بينما كنت ذاهباً في وقت متأخرللسوبرماركت لشراء بعض متطلبات المنزل شارد الذهن لارتفاع أسعاركافة السلع التي أصبحت تُشكل عبئاً كبيراً بالذات بعد إحالتي للمعاش ورغبتي ألا يؤثر قلة الدخل علي متطلبات أولادي ومنزلي..مررت بشادر للخراف نظرت اليه متذكرا الماضي البعيد حينما كان الفقراء يأكلون اللحوم علي أقل تقدير أكثر بكثير من هذه الأيام..أشحت بنظري بعيداً محاولاً الابتعاد عن التفكير حتي أستطيع عبور الطريق دون التعرض للإصابة الا أنني سمعت صوتاً يناديني يا أخ.. نظرت للخلف لاجد خروفاً ضخم مبتسم قائلاً أيوه أنت فعدت اليه متسائلاً عايزحاجة..رد علي قائلاً عايز أتكلم معاك شوية..واستطرد قائلاً أنا عارف أنت بتفكرفي أيه.. الأسعارمش كدة.. أنا فرحان فيكم يا مصريين.. لانكم كنتم تستخدموا أسماءنا في سب بعضكم البعض فالغبي يتقال له يا حمارأو يا خروف.. الحمارأصبحتوا بتأكلوه والخروف أصبح عزيز عليكم.. فقلت له بطل فلسفة.. فرد الخروف أنا لحد ما موت بلاقي المَسئول عن أكلي وشربي لكن أنت واللي زيك ما بتلقيش حد مسئول عنك ولاعن أولادك فقلت له أنا مش فاضي لكلامك الفارغ.. فقال أنت عارف إني باتكلم صح ماتهربش من المناقشة فقلت له أتفضل كمل يا خروف فقال اللي بيأكل من الزبالة واللي ساكن في العشوائيات.. واللي مش لاقي فرصة في الحياة الكريمة واللي مش عارف يتجوز..واللي مش عارف يتعلم واللي مش عنده فرصة للعلاج تقدرتسميه بني آدم.. ياراجل ده إنتوا مش شاطريين الافي الكلام الكلام وبس.. واستطرد قائلاً أظن أنت دلوقتي حسيت إني متابع الأوضاع في مصر..وطبعاً أنا لاأُنكر أني سعيد إني خروف مصري مش صومالي ولا سوداني ولا أسترالي لأني أغلي سعراً منهم جميعاً وهذه هي الأنواع المَشهورة.. أما أنت فأرجو أن تُجيب بصراحة ما وجه المقارنة بين المواطن المصري والأمريكي والإنجليزي والهولندي والجنوب أفريقي وكثيراً من البلاد العربية التي تتباهون دائماً أنكم كنتم سبب نهضتهم.. ودول الشمال والجنوب والشرق والغرب.. أحسست بالمهانة من كلام الخروف..فقلت له أنا سبتك تِخرف ودي صفة جاية من أسمك.. فقال عايز تقول أيه.. قلت أنت عارف أن مصر مرت بحروب كثيرة.. فقاطعني قائلاً أكترمن المانيا يعني.. فهِمت مغزي كلامه فانحرفت بالحديث لمحاولات الحكومات المتعاقبة التي تحاول منذ الثورة المجيدة في يوليو إرساء العدالة الاجتماعية..وأرفع رأسك ياأخي فقد مضي عصرالاستعباد.. فقال لي انتظر أمال أنا عمري ما شفت حد رافع راسه ليه..فقلت له ياغبي.. أزي حد يشوفك وهو باصص لفوق.. فرد غلبتني في النقطة دي.. لكن تقول إيه في حالة الفقراللي بيعيشها أغلب المصريين.. في حين تجد المسئولين لديهم ثراء فاحش.. فقلت له دول واجهة المجتمع وصفوته.. بنسعد بثرائهم لانهم ان لم يكونوا مرتاحين ازي يعرفوا يفكروا في مشاكلنا.. فسألني امال امتي يخلصوا تفكير علشان مشاكلكم تتحل?.. عموما أنا شايفك مش عارف ترد علي.. لكن ومع احتمال إن ماحدش يقدريشتريني من منطقتكم.. أتمني إني أقابلك السنه الجاية في ظروف أحسن وعندما هممت بأخذ طريقي قال لي استني أنت ما قلتليش أنت بتشتغل أيه.. فقلت له وكيل وزارة سابق.. فانفجر في نوبة من الضحك الهستيري متمرمغاً في الأرض فانتظرت حتي أعرف سبب السخسخة اللي هوه فيها.. بعد دقائق سألته لماذا كل هذاالضحك.. فرد علي وكيل وزارة وماشي تايه.. أنت بتسرح بي.. أمال الموظف الصغيريعمل أيه?.. أمال أيه اللي باأسمعة عن فساد القيادات في مصر? ولا انت مش منهم?.. من خجلي رددت عليه قائلاً أن بلدنا خالية من الفساد فقال لي بلاش الكلام دة أحسن أنت هاتموتني من الضحك!! واستطرد قائلاً يعني الانتخابات البرلمانية القادمة لن يحدث بها تزويرلمصلحة الحزب الحاكم.. فأكدت له أنها ستكون نزيهة وشفافة.. فالشعب يعقد الآمال علي هذه الانتخابات حتي ينجح السادة الوزراء أعضاء الحكومة الحالية حتي يستطيعوا استكمال الخطط الطموحة التي بدأوها بنجاح لافت للنظرولاستكمال حل كل المشاكل التي نعاني منها.. فنظر لي نظرة سخرية مردداً وهو يبتعد.. أنا مش عارف مين فينا الخروف.. فانصرفت ناظراً للأرض مدعياً أنني لم أسمع ما قاله.. متمنيا من الله أن تستطيع بلدنا أن تخرج من عَسرتها الكبيرة التي ينكرها مسئولونا وأن تكون البداية باختيار نواب حقيقيين يتمنون مصلحة بلدهم وليس مصالحهم..نرجو ذلك ولن نفقد الأمل.