هل حان موعد خلاص أمريكا من احتلال إيديولوجي صهيوني ضرب كثيرا في المجتمع الأمريكي وهل بات الأمريكيون موقنين أن سياساتهم الخارجية والتي كانت علي الدوام مدفوعة من جماعات الضغط اليهودية قد جرت علي بلادهم انتكاسات كبيرة بل وأضحت اليوم من جرائها الولاياتالمتحدة مكروهة في العالم؟ الإجابة تقودنا إلي ورقة بحثية أضحت اليوم حديث المجتمع الأمريكي وقد قام عليها اثنان من الأكاديميين الأمريكيين المشهورين العاملين في جامعة هارفارد كبري الجامعات الأمريكية وهما "جون مارشايمر" وستيفن والت الأستاذان في قسم العلوم السياسية. والدراسة عبارة عن قراءة متأنية للحضور الإسرائيلي في السياسة الخارجية الأمريكية لا سيما في ضوء أنشطة اللوبي اليهودي وفي مقدمته منظمة ايباك والتي هي بمثابة مجمع للهيئات والمؤسسات الداعمة للسياسات الإسرائيلية في قلب الحكومة الأمريكية. وتعترف الدراسة بان نفوذ هذا اللوبي من خلال اذرعه الممتدة في المجتمع الأمريكي يساهم بشكل أساسي في رسم السياسة الخارجية الأمريكية التي تصفها هذه الدراسة التي تثير جدلا واسعا ونقاشا كبيرا بأنها سياسة معادية لمصالح الولاياتالمتحدة وتؤكد علي أن ايباك تضرب في كافة مواقع السلطات الأمريكية التشريعية والتنفيذية ولا تستبعد القضائية وتتحدث كذلك عن تطويع اللوبي اليهودي لوسائل الأعلام الأمريكية وتأثير هذا اللوبي في الأوساط الفكرية والأكاديمية الأمريكية لهدف واحد هو استمرار إتباع الولاياتالمتحدة لسياسة موالية لإسرائيل. وعلي غير العادة اقتربت هذه الدراسة من منطقة الحظر المفروضة علي السامية بإشارتها إلي أن اليهود في أمريكا يستخدمون تهمة العداء للسامية لإسكات كل الأصوات التي تنتقد إسرائيل بوصفها معادية للسامية. وتؤكد الوثيقة علي تفرد جماعات الضغط اليهودية بهذه الخاصية في العلاقات الضاغطة علي الحكومة الأمريكية بقولها " إن مجموعات ضغط أخري حاولت ممارسة نفوذها علي السياسة الخارجية الأمريكية لكن أيا منها لم ينجح في تحويل هذه السياسة عن خدمة المصلحة الأمريكية الوطنية وإقناع الأمريكيين في الوقت ذاته بان مصالح أمريكا وإسرائيل متشابهة. وفيما يشبه الاتهام الرسمي توجه الوثيقة أصابع الاتهام إلي اللولبي الإسرائيلي ودوره الفاعل عبر مجموعات اليمين المحافظ والمعروفون بالمحافظين الجدد في إعلان الحرب الأمريكية علي العراق وهي التي حققت مكاسب لإسرائيل في حين أصابت أمريكا بخسائر فادحة علي الصعيد الدولي من خلال خسارتها لمصداقيتها السياسية أو علي الصعيد الداخلي من خلال تدهور الأوضاع الاقتصادية والتكلفة الإجمالية للحرب علي العراق والتي تقارب ألتريليوني دولار. والتساؤل المثير الذي تحاول الوثيقة الإجابة عليه هو " هل دعم الولاياتالمتحدة لإسرائيل علي طول المدي دون قيد أو شرط هو في صالح السياسات الأمريكية ومستقبلها لا سيما وأنها أضحت اليوم بمثابة العدو من قبل معظم دول العالم وان لم يعلن الجميع صراحة هذا العداء؟ الوثيقة تجيب علي التساؤل من خلال تأكيدها علي أن هذا الدعم يسهم في زيادة الصعوبات أمام واشنطن في الحرب التي تخوضها ضد الإرهاب وفيها " أن إسرائيل تشكل في الواقع عقبة في وجه الحرب علي الإرهاب والجهد الذي تبذله أمريكا للتعامل مع الدول المارقة. وفي تشخيص للازمة الأمريكية القائمة في المنطقة العربية وهي أزمة فقدان الثقة والشك في سياسات واشنطن بصورة مطلقة تري الوثيقة أن مشكلة أمريكا علي سبيل المثال مع القضية التي تؤرقها اليوم بشكل أساسي أي قضية الإرهاب إنما تعود في قسم كبير منها إلي تحالفها الوثيق مع إسرائيل وليس العكس وتضيف انه لم يكن هناك أي مبرر لقلق أمريكا حيال إيران أو العراق أو سورية لو لم يكن لذلك صلة بعلاقات أمريكا الوثيقة مع إسرائيل. وفي صيغة اقرب إلي الاعتراف الواضح الصريح تذهب إلي أن المزاعم التي يطلقها السياسيون الأمريكيون بان إسرائيل تستحق العلاقة الوثيقة مع الولاياتالمتحدة باعتبارها دولة ديمقراطية حقيقية هي مزاعم لا أساس لها من الصحة فإسرائيل تستخدم وسائل تعذيب بحق الفلسطينيين لا تتفق مع القيم الأمريكية والمؤكد أن المسطح المتاح للكتابة يضيق عن سرد ابعاد الوثيقة لكننا نكتفي هنا بروحها ونتساءل ماذا يعني خروج مثل هذه الوثيقة إلي النور ؟ في تقديري انه يعكس حالة الحراك التي تشهدها الساحة الأمريكية لا سيما من قبل الجماعات الانجلو ساكسونسة غير المخترقة صهيونيا والرافضة لهذه الهيمنة اليهودية التي تجسدت في معظم أعضاء إدارة بوش الأولي وبعض من الثانية. وفي الحديث عن دور هولاء يلحظ المرء رفضا كبيرا لهذه الهيمنة الإسرائيلية والتي قالت عنها الوثيقة إنها بمثابة عبء استراتيجي تحمله تل أبيب لواشنطن وتضعه علي منكبيها منذ سنوات فاقت الخمسين وفي الرفض نفسه بداية لانهيار الأساطير الأربعة المؤسسة للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية وهي أن إسرائيل ضعيفة ومحاصرة ببحر من الأعداء وأنها الدولة العبرية والتي تعد واحة ديمقراطية في صحراء الديكتاتورية وثالث الأساطير هو أن الشعب اليهودي يستحق معاملة خاصة بعد الاضطهاد وأخيرا أن تل أبيب علي خلق وجيرانها منحطون ومما لاشك فيه أن هذه الدراسة قد استحضرت للأذهان تصريح حكيم أمريكا ومفكرها الذي ينتمي لجيل الآباء المؤسسين بنجامين فرانكلين وفيه يري انه "إذا لم يطرد اليهود خلال مائتي عام فان أبنائنا سيعملون في الحقول لإطعامهم في حين يقبع هؤلاء في مكاتب حساباتهم يفكرون أيديهم فرحا إنهم يجب أن يطردوا عن طريق الدستور" فهل حان وقت المراجعة الأمريكية لسياساتها المدفوعة دفعا من قبل جماعات الضغط اليهودي؟ الحادث أن الاتهامات التي ترد في الوثيقة تجعل المرء يدرك حتمية هذه المراجعة وبخاصة أنها تشير إلي دور الطابور الخامس الذي تقوم به إسرائيل وجماعات ضغطها في واشنطن من خلال التجسس علي العم الأمريكي ونقل أسراره والتكنولوجيا المتوافرة لديه إلي قوي مناوئة كانت روسيا من قبل واليوم الصين. وقد جاء القبض العام الماضي علي بعض زعماء ايباك بتهمة تهريب وتسريب أخبار من وزارة الدفاع الأمريكية لإسرائيل بشكل مباشر لتوجه ضربة قاضية أو هكذا خيل للبعض للعلاقات الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية. وربما يجدر بنا التساؤل هل يعي الإسرائيليون أن هناك تطورات تجري علي الأرض الأمريكية في غير صالحهم؟ للإجابة هنا نذكر بما ورد في إحدي الصحف الإسرائيلية وهي "ماكور ريشون" في العاشر من شهر فبراير شباط عام 2005 والتي قدمت في عددها الأسبوعي تحليلا للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية تحت عنوان "إدارة بوش أكثر الإدارات عداء لإسرائيل منذ عام 1967" وهو عنوان يصدم القارئ العربي ويدعوه للتعجب فهل بعد كل ما قدمه بوش لإسرائيل يضحي عدوا لها؟ القراءة تقودنا إلي مفهوم العداء والصداقة في نظر الإسرائيليين وهو ما يشرحه " كارول جليك "بقوله" حين يتطرق الإسرائيليون إلي العلاقات بين إسرائيل والولاياتالمتحدة يكررون الكذبة التي اعتاد شارون علي إطلاقها حين قال إن علاقتنا مع الولاياتالمتحدة تشير إلي تقارب كبير وتحسن لم يحدث لهما مثيل في السابق "لكن هذا القول إذا ما قورن بالعلاقات بين إسرائيل وأوربا يصبح صحيحا تماما أما إذا درسنا هذه العلاقات بالمقارنة بالماضي وبما تستطيع الولاياتالمتحدة تقديمه لإسرائيل فالأمر يختلف تماما. والشاهد أن الاختراق الإسرائيلي أصبح اليوم يشكل أزمة حقيقية في المجتمع الأمريكي فقد اعترف مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق جورج تينت مباشرة بان رجاله كانوا موقنين علي الدوام بوجود شخص ما داخل الإدارة العليا يقوم بتسريب المعلومات الشديدة الدقة والأهمية لإسرائيل وقد كان رجال إدارة بوش الأولي بدءا من بول وولفوتيز ودوجلاس فيث وريتشارد بيرل علي علاقات وطيدة بالحكومات الإسرائيلية وبأجهزة الدفاع والاستخبارات فيها وبعضهم مثل ديفيد وورمسر عمل مستشارا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ولاحقا وجد طريقه إلي البيت الأبيض للعمل كمستشار سياسي لشئون الشرق الأوسط في مكتب نائب الرئيس ديك تشيني وهو الذي أدرك مبكرا أن هناك عواصف يمكن أن تهب علي العلاقات الأمريكية الإسرائيلية " كما بان جليا في وثيقة هارفارد "لذا فقد صرح ذات مرة في شهر مارس من عام 2001 بالقول "إن اكبر خطأ ارتكبه الإسرائيليون وقادة اليهود الأمريكيون في ولايتي الرئيس كلينتون هو الارتباك الذي ظهر عليهم باعتمادهم علي البيت الأبيض من اجل تثبيت بعض المبادئ والمصالح الإسرائيلية". وفيما يشبه رسم الخطة الاختراقية لتحويل دفة السياسة الأمريكية في عهود الرؤساء المقبلة يكمل قائلا "كان ينبغي تجنيد اكبر عدد ممكن من رجال الإدارة الآخرين لتحقيق هذا الهدف وإدراك تلك المصالح". ماذا يعني ذلك؟ يعني أن هناك خوفا حقيقيا وان لم يتحول إلي قوة فاعلة علي الأرض من تغير دفة العلاقات بين البلدين وان هذه المخاوف قد تبدت للبعض من جهة أن إدارة بوش من أكثر الإدارات التي سببت صدمة لإسرائيل فهي أول إدارة تؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة غربي نهر الأردن حتي وان كانت مجرد تصريحات شفاهية " ففي حين كان القراران الامميان 242 ، 338 يشكلان أساسا للحل أهملت إدارة بوش هذين القرارين وتبنت قرارا في مجلس الأمن الدولي يدعو بشكل واضح إلي إنشاء دول فلسطينية مستقلة تستند إلي خارطة الطريق ومشاركة اللجنة الرباعية الدولية في متابعتها وتنفيذها ليس هذا فحسب بل يري بعض المحللين الإسرائيليين انه علي المستوي الاستراتيجي تقوم الولاياتالمتحدة بتخبئة إسرائيل وعدم ذكرها في كل تحالف دولي معاد للإرهاب في العالم ولم يسجل شارون لنفسه حسب تلك الآراء مكسبا كبيرا من بوش سوي الإعلان الأمريكي عن عدم إلزام إسرائيل بالعودة إلي حدود عام 1949 وعدم إلزامها بإعادة اللاجئين إلي أراضيها؟. وفي هذه القراءة السريعة لا يمكننا إغفال نقطة جوهرية ستؤثر إن عاجلا أو آجلا علي مستقبل هذه العلاقة وهي الخلاف الديني المرشح للانفجار في كل لحظة والذي علي ضوئه تقود إسرائيل الولاياتالمتحدة لتحقيق سياساتها حتي وان ذهبت أمريكا إلي الجحيم من وراء وجراء تلك السياسات وبعبارة أوضح فان تيار اليمين المسيحي الحاكم والمسيطر اليوم وان غرق في الأبعاد التوراتية اليهودية إلا انه في حقيقة الأمر لا ينظر لليهود واليهودية اليوم إلا بمنظور الجسر والذي من خلاله سيتم تحقيق التنبؤات وعودة عيسي بن مريم للأرض ثانية وقبل عودته يلزم أن يتحول اليهود عن بكرة أبيهم إلي المسيحية وهو ما تدركه قيادات إسرائيل وتهيئ نفسها للخطة الحاسمة والتي فيها يمكن أن تتحول هذه السياسات الدينية إلي واقع حال وفي هذا الإطار تفهم سياسات إسرائيل في اختراق المجتمع الأمريكي الذي يدعمهم اليوم ويمكن أن يتحول أداة لهدمهم في الغد لذا يحسبون للغد ألف حساب حتي إذا جاء لا تستطيع أمريكا أن تهدد إسرائيل ولا حتي بالسلاح النووي والذي حصلت عليه إسرائيل ليس دفاعا عن نفسها أمام أعدائها من الجيران العرب لكنه تحسبا ليوم يندلع فيه الخلاف مع أوربا أو أمريكا وقد تكون هذه الرؤية بعيدة المدي لكن استقراء المشهد ألتوراتي الإسرائيلي ناهيك عن بقية كتبهم بدءا من المشنة مرورا بالتلمود يؤكد علي أنهم يرون حتي الساعة في ذواتهم الشعب المختار وفي بقية شعوب العالم الجويم أو الاغيار والذين تتشابه أرواحهم ونفوسهم مع أرواح ونفوس الحيوانات وليس البشر. ويبقي في النهاية التساؤل هل تعني هذه الوثيقة أن موعد الغروب قد حان علي هذه الصلة الوثيقة بين أمريكا وإسرائيل؟ قبل العودة للإجابة علي الوثيقة نذكر بمشهد مؤتمر الايباك الأخير منذ أسابيع قليلة مضت وفيه رأينا معظم القيادات السياسية الأمريكية تقدم الحب والولاء والعزة والكرامة لإسرائيل رغم فضائح ايباك التجسسية وشهدنا المندوب الأمريكي في الأممالمتحدة جون بولتون يعلن من علي منصة المؤتمر تهديدا أمريكيا صريحا لإيران وقد كان المشهد برمته عرسا أمريكيا إسرائيليا.. تري ما السبب في هذه الازدواجية؟ تقول الوثيقة إن سطوة اللوبي الإسرائيلي داخل أمريكا لن تغرب شمسها قريبا حيث انه لا توجد أي مجموعة ضغط يمكنها الوقوف أمام اللوبي الإسرائيلي كما أن الساسة الأمريكيين لديهم حساسية مفرطة إزاء التبرعات الانتخابية وأشكال أخري من الدعم السياسي فضلا عن انه من المتوقع أن تظل وسائل الإعلام الأمريكية كما هي في انحيازها الواضح لإسرائيل ونقول إن الأيام القادمة ستشهد اختبارا حقيقيا تقودنا نتيجته لمعرفة مستقبل هذه العلاقة ونعني به المواجهة الأمريكيةالإيرانية فهل سينجح هذا اللوبي في دفع أمريكا ثانية للإطاحة بأخر عدو لها في المنطقة العربية؟ أم سيدرك الأمريكيون الخطأ قبل تكراراه فيما يشبه إنقاذ سفينة العم سام من خروقات السامية المهلكة ان جاز التعبير؟