القطط السمان.. هل لها علاقة بحرائق وسط القاهرة محيط عادل عبد الرحيم
حريق عمارة رمسيس تعددت الروايات التي تحاول تفسير لغز اندلاع الحرائق في منطقة وسط العاصمة المصرية القاهرة، بداية من حريق مجلس الشورى الذي اندلع أغسطس 2008 ، والذي تلاه احتراق المسرح القومي الذي اندلع في شهر سبتمبر من العام الماضي، ومن قبلهما حريق دار القضاء العالي الذي سبب خسائر كبيرة في القضايا والمستندات، والرابط المشترك بين جميع هذه الحرائق هو تقييدها ضد مجهول وعدم الكشف عن طبيعة القصد الجنائي منها.
ولعل الأخطر من هذا وذاك أن هناك أدلة على وجود مواد كيماوية مركزة تجعل هذه الحرائق شديدة الاشتعال وتستعصي على الإخماد، فجميع هذه الحرائق استلزمت ما يزيد على 6ساعات لإطفائها، بل أن حريق الشورى استخدم في إطفائه طائرات رغوية تابعة لقوات الدفاع المدني تقوم برش مواد يفترض أنها تطفئ أعتى الحرائق لكنها رغم ذلك لم تفلح في إخماد النيران، ولولا التدخل الحاسم لطائرات القوات المسلحة لتضاعفت الخسائر. وفي كل حادثة يتم انتداب فرق المعاينة والتحقيق من رجال النيابة العامة، لكن فجأة وبدون مقدمات "تنام القضية" كما يقول المصريون بدون أن يقدم أحد للمحاكمة أو حتى يقدم "خيال مآتة" للمحاكمة حتى من باب ذر الرماد في العيون، أو حتى على طريقة سفاح بني مزار المختل عقليا الذي قدمته جهات التحقيق للقضاء على أنه مرتكب المجزرة فيما لم يطمأن قلب القاضي إلا لتبرئة المتهم. لكن على ما يبدو فإن الحريق الأخير فتح آفاقا جديدة للتساؤلات والتكهنات، فبعد ساعات من الحريق الهائل الذي شب في عمارة بشارع رمسيس والتي يعود تاريخ إنشائها لمنتصف القرن قبل الماضي اتهم العديد من قاطني بنايات وسط المدينة أثرياء رجال الأعمال من المنتمين للحزب الحاكم بأنهم وراء اشتعال تلك الحرائق التي تظهر من وقت لآخر من أجل شراء تلك البنايات، التي آلت ملكية العديد منها لشركة مصر للتأمين بعد أن توفي العديد من ملاكها الأجانب أو غادروا مصر. حريق مجلس الشورى المصري وكان الحريق الذي شب السبت 14 مارس 2009 في البناية رقم 59 الموجودة أمام دار القضاء العالي بشارع رمسيس قد أدى لخسائر بالملايين للأهالي والشركات التجارية الموجودة هناك. وكانت معلومات قد تسربت على مدار الشهور الماضية عن عزم عدد من رجال الأعمال عن رغبتهم في شراء تلك العقارات القديمة لأسباب مختلفة، فبعضهم يحلم بأن يقوم بهدمها وإقامة بنايات شاهقة مكانها، بينما يحلم آخرون أن يرثوا التاريخ الذي تظل تلك العمارات خير شاهد عليه. وبالرغم من المليارات التي يمتلكها الأثرياء الجدد إلا أن لعنة (محدث النعمة) وهو الوصف الذي يطارد رجال الأعمال الجدد تجعل الكثيرين منهم يحاولون الاختباء من ماضيهم المتسم بالفقر وذلك إما بمصاهرة عائلة ذات تاريخ موغل في القدم أو عبر شراء عمارة قديمة من بنايات القاهرة الخديوية، حيث يكون من السهل على هؤلاء فيما بعد أن يتحدث عن أنه سليل طبقة الباشاوات أو أن جده الأكبر قدم من إستانبول مع الخليفة العثماني. وكان السكان استقبلوا مشروع تطوير القاهرة وإعادة ترميم مباني وسط العاصمة الذي يجرى حالياً على قدم وساق بالريبة والحذر البالغين، وبينما نظر له البعض باعتباره محاولة لإعادة ترميم الوجه العجوز للعاصمة التي كانت حتى حقب زمنية قريبة محط أنظار السياح، يرى آخرون أن الحكومة عاقدة العزم على التخلص من تلك البنايات ببيعها للأثرياء الجدد من "القطط السمان" الذين يشترون أي شيء وبأي سعر ويمتد الطابور لعشرات الأثرياء المستعدين للدفع فوراً نظير امتلاك أي من تلك العمارات المهيبة، بحسب ما نشر بجريدة القدس العربي اللندنية. حريق المسرح القومي وكان مشروع تطوير وسط القاهرة ونقل جميع سكانها قد بدأ أولاً في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم بحجة تطوير منطقة بولاق أبو العلا التي يقيم بها أغلبية من الفقراء والواقعة على بعد أمتار قلائل من كورنيش النيل، وقد تصدى عدد من الكتاب لضرورة إنجاز ذلك المشروع من خلال نقل المواطنين القاطنين لذلك الحي للمدن الجديدة من خلال منح كل أسرة شقة غير أن معظم المواطنين رفضوا تلك العروض وقام العديد من الكتاب بدعم مطالب البسطاء منهم، ما ساهم في عرقلة المشروع طيلة العشرين عاماً الماضية قبل أن يجري تداوله مجدداً خلال الفترة الأخيرة. غير أن رجال الأعمال وبعد ظهور فيلم 'عمارة يعقوبيان' الذي لفت الأنظار للقيمة التاريخية والسياسية لشوارع طلعت حرب وعماد الدين وجاردن سيتي وسائر شوارع وأحياء وسط البلد دفع بهم مجدداً للتخطيط للاستيلاء على تلك المنطقة، إلا أن محاولاتهم لم تسفر حتى الآن عن النجاح المطلوب إلا في أضيق الحدود حيث نجح عدد من الأثرياء الجدد بالفعل في شراء عدد من العمارات بينما ما تزال المحاولات بالنسبة للكثيرين متعثرة. تعدد حرائق وسط القاهرة وحينما تعرض مبنى مجلس الشورى لحريق كبير نهاية العام الماضي وهو المبنى الذي أنشئ في منتصف القرن الثامن عشر انتشرت معلومات مفادها أن الحادث تم بفعل فاعل، وأن الدولة عازمة على بيع مبانيها القديمة لأثرياء المصريين لعدة أسباب أبرزها مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها، فضلاً عن بناء فنادق سياحية لمواجهة التدفق السياحي المأمول خلال المرحلة المقبلة، غير أن رموزا بارزة في النظام المصري رفضت تلك المزاعم ومن بين هؤلاء صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى الذي أكد أن النظام حريص على تلك المباني الأثرية. لكن نفس الأنباء انطلقت مجدداً وكان مصدرها سكان العمارة التي تعرضت للحريق حيث أكد العديد من هؤلاء على أن الملياردير نجيب ساويرس أعرب عن رغبته في شراء تلك العمارة وعمارات أخرى بجوارها، غير أن السكان يرفضون بأي حال من الأحوال الخروج من مساكنهم ولو بالانتقال لعمارات حديثة في مدن أكثر هدوءاً ربما لأن سحر القاهرة أكثر بروزاً في تلك الشوارع التي أنشئت أولاً في عهد الخديوي إسماعيل.