بائعو السعف: أحد الشعانين موسم من العام للعام والرزق على الله    برلماني: انضمام مصر لصندوق تنمية الصادرات بأفريقيا يعزز جهود توطين الصناعة    انخفاض أسعار الأسماك 30% في بورسعيد.. بشرى سارة من الغرفة التجارية بعد المقاطعة    الرئيس السوري يؤكد ضرورة تعزيز التضامن العربي لتحقيق الاستقرار بالمنطقة    باحث بالشؤون الأمريكية: تأثير احتجاجات الحركة الطلابية لن يكون بالمستوى المتوقع    جانتس يهدد بإسقاط حكومة نتنياهو حال منع وزراء فيها صفقة مع حماس    أونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين الفلسطينيين بغزة على لتر من الماء يوميا    وزير خارجية الأردن: على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات فاعلة تفرض حل الدولتين    وزيرالدفاع الإسرائيلي: ملتزمون بالقضاء على «حماس» وتحرير الأسرى    نص أقوال محمد الشيبي خلال التحقيق معه في قضية حسين الشحات    تحقق أول توقعات عبير فؤاد لمباراة الزمالك ودريمز الغاني    إصابة 11 شخصا إثر حادث تصادم سيارتين في بني سويف    غدا.. الجنايات تستكمل محاكمة متهم بقتل آخر عمدًا بالحوامدية    تحذيرات عاجلة لهذه الفئات من طقس الساعات المقبلة.. تجنبوا الخروج من المنزل    فوز رواية قناع بلون السماء للكاتب الفلسطيني باسم خندقي بجائزة البوكر للرواية العربية    ثقافة الإسكندرية تقدم التجربة النوعية «كاسبر» على مسرح الأنفوشي    أمين الفتوى: 3 أمور تمنع الحصول على الورث (فيديو)    وزير الصحة يشهد فعاليات الاحتفال بمرور عامين على إطلاق «معًا لبر الأمان» للكشف المبكر وعلاج سرطان الكبد    «الصحة» تفتتح فعاليات ورشة عمل حول «وضع أطر مؤسسية لمشاركة القطاع الخاص في الرعاية الصحية»    أغنيتين عراقيتين.. تفاصيل أحدث ألبومات أصالة    بروتوكول بين إدارة البحوث بالقوات المسلحة و«التعليم العالي»    مذكرة لرئيس الوزراء لوقف «المهازل الدرامية» التي تحاك ضد المُعلمين    التشكيل الرسمي للمقاولون العرب وسموحة في مباراة الليلة    حزب الوفد: نرفض أي عدوان إسرائيلي على رفح الفلسطينية    أرخص 40 جنيها عن السوق.. صرف الرنجة على بطاقة التموين بسعر مخفض    التشكيل الرسمي ل مباراة نابولي ضد روما في الدوري الإيطالي    أغلى 5 فساتين ارتدتها فنانات على الشاشة.. إطلالة ياسمين عبد العزيز تخطت 125 ألف جنيه    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمرضى بمستشفى أبوكبير    إنجاز جديد.. الجودو المصري يفرض سيطرته على أفريقيا    رضا حجازي: زيادة الإقبال على مدارس التعليم الفني بمجاميع أكبر من العام    نشرة في دقيقة | الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية عقب افتتاحه مركز الحوسبة السحابية الحكومية    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    الإعدام لعامل قتل شابا من ذوي الاحتياجات الخاصة بواسطة كمبروسر هواء    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    مساعد وزير الصحة: انخفاض نسب اكتشاف الحالات المتأخرة بسرطان الكبد إلى 14%    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    تأجيل محاكمة المتهمين في عملية استبدال أحد أحراز قضية    بصلي بالفاتحة وقل هو الله أحد فهل تقبل صلاتي؟..الإفتاء ترد    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 18886وظيفة معلم مساعد بوزارة التربية والتعليم    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    أجمل دعاء للوالدين بطول العمر والصحة والعافية    قرار جديد من القضاء بشأن 11 متهماً في واقعة "طالبة العريش" نيرة صلاح    جدول امتحانات التيرم الثاني 2024 لصفوف النقل والشهادة الإعدادية (القاهرة)    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    حسام البدري: أنا أفضل من موسيماني وفايلر.. وكيروش فشل مع مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمسيس‏..‏ مملكة الفوضي‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 03 - 2011

أين يكمن السر في هذا المكان بالضبط‏..‏؟‏,‏ولماذا يحظي بكل هذه الخصوصية والتفرد؟‏,‏ هل لأنه يظل هو الأشهر من بين جميع شوارع وسط البلد؟‏ أم بسبب اسمه الذي تغير أربع مرات في أقل من150 عاما ومازال يحمل دفء الذكريات الملكية التي لا تزال باقية لتقاوم ببسالة زحف علب الأسمنت في زمن الصهد والزحام والفوضي غير الخلاقة؟.. أسئلة كثيرة بادرتني مع أول خطوة أخطوها نحو ميدان رمسيس.
أعترف: الإجابة لم تكن واضحة في ذهني لأول وهلة, لكن في الوقت ذاته لم تخالجني ذرة شك واحدة بأهمية هذا الميدان وأنا استنشق عبق الأتربة عادم السيارات وعرق المارة من بشر علي اختلاف أشكالهم وألوانهم, في محاولة لأن أضع يدي علي إحدي البقاع السحرية التي شهدت الخطوات الأولي في مشروع بناء مصر الحديثة علي يد ابنائه, بل يظل هذا المكان هو البقعة السحرية التي باتت بمرور الأيام بوابة الوصول ومحطة الرحيل للملايين من أبناء الأقاليم الذين يفدون إلي مصر لقاهرة بلغة أبناء البندر وما أن يصلوا إلي محطة مصر حتي يهنئوا أنفسهم بسلامة الوصول.
هو إذن خير مثال للتعبير عن مصر, عن زحامها, وضجيجها, وطيبتها, وناسها فلاحيها وأهل مدنها, فقرائها وأغنيائها, تنصهر فيه عشرات الملامح والوجوه لتكون مزيجا واحدا يخص هذا المكان الذي ترجع تسميته إلي تمثال رمسيس الذي كان يتوسطه, وثار جدل طوال حوله حتي أن تم نقله ولم ينقل معه الاسم, وظل علي عهده يمثل نقطة تجمع للأصدقاء, والمتسولين وأبناء السبيل والغرباء, بينما سائقو الميكروباص والتباعون تعلو أصواتهم في ممكلتهم الخاصة قلب الميدان, حيث تذهب تلك الأصوات إلي كل شبر في القاهرة في ظل الفوضي الأمنية الحالية, ويشاركهم في هذا الباعة الجائلين والذين ينتشرون بطول وعرض الميدان, يبيعون كل شيء وأي شيء, بدءا من الملابس وحتي الحلويات والكتب القديمة والولاعات والأحذية سيئة الصنع إلي الفطير المشلتت, ومن هنا يمكننا أن نطلق عليه شارع المتناقضات.
نقطة التقاء
ترجع أهمية الميدان إلي أنه نقطة التقاء وتتفرع منه شوارع مهمة مثل شارع كامل صدقي( الفجالة) المركز الأول لتجارة الكتب والأدوات الكتابية ليس في العاصمة المصرية فحسب بل في مصر كلها, ويبدأ من ميدان رمسيس ويمتد فيما تعرف بمنطقة الفجالة, ويعتبر أحد أسباب الفوضي المؤدية من وإلي ميدان رمسيس, حيث يقصده تجار التجزئة وكذلك من يرغب أن يشتري بالقطعة علي حد سواء, حيث يضم العديد من دور النشر القديمة والمكتبات الشهيرة والعريقة في مصر, وشارع الجمهورية إبراهيم باشا سابقا والذي يقع في حي الموسكي القاهرة بالقاهرة, يمتد من بين ميدان عابدين ميدان عابدين حتي ميدان رمسيس, وشارع عماد الدين ذلك الشريان الطويل في وسط البلد ويمتد طوله2.5 كم, يبدأ شمالا من شارع رمسيس ويستمر جنوبا في منطقة عابدين ثم يواصل استمراره من خلال ميدان الأزبكية ميدان الأزبكية وميدان مصطفي كامل مصطفي كامل, وشارع السبتية هذا الشارع الحيوي الذي يربط كورنيش النيل بوسط البلد, والذي لا أدري حقيقة لماذا يحظي بكل هذا التجاهل والإهمال وهنا أؤكد علي كلمة إهمال بما تحمله الكلمة من معني, في ظل غياب إدارة المرور إلي الحد الذي يتوقف معها الطريق دائما دون وجود من يقوم بدور شرطي المرور المسئول عن تسيير حركة الطريق وهو مايتسبب في خنق الميدان مروريا في لحظات الذروة, وبالطبع درة هذا المكان شارع رمسيس الذي يحكي قصة الشارع والميدان وماطرأ عليهما من تصرفان الزمان والإنسان.
كلمة السر
العمارة الباريسية هي كلمة السر في شارع رمسيس, ويبدو هذا جليا منذ بدايته الأولي, كل ما عليك هو أن تخترق حواجز الألفة, وتتجاوز ولو مؤقتا هموم لقمة العيش والمواعيد المتأخرة واختناق المرور في إشارة الاسعاف لتكتشف هذا السر, فما أن تعطي ظهرك لميدان عبد المنعم رياض وتسير في الشارع إلي نهايته عند ميدان العباسية حتي تجد معظم البنايات علي الجانبين تحمل بصمات حلم الخديوي إسماعيل الذي أراد ان يجعل من مصر النسخة الشرقية من فرنسا, والقاهرة بالذات نسخة من باريس, فاستقدم مئات المهندسين الفرنسيين والإيطاليين- وعلي رأسهم مسيو أوسمان مؤسس باريس الجديدة وانتشرت بوسط البلد عمارات علي الطراز الأوروبي, أشهرها عمارة لاجيفواز, وبعدها نجد تلك العمارة الضخمة ذات المساحة الهائلة التي أقامها عميد عائلة الشواربي, وتحتل مربعا من شارع26 يوليو, ويمتد يمينا إلي شارع رمسيس, وعلي ضخامتها تضم في تصميمها عدة مداخل وممرات تحتها, وفي هذه العمارة, كما هو الحال في معظم العمارات الأخري, تلمح من فنون العمارة رؤوس الحيوانات منحوتة في زوايا البناية والبلكونات مزينة بالحديد المشغول, والزهور الحجرية والأقواس فضلا عن النوافذ الحمراء المستطيلة.. لكن ما أن تهبط الي الدور الارضي في واجهة العمارة حتي تصطدم بالتراث المصري الأصيل في العشوائية وعدم التخطيط, حيث احتلت محلات العصير والموبايل وقطع غيار السيارات الواجهات السفلية لتلك المباني الأثرية, دون مراعاة للشكل الجمالي العام للمبني وأصبح من حق أصحاب هذه المحال عمل ديكورات واختيار ألوان الطلاء علي طريقة شعبان عبد الرحيم الذي مازال يزهو بأنه يختار ألوان قمصانه المشجرة حسب لون كرسي الانتريه ومفرش السفرة, وتتزين هذه العمارة بأعمال كريتال حديد مشغول وتماثيل وكرانيش من الجبس, وتعلوها قباب مازالت صامدة رغم مرور أكثر من100 عام هي عمر البناية حتي الآن ورغم الحريق الذي أصابها منذ سنة تقريبا.
نقابة المحامين
وخلف هذه العمارة يقع سوق التوفيقية حيث عمارات أقيمت منذ عام1900 و1903 و1910م. وهو أول سوق للأطعمة الطازجة والخضر والفاكهة لكنه حاليا أصبح أشهر مكان لبيع قطع الغيار والإكسسوارات في مصر عموما والقاهرة خصوصا ووسط البلد تحديدا, ولاشك ان موقع السوق في قلب العاصمة ساهم إلي حد كبير في رواجه وانتشار صيته بفضل تنوعه وشموليته وقوة التجار الموجودين به وبالطبع لأنه يتفرع من شارع رمسيس أهم أسباب نجاحة علي مر السنين.
وتبدو العلاقة وطيدة بين التاريخ والمباني التي ترتبط في الذاكرة المصرية بمراحل النضال وثورات التمرد علي السلطة وآخرها ثورة25 يناير التي أعادت الزخم من جديد لنقابة المحامين والتي أنشئت سنة1912 بموجب قانون1912 من القرن الماضي( العشرين), وكان أول نقيب لها ابراهيم الهلباوي باشا عام1912 م وجدير بالذكر أن المحاماة في مصر قد مرت بمراحل تاريخية ترتبط ارتباطا وثيقا بوجودها, وتعددت هذه المراحل بتنوع الظروف والملابسات التاريخية والاجتماعية علي مدار السنوات الطوال في عمر هذه المهنة العريقة باعتبارها أول نقابة يتم انشاؤها في مصر وأقوي نقابة بحكم العديد والعديد من مواقفها الوطنية والقومية المشرفة علي مر العصور, وعلي الضفة الغربية لشارع رمسيس أيضا مع تقاطعه مع شارع26 يوليو نجد الجمعية المصرية للعلوم السياسية.
ولا يمكن للمار من هنا أن يغفل دار القضاء العالي علي ناصية شارع فؤاد الأول والذي يسمي حاليا26 يوليو والتي أقيمت لتكون مقار للقضاء المختلط, إلا أن إلغاء القضاء المختلط بعد توقيع حكومة الوفد لإتفاقية مونترو عام1937 أنهي هذا القضاء الذي كان صاحب فكرته نوبار باشا أول ناظر للنظار رئيس الوزراء في عصر الخديوي إسماعيل, وأصبحت دار القضاء العالي رمزا للقضاء المصري بسبب المبني الضخم, الذي بني علي الطراز الإيطالي بأعمدته وصالاته الواسعة وارتفاع مبانيه. ويلاصقه مبني مصلحة الشهر العقاري الذي بني في الفترة نفسها التي شهدت بناء دار القضاء العالي, وإذا كان كثيرون يعتبرون مبني مصلحة الشهر العقاري والتوثيق رمزا للبيروقراطية المصرية العتيدة, فان المبني نفسه يعد لوحة معمارية آخاذة, فهو مصمم علي طراز الروكركو الذي كان سائدا في أوروبا طوال القرن التاسع عشر وحتي أوائل القرن العشرين, كما أن هذا المبني الذي يقع بعد مبني نقابة المحامين لا يزال يحمل علم مصر الملكية الهلال والنجوم الثلاث منحوتا عند المدخل, بينما علم مصر الجمهورية يرفرف من فوقه بألوان باهتة وسارية يعلوها الصدأ!
معهد الموسيقي
علي الناصية الأخري هنا نجد مقر جمعية الإسعاف الملاصق لمبني معهد الموسيقي العربية والذي يرجع إنشاؤه إلي عام1914 في محاولة جادة لحفظ تراث الموسيقي العربية. وكان لمصطفي بك رضا الفضل في افتتاح أول ناد لعقد اجتماعات الموسيقي العربية, وفي هذا الوقت كانت الموسيقي العربية تعاني من عدم الاهتمام وهبوط مستواها لدرجة أدت إلي تدميرها. وفي الاجتماع العام سنة1921 أهدت الحكومة المصرية قطعة من الأرض( مقر المعهد الحالي) وبعد عام كان قد تم افتتاح معهد الموسيقي العربية علي يد الملك فؤاد الأول و كان اسمه حينئذ( المعهد الملكي للموسيقي العربية) والذي يعني بالنهوض بتراث الموسيقي العربية وتعليم النظريات والنوت الموسيقية العربية وأداء المؤلفات المختلفة لتراث الموسيقي العربية و بداخل المبني مسرح ملائم لعروض الموسيقي العربية الرئيسية بعد عملية التجديد وإضافة التقنية الحديثة عليه, ومكتبة موسيقية بها العديد من الكتب والمخطوطات النادرة المتعلقة بفن الموسيقي, وأيضا تحوي تسجيلات موسيقية للمغنيين والمؤلفين المصريين والعرب, ومتحف محمد عبد الوهاب الذي يتيح للزائر أن يأخذ نبذة عن حياة أكثر الفنانين المصريين المحبوبين.
وبعد مبني معهد الموسيقي مباشرة يرقد سنترال رمسيس المبني الأشهر علي الإطلاق في هذا الشارع بحكم دوره كحلقة الوصل الهاتفي الأرضي بين كافة سنترالات مصر لسنوات طويلة وكان مقرا لأول وزارة اتصالات قبل نقلها إلي المهندسين, ومن بعده مباشرة نقابة المهن الهندسية في مصر, والتي أنشئت سنة1946 م بموجب قانون صدر في تلك السنة برقم89, وقد تطورت النقابة بعد ذلك بفعل التطور السياسي والاجتماعي الذي شهده الشعب المصري, وبصفة خاصة بعد سنة1952 م, ثم شهدت بعد ذلك حركة نقابية نشطة لعبت دورا أساسيا في الحياة السياسية المصرية.
قرية أم دنين
ترجع البدايات الأولي للميدان إلي أنه في أثناء الفتح العربي لمصر قبل1400 عام, وقع اختيار الفاتحين علي قرية تسمي أم دنين نظرا لخصوبة تربتها وتميز موقعها وصلابة حصونها مثل حصن بابليون, ولم تكن هذه القرية سوي ميدان رمسيس, الذي تقدر مساحتة بأربعين ألف متر مربع, ويمر فيه2 مليون مواطن يوميا ذهابا إلي أعمالهم صباحا وعودة مساء, هذا وتعد تلك البقعة هي البداية الحقيقية لهذا الميدان وتحديدا في العصر الفاطمي حين أمر الحاكم بأمر الله, ابن الخليفة العزيز, ببناء مسجد في هذا المكان, وهو جامع المقس, والذي يقوم مقامه الآن جامع الفتح ومن قبله مسجد أولاد عنان,وكان قد أعيد تجديده770 ه, وجاء في خطط المقريزي انه سمي بهذا الاسم نظرا لوجود قلعة أنشئت علي شاطيء النيل وكانت تسمي المقسي وفي عهد السلطان المملوكي طومان باي ذاع صيت الأخوان محمد وعبد القادر بن عنان وكانا من كبار المتصوفة وعلماء الدين كما كانا من أصحاب الكرامات التي تميز أولياء الله الصالحين, وحين توفي الأخ الأكبر محمد920 ه عن120 عاما دفن بالمسجد وأقيم له ضريح فأصبح المسجد يعرف باسم أولاد عنان.
وللأسف الشديد تعرض هذا المسجد للهدم بقذائف مدافع الحملة الفرنسية علي مصر(1801179 م) لتعيد شركة المقاولون العرب بناءه ويفتتحه الرئيس المصري السابق حسني مبارك بصورته الحالية في ذكري الإسراء والمعراج22 فبراير1990 وقد أصبح يحمل اسم مؤسسة الفتح ومسجد أولاد عنان الذي يعد حاليا أحد أشهر معالم الميدان.
ويذكر أنه في عهد محمد علي باشا تحول الميدان إلي حديقة عامة متنزه عموميي عام1844, وفي عهد عباس حلمي الأول تم شق شارع رمسيس والذي سمي آنذاك شارع عباس الأول ووصل إلي منطقة الريدانية العباسية( القاهرة) العباسية حاليا, كما أنشئت محطة مصر بعد توقيع الخديوي عباس لاتفاقية مع الحكومة الإنجليزية لإنشاء خط للسكك الحديدية بين القاهرة والإسكندرية.
وفي عام1854 سمي الشارع بعباس الأول ثم تحول اسمه إلي الملكة نازلي والدة الملك فاروق ثم أصبح يحمل اسم شارع نهضة مصر نسبة إلي تمثال نهضة مصر الشهير الذي أبدعه العبقري محمود مختار وأزاح عنه الستار سعد باشا زغلول في1926 وحين انتقل التمثال الي الجيزة وحل محله تمثال رمسيس استقر الشارع الحائر علي اسمه وهويته بشكل نهائي.
وفي عهد الاحتلال الانجليزي لمصر كان هناك وجود حيوي لهم في هذه المنطقة بحكم موقعها الاستراتيجي حيث كانت هناك قشلاقات بوليس الجيش البريطاني في ميدان المحطة بين شارعي عباس وسيدي المدبولي وسجن الأجانب ومكانه الآن مستشفي الهلال الأحمر والذي يعد من معالم شارع رمسيس الآن, أما باب الحديد محطة سكك حديد مصر فكان له دور مهم في مقاومة الحملة الفرنسية علي مصر, ففي الثورة الأولي في أكتوبر( تشرين الأول)1798, هدم الفرنسيون الكثير من المباني, من بينها جامع المقس الذي أقامه الحاكم بأمر الله وأقاموا مكانه طابية أطلقوا عليها اسم كامان وهو اسم ضابط فرنسي كبير, وقد أقيمت بالقرب من قنطرة الليمون.
محطة مصر
في عهد محمد علي عام1844 أصدر أمرا إلي مدير ديوان المدارس بتحويل هذه المنطقة إلي منتزه عمومي, وفي عهد ابنه عباس باشا الأول تم توقيع اتفاق مع الحكومة الإنجليزية لإنشاء خط للسكك الحديدية بين القاهرة والاسكندرية, وخط آخر بين القاهرة والسويس, وتم إنجاز الجزء الأول من الخط الأول عام1854, قبل وفاة عباس الأول, وإنجاز الخط الثاني عام1858 وهو ما استدعي إنشاء محطة مصر, أو باب الحديد, عام1856, لتبدأ الأهمية الحقيقية للميدان كبوابة حقيقية للقاهرة, بالإضافة إلي أن محطة مصر لوحدها تضم مليون مواطن يوميا من الأقاليم, وهناك350 خط مواصلات علي الأقل تبدأ وتنتهي في ميدان رمسيس وقد قدرت الخسائر الناتجة عن إهدار الوقت والجهد والبنزين في الميدان بنحو ملياري جنيه سنويا.
والمدهش في شارع رمسيس انك عندما تسير علي قدميك قليلا في هذا المكان ستفاجأ بمبني مصمم علي طراز بيوت الريف الانجليزي حيث الطوب الأحمر والقرميد وستندهش لجماله وروعة بناءه وعندما تسأل عن هوية هذا المبني الخواجاتي سيقال لك بكل هيبة ووقار: انه مقر هيئة الصرف الصحي!
ويبرهن لك رمسيس مرة أخري بأنه شارع المتناقضات, فمع عراقة الطراز الاوروبي في البنايات الأثرية, ستفاجأ بمبني الهيئة القومية للأنفاق وكذلك مبني البريد المصري وقد تم تصميمها علي الطراز الحديث والأقرب للأسلوب الأمريكي النيويوركي تحديدا حيث الواجهات الزجاجية والارتفاع الضخم وبرودة تكنولوجيا الألفية الثالثة.. إنه نفس التناقض الذي يكشف عن وجهه مجددا حين تري الترام والمترو يسيران جنبا إلي جنب, الأولي بسرعة السحلفاة والثاني بسرعة الصاروخ! وما أن تتجاوز المستشفي القبطي علي يمينك ثم بطريركية الأرمن والمبنيان تحفتان متميزتان للغاية حتي تتجلي ملامح النشاط التجاري المميز لهذا الشارع... معارض البامبو والفورفورجيه والأثاثات الخشبية تمتد علي النواصي بمحاذاة الرصيف.. ثم تستقبلك محلات العصير لتطفيء نار الحران الذي عليه أن يتحول إلي لاعب أكروبات كلما أراد أن يعبر الشارع بالعرض دون أن يقع في فخ المزاح الثقيل لعفاريت الأسفلت الاسم الحركي لسائقي الميكروباص الذين جعلوا من هذا الشارع امتدادا لممكلتهم التي تبدأ من الميدان, وتلك علي كل حال قصة أخري غير قصتنا الأساسية التي اسمها رمسيس.. قصة الشارع والميدان!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.