على الحكومة المصرية الإعتراف بفشلها في قيادة الوطن
الشاعر الكبير فاروق جويدة محيط – مروة حمزة هو من الأصوات الشعرية الصادقة والمميزة على مستوى مصر والعالم العربي .. قدم للمكتبة العربية العديد من الألوان الشعرية ابتداء بالقصيدة العمودية وانتهاء بالمسرح الشعري ، وترجمت بعض قصائده ومسرحياته إلى عدة لغات عالمية منها الإنجليزية والفرنسية والصينية واليوغوسلافية ، وتناول أعماله الإبداعية عدد من الرسائل الجامعية في الجامعات المصرية والعربية. كتب مؤخراً قصيدة في المصريين الذين غرقوا على شواطئ إيطاليا وتركيا واليونان بعنوان "هَذِي بِلادٌ لمْ تَعُدْ كَبِلادِي" وكانت أكثر من رائعة في تعبيرها عن هجرة هؤلاء الشباب إلى أوطان غريبة عن بلادهم من أجل البحث عن لقمة العيش التي لم توفرها لهم أوطانهم ، ولكن القدر لم يبتسم لهم بل ابتلعتهم الأمواج وماتوا غرقى في بحار الغربة . قدم شاعرنا الكبير "فاروق جويدة" نحو أكثر من 34 كتاباً من بينها 13 مجموعة شعرية هذا غير مؤلفاته المسرحية وكتبه التي أثرى بها المكتبة العربية . . وحول أشعاره وحياته ونظرته لوطنه ولحال المثقفين كان لنا متعة هذا الحوار . محيط : رأيت في كتابك " هوامش حرة " أن الإنسان عندما يتخيل أن تحقيق حلمه ممكن في وطن غير وطنه فإن هذا يعد إهانة للوطن، فماذا يفعل الشباب المصري في ظل البطالة والوظائف التي لا توفر حياة كريمة لأصحابها ؟ هوامش حرة جويدة : لو كل شاب مصري هرب من وطنه إلى وطن أخر وتخلى عن مسئوليته تجاه هذا الوطن فلن نتغير وسنبقى كما نحن من تدهور إلى تدهور ومن سيء إلى أسوأ ، وأعرف أن ظروف البلد الآن لا تحمس الشباب على البقاء والعيش فيها . فأنا كما أحمل الدولة مسئولية هروب هؤلاء الشباب من أحضان وطنهم إلى المجهول ، فمن واجبي أن أرسخ عند هؤلاء الشباب مفهوم الانتماء لهذا الوطن . وأرى أنه إذا لم يحقق الشاب حلمه في وطنه فلن يحققه في أي وطن آخر حتى وإن كانت المادة والمغريات أكثر ، ومازلت أؤمن بأنه عندما يتصور الإنسان أن هناك وطناً آخر غير وطنه يمكن أن يحميه ويحقق له أحلامه فإن ذلك لا يعد إهانة للوطن وحده ولكنها إهانة لكل ما فيه ومن فيه ، فكيف يمكن تصور أجيال جديدة ترى أن جواز السفر الأمريكي هو مصدر الحماية، وأن الطريق إلي الأحلام يعبر من تل أبيب أو واشنطن، كيف يمكن تصور ذلك ثم نتحدث، عن شيء قديم اسمه الانتماء، وشيء عظيم كان اسمه الوطن ، لذلك مهم جداً أن تتكاتف جهود الأفراد مع جهود الدولة وأن تسير في خط واحد وألا يعوق كل منهم حركة الآخر . محيط : لو أصبحت رئيسا للجمهورية ماذا كنت ستفعل لحل مشاكل مصر الداخلية ؟ جويدة : لي كتاب اسمه "هوامش حرة " تخيلت فيه بالفعل أني رئيساً للجمهورية ، وقمت بوضع تصور لحل بعض المشكلات التي نمر بها ، وكان في هذا التصور وقف كل مظاهر الإسراف الترفي في الإنفاق الحكومي واستبعاد كل الاقتراحات بزيادة الرسوم والضرائب خاصة على محدودي الدخل والطبقات الشعبية ، وأيضاً طالبت في تصوري بضرورة مراقبة الحكومة من خلال الجهات الرقابية لأسعار السلع في الأسواق وأن تتحمل كل مؤسسة اقتصادية إنتاجية ديونها التي تراكمت عليها، وأيضاً طالبت بضرورة أن تنشر تقارير شهرية عن الموقف الاقتصادي للدولة كما يحدث في كل دول العالم المتحضر . أحد الناجين من غرق العبارة محيط : وما هي مشاكل مصر الحقيقية ، من وجهة نظرك ؟ جويدة : كثيرة ولا يسعنا المجال للحديث عنها ، وأهمها البطالة التي يعاني منها الشباب والتي دفعتهم للهجرة خارج أوطانهم ، فهل ننسى غرق الشباب المصريين على شواطئ أوروبا للبحث عن وظائف كان المفروض أن توفرها لهم مصر ، فأنا اعتبر هذه المأساة من أكثر الكوارث التي حلت بمصر خلال عام 2007 ، ومن المشكلات أيضاً ارتفاع الأسعار،وانخفاض دخل المواطن المصري ، والتطرف الديني الظاهر في العمليات الإرهابية التي تقفز من وقت لآخر لتدمر كل شيء وتسبب نزيف الدماء هنا وهناك . محيط : هل الفقر وراء ظهور أعراض للتطرف في مصر؟ جويدة : ليس الفقر سبب وحيد للتطرف الديني ، ولكن أسباب ظهور روح التطرف في مصر، ترجع إلى تقاعس رجال الأزهر عن أداء مهامهم ومحاربة التطرف والمتطرفين ، فالأزهر كان منارة الأمة العربية ، لكنه الآن تم اختراقه من قبل هيئات ومنظمات بل ورجال بداخله لا يهمهم إلا مصلحتهم الشخصية فقط والبقاء طيلة حياتهم على "الكراسي" . محيط : هل للمثقفين المصريين دور في انتشال مصر من كبوتها الاقتصادية ؟ جويدة : حالياً لا يستطيع المثقفون انتشال مصر من كبوتها ، بل على العكس فهم السبب في الكثير من أزمات مصر الحالية حيث يتحدثون فقط عن الفتنة الطائفية والحجاب والذقن والزواج العرفي والتطبيع مع إسرائيل وتركوا مشاكل مصر الحقيقية . محيط : معنى هذا أنك غير راضي عن حال المثقفين المصريين ؟ جويدة : نعم ، ومازلت أرى أن حال المثقفين متدهور ، فالمثقف يعاني من نفس المشاكل التي يعاني منها المواطن العادي في مصر ، لأنه يعيش في نفس المجتمع وتحت نفس الظروف ، وأرى مجموعة من المثقفين وقد باعوا قضيتهم وانضموا إلى العمل في جيوش الدولة للدفاع عنها وتبرير ما تقوم به من أعمال فوضوية وغير منظمة ، كما أن هناك فئة أخرى من المثقفين دخلت في مصالح مع دول شقيقة كنوع من البيزنس . محيط : ما رأيك في المنحة المقدمة من حاكم الشارقة لاتحاد الكتاب،ألا يعد شراء لأقلامهم وفكرهم كما قالت أ.صافيناز كاظم حين اعتبرت المنحة إهانة للكتاب والمثقفين المصريين ؟ وهذا أيضاً ضمن ما تحدثنا حوله وهو "حال المثقفين" ،وإن كنت لا ألوم اتحاد الكتاب على أخذ هذه المنحة وقد يكون له وجه نظر مقنعة ، بينما ألوم وزير الثقافة لأنه السبب الرئيسي وراء تدهور حال المثقفين في مصر مما جعلهم ينصرفون عن قضايا وطنهم الحقيقية ويلهثون وراء المادة لإعانتهم على العيش في ظل الأزمات الاقتصادية المتكررة ،ولكني مع الأستاذة صافيناز في كل ما قالته،وأنا أكن لها كل الاحترام وأبادلها نفس الشعور ، فالمثقف يجب أن يكون حراً لا يقبل هبات أو هدايا من أي جهة أو دولة ، حتى لا يشكك في قلمه لأن المثقف هو ضمير الأمة . محيط : هل تشاهد أفلام السينما ؟ جويدة : لست متابعا جيدا لكل الأفلام ، ولكن عندما أسمع عن فيلم ان له هدفا وقصة أهتم بمتابعته إن سمحت ظروفي بذلك . محيط : إذاً هل شاهدت فيلم "حين ميسرة " ؟ ولو كان ذلك حدث فهل تتفق معه في أن الفقر هو السبب وراء الشذوذ الجنسي والتطرف والإرهاب وكل الموبقات التي يعاني منها مجتمعنا خاصة في العشوائيات ؟ جويدة : رأيت الفيلم وكما تحدثت عن أن الفقر ليس وحده وراء التطرف ، وإنما هناك دور مهم نحن نتجاهله وهو دور القادة والحكومة ورجال الدين ، ولكني لا أنفي أن الفقر له دور مهم جداً في تفجير مشكلات مجتمعية كثيرة ، أما الشذوذ الجنسي فأرجعه إلى افتقادنا للتدين ، ونفس الشيء بالنسبة لحوادث التحرش الجنسي التي باتت موجودة وتحدث وبشكل يومي . على الحكومة تحسين ظروف الشعب المعيشية محيط : ماذا تفعل الحكومة المصرية لرفع مستوى معيشة محدودي الدخل ؟ جويدة : على الدولة دور كبير ومهم من خلال أن تهتم بالفرد وتعطيه حقوقه ، وألا تهمل إنسانيته وأن تمنحهم هذا الجيل الجديد فرصة حقيقية كي يدير المؤسسات لتغيير هذا الوطن ودفعه للأمام ، فنحن فشلنا لاعتمادنا على المؤسسات الحكومية ونسينا الفرد، وكان علينا أن نترك حرية الإبداع للأفراد ولا نعتمد على المؤسسات التي فشلت في تقدم هذا البلد ، فعلى الحكومة المصرية ضرورة الاعتراف بفشلها وعدم قدرتها على حل مشكلاتنا وأزماتنا المتكررة ،وعلى المسئولين التراجع عن المركز القيادية وإعطاء الفرصة للشباب لإصلاح هذه المؤسسات ومساعدتهم على أن يعملوا بحرية لمزيد من الإبداع والتطوير ليس فقط لرفع مستوى معيشتهم ولكن لتطوير وتقدم هذا البلد . محيط : هل تعتقد أن مصر قادرة على الخروج من كبوتها واستعادة مكانتها ؟ جويدة : نعم مصر قادرة على أن تستعيد مكانتها وعظمتها من جديد ، وأنا متفائل بأنه سيأتي زمن جديد وستعود مصر عظيمة كما كانت ، خاصة وأن الخامة المصرية الأصلية مازالت موجودة في شبابنا ،فهم الأمل وقادرون على إعادة مصر لمكانتها بأيديهم ، والذي يجعلني متفائلاً هو أن مصر مرت بسنوات انحطاط أكثر مما نحن فيه الآن وقمنا من جديد، وهذا يكفي أن نعود مرة أخرى ونعلو عن أي بلد في العالم . محيط : وماذا تقترح كي تخرج مصر من كبوتها ؟ جويدة : هناك حلولاً لخروج مصر من كبوتها، وفي مقدمتها التعليم والإنفاق بسخاء عليه، كي تظهر عندنا كوادر ورواد في حركة التغيير لمستقبل أفضل لمصر،وأيضاً من الضروري للغاية الاهتمام بالزراعة في النهوض ، لأننا الآن ليس لدينا الغذاء الكافي ونستورده بكميات مهولة من الخارج ، فلابد من زيادة الرقعة الزراعية في مصر بشتى الطرق لتوفير احتياجاتنا من الغذاء . * " فاروق جويدة " في سطور * ولد في محافظة كفر الشيخ "10 فبراير 1945 " ، وعاش طفولته في محافظة البحيرة، تخرج في كلية الآداب قسم الصحافة عام 1968، وبدأ حياته العملية محررا بالقسم الاقتصادي بجريدة الأهرام ، ثم سكرتيرا لتحرير الأهرام، وهو حاليا رئيس القسم الثقافي بالأهرام. قدم للمكتبة العربية أكثر من 34 مؤلفاً من بينها 13 مجموعة شعرية حملت تجربة لها خصوصيتها، وقدم للمسرح الشعري 3 مسرحيات حققت نجاحا كبيرا في عدد من المهرجانات المسرحية هي: الوزير العاشق و دماء على ستار الكعبة و الخديوي . من مؤلفاته : * "بلاد السحر والخيال"، * "أموال مصر.. كيف ضاعت؟"، * "من يكتب تاريخ ثورة يوليو؟ " .. .. القضية والشهادات * "هوامش حرة" وهو تجميع لمقالاته التي تنشر في جريدة الأهرام . ومن مسرحياته : "دماء على ستار الكعبة"، و"الخديوي "، و "الوزير العاشق"، ومن دواوينه الشعرية : "حبيبتي لا ترحلي"، و"يبقى الحب"، و"للأشواق عودة"، "في عينيك عنواني"، "دائما أنت بقلبي"، "شيء سيبقى بيننا"،"لأني أحبك"، "زمان القهر علمني"، "كانت لنا أوطان"، "آخر ليالي الحلم"، "لن أبيع العمر". "لو أننا لم نفترق " ،و"أغضب " ، و"نزف المشاعر" ،و ماذا تبقى من أرض الأنبياء؟ أحزان ليلة ممطرة و"في هذا الزمن المجنون ". الهيئات التي ينتمي إليها: - عضو نقابة الصحفيين. - عضو جمعية المؤلفين. - عضو اتحاد الكتاب. - عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة. الجوائز والأوسمة التي حصل عليها : جائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، عام 2001. فاز بجائزة كفافيس الدولية في الشعر وتسلم الجائزة في احتفالية أقيمت في مدينة "قوله" باليونان في الثاني من شهر سبتمبر2007، وهى جائزة تمنح للمبدعين من مصر واليونان، وتحمل اسم شاعر الإسكندرية العالمي كفافيس بهدف تنمية العلاقات الثقافية بين اليونان ومصر.