يبدو أن المعركة ضد الإسلام والمسلمين هي أطول واعقد مما يتضح للرائي ويوقن الناظر للمشهد الأمريكي كذلك أن زمن المحافظين الجدد وأنصار وثيقة القرن الأمريكي ودعاة الحرب الطويلة لن يقدر لهم الاختفاء بسرعة من مواقع صناعة القرار في واشنطن . المؤكد أن الرابط الرئيسي بين هؤلاء هو أمر واحد وهو العداء للإسلام وتصويره أبدا ودوما علي انه التحدي الحقيقي الذي يعوق مسيرة الغرب الحضارية والحياتية لا سيما داخل الولاياتالمتحدة بنوع خاص . والإسلام بالنسبة لهم هدف لابد من منازلته إذ هو إرهاب عند بعضهم وفاشية عند البعض الأخر وبين هؤلاء وأولئك يأتي الحديث عن الحرب العالمية الثالثة فمن بوش وصولا إلي قائد القيادة الأمريكية الوسطي المسؤلة عن العمليات في الشرق الأوسط الجنرال جون أبي زيد يدرك المرء النوايا الأمريكية ما ظهر منها وما بطن . في السادس من أكتوبر من عام 2005 وأمام المؤسسة الوطنية من اجل الديمقراطية كان الرئيس بوش يعلن حربه علي ما اسماه الإمبراطورية الإسلامية التي تهدد بلاده ويومها قال " إن الإرهاب والتطرف يستغل الإسلام لخدمة رؤية سياسية تتسم بالعنف وتعمل علي تأسيس إمبراطورية استبدادية تنكر كل الحريات السياسية والدينية عن طريق التدمير والتمرد وان هولاء المتطرفين يعتقدون أن السيطرة علي بلد واحد " العراق " ستحشد لهم جماهير المسلمين مما سيمكنهم من إسقاط كل الحكومات المعتدلة في المنطقة وإقامة إمبراطورية إسلامية راديكالية متطرفة تمتد من أسبانيا إلي اندونيسيا .. وفي الثامن عشر من أكتوبر الماضي وفي محاضرة ألقاها الجنرال جون أبي زيد في جامعة هارفارد العريقة تحت عنوان " الحرب الطويلة " حذر من احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة إن لم يجد العالم وسيلة لوقف تصاعد التطرف الإسلامي مشبها الوضع القائم حاليا والمتمثل في تزايد ظهور إيديولوجيات المتشددين بظهور القوي الفاشية في أوروبا في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي والتي مهدت ممارساتها لاندلاع الحرب العالمية الثانية . ويكمل أبي زيد في تحذير شديد اللهجة قائلا " إن عليكم أن تتدبروا أمركم اليوم وتغتنموا هذه الفرصة السانحة للاستعداد مثلما استعد غيركم لمواجهة الفاشية عام ذلك لأنه إذا لم يتم وقف المتطرفين فسوف يتمكنون من حيازة ملجأ امن لتطوير أسلحة دمار شامل وإيجاد موقع انطلاق منه واعتقد أن الأخطار المرتبطة بذلك اكبر من أن ندركها . والتساؤل ماذا تعني كلمات القائد العسكري العربي الأصل والذي يفاخر علي الدوام بحبه للعرب ؟ يعني في تقديري بداية أن هناك إصرارا علي إكمال ما ورد في الاستراتيجية الخاصة بالأمن القومي الأمريكي عام 2002 والتي تعلن فيها إدارة بوش الحرب علي الكون عامة لا سيما الجزء الإسلامي فيه والنص الصريح يدلل علي صدق هذا الحديث إذ تقول الاستراتيجية لابد أن تستعد الولاياتالمتحدة لوقف هذه الدول المارقة والتنظيمات الإرهابية قبل أن يقوموا بالتهديد أو استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الولاياتالمتحدة وحلفائها وأصدقائها وفي سبيل ذلك فان عليها تحديد وتدمير أي خطر إرهابي قبل أن يصل إلي حدودها باستخدام ما يسمي منع الانتشار كما انه لابد من استخدام مبدأ الحظر الوشيك كوصف لقدرات وأهداف الدول المارقة التي تعتمد علي الأعمال الإرهابية واستخدام أسلحة الدمار الشامل ". ولعل النتيجة الأولي للربط بين النص المتقدم وتصريحات الجنرال أبي زيد هي أن التيارات المتزعمة للحرب علي الإسلام والمسلمين بحجة الإرهاب من يمينيين أمريكيين ومحافظين جدد ومسيحيين متصهينين وجماعات ضغط موالية لإسرائيل لم ولن تختفي عن مسرح الأحداث في المديين القريب ولا المتوسط وأنها مجتمعة تشكل نفوذا واسعا منذ التسعينات وبنفس القوة ماضية في خططها لعسكرة العالم وان توجهاتها جهة المنطقة العربية والشرق أوسطية حيث قلب الإسلام النابض تحمل نذرا بالسوء الكبير والكثير. يكتب دافيد دوانر من الواشنطن بوست الأمريكية يقول " إن الجنرال أبي زيد يقود علي الأرجح أقوي قوة عسكرية في التاريخ حيث تصطف قوات القيادة المركزية التي يقودها عبر الهلال الخشن للشرق الأوسط من مصر إلي باكستان في استعراض ساحق للقوة الأمريكية وهو يتنقل بصحبة حكومته المصغرة التي تتكون من مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية لإدارة الشؤون الدبلوماسية وضابط رفيع المستوي من المخابرات المركزية للاشراف علي الشؤون الاستخباراتية وحاشية من الجنرالات والأدميرالات لمتابعة العمليات واللوجستيات وانه إذا كانت هناك إمبراطورية معاصرة فان أبي زيد هو المارشال المسئول عنها . غير أن قراءة فكر أبي زيد تجزم بان الخطر محدق ويقترب كثيرا فهو يعتقد أن الحرب الطويلة والتي بدأت في أفغانستان والعراق مازالت في مراحلها الأولي ويقول إن النصر سيكون من الصعب قياسه لان العدو لن يرفع علما ابيض ويستسلم في يوم واحد وان النجاح عوضا عن ذلك سيكون عملية تحديث تراكمية للعالم الإسلامي الذي سوف يجد بالتدريج طريقه إلي التكيف مع الاقتصاد العالمي والأنظمة السياسية المفتوحة . ويري أبي زيد أن أعداء أمريكا في هذه الحرب الطويلة يلجأون للعنف في محاولة لإعادة إنشاء ما يتخيلون أنها الحكومة الإسلامية النقية غير انه يؤكد أن تلك الحركة الراديكالية اعرض وأغزر من تنظيم القاعدة وأنها شبكة فضفاضة من الأفراد ذوي الميول من نفس المشارب منتشرون في العالم اجمع وهذا مبرر فكرة الحرب العالمية الثالثة . ولعل هذه الرؤية المختصرة لما يؤمن به أبي زيد تقودنا حتما إلي تذكر ما أورده المفكر الأمريكي نعوم تشو مسكي في مقال له تحت عنوان " الإرهاب سلاح الأقوياء " ذلك انه ليس من بعد تصريحات وخطط أبي زيد للتدخل العسكري في شؤون العالم الإسلامي من إرهاب لاسيما بعد أن تم تقديم الحرب ضد الإرهاب في الدوائر الحاكمة في الغرب علي أنها مساوية للكفاح ضد وباء يشبه سرطانا ينشره البرابرة وأعداء الحضارة المنحطون. والواقع أن حديث بوش وأبي زيد في الأصل هو امتداد لذات الرؤية التي تحكمت في الرئيس رونالد ريجان ووزير خارجيته ألكسندر هيج من قبل عندما أعلنت تلك الإدارة أن مكافحة الإرهاب ستكون في صلب سياساتها الخارجية وقد برهنت عن ذلك علي طريقتها فمن اجل قيادة المعركة ضد أعداء الحضارة المنحطين انشات شبكة إرهابية دولية ذات حجم لا سابق لها وقد ارتكبت هذه الشبكة فظاعات لا تحصي في الطرف الأخر من الكرة الأرضية وخصوصا في أمريكا اللاتينية . ولان الاتحاد السوفيتي كان قائما في ذلك الوقت لذا فانه لم يقدر لأمريكا أن تعلن رسميا حربا عالمية من طرف واحد خشية من التوازنات التي كانت تمثلها القطبية الأخري غير أن الحال تغير اليوم وفي ظل الإمبراطورية الوحيدة المنفردة بأمور العالم يضحي أبي زيد هو الشرطي صاحب العصا الطويلة والتي يدير بها الحرب الأطول ضد الإرهاب الإسلامي المزعوم . غير انه للموضوعية نقول أن هناك اصواتا معتدلة تنكر هذا الحديث التصادمي والذي يحث علي المضي فيه رجال من نوعية هنري كسينجر الذي يري أن حرب العراق علي سبيل المثال عينة علي المواجهات التي لا مفر منها . من بين تلك الأصوات الكاتب الأمريكي وليام فاف الذي يتساءل عبر النيويورك تايمز هل هذه حرب عالمية ثالثة أم حرب أمريكية علي العالم ؟ ويري انه رغم كل ما يقال عن الإرهاب فان حصيلته لا تستدعي هذا التفكير العولمي للحرب وعنده انه ليس في وسع أي من الحركات والبلدان التي يحذر منها بوش أبي زيد غزو الولاياتالمتحدة ولا الإطاحة بحكومة واشنطن ولن يفض اختطاف الطائرات ونسف برجي مركز التجارة العالمي ولا الهجوم علينا بوباء الجمرة الخبيثة ولا الهجوم علينا بغاز الأعصاب في قطار أنفاق نيويورك بل ولا حتي هجوم دولة مارقة علينا بمتفجرات نووية أن يهز كل ذلك شعرة واحدة في البيت الأبيض ولن يسفر عن الإطاحة بحكومته ومهما فعل المتطرفون والمتشددون الإسلاميون فإنهم لن يقسروا الشعب الأمريكي ويدفعوه عنوة إلي اعتناق الإسلام كما لن تفلح كل تلك الأفعال في إحلال الشريعة الإسلامية محل الدستور الأمريكي الراسخ عبر القرون . يخلص فاف إذن للقول أن وهم إعلان الإرهابيين الحرب علي أمريكا يسكن عقول السياسيين والعسكريين والذين يحاولون تصدير الفكرة إلي أوروبا من خلال القول بان المد الإسلامي هناك يقود إلي نشؤ مجتمع اورو- عربي يتعاون شرقا مع روسيا والصين وهذا يجعل أمريكا وحيدة في العراء المكشوف لتواجه بعزلتها هذه خطر الإرهاب الإسلامي . والحال أن هذه القراءة السريعة تقودنا للجزم بان هوس الأمن يدفع أمريكا لان تعيش حالة من العزلة خلف شواطئ الأطلسي وتتشرب بذلك ذهنية الحصار ويتمثل لها ألقاصي والداني خطرا محدقا وتصبح ردود أفعالها مؤامرات ودسائس أول ما تصيب العرب والمسلمين الذين هم في فكر أبي زيد يقتربوا من وضع الفاشية في أوربا في 1920 ومن البلشفية في روسيا في مهدها عام 1890 والنتيجة الحتمية حسب بوش وأبي زيد هي أن أمريكا تحارب حركة إيديولوجية تشبه حركات البلاشفة والفاشيين الذين لن يستسلم قادتهم ولن يتفاوضوا ومن ثم عليها أن تعتقلهم أو تقتلهم ولا يصبح غريبا القول أن هناك أشرارا كثيرين يجب أن يموتوا في ارض المسلمين .