقرة مكثفة بعد حذف بعض الهراء السخيف الذي قصد منه الإثارة الرخيصة. ووضعت عناوين للفقرات من عندي حسب اجتهادي لمحتواها. ويجب ملاحظة أن المؤلف كتب الكتاب في النصف الأول من العشرية الأولي (2000 إلي 2005) من القرن 21 وقبل تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله مقاليد الحكم. ورغم كون الفقرات جريئة جدا وقد لا تجاز رقابيا في السعودية إلا أنني قررت ترجمتها لأني وجدت فيها فائدة لجميع التيارات الفكرية وللحكومة السعودية ممثلة في وزارة الثقافة والإعلام من حيث وجود نقد مبتكر لأمور الرقابة والصحافة السعودية بقلم مراقب أجنبي قد نغفل عن ملاحظتها بحكم موروثنا الثقافي والوهم الذي زرع في خلايا عقولنا المسمي «خصوصية» . وهي فقرات مفيدة لجميع الكتاب والمسئولين العرب لأن الهموم مشتركة تقريبا لوجود - للأسف- وزارات إعلام تراقب الصحافة في جميع الدول العربية. وتجرأت علي ترجمتها ونشرها في هذا الوقت تحديدا لأننا في السعودية نعيش في عصر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي دشن حكمه أيده الله بالعفو الكريم عن ثلاثة ناشطين سياسين ويتميز عهده بالتطوير الإصلاحي وتشجيع الحوار الوطني وإنشاء هيئات لمراقبة حقوق الإنسان وقد تركت عمدا بعض المصطلحات الجدلية كما وردت (مثل: الشرطة الدينية، وشرطة الأخلاق، الوهابية، إلخ) رغم تحفظ التيار الديني عليها لكي يعرف هؤلاء الأخوة كيف توصف هذه الأشياء من قبل المراقبين في الخارج. والمترجم ينقل فقط عن المؤلف وهو لا يدعم أو يساند مزاعمه حول مختلف الأحداث. والمترجم مستقل فكريا ولا يحب أن يصنف لحساب أي اتجاه. والكلمات الموضعة بين هلالين (...) للمترجم.
تعريف بالمؤلف
ولد برادلي عام 1970 في إنجلترا وتخصص في الصحافة في جامعة يونيفيرسيتي كولج لندن، دارموث، وفي إكستر كولج. يتكلم العربية بطلاقة باللهجة المصرية وعمل مراسلا حرا في الشرق الأوسط منذ 1999 لحساب مطبوعات مرموقة مثل «واشنطن كوارترلي» و«ذا نيو ريببلك»، و«رويترز» و«ملحق تايمز الأدبي» TLS و«واشنطن تايمز»، و«ديلي تيلغراف»، و«ذي إندبندنت»، و«ذا فاينانشال تايمز». يظهر برادلي باستمرار في كبري وسائل الإعلام ليحلل شئون الشرق الأوسط والإرهاب . عمل محررا في جريدة «عرب نيوز» السعودية في جدة لسنتين ونصف وأصدر بعد رحيله كتابه «كشف المملكة السعودية» في 2005 (260 صفحة من الحجم الوسط). كما أصدر مؤخرا في 2008 كتاب «داخل مصر» Inside Egypt
(1) «جريدة الشرق الأوسط» تراقب أكثر من الرقيب
في أكتوبر 2002، نشرت رسالة احتجاج غير مسبوقة في «الشرق الأوسط»، التي تسمي جريدة العرب الدولية وتطبع في لندن بتمويل سعودي كامل وهي حقيقة تقلل من أي احتمال لقيامها مطلقا بنقد الحكومة السعودية أو المؤسسة الدينية. كانت تلك الرسالة من الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية السابق، والذي كان وقتها السفير السعودي في لندن وجاء فيها: «قرأت مقالي المنشور في 18 سبتمبر الذي ترجمتموه عن مقالي الذي نشر في الواشنطن بوست... وشعرت بالفزع لقيامكم بحذف جمل مهمة من المقال وردت في النص الأصلي!!!»
الجمل التي حذفتها الشرق الأوسط من مقال تركي الفيصل كانت تشمل واحدة تؤيد إلغاء رئاسة تعليم البنات التي تديرها المؤسسة الدينية، وذلك بعد حادث حريق مدرسة بنات في مكة المكرمة في مارس الماضي، والذي أدي إلي وفاة 15 طالبة بعد أن منعت الشرطة (تعليق المترجم: قيل أن التحقيق أثبت أن هذه تهمة ملفقة ولا أساس لها) تدخل رجال مارين في الشارع لإنقاذ الطالبات بحجة عدم كونهم محارم للطالبات.
(2) غباء تحريري في «الشرق الأوسط»
حذف الشرق الأوسط لتلك الجمل نتج عنه مفارقة طريفة غير مقصودة لأن تركي، المتدين وصاحب الفكر الإصلاحي المستنير، زعم في ذلك المقال أن هناك نسمة حرية جديدة في الصحافة السعودية لم تكن موجودة من قبل وتم نشر هذا الزعم في نسخة الشرق الأوسط «المبتورة» للمقال حتي تكمل المفارقة التي تدل علي غباء تحريري مذهل ولا مثيل له!!
(3) المثقفون السعوديون: لماذا؟
السعوديون المتعلمون جيدا قرءوا النص الأصلي في واشنطن بوست عبر النت ثم النص الذي تم تهذيبه في الشرق الأوسط وشعروا بالغضب متسائلين: لماذا يحق للقراء الأمريكان معرفة آراء مسئولين سعوديين عن بلدهم، ولا يحق للقراء السعوديين معرفة نفس الكلام المنشور في أمريكا؟ أقصر وأسرع جواب لهذا التساؤل المشروع هو أنه هناك دائما فرق واضح ومتعارف عليه بين ما يستطيع المسئول السعودي قوله في الخارج وما يصلح للاستهلاك المحلي Domestic Consumption. وهو نفس الفرق المعروف بين تصرفات بعض أفراد الشعب السعودي المتهورة واللاأخلاقية عندما يسافرون للخارج للسياحة وبين تصرفاتهم «المحافظة» في الرياض أو جدة.
وبعكس الحكمة العربية المعروفة التي تمنع نشر الغسيل الداخلي علانية ، أو مناقشة المشاكل الداخلية في الإعلام الخارجي، تحدث الأمير تركي كعادته الجميلة علانية وبشجاعة ليحسن صورة بلده ويفند بعض الشبهات عن السعودية في صحافة الولايات المتحدة بدلا من السعودية. وكونه زعم في الواشنطن بوست أن الإعلام السعودي يتمتع بحرية أكبر من الماضي، وهذا بالطبع، هو هدف مقال تركي المهم في صفحة الرأي في واشنطن بوست، فالمفارقة الهزلية المذهلة كانت قيام الشرق الأوسط بهدم وتقويض هدف مقال تركي بعدما قامت بمراقبته والحذف منه في ترجمتها المبتورة!!
(4) حقيقة الرقابة في السعودية
عندما يضغط علي معظم المحررين ليقولوا شيئا.. أي شيء علانية عن الرقابة القاسية علي الصحافة في السعودية، فإنهم يميلون للزعم بأن الرقابة ليست بسبب خطوط حكومية حمراء بل بسبب تردد وعدم شجاعة Unwillingness وجرأة ومبادرة رؤساء التحرير أنفسهم لاستغلال فرصة الحريات الممنوحة لهم بالفعل.
ومثل هذا الزعم غريب حقا لأول وهلة. فقيام وزارة الإعلام بوضع خطوط حمراء لبعض المواضيع الحساسة مثل نقد الحكومة أو المؤسسة الدينية يجب أن يكون مثيرا للقلق وعدم الراحة. وبالمثل القول بأن الحكومة «تمنح» حريات. ولكن الاعتراف بأن ليست جميع الحريات يتم استغلالها هو، في الحقيقة، أمر عجيب وغريب إلا عندما نعتقد فعلا بأن من حق الحكومة «منح» ثم «سحب» الحريات الصحفية، وأن رؤساء التحرير، مثل جميع الصحفيين السعوديين، يعملون حسب رغبة الحكومة. ولذلك، فإن الجواب الموحد لرؤساء التحرير عن لوم الرقابة والمستوي الرديء للصحافة السعودية يكمن بصدق مثل أي إجابة أخري يمكن إعطاؤها (أي لا يوجد عذر مقبول مهنيا!!) وهناك أدلة كثيرة لدعم هذا التحليل.
رسالة وملاحظات تركي لم تترك مجالا للشك أن الرقابه علي مقاله ليست من وزارة الإعلام بل من جريدة الشرق الأوسط نفسها التي قامت بدور الرقيب. وكان الرقيب الحقيقي، كما علمت من مصادري الخاصة، هو محرر مخضرم قديم في الشرق الأوسط!! وعندما نشرت مقالا بعد تلك الحادثة في جريدة «ذي إندبندنت» البريطانية عن شأن سعودي حساس، علمت أن نفس محرر الشرق الأوسط المخضرم القديم هو الذي اتصل بمكتب ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز بالرياض ليبلغهم أنني تخطيت الخط الأحمر. وهذا التبيلغ الكيدي من واجبات السفارة السعودية بلندن التي كان الأمير تركي يشغل فيها منصب السفير وقتها وليس من واجب ذلك المحرر المخضرم.
ونتج عن تلك الشكوي إرغامي علي توقيع تعهد بعدم كتابة مثل ذلك المقال، ونجوت من فصلي من العمل في «عرب نيوز» وطردي علي أول طائرة، لأن رئيسي في «عرب نيوز» قدم لوزارة الإعلام ترجمة دقيقة لمقالي في «ذي إندبندنت» البريطانية أفضل من الترجمة الرديئة والكيدية التي قُدمت للوزارة.
(5) من يعرف أكثر عن السعودية؟
ولكن حادثة مقال الواشنطن بوست لها عواقب ونتائج عريضة أكثر مما قد يبدو لأول وهلة. ولذلك المثقفون السعوديون يشيرون إلي مفارقة مهمة وصحيحة وهي أن القارئ الأمريكي العادي يعرف من صحافته عن أوضاع السعودية أكثر من المواطن السعودي الذي يقرأ صحافته المحلية!!
ومن القضايا التي تغطيها الصحافة الأمريكية الجادة دائما عن السعودية هو الحوار الدائر بين التيارات الفكرية في السعودية والوضع الاقتصادي، والعلاقات مع الولايات المتحدة. ورؤي السعوديين لأنفسهم ورؤية الآخرين لهم. وبينما هناك حوار ونقاش مستعر في الصحافة الأمريكية عن مستقبل السعودية، فإن الحوار والنقاش في الصحافة السعودية علي الأغلب ليس سوي انعكاس رديء لما يقال في الخارج. وفي الحقيقة، بعض أبرز الكتاب السعوديين (والعرب) يرددون بعض ما يكتب في الخارج علي أساس أنه من أفكارهم، أو يعيدون كتابة النقد الخارجي بهدف تفنيده بحماس وطني أو ديني متقد!! ولكثرة النقد الخارجي، صار من المسموح للصحفيين والكتاب السعوديين إعادة كتابة ما يقال عن السعودية في أمريكا مثلا رغم كون ذلك النقد غير مسموح في الصحافة السعودية، ولكن العرف العام سمح بهذا طالما هناك نية لتفنيده.
والنتائج ليست تماما حسب المأمول. لأن مثل تلك المقالات التي تنقل النقد الخارجي أصبح ينتج عنها - بدون قصد كُتابها - دعم المقولات النقدية الخارجية وترسيخها بصورة «لاشعورية» إن لم يكن تأكيدها عن طريق النفي (الذي يفهم عكسيا في السعودية وكذلك في معظم الدول العربية!!) وهذا بالتالي، غذي ما يعتبر سابقا تابوهات نقدية في الخطاب السعودي المحلي: وهي طريقة غير مباشرة بل مخادعة وثعلبية لإدخال نقاشات نقدية جدلية في صحافة الدول التوليتارية.
(6) ماذا تحتاج الصحافة السعودية لتتطور؟؟
وفي النهاية إذن، الحريات الوحيدة التي قد تمنح للصحفيين في السعودية هي تلك الحريات التي سيقاتل من أجل الحصول عليها رؤساء التحرير نيابة عنهم. وكما يعترف معظم الصحفيين السعوديين: الصحافة السعودية تحتاج شيء واحد قبل أي حريات وهو رؤساء تحرير جريئون وشجعان!!
ولكن البعض، مع هذا، لا يزال في مرحلة الإنكار Denial. فقد أكد لي رئيس تحرير جريدة يومية مهمة تعلم في أمريكا: «أصحاب المناصب العليا في الحكومة بدءوا يتجاوبون لما تنشره الصحافة السعودية». وهو يعتقد أن الصحافة السعودية بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية وصلت لما أسماه قمة «ربيع براغ» Prague Spring (في إشارة إلي فترة الانتفاضة الليبرالية القصيرة جدا في تشيكوسلوفاكيا الشيوعية (سابقا) والتي أدت لتدخل الجيش السوفيتي الأحمر لكبحها وإعادة الحكم الشيوعي للبلد في 1968]. وأضاف بزهو: «نحن فخورون بأن العديد من القضايا التي طرحناها بعد الهجمات تقبلتها وعالجتها الحكومة بل أدخل بعضها في الأنظمة الحكومية» ولكنه لم يعطني أية أمثلة علي ذلك الزعم. ولذلك فهو إما : كان يقوم بتضليلي بنفسه تلك الليلة، أو كان يبالغ متعمدا أمامي... لأنه، رغم كل هذه الإدعاءات، طُرد من منصبه بعد سنة!!
(7) حادثة فصل رئيس تحرير جريدة المدينة
بعد نشر جريدة المدينة في مارس 2002 قصيدة نقدية حارقة لرجال القضاء احتلت صفحة كاملة، صدر قرار فوري بفصل رئيس التحرير محمد مختار الفال.
(8) تعليق أهم كاتب سعودي علي فصل «الفال»
يعتبر الكثيرون عبد الله ناصر الفوزان أهم كاتب سعودي ومن المؤكد أنه صاحب شعبية كبيرة، وعلق الفوزان علي تعتيم الصحافة ممثلة برؤساء التحرير علي خبر فصل زميلهم الفال قائلا في جريدة الوطن: «عدم مناقشة خبر فصل رئيس تحرير المدينة يثبت أن صحافتنا أسيرة لضعفها الذاتي»
(9) صحفي مهني اسمه إدريس الدريس
إدريس الدريس جنتلمان في الستين وهو صحفي مخضرم ومحترم من قبل زملائه ويتفق تماما مع كل ماسبق أن ذكرته. الدريس صحفي فريد من نوعه بالنسبة لزملائه من حيث مهنيته المتميزة. وهذا في الغالب السبب الذي لم يجعله يحتل منصب رئيس تحرير رغم أهليته الواضحة له وخبراته الكبيرة المتراكمة حيث وصل فقط لمنصب نائب رئيس تحرير جريدة الجزيرة في الرياض.
وفي حوار خاص معه في 2002 بالرياض، روي لي حكاية عجيبة: ففي وقت سابق من تلك السنة، كان من المفترض فتح منفذ عرعر الحدودي مع العراق. وحصل الدريس علي خبر موثق من مصدر مستقل. ولذلك نشر الخبر في الصفحة الأولي كسبق صحفي مهم قبل تصريح وكالة الأنباء السعودية (واس) وهي منظمة حكومية مسئولة عن وضع قواعد لما يمكن ولا يمكن نشره في الصحافة، ومنها يحصل رؤساء التحرير علي الأذن بنشر أخبار معينة حساسة.
قال الدريس: «اتصل بي مسئول من وزارة الخارجية بعد نشر الخبر وطلب معرفة مصدر الخبر، فقلت له: «ركز علي عملك فقط... هذا الأمر ليس من اختصاصك، وأقفلت الهاتف فورا». قلت للدريس: «هل أنشر حكايتك؟» Is it on the record?. فأجابني: «نعم، بالتأكيد»!! وأضاف مؤكدا أن التزامه بنشر الحقيقة، عبر استغلال هامش الحرية الصغير واختراق حدود الرقابة التقليدية لأقصي حد ممكن، لم يتأثر بهذه الحادثة.
وقمت بذكر حكايته في مقال خاص كتبته عن الصحافة السعودية لحساب وكالة رويترز للأنباء. ومن المدهش أنه مايزال في عمله حتي الآن وهو ربما ما يثبت لا شيء أكثر من صحة قوله بأن هناك حقا حرية يمكن أن تستغل فقط إذا لم يكن رؤساء التحرير جبناء وخائفين جدا من التحلي بالشجاعة والجرأة وأخذ المبادرة والتجربة.
الدريس، فوق هذا، يملك سجلا حافلا من الكتابة الصحفية الجريئة والصريحة لأقصي حد. فعندما كان مديرا لتحرير مجلة «اليمامة» قبل 15 سنة نشر مقالا أثار جدلاً كبيرا ويذكره المثقفون حتي الآن بعنوان «الحق الذي أعطي ولم يؤخذ مطلقا»!! هناك جدل في السعودية بأنه لكون رؤساء التحرير وكبار الصحفيين يحتلون مكانة اجتماعية متميزة، فإن هذا يجعلهم - حتما وبدون شك - جزءا من النظام الحاكم. ولهذا فهم بالتالي عقبة أمام حرية الصحافة وجزء من المشكلة الرقابية بدلا من وسيط لحلها لا سيما بخصوص تطوير الحقوق السياسية للمجتمع.
المسئولون يشجعون رؤساء التحرير دائما علي استغلال الفرص المناسبة لمناقشة القضايا الاجتماعية والسياسية، ولكن الدريس يصر، مع ذلك، بأن السبب هو رؤساء التحريرفي المجموع العام فلا يزالون يرفضون فعل ذلك، لكونهم «يحصلون علي مرتبات ضخمة، ولديهم مراكز اجتماعية متميزة، والناس يتملقونهم دائما بسبب ذلك». وهم جبناء من حيث كونهم بعد وصولهم لمناصب عالية في حياتهم يخافون من فقدان تلك المزايا المهمة لو حاولوا قليلا تغيير العرف السائد عبر المبادرة والجرأة لاستغلال هامش الحرية وتغيير العرف السائدRocking The Boat
للأسف شهادة الدريس أصابت كبد الحقيقة.
الكاتب مترجم من مدينة الخبر السعودية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.