- أصل اسم " مصر " بين أبناء نوح و آدم - عرفت مصر قديما ب " أم الخنور " لكثرة النعم عليها "مصر مسقط رأسى .. فلا تهوى الأنفس غير ذكره، و منذ شذوت العلم، و آتانى ربى الفطانة و الفهم، أرغب فى معرفة أخبارها .. فقيدت بخطى فى الأعوام الكثيرة، فأردت أن ألخص منها ما بديار مصر من الآثار الباقية عن الأمم الماضية و القرون الخالية "، هكذا يفتتح تقى الدين المقريزى خططه المقريزية المسماة ب " كتاب المواعظ و الاعتبار فى ذكر الخطط و الآثار" الموضوعة فى ثلاثة أجزاء . و يقول المقريزى أنه ألف هذا الكتاب ليعرف المرء ما حدث فى أرض مصر فى القرون الماضية، ليعلم الناس "كيف كانت عاقبة الذين من قبل"، فينقل بها ما حدث للملوك و الفراعنة عندما حل بهم سخط الله، و ما وصلوا إليه من علوم و صناعات فى ذلك الوقت، وأحوال مصر فى ذلك الوقت و آثارها وما تعرضت له من خراب. و مؤلف هذا الكتاب هو أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد المعروف بالمقريزى الذى ولد بالقاهرة فى عام 760 من الهجرة، و قد اعتمد فى خططه المقريزية على النقل من كتب السابقين، والرواية اعتمادا على الناس و العلماء، كما اعتمد على المشاهدة عن طريق ما رآه و عاصره بنفسه . أصل مصر يقول المقريزى أن مصر كان يقال أنها تسمى فى الدهر الأول قبل الطوفان "جزلة" ثم سميت ب"مصر" ، وأرجع بعض العلماء اسم مصر إلى ثلاثة أشخاص، أولهم "مصر بن مر كابيل بن دوابيل بن عرايب بن آدم"، والثانى "مصرام بن يعراوش الجبار بن مصريم الأول"، والثالث " مصر بن بنصر بن حام بن نوح ". و قال آخرون أنها اسم عربى مشتق، فيما قال الحسن بن أحمد الهمدانى عالم الأنساب أن "مصر بن حام " هو " مصر بن هرمس بن هردش بن بيطون بن روى ليطى بن يونان " و أن مصر سميت به فهى مقدونية !. و يحكى " أبو الحسن المسعودى" فى كتاب " أخبار الزمان " : عندما بغى بنو آدم على أخوتهم ، حاول بنو قابيل بن آدم الفرار منهم لأرض آمنة ، و كان منهم " نقراوس الجبار بن مصريم بن مر كابيل بن دوابيل بن عرياب بن آدم عليه السلام " و 70 آخرين ، و عندما وجدوا تلك الأرض الواقعة على النيل، قالوا أنها بلد زرع و عمارة فأقام نقراوس مصر و أسماها على اسم أبيه " مصريم ". و بعد الطوفان عرفت مصر باسم " مصر بن بنصر بن حام بن نوح "، فعلى سفينة نوح كان هناك رجل من مصريم يدعى " قليمون الكاهن " زوج ابنته إلى بنصر بن حام بن نوح ، و أنجبوا مصريم ، و عندما انتهى الطوفان و نزل نوح و قسم الأرض بين أولاده استأذنه الكاهن فى أخذ مصريم إلى بلده ، و يقال أن أهل مصر توجوا مصرايم ملكا عليهم ، و كان يزرع الأشجار بيديه ، و كان أول من صنع السفن بالنيل. وتزوج مصرايم و أنجب أربع " قبطيم و أشمون و أتريب و صا " و بنوا حينها مدينة " نافة " التى تحولت بعد ذلك ل " منف " ، كما بنوا مدينة رقودة فى موضع مدينة اسكندرية حاليا ، و كشفوا كنوز مصر و عرفوا العلوم و الصناعات و المعادن ، و عندما مات مصرايم قسم أرض مصر بين أولاده الأربعة ووصى كل منهم ببناء مدينة، و تلى ابنه قبطيم الحكم من بعده . أما فى كتاب " التحائف " لأبو محمد عبد الملك بن هشام قال أن " عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود أخى عاد بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح " استطاع أن يجمع بنى قحطان و بنى هود و فتح بهم بابل و أرمينية ، و عندما أراد بلاد العرب ، فاختار موضعا بين" بحر القلزم و الروم – أى الأحمر و المتوسط " ليبنى فيها مصر لتكون فاصلة بين الشرق و الغرب . و بنى مدينة أسماها " مصر " وولى عليها ابنه " بابليون "، وأوقع بين طوائف بنى حام بن نوح، ثم مضى عبد شمس يريد الحجاز، وقبل أن يرحل وصى ابنه قائلا : " الآ قل لبابليون و القول حكمة ..ملكت زمام الشرق و الغرب فأجمل .. و خذ لبنى حام من الأمر وسطه .. فإن صدفوا يوما عن الحق فأقبل .. و ان جنحوا بالقول للرفق طاعة" كما وصاه بإلا يأخذ مالا ليس من حقه، وأن يعامل ذوى الأحقاد بالسيف، و أمره إلا يكون جبارا على الناس و أن يستمع لهم و يكون لهم رحمة و معين. و بموت عبد شمس تولى ابنه "حمير بن سبأ " الذى استنجده أخاه بابليون، عندما ثار ضده بنو حام، قائلا أنهم يريدون تخريب مصر، وولى من بعدى ابنه " امرئ القيس بابليون "، وأن عمرو ابنه ملك بعده، حتى أتاه نبى الله ابراهيم عليه السلام ووهبه هاجر . فيما ذكر فى كتاب " فتوح مصر و أخبارها " للمؤرخ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ، أن نوح عليه السلام كان لديه أربعة أولاد "سام و حام و يافث و يخطون" وأنه دعا بالخير والبركة لمن أجابه منهم و من أولادهم و أحفادهم ، و دعا على من لم يجيبه !!. و كانت دعوته " لمصر بن بنصر بن حام " أن يسكنه الأرض المباركة التى هى أم البلاد و غوث العباد ، الذى يعد نهرها أفضل أنهار الدنيا، ودعا له أن يسخر له و لأولاده الأرض و يقويهم عليها ". و ذكر ابن لهيعة قاضى الديار المصرية و عالمها، أن أول من سكن مصر هو مصر بن بنصر بن حام ، وأول مدينة عمرها هو و أولاده " منف " ، و أنهم سكنوا فى البدء بسفح المقطم . وأن أولاد مصر سكنوا البلاد التى بجواره ، فأخذ " فارق " ما بين برقة إلى أفريقيا ، و كان ولده الأفارقة لذا سميت بأفريقيا، و أخذ " ماح " من مصر إلى الجزيرة، وهو " أبو قبط الشام ، فيما حاز " ياح " ماوراء الجزيرة ألى الشرق و عرف " بأبو قبط العراق " ، و أن بنصر و ابنه حام استخلفوا مصر ، ثم قسم مصر البلد بين أولاده الأربعة الذين ذكرناهم من قبل. و عن ذكر " مصر " فى القرآن، فقال تعالى اخبارا عن موسى عليه السلام " اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم "، و قيل أنها قصد بها مصر من الأمصار أى بلد من البلاد أو مصر بعينها، و قوله تعالى عن يوسف عليه السلام " ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين "، وقول فرعون " أليس لى ملك مصر "، وعليها فقال بعد العلماء أن مصر اسم مذكر و آخرون قالوا أنها مؤنث ، فيما قال الجوهرى فى كتابه " الصحاح " أن مصر تؤنث و تذكر . أما عن الجاحظ فقال فى " كتاب مدح مصر ": أن مصر سميت بذلك لمصير الناس إليها و اجتماعهم بها . و يقال لمصر قديما " أم الخنور " أى النعمة لكثرت ما أكثر الله من نعمه على هذة البلد فقال تعالى اخبارا عن يوسف " اجعلنى على خزائن الأرض انى حفيظ عليم " ففسرها العلماء أن مصر بلد النعمة و خزائن الأرض كلها .