أكد الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة " إيسيسكو " ، في مستهل محاضرة ألقاها في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، أن التجديد في حياة المسلمين يقوم على الاجتهاد، فلا تجديد بدون اجتهاد، فالمجتهد مجدّدٌ، والمجدّد مجتهدٌ على نحو من الأنحاء. كما أوضح أن الربط بين التجديد والاجتهاد مما يقبله العقل ولا يتعارض مع صحيح الدين، وقال : " ما دام الإسلام يحضّ على إعمال الفكر وإجالة النظر في الكون واعتماد العقل سبيلا ً إلى الفهم والإدراك وتقدير الأمور كلها، فإن هذه دعوة ٌ إلى التجديد المستمر في الحياة، لأن العقل قوة تجديدية إذا أطلقت ملكاته. وبذلك يكون التجديد عملية من عمليات العقل الحكيم المدبر، وضرورة حياتية ". واستطرد قائلا ً : " ليس التجديد إذن، نقيضًا ل " كمال الدين وثباته" ، بل إنه السبيل لامتداد تأثيرات الدين الكامل وثوابته إلى الميادين الجديدة، والأمور المستحدثة، والضمان لبقاء الأصول صالحة ً دائمًا لكل زمان ومكان، أي أنه الضمان لبقاء الرسالة خاتمة خالدة الخلود الذي أراده الله". وذكر أن الاجتهاد تجديدٌ للفكر وللموقف وللممارسة وللحياة بصورة عامة. كما أن التجديد اجتهادٌ في الفهم والإدراك، وفي استنباط الحلول من روح الشريعة الإسلامية، للمشاكل التي يعيشها المجتمع الإسلامي، في ضوء المستجدات الطارئة على المجتمع والوعي بالمتغيرات التي يعيشها عالم اليوم. وقال المدير العام للإيسيسكو في محاضرته حول موضوع "نحو تجديد الفكر الإسلامي" : " إنه بقدر ما أن التفكير فريضة إسلامية، فإن الاجتهاد ضرورة من ضرورات الحياة، مثله مثل التجديد، فلا تستقيم حياة مجتمع يركن إلى الجمود، ولا يتطور المجتمع المسلم إلا ّ من خلال الاجتهاد، والتجديد المستمر وفق الضوابط الشرعية، وفي دائرة المبادئ والقيم والتعاليم التي دعا إليها الإسلام " . وربط بين الاجتهاد والتجديد، فقال : « إذا كان لا مندوحة عن الاجتهاد لتطوير المجتمعات الإسلامية نحو مستويات راقية من الحياة الكريمة تليق بها، فإن الاجتهاد الذي يبني ولا يهدم ويغني الحياة الإنسانية ويفتح أمامها آفاق النمو والرقي والتطور، لابد أن تحكمه ضوابط شرعية وعقلية ومصلحية، وإلاّ فقد الاجتهاد معناه». كما أوضح أن اجتهادنا المعاصر وتجديد الفكر الإسلامي، ليس الهدفُ منهما أن نكون حداثيين بالمفهوم الغربيّ للكلمة، بل هما اجتهادٌ يجعلنا تحديثيين مواكبين لمتغيّرات العصر، ومستفيدين من إيجابياته في إطار خصوصياتنا الدينية والثقافية والحضارية، وتجديد يجعلنا في تطور مستمر وفي تطلع دائم نحو الرقيّ. وأشار إلى أن رواد الفكر الإسلامي في العصر الحديث قد تنبهوا إلى أنَّ حاجة مجتمعاتنا إلى الاجتهاد والتحديث والتجديد هي حاجة متجدّدة، لابد أن تراعي أولويات الاجتهاد، التي يتعيَّن علينا أن نُوليها العنايةَ المستحقة، فالاجتهاد أنواع وله مجالاته، وهي : الاِجتهاد الفقهي، والاِجتهاد السياسي، والاِجتهاد الاِقتصادي، والاِجتهاد التقاني، والاِجتهاد العلمي، والاِجتهاد الثقافي، والاِجتهاد الحضاري. وكذلك هو التجديد، فهو تجديد في الفقه الإسلامي، وتجديد في الفكر الإسلامي، وتجديد في اللغة العربية التي هي وعاء الفكر، وتجديد في الأدب وفي الفنون. وغير ذلك من ضروب التجديد والاِجتهاد اللذين يختصُّ كلّ منهما بمجالٍ يتسع بتعدّد المسائل التي تقتضيالتجديد والاِجتهاد. وفي جميع الأحوال فإن الاجتهاد هو تجديد. ودعا الدكتور عبد العزيز التويجري في محاضرته التي ألقاها بدعوة من مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، إلى إنعاش الفكر الإسلامي المعاصر بتجديده وفق تصوّر سليم لوظيفة التجديد، كما دعا إلى تقوية التضامن الإسلامي وتفعيل العمل الإسلامي المشترك، حتى يكون اجتهاد الأمة اجتهادًا تجديديًا جماعيًا، صادرًا عن تضافر جهود علمائها وفقهائها وأصحاب الاختصاص منها، وتجديدها لحياتها تجديدًا مشتركًا في إطار من التعاون والتكامل والتنسيق وتحديثُها قائمًا على ثوابت دينها ورواسخ حضارتها الإسلامية المعطاء. وقال الدكتور عبد العزيز التويجري بهذا الخصوص : " إذا كانت حركات التجديد في حقول الفكر الإسلامي قد تبلورت في رصيد ضخم من الإنتاج العقلي، وتطورت وانعكست على التيارات والأحزاب السياسية والجماعات الدينية على تعدد مشاربها واقتناعاتها، فإن التجديد في حقول العلوم السياسية والإدارية بقي قاصرًا عن الوفاء بمتطلبات التغيير الحضاري المطلوب للنهوض بالعالم الإسلامي. فلقد ظهرت مؤلفات كثيرة في تجديد أصول الفقه، وتجديد الفقه، وتجديد الفكر السياسي الإسلامى " . وأشار إلى أن هذا الاتجاه من اتجاهات تجديد الفكر الإسلامي في هذا العصر هو الأكثر استجابة لحاجات الإنسان المسلم الذي يعاني من مظالم كثيرة وانحرافات شديدة في نظم الحكم التي تستبد بالشعوب وتتنكر بعضها لمقاصد الشريعة الإسلامية التي تحفظ للإنسان حقوقه وتصون كرامته. مؤكدًا على التجديد في هذا المنحى من مناحي الفكر الإسلامي، هو التجديد الواقعي الذي يرتبط بالواقع المعيش ولا يحلق في سماوات التنظير العقلي الذي لا يجدي ولا يفيد.