أزمة حياة أو موت .. هكذا يمكن أن نطلق على نقص الأدوية الذي أصبح شبح يهدد حياة المرضى ، فالأدوية أو العلاجات بمختلف أشكالها باتت اليوم أحد أهم الموجودات في حياتنا، حيث تساعد الكثيرين على الحياة بطريقة أفضل، وخاصة مع انتشار الأمراض المزمنة بشكل كبير ، فالدواء يعمل على التخفيف من وطأة أو الوقاية من بعض الأمراض . فبالاضافة إلى المعاناة التي يعيشها المريض مع شدة الالام ، نجد أن هناك معاناة جديدة تضاف إليه، حيث نجد أن سوق الدواء في مصر يتعرض هذه الأيام لكارثة كبيرة وخاصة مع استمرار نقص في بعض أصناف الأدوية الهامة بمختلف الصيدليات ، والتي ربما يعتمد عليها المريض بشكل يومي، لعلاج أمراض مزمنة مثل مرض السكر ، وهو ما يشكل خطرا يهدد حياة مرضى .
ولم يقتصر الامر على الأدوية فقط فقد كشف التقرير الشهري للمركز ''المصري للحق في الدواء''، عن نقص ايضا لألبان الاطفال ''ليبتو ميلك'' و'' بايوميل 1'' المدعم، مما يشكل خطرا كبيرا، خاصة أن وزارة الصحة كانت قد قررت توزيع علبتين من اللبن المدعم على كل أم بموجب شهادة ميلاد طفلها وبسعر ثابت 3 جنيه للعلبة ومن خلال مراكز التأمين الصحي بمختلف محافظات مصر.
الخاسر الأكبر وتمثل النصيب الاكبر في وجود نواقص في الأدوية الهامة التي تعالج الامراض المزمنة مثل ''داي نايترا'' والذى اختفى من الصيدليات رغم أهميته الكبيرة لمرضى الصدر وحمايتهم من الذبحة الصدرية، وسجل الأنسولين نقصا كبيرا بسبب عدم قيام الشركة المصرية لتجارة الأدوية باستيراده بسبب قلة المخصصات المالية من وزارة الصحة، وهو ما يشكل خطرا يهدد مرضى السكر.
كما شهد عقار ''سو ليوكورتيف'' لعلاج أزمات الربو الحادة وحساسية الصدر نقصا شديدا في الصيدليات، ولا يوجد بديل له، وكذلك عقار ''سو ريستريت '' والذي ينقذ مرضى الفشل الكلوي في حالة ارتفاع نسبه البوتاسيوم في الدم، وعقار '' سلاتسيل '' للأمراض النفسية، والذى اكد التقرير أنه ليس له بديل في الأسواق.
التصدير والاغلاق وهناك الكثير من الاسباب التي يؤكد مسئولون انها وراء تلك الازمة، حيث أرجع البعض أزمة تناقص الأدوية التى يشهدها السوق المصري إلى "توقف خطوط الإنتاج لبعض الشركات"، بعد أن عجز أصحابها عن تطويرها لارتفاع التكلفة مقابل الخسائر التى يتكبدونها لانخفاض أسعار الدواء. فقد أكد الدكتور مكرم مهنى رئيس غرفة صناعة الأدوية باتحاد الصناعات أن شركات مثل "النيل" و"فايزر" و"آمون" و"سيد"، أوقفت خطوطًا إنتاجية بسبب هذه الأزمة ، موضحًا أن النقص يتركز على أدوية يتراوح سعرها بين 1.5 وحتى 5 جنيهات على رأسها نقط الأنف للأطفال، ومجموعة التبويض وبعض لوازم العمليات والملينات.
وأشار إلى أن جميع الأدوية لها بدائل كثيرة، مطالبا الأطباء بتوجيه المرضى نحو هذه البدائل لحين وضع حلول للأزمة الحالية ، كما أوضح مهنى، ان القطاع الاستثماري يتوقف عن الإنتاج لأسباب غير جوهرية، علي سبيل المثال توقفت بعض الشركات عن إنتاج علاج "نقط الأنف" بحجة تطوير خط الإنتاج دون إخطار الوزارة قبل التوقف بوقت كاف، مرجعًا السبب وراء الأزمة في وقف الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة والسكان الأسبق عمل مركز التخطيط والسياسات الدوائية في عام 2006 الذي كان يتوقع أي أزمة في الدواء، والعمل على حلها قبل حدوثها، لذا نطالب كل الجهات المعنية بعودة المركز وإنشاء هيئة عليا للدواء. أما الدكتور محمود فتوح رئيس اللجنة النقابية للصيادلة فقد أشار إلى أن الأزمة بدأت عقب الثورة حيث عجزت شركات الأدوية عن استيراد المواد الخام بجانب ارتفاع سعر الدولار مما دفع تلك الشركات لوقف تصنيع الأدوية بسبب تحقيقها للخسائر مشيراً إلى أن مصانع الأدوية في مصر لا تهدف سوى لتحقيق الأرباح ولا تهتم بمصلحة المواطن.
وأشار فتوح إلى أن جميع أعضاء نقابة الصيادلة من جماعة الإخوان المسلمين مما أدى إلى تصدير بعض الأدوية إلى قطاع غزة في حين أنها غير متوافرة في مصر. ويرى آخرون أن شيوع الاحتجاجات هو السبب في إغلاق عدد كبير من مصانع الأدوية في الآونة الأخيرة ، وهو ما أدي الي نقص كبير في المستحضرات الدوائية الحيوية اللازمة لصحة المواطن المصري.
يأتي ذلك في الوقت الذي اتهم فيه د. محمد البهي نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية، بعض الصيادلة بتعمد إخفاء أصناف الدواء المصري لرخص أسعارها مقابل بيع الأدوية المهربة ، مع ترويج أن الدواء الأجنبي أعلي فاعلية من المصري، وهو ادعاء ليس له أساس من الصحة بدليل بيع الدواء المصري في الخارج ، وسبب ذلك لأن تجارة الأدوية المهربة تحقق هامش ربح مرتفعا للصيدلي لعدم خضوعها للرقابة الحكومية.
أما نقابة الصيادلة فاتهمت الشركات متعددة الجنسيات بالوقوف خلف أزمة نقص الأدوية في الأسواق المصرية مشيرة الي ان الأزمة ترجع الي وجود صعوبات في استيراد الدواء لرفض الشركات الأجنبية التوريد لمصر بالأجل وطلبها المبالغ نقدا. وقال الدكتور أحمد رامي نقيب الصيادلة بمحافظة القليوبية إن هذه الأزمة مبالغ فيها وتقف وراءها الشركات متعددة الجنسيات كنوع من الضغط لرفع أسعار الدواء ، خاصة بعدما ظهر توجه الوزارة في دعم صناعة الدواء الوطنية من خلال تصريح الدكتور أيمن الخطيب مساعد وزير الصحة ان الوزارة قررت التوجه إلي الاعتماد علي المنتجات الدوائية المصرية.
قرار 499 وكان هناك أزمة أخرى شهدها سوق الدواء خلال العام الماضي حول قرار وزير الصحة رقم 499 الخاص بتسعير الدواء ليحدث بلبلة في سوق الدواء ، إلا أن الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإدارى قضت أول أمس الثلاثاء ، برفض الدعاوى المقامة من عدد من شركات الأدوية لإلغاء قرار وزير الصحة رقم 499 المتعلق بتعديل أسعار الأدوية بتأييد قرار الوزير الذي اعتبرته طلبات صحف الدعاوى سببا فى زيادة ربح موزعى الأدوية على حساب ربح الشركات بعد ان تضمن القرار بحسب طعون الدعاوى " تجديد سعر الدواء كل 5 سنوات وهو ما اعتبرته الدعاوى مؤديا إلى كسب الصيدلي على حساب الشركة المنتجة بلا سبب قانونى وأصدرت المحكمة اليوم حيثيات قرارها.
وقالت المحكمة فى نص حيثيات حكمها إن اللجنة المشكلة لتحديد أسعار الداوء طبقا لما وصفته مطالب الدعوى فإنه ينبغي أن يكون اللجنة المجتمعة مكتملة النصاب القانوني وتم عقد اجتماعها بشكل قانونى. فقد اعتبرت المحكمة أن قرار وزير الصحة رقم 499 لسنة2012 بشأن تسعير المستحضرات الصيدلية البشرية قد صدر حسب ظاهر الأوراق سليما متفقا مع أحكام القانون الأمر الذى ينتفى معه ركن الجدية اللازم للقضاء بوقف تنفيذه ويتعين الحكم رفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه دون الحاجة للتعرض إلى ركن الإستعجال لعدم جدواه.
وانتهت حيثيات حكم المحكمة إلى قبول الدعوى شكلا مع رفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المدعين مصاريف الطلب مع تأييد إحالة الدعويين إلى هيئة مفوضى الدولة لإعداد تقريرين بالرآى القانونى فى طلب الإلغاء.
وقالت المحكمة أنه لما كان على الدولة الإلتزام بتحقيق المصلحة العامة للمواطنين والخدمات الأساسية لهم فإن ذلك المبدأ يقتضى تدخل المشرع لتحديد أسعار جبرية لبعض السلع والخدمات أو وضع حد أقصى لها حتى لا ينفرد منتج لسلعة معينة بتحديد أسعار خدمة يستوردها مستغلا بعض الظروف الإقتصادية أو قيام حالة احتكار فردى طبقا لحيثيات المحكمة أو احتكار قلة لبعض السلع على نحو قد يشكل اهدارا لحقوق المواطنين وأضافت حيثيات حكم المحكمة أنه استشعارا من المشرع لأهمية الدواء باعتباره من السلع الضرورية والأساسية وبما له من طبيعة خاصة تميزه.
ويبدو أن الصراع الدائر بين وزارة الصحة وشركات الأدوية حول تنفيذ القرار499 سيدفع ثمنها المريض المصري، الذى بدأ يعاني ليجد الدواء لأمراضه بأي ثمن.
فجاء القرار كالآتى: هامش ربح الصيدلي في المحلي والمصنع والمعبأ بمصر: 25%، والمستورد وسعره أقل من 500 جنيه: 18% والمستورد و سعره أكثر من 500 جنيه: 15% المدعم: 8% السداد النقدي: 4.5% إضافي من سعر بيع المصنع، زيادة الربح تسري للأدوية المسجلة بعد 1- 7- 2012، الأدوية المسجلة حاليا ستزيد تدريجيا بواقع 1% سنويا حتى تصل لنفس نسب هامش الربح السالفة الذكر، 1% زيادة في خصم كل الفواتير لتعويض التواريخ التالفة مع الاحتفاظ بحق الصيدلي في الإرتجاع إذا زادت النسبة عن ذلك بنسبة مماثلة، جميع الأدوية المصنعة ذات الربح 25% يبقى ربحها 25% إذا تم إستيرادها بعد ذلك.
إلا أن هذا القرار لم يجد ترحيب من الكثيرين حيث وصفه مسئولون بأنه يدمر الصناعة الوطنية للدواء ويستفيد منه الوكلاء المستوردون للأدوية، وهو يحقق ربحا للصيدلى خصما من شركات الدواء فى مصر، وبرغم أن القرار ليس تحريرا بالمعنى المتداول، ولكن لم يراع منظومة الدواء في مصر التي تتكون من المريض والمنتج والموزع والصيدلى، إذ عليها مراعاة هذه الأبعاد.
كما رأى أخرون ان تحرير سعر الدواء جريمة لا يمكن لأحد أن يقوم بها لا الآن ولا فى المستقبل، فالمريض لن يمكنه الحصول على الدواء إذا تم تركه لقانون العرض والطلب ، منتقدين غرفة الصناعات الدوائية التى قامت بتوزيع بيانات تهدد فيها بالتصعيد فى حال تنفيذ قرار تسعير، قائلا مهنة الصيدلة وصناعتها لا تحتمل أيه حماقة ولا ينفع فيها سوى العقل.