مع التهاب الحياة السياسية بالعراق في الآونة الأخيرة، ووسط تحذيرات من وضع العراقيين في اختيار بين الدم والتقسيم، تطفو على السطح الأحزاب الدينية في محاولة منها لتمرير مشاريعها عنوة. وكانت حملة «تصحيح الحجاب» أحد تلك المحاولات، حيث عادت إلى الانتشار مؤخراً، بشوارع العراق يافطات تنصح النساء بضرورة التحجب أو مواجهة العواقب، وهو مشهد يبرز سطوة الأحزاب الدينية على المجتمع في العراق. وللمرة الثالثة تعود هذه الحملة بقوة، حيث بدأت انطلاقها في يونيو 2010 وعادت مرة أخرى في 2012، ولكن الآن التخوفات تضاعفت والتنديدات تزايدت، للغياب الأمني والاشتعال السياسي وفرض المسلحين أنفسهم بالعراق بشكل لافت للنظر. «تصحيح الحجاب» وعادت «تصحيح الحجاب» الآن بشكل مختلف عما سبقها، حيث ظهرت بقوة بالتحذير والترهيب، فقد انتشرت في عدد من أحياء العاصمة بغداد - وهو يجسد القوة التي ظهرت بها - عبر ملصقات ويافطات تنصح وتحذر النساء بضرورة التحجب أو مواجهة العواقب. وشهدت ممارسة بعض الجماعات الدينية ضغوطاً لإجبار العراقيات على ارتداء الحجاب، عبر حملة «تصحيح الحجاب» تنديداً كبيراً في أوساط منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق النساء. فمن جانبها، أكدت نائبة رئيس جمعية حقوق المرأة العراقية، دلال الربيعي، ل«سكاي نيوز عربية» على ضرورة توفير الأمن وتحقيق الاستقرار في البلاد قبل فرض الحجاب. وأضافت أن انشغال أقطاب الدولة العراقية بالأزمة السياسية، سمح بوجود ثغرات استفادت منها بعض الجهات الدينية، حيث انتهزت الفرصة لتمرير مشاريعها. ولا يستبعد المعنيون من السياسيين عمليات القتل على يد "متشددين" لمن يرون أنهم يخالفون تعاليم الدين وأعراف المجتمع. وبدوره، قال زهير الأعرجي عضو لجنة حقوق الإنسان النيابية: "إن قوى الإرهاب والعصابات المسلحة لا تزال تعمل على أرض العراق، وكل يشرع لنفسه بدون الرجوع للقواعد الأساسية وتبني لنفسها مؤسسات تفتي في أمور تخالف الشريعة الإسلامية". وفي مقابل هذا التشدد الديني الذي يطرق أبواب الحياة العراقية، توقع البعض أن تواجه بعض محلات الملابس كسادا في بضاعتها إذا ما أخذ "المتشددون" مداهم في فرض رؤيتهم بعيدا عن تنوع المجتمع العراقي وتعدد أطيافه وطوائفه. وكانت الحملة انتشرت في عدد من أحياء العاصمة بغداد عبر ملصقات ويافطات تنصح وتحذر النساء بضرورة التحجب أو مواجهة العواقب. «لا للحجاب الإجباري» ولم تكن هذه الحملة الوحيدة التي يواجهها العراقيات، حيث لم تقتصر وسائل الاجبار على الحجاب بالعراق على الأحزاب الدينية، بل لجأ الأهالي في ظل الغياب الأمني الذي يشهده العراق الآن، إلى إجبار بناتهم على الحجاب، وهو ما تم رفضه أيضاً. فمن جانبها، كانت رابطة المرأة العراقية رفعت شعار "لا للحجاب الإجباري" خلال احتفالاتها بمناسبة يوم المرأة العالمي في مارس / آذارالماضي. وفي حديث أنباء تركية، على هامش الاحتفال، قالت كفاح بدران عضو المكتب الإداري للرابطة: "إن شعار احتفالات هذا العام يأتي نسبة لانتشار ظاهرة الحجاب الإجباري من قبل عائلات عراقية نظرا لتدهور الوضع الأمني ولانتشار ظاهرة التحرش بالنساء والفتيات في العراق بشكل كبير". وتابعت بدران: "رغم كوني أرتدي الحجاب، لكنني ضد مبدأ الحجاب الإجباري، وأعتقد أنه يجب أن يكون بقناعة تامة، لأن المرأة والشابة حرة في اختيار ملابسها وبعض العائلات هنا تجبر على النساء والشابات ارتداء الحجاب حتى تستطعن ممارسة حياتهن بشكل طبيعي". واستمرت بحديثها قائلة: "لكن هناك فتيات لا ترغبن بالحجاب، ولكنهن تتحجبن تحت ضغط وإجبار أولياء أمورهن، مما يؤدي إلى أن تقوم بعض تلك الفتيات بنزع الحجاب بعد الخروج من المنزل، وهذا الأمر قد يتطور إلى إجبار الفتيات على القيام بأمور أخرى نتيجة تعرضهن لضغط الأهل". التحرش والحجاب أما عن ظاهرة تعرض المرأة العراقية للتحرش خارج منزلها أفادت بدران بأن المجتمع في العراق "قبلي عشائري يرفض هذه الأساليب التي يتبعها بعض من الشباب في الشارع العراقي". وأضافت أن المحجبات أيضا لم يفلتن من التعرض للتحرش، قائلة: "رغم كوني محجبة فأنني أتعرض لتحرش الشباب في الشارع، يسمعوننا كلمات غير جميلة تخدش حياء المرأة، وهذا الأمر يؤدي إلى أن تكره النساء المشي في الشارع، وتقيد حرية حركتهن". وكانت نسبة كبيرة من النساء العراقيات تحجبن تحت ظروف الاقتتال الطائفي بالبلاد الذي تصاعد عام 2006، وذلك تحت تهديد مسلحين كانوا يجبرون النساء على التحجب، مع التهديد بقتلهن في حال عدم الالتزام بذلك، ما دفع الكثيرات لارتداء الحجاب في العراق آنذاك. اجبار المضيفات وحول ملف الحجاب بالإجبار، فقد تعرضت له أيضاً موظفات شركة الخطوط الجوية العراقية بحسب إحدى الموظفات عقب تقديم استقالتها من قبل الوزير هادي العامري الذي استبدل المدراء السابقين بمدراء ومعاونية مقربين من منظمة بدر الجهة التي ينتمي اليها الوزير. وكشفت الموظفة المستقيلة لجريدة "المساواة" العراقية في مارس الماضي، عن أسباب تقديم استقالتها كمضيفة في الطائرات العراقية، حيث ذكرت أن المسئولين الجدد طالبوا موظفات شركة الخطوط الجوية العراقية بالتزام الزي الاسلامي والحجاب الشرعي في العمل، مبينة أن الاوامر لم تكن وفق سياقات العمل الرسمية مشددة على انها تلقت الاوامر مباشرة من رئيسها في العمل وبدون كتاب رسمي. واشارت الموظفة الى ان جميع مفاصل الوزارة تم تغيير الكادر القيادي والاداري فيها معتبرة وجود شخصيات ومدراء من الجهة التي ينتمي اليها الوزير امر في غاية الخطورة. الجامعات البغدادية وعلى نفس الصعيد، ذكرت «المساواة» أن بعض الطالبات في جامعات بغداد تخوفن من فرض الحجاب مع الزي الموحد بعدما تناقل بعض الاداريين في جامعة بغداد والكلية التقنية الادارية اخبارا حول صدور توجيهات تمنع الطالبات من الدوام في الجامعات دون ارتداء الحجاب مع الزي الموحد . وقالت انوار حسن جاسم وهي طالبة في الكلية التتقنية الادارية في الباب المعظم لوكالة "بغداد بوست" للانباء: "إن زميلاتها تناقلن بعض الاخبار حول وصول توجيهات من وزارة التعليم العالي تقضي بفرض ارتداء الحجاب مع الزي الموحد في جامعات بغداد كونها الجامعة التي تضم اكبر عدد من الفتيات غير المحجبات". واكدت ان غالبية الطالبات غير المحجبات اتفقن على القيام بمظاهرة سلمية امام مبنى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في حال تم اتخاذ هذا القرار وفرضه على الطالبات بشكل قسري. واكدت الطالبة نسرين عبد الحميد التي تدرس الغة العبرية في كلية اللغات ان بعض الطالبات اكدن لها وصول توجيهات الى الكلية تقضي بفرض ارتداء الحجاب مع الزي الموحد داخل الحرم الجامعي، وان هذا القرار ارجأ تنفيذه لحين التداول بشأنه مع رؤساء الاقسام. وقالت لوكالة "بغداد بوست "للانباء: "إن العراق ليس دولة اسلامية كي يتم فرض الحجاب فيه بشكل قسري في الجامعات، وان هذه المسألة تعود الى الحرية الشخصية، وليس من الوزارة ان تفرض امرا كهذا. واضافت "لم نصدق اننا تخلصنا من تسلط الميليشيات والجماعات المتشددة التي فرضت علينا ارادتها لاعوام حتى جاءت الوزارة لتفرض علينا رأيها في شأن في صميم الحرية الشخصية للفتاة". وقد أظهرت طالبات أخريات تذمرا كبيرا من مسألة فرض الحجاب في الجامعات البغدادية، ورغم رفض وزارة التعليم العالي الادلاء بتعليق حول الموضوع وتأكيد الدائرة الاعلامية بانها لا تملك معلومات كافية حول القضية الا ان الكثيرات من الطالبات اكدن ان القرار ورد الى الجامعات ضمن توجيهات خاصة تم ارسالها الى الجامعات تتعلق بمظهر الطلاب والزي الموحد، حيث اكدت الوزارة على ضرورة التزام الطالبات بقضية الحجاب داخل الجامعة كجزء من الزي الموحد. حملات متكررة ولم تكن حملة «تصحيح الحجاب» هي المرة الأولى التي يتم إطلاقها، بل تم إطلاقها من قبل خلال عامي 2010 و2012، وهو ما اعتبرها الناشطات العراقيات حين ذاك تقييد للحريات وتم السيطرة عليها. ففي يونيو 2010 ظهرت ولأول مرة، هذه الحملة، حيث اعتبروها حين ذاك حملة جديدة من نوعها، وقامت جهة تطلق على نفسها مركز الكاظمية للمجتمع المدني بنشر حملة "تصحيح الحجاب"، وحرصت هذه الجهة على تثبيت الاعلانات بالقرب من مواقع السيطرات الأمنية المنتشرة في المدينة، بعض الاعلانات والصور تصور المرأة السافرة أو "النصف محجبة" بشكل مقزز. وأثارت هذه الحملة حين ذاك نقاشات وحوارات مثيرة بين ناشطات وناشطين في مجال حقوقالإنسان، عضوات برلمان، وحقوقين، البعض اعتبر هذا بأنه تراجع عن الحريات التي كفلها الدستور في محاولة فرض مثل هكذا ضوابط، فيما عزا البعض أسباب قيام هذه الحملة بمحاولة بعض الأحزاب والقوى الإسلامية بالسيطرة على المجتمع من خلال تقييد الحريات وكرد فعل لظاهرة "تصحيح الحجاب" جرى التداول بين الناشطات العراقيات بإطلاق حملة مضادة لهذه الظاهرة ومحاولة بعض الظلاميين من فرض مثل هكذا قيود والرجوع بالمجتمع العراقي الى العصور المظلمة. وقد اندثرت هذه الحملة فترة زمنية، لتعود مرة أخرى في 2012، وظهرت الملصقات التي تطالب المرأة بارتداء الحجاب بطريقة تعكس قناعات إسلامية توصف بأنها متشددة، مرة أخرى في الشارع العراقي. رعب نسائي وأطلت الحملة هذه المرة من مدينة الديوانية مركز محافظة القادسية جنوب العاصمة بغداد، حيث ظهرت في الآونة الأخيرة ملصقات لحملة أطلق عليها نفس الاسم «تصحيح الحجاب»، تحذر المرأة من ارتداء الحجاب بطريقة معاصرة كما تفعل كثير من الفتيات والنساء أو ارتداء الألوان الزاهية والأحذية ذات الكعوب العالية، وتدعو السيدات إلى ارتداء النقاب. وأدى ذلك إلى إشاعة حالة من الرعب بين النساء والفتيات في المحافظة، حتى أن بعضهن يتخوف من عودة عمليات القتل ضدهن كما حصل خلال الأعوام السابقة. ووصفت ناشطة رفضت ذكر اسمها خوفا من احتمال استهداف جماعات متشددة لها، تلك الملصقات بالمخالفة لبنود الدستور الذي كفل الحرية الشخصية للمواطن. وطالبت الناشطة في حديث سابق لت "راديو سوا" الأمريكي الحكومة المحلية والمؤسسات القضائية بالتدخل لإيجاد حل لتلك الظاهرة قبل أن تترجم الملصقات إلى أعمال عنف ضد النساء، حسب تعبيرها. هذا وقالت الناشطة في مجال حقوق المرأة شيماء العميدي: "إن بعض العوائل بدأت تخشى على مصير بناتها واحتمال استهداف الجماعات المتشددة لهن". وأبدت العميدي استغرابها من استمرار سعي من وصفتها بالأحزاب الدينية المتشددة إلى فرض آرائها على الآخرين، في وقت يتم الحديث فيه عن عراق ديموقراطي مدني. من ناحيتها، شددت عضو مجلس المحافظة هدى حمودي على ضرورة التزام المرأة بارتداء الحجاب، لكنها انتقدت سعي جماعات متشددة إلى فرض النقاب على النساء. وقد نفى النائب الأول لمحافظ الديوانية عبد المسلم الغزي أن يكون للحكومة المحلية أي يد في وضع الملصقات، مشددا على المضي في تنفيذ قرار المحافظ سالم حسين علون إزالتها من الشوارع. وعزا الغزي انتشار الملصقات إلى الممارسات الديموقراطية التي سمحت للآخرين بإظهار قناعاتهم الدينية التي باتوا يحاولون فرضها على الآخرين، كما قال.