صدر تقرير التنمية البشرية لعام 2005، وقد أشار التقرير لعدد من المؤشرات والدلالات الخطيرة، التي تهم كل عامل في مجال التنمية، سواء كمجتمع مدني، أو كقطاع خاص، أو كحكومة. ومن هنا فإن هذه المقالة تقدم قراءة سريعة للتقرير، كما تشير إلي بعض الملاحظات التي تساعد العاملين في مجال الجمعيات الأهلية. في البداية أود أن أشير إلي أن مصر قد بدأت في إصدار تقارير للتنمية البشرية، منذ عام 1994، وتكمن أهمية هذه التقارير في انها تقدم صورة كاملة عن تحديات التنمية، فتساعد المسئولين علي التفكير في الخطط والسياسات المستقبلية، فهي بمثابة مرجع قياسي لتحليل التنمية علي مستوي الدولة. ومنذ عام 2005، أصبح للتقرير موقع الكتروني، ليسهل علي أي فرد الاطلاع علي التقرير في أي وقت، وتأتي هذه الخطوة كجزء من جهود الحكومة للتطوير، والعمل بنظام الحكومة الالكترونية. أعد التقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، بالتعاون مع وزارة التخطيط والتنمية المحلية في 12 محافظة، هي شمال سيناء، ومرسي مطروح، والبحيرة، والدقهلية، والجيزة، والمنيا، وقناوالاسماعيلية، والغربية، وبني سويف، وأسوان، وسوهاج. ومن القراءة نجد أن التقرير قد أشار للعديد من المؤشرات التنموية المتعلقة بالصحة والتعليم والفقر.. الخ. ولكن دعونا نبدأ بالمؤشرات الإيجابية، فقد أشار التقرير إلي أن معدل القيد الاجمالي بالتعليم الاساسي والثانوي والعالي، قد زاد من 2.66% في عام 1994 إلي 2.74% في عام 2004. وذلك نتيجة للجهود القومية التي بذلت لزيادة الوعي، ولبناء عدد كبير من المدارس خلال العقد الماضي. كما زاد معدل الإلمام بالقراءة والكتابة لدي السكان البالغين (15 سنة فأكثر) من 3.2% عام 1994 إلي 7.65% عام 2004، ويرجع هذا التحسن الكبير إلي السياسات التعليمية، التي طبقتها الحكومة، وإلي الكثير من الجهود التي بذلت، من قبل الجمعيات الأهلية والحكومة. وبالرغم من ذلك، فلا تزال مصر إحدي البلدان التسعة التي توجد فيها أعلي معدلات للأمية في العالم. تحدثنا عن المؤشرات الايجابية، ماذا عن المؤشرات السلبية، يشير التقرير إلي أن البطالة لا تزال هي المشكلة الأكبر، فقد زاد عدد المتعطلين من 8.1 مليون عاطل (منهم 845 ألف امرأة) في عام 1993، إلي 15.2 مليون (منهم 2.1 مليون امرأة) في عام 2004. ومع هذا التحسن في مؤشرات الصحة، تبقي هناك مشكلة وهي قلة أعداد الأطباء الحكوميين في العديد من المحافظات، فنجد مثلاً أن عدد الاطباء الحكوميين في محافظة الاسماعيلية يقدر بنحو 5.5 طبيب لكل 10 آلاف نسمة. نأتي لمشكلة أكبر وهي أن هناك تفاوتاً كبيراً جداً، بين محافظات الوجه القبلي، وباقي محافظات الجمهورية وان اشار التقرير إلي انخفاض هذه الفجوة عن السنوات الماضية، فبينما نجد أن نسبة الأمية في المحافظات الحضرية كالقاهرة والاسكندرية بلغت 2.19% فقط نجد أنها وصلت إلي 5.43% في محافظات الوجه القبلي. وكما تفاوتت النسبة في الأمية، تفاوتت كذلك في معدلات الفقر، فقد بلغ عدد الفقراء في الوجه القبلي 9 ملايين نسمة، في حين وصل العدد في الوجه البحري إلي 9.3 مليون، وفي المحافظات الحضرية 2.1 مليون. الاكثر من ذلك ان عدد السكان الذين لا يحصلون علي خدمات الصرف الصحي، والمياه في الوجه القبلي، يثير الفزع فعلي سبيل المثال يحصل 7.7% فقط من سكان بني سويف علي مياه شرب نقية. كما أن عدد وفيات الأطفال هناك أكثر بكثير من معدلاتها في المناطق الأخري. وهذا ما يدفعني للتساؤل عن سبب هذا التفاوت، والأهم كيف يمكن إلغاء هذه الفوارق؟ في رأيي أن الشراكة بين القطاع الأهلي والحكومة، هي السبيل الأمثل للنهوض بمحافظات الوجه القبلي، فعلينا وضع خطة سريعة للعمل سويا، واعتقد أن المشكلة لا تكمن في عدم وجود جمعيات الأهلية في باقي المحافظات المصرية. فنجد أن محافظة بني سويف، والتي أتت في المرتبة الرابعة والعشرين بين محافظات الجمهورية في مؤشرات التنمية، بها 519 جمعية أهلية، و292 جمعية تنمية مجتمع، و227 جمعية رعاية اجتماعية، في حين أن عدد هذه الجمعيات، لا يزيد علي 227 جمعية في الاسماعيلية. وهذا ما يثير تساؤل هام، عن دور الجمعيات الأهلية، وهل تعمل هذه الجمعيات في الاتجاه الصحيح، أم أنها تقدم خدمات لا يحتاجها المجتمع، ولا تحقق التنمية. من المؤشرات الخطيرة، التي أشار لها التقرير ضعف التمثيل السياسي للمرأة في المجالس المحلية، علي مستوي الجمهورية، فمثلاً بلغت نسبة المرأة في المجالس المحلية لمحافظة الجيزة 6.1% فقط. كذلك فدور الأحزاب داخل المجالس المحلية ضعيف جداً، حيث يسيطر الحزب الوطني علي 98% من المقاعد داخل هذه المجالس في محافظة المنيا، علي سبيل المثال، ومن هنا فلابد أن نطالب الأحزاب بدور أكبر داخل المحافظات، وعلي المستوي القاعدي، بداية من المجالس المحلية، لأن ذلك هو الدور الأهم للأحزاب، في بناء قاعدة شعبية واعية. وفي مجال المشاركة السياسية، أوضح التقرير، أن عدد البطاقات الانتخابية لا يتوافق مع عدد من شاركوا في الانتخابات، فعلياً، مما يشي بأن هذه البطاقات قد تم استخراجها للحصول علي خدمة ما دون وعي حقيقي بأهمية المشاركة في العملية السياسية. أكثر ما لفت انتباهي في التقرير هو اختيار فريق العمل في التقرير لمحافظة قنا كنموذج لأفضل الممارسات، نظراً لما حققته من تنمية سريعة بدأت من مستوي منخفض للغاية، ووصلت إلي الترتيب السابع عشر بين محافظات الجمهورية ال 26. أفرد التقرير جزءا، ليشرح الأسباب التي حققت تلك الانجازات في قنا، والتي يمكن تلخيصها في، العمل من خلال خطة متكاملة للإصلاح، والاهتمام بحماية الاراضي الزراعية من التعديات العمرانية، ووضع النهوض بالخدمات لصالح الفقراء علي أولوية الاهتمامات، فضلاً عن تطبيق اللامركزية المالية، والمشاركة الفعلية بين الحكومة المحلية والجمهور. وبالنظر لهذه الأسباب نجد أن الجمعيات الأهلية يقع علي عاتقها جزء كبير من المسئولية لتحقيق الانجازات. ومع هذا فقد أوضح التقرير أنه بالرغم من التواجد العددي لمنظمات المجتمع المدني، والتي يصل عددها في محافظة الجيزة، مثلاً، إلي 891 جمعية، فإنه لا توجد أية روابط تنسيقية أو تكاملية بين هذه المنظمات، وحتي تلك التي تعمل داخل قطاع واحد. ومن هنا فأنا اناشد كل الجمعيات الأهلية بمراجعة دورها، وتطوير الفكر الذي تعمل به والتأكيد علي اهمية الشراكة بين المنظمات وبعضها، وبين المنظمات الأهلية والحكومة، حتي نحقق التنمية المطلوبة في شتي المجالات.