كرة القدم التي تسحر يوميا قلوب وعقول الملايين في العالم منذ انطلاق منافسات كأس العالم بألمانيا تمر الآن بفترة من أصعب الفترات في حياتها بعد أن انتشر الفساد في أوصالها سواء في الاتحاد الدولي الفيفا الذي يتولي إدارة شئون اللعبة أو في البطولات المحلية في العديد من الدول سواء في أوروبا أو في أمريكا الجنوبية أو في آسيا. ورغم النجاح الباهر الذي تحققه كرة القدم كل يوم وتعزز فيه شعبيتها الطاغية في العالم، فقد أصبح لزاما عليها أن تصحح مسارها بعد أن شهد موسم 2005/2006 واحدا من أسوأ المواسم الكروية فانتشر الفساد في ربوعها ابتداء من شراء ذمم الحكام والتلاعب في نتائج مباريات الكرة والتلاعب في المراهنات واستخدام النفوذ ودفع الرشاوي، بالإضافة إلي تزايد أشكال العنف والعنصرية في المدرجات والملاعب. إيطاليا أحد أكبر دول كرة القدم في العالم وحاملة لقب بطل العالم ثلاث مرات تمر الآن بواحدة من أكبر الفضائح الكروية في تاريخها.. فنادي اليوفنتوس العريق أحد أكبر الأندية في إيطاليا والعالم مهدد بالنزول إلي دوري الدرجة الثانية بعد اكتشاف أعمال مشبوهة قام بها مديره العام لوسيانو موجي المتهم باختيار الحكام علي هواه وممارسة الضغوط عليهم لتغيير مسارات المباريات لصالح اليوفنتوس من خلال الشركة التي يديرها ابنه. ولا يستبعد الخبراء أن يؤدي صدور قرار محتمل بنزول نادي اليوفنتوس إلي دوري الدرجة الثانية إلي نزول مماثل لنفس الدرجة لعدد من الأندية الإيطالية الأخري المشكوك في تورطها في عمليات التلاعب بالمباريات. وفي بلجيكا اهتزت الأوساط الكروية بعد أن تم اكتشاف عملية تلاعب في النتائج بتفويت بعض المباريات وتغيير نتائجها بسبب تدخل الحكام وتخاذل بعض اللاعبين لصالح مافيا المراهنات علي مباريات الدوري المحلي. وقد أصدرت السلطات البلجيكية فور الكشف عن هذه الفضيحة التي كسبت منها مافيا المراهنات مئات الملايين من اليورو مذكرة توقيف دولية ضد رجل أعمال صيني كبير في بلجيكا ووكيل أعمال لاعبين يحمل الجنسيتين الإيطالية والبلجيكية. البرازيل بلد السامبا لم تسلم هي الأخري من الفساد، فقد تم الكشف عن فضيحة تلاعب في المباريات، ومن المقرر إعادة 11 مباراة لعبت في موسم 2005/2006 بعد أن تم التأكد من شراء ذمم عدد من الحكام. وفي هولندا وضع القضاء الهولندي ثلاثة أندية من الدرجة الأولي تحت المراقبة القضائية بعد أن تم فتح تحقيق قضائي بشأن عمليات فساد محتملة في هذه الأندية. حتي فيتنام الدولة الصغيرة في عالم كرة القدم فلم تسلم هي الأخري من الفساد بعد أن تم اكتشاف عملية تلاعب في نتائج المباريات أسفرت عن دخول 4 لاعبين من لاعبي المنتخب الوطني الفيتنامي السجن. والغريب في الأمر أن الفساد طال أيضا ألمانيا بلد النزاهة والعمل والجدية، حيث أدانت إحدي المحاكم في برلين في نوفمبر الماضي حكم كرة بالسجن لمدة 29 شهرا مع النفاذ بعد أن ثبت تلقيه رشاوي للتأثير علي نتائج عدد من المباريات في دوري الدرجتين الثانية والثالثة لصالح أحد أباطرة المراهنات. ورغم أن الكرة الفرنسية قد سلمت من ظاهرة التلاعب في نتائج المباريات، فإن كرة القدم الفرنسية مرت مع ذلك بواحد من أسوأ المواسم في تاريخها، حيث يعمل القضاء الفرنسي الآن علي قدم وساق للكشف عن تفاصيل عمليات انتقال مشبوهة في نادي باريس سان جيرمان أحد قطبي الكرة الفرنسية حصل من ورائها المسئولون في النادي والسماسرة علي الملايين كعمولات والتهرب من تسديد الضرائب علي هذه العمولات. وقد كشفت أيضا هذه الفضيحة التي تهز أرجاء نادي باريس سان جيرمان عن حصول البعض علي عمولات ورواتب في صورة عقود تم توقيعها مع شركات نايك للأدوات الرياضية التي تخوض الآن معركة تنافس شرسة للسيطرة علي سوق أدوات ومستلزمات كرة القدم مع شركة اديداس التي وصل نفوذها إلي حد التحكم في تعيين قيادات الفيفا وفقا لكتاب إنجليزي صدر في باريس باللغتين الإنجليزية والفرنسية. ولم يقتصر الفساد علي نادي باريس سان جيرمان بل طال أيضا القطب الثاني للكرة الفرنسية وهو أوليمبيك مارسيليا الذي تخضع الآن قياداته للتحقيق بعد الاشتباه في تورطهم في عملية غش وتدليس وتهرب ضريبي. ورغم نفي رئيس نادي مارسيليا روبير لوي دريفوس اليهودي الديانة لأي تورط في هذه العملية المشبوهة، إلا أن تحقيقات النيابة العامة في مارسيليا تجري الآن تحت شعار مكافحة نظام التدليس الشامل في نادي مارسيليا، بسبب خطورة ما يجري من فساد في النادي العريق. كما شهد موسم 2005/2006 ظاهرة من أسوأ المظاهر وهي العنصرية التي طالت لاعبي كرة القدم الملونين لاسيما الأفارقة الزنوج. فتزايدت الهتافات العنصرية في الاستادات الأوروبية ضد الأفارقة للتأثير علي نفسياتهم للحد من نجاحهم الباهر في الملاعب الأوروبية. فمن يمكن أن ينسي عنصرية بعض الجماهير في أسبانيا، وهي تطلق صيحات القردة كلما سجل صامويل ايتو نجم هجوم منتخب الكاميرون ونادي برشلونة هدفا رائعا في مرمي الخصوم أو حتي كلما مرر كرة جميلة أحرز منها زميل له هدفا جميلا. وما يحدث ضد ايتو من عنصرية طال أيضا في بريطانيا تييري هنري نجم هجوم فرنسا الزنجي ونادي الأرسنال مثلما طال ديدييه دروجبا نجم كوت ديفوار ونادي تشيلسي الإنجليزي والذي يعود له الفضل في فوز فريقه ببطولة الدوري الإنجليزي تماما مثلما ساهم ايتو في حصول برشلونة علي بطولة الدوري الأسباني وبطولة الأندية الأوروبية. ولم تقتصر ظاهرة العنصرية علي مباريات الدوري المحلي بل دنست أيضا مونديال ألمانيا عندما أطلق الجمهور الأسباني صيحات الاستهجان وصيحات القرود عند دخول لاعبي فرنسا الزنوج إلي أرض الملعب. وقد أرجع لاعبو فرنسا فوزهم الكاسح 3/1 علي أسبانيا إلي رغبتهم في الرد علي الجمهور الأسباني. الفساد لم يقتصر علي البطولات المحلية بل طال أيضا رأس الكرة العالمية الممثلة في الفيفا وهو الاتحاد المسئول عن إدارة شئون كرة القدم في العالم هذا لو صدقنا ما بثته شبكة ال "بي. بي. سي" التليفزيونية البريطانية وكتاب صدر مؤخرا للكاتب الصحفي البريطاني الشهير "اندرو جينينجز" بعنوان "بطاقة حمراء.. الخبايا المزعجة للفيفا". وكشفت "بي. بي. سي" في تحقيق صحفي بثته بعد انطلاق المونديال أن شركة "انترناشونال سبورتس اند ليزيور" المتخصصة في الحصول علي حق البث التليفزيوني لمباريات بطولات كأس العالم دفعت رشاوي لكبار قادة الفيفا مقابل الحصول علي المناقصة الدولية الخاصة بنقل مونديال 2002 و2006 دون منافسة من شركة أخري. وأكدت "بي. بي. سي" أنها تمتلك الأدلة علي هذه الاتهامات، مشيرة إلي أن هذه الأدلة هي عبارة عن وثائق لشركة "اي. اس. ال" التي تم حلها في عام 2001 بعد إشهار إفلاسها مؤكدة أن الفيفا ورئيسها جوزيف بلاتر السويسري الجنسية متورطان في عملية فساد كبيرة تخضع الآن لتحقيقات تقوم بها الشرطة السويسرية. ومن جانبه كشف الصحفي البريطاني اندرو جينينجز في كتابه عن تبخر نحو 2.3 مليار دولار في الهواء سددتها شركة "اي. اس. ال" مقابل الحصول علي حقوق بث مونديال 2002 و2006. وأكد جينينجز أن هذه المليارات لم تدخل حساب الفيفا، وأنها ذهبت لتزيد ثقل حسابات خاصة باسم رئيس الفيفا جوزيف بلاتر وعدد من قيادات الفيفا. يذكر أن شركة "اي. اس. ال" هي شركة كان قد أسسها هورست دسلار رئيس شركة اديداس السابق قبل أن يتم حلها في عام 2001 بعد إشهار إفلاسها.