شهدت حالات اختطاف الأطفال في الجزائر ازدياداً مخيفاً في السنوات الأخيرة، حيث تجاوز معدلها الشهري خمس عشرة حالة، مما خلق خوفاً ورعباً بين الأهالي، واستنفارا أمنياً عالياً لمواجهة هذه الظاهرة وتقديم المجرمين للعدالة. ولأن الظاهرة أخذت أبعاداً خطيرة ، فقد وضعت الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل خطاً أخضر للتبليغ عن حالات الاختطاف ، غير أن هذا الحل يبقى ناقصاً في نظر أغلب الجزائريين، في وقت ينتقد فيه رجال القانون ومنظمات المجتمع المدني غياب قوانين رادعة للحد من الظاهرة.
وفي انتظار قوانين أكثر ردعاً ، بدأت العائلات الجزائرية باتخاذ إجراءات صارمة أثناء تنقل الأطفال إلى المدارس أو اللعب في الساحات، وكأن مجرد لحظات لعب دونما خوف أصبحت الحلم الكبير لأطفال الجزائر.
1000 حالة سنوياً
وكانت شبكة "ندى" للدفاع عن حقوق الطفل كشفت في تقرير قدمته لوسائل الإعلام والصحافة في نهاية أغسطس الماضي عن ارتفاع حالات الخطف عموما، لاسيما في صفوف الأطفال، إناثا وذكورا. وتحدث عبد الرحمن عرعار رئيس "ندى" ساعتها عن تسجيل ما لا يقل عن "1000 حالة كل سنة"، موضحا أن 55 حالة رصدت بالعاصمة وحدها ، مشيرا إلى أن ثلاثة أطفال تم خطفهم في غضون 24 ساعة بولاية تيارت"، في غرب البلاد.
وأكدت أمينة بوفنيسة التي تعنى بموضوع الاعتداء جنسيا على الأطفال بشبكة "ندى" أن الآفة ظاهرة حقيقية لا يمكن التكتم عنها، معربة عن أسفها لكون هذه الظاهرة "طابوها اجتماعيا يجب تجاوزه في أسرع وقت". وإن لم تتكلم أمينة بصورة دقيقة وواضحة عن الخطف لأغراض جنسية، إلا أنها اعترفت بكثرة الحالات وانتشارها في كل القطر الجزائري، "حتى بمنطقة تلمسان غرب الجزائر، المعروفة بطابعها المحافظ".
وعن أسباب ظاهرة الخطف، ذكرت الشبكة مشاكل متعلقة بالأسرة، مثل الطلاق والانتقام، ودوافع مالية وأخرى جنسية، بالإضافة إلى انتشار الشبكات المتخصصة في الاتجار بالأعضاء البشرية. ولكن عبد الرحمن سمار يعزي السبب الرئيسي إلى غياب الحديث والنقاش حول مكانة المرأة داخل المجتمع الجزائري، مدافعا عن فكرة تحرر المرأة ووجوب إعطائها حقوقها الشرعية.
دوافع الخطف ولتقصّي أسباب الانتشار الرّهيب لظاهرة اختطاف الأطفال في الجزائر، قالت المختصة النفسية السيّدة بادسي، أن استفحال هذه الظاهرة في المجتمع الجزائري له عدّة دوافع، أهمّها الدافع الانتقامي ويكون بين طرفين متنازعين، ويكون الهدف هنا هو الثأر، ويمكن أن يكون في حالة الطلاق أو في حالة الزواج المختلط، بقيام أحد الأطراف بخطف الأولاد والعودة بهم إلى بلده وحرمان الآخر منهم.
وعرفت هذه الظاهرة انتشارا فائقا بسبب تزايد الهجرة، مما أدى إلى ارتفاع عدد الأطفال المخطوفين.
وفضلاً عن ذلك، أشارت السيدة بادسي إلى عامل الشذوذ الجنسي، ويكون أكثر عرضة له الأطفال، وهذا ما تؤكده نسبة الأطفال المختطفين يوميا في الجزائر، حيث يتم العثور على جُثث أغلبهم معتدى عليها جنسيا أو مشوهة، حتى لا يُتمكن من التعرّف على الفاعل، الذي غالبا ما يكون قريبا أو جارا، وهي ظاهرة زادت حدّة حسب محدّثتنا بعد انتشار الهوائيات في البيوت الجزائرية وشيوع ثقافة العنف وتزايد الكبت الجنسي، علمًا بأن عقوبة الفعل المخل بالحياء مع استعمال العنف هي السجن من 10 إلى 20 سنة، عندما ترتكب على قاصر لم يتجاوز 16 سنة.
وأرجعت بادسي العديد من حالات الاختطاف إلى أسباب مادية، عن طريق طلب الفدية، بالنظر إلى الأوضاع المتأزمة التي يعيشها المجتمع الجزائري.
ويندرج في هذا الإطار أيضا المتاجرة بالأعضاء البشرية، سواء لأغراض طبية أو من أجل الشعوذة، وفي هذا السياق، تم اكتشاف جثث لأطفال استؤصلت أعضاؤهم، وهذا النوع من العمليات يتطلب دراسات وإمكانيات كبيرة، لذا فهي تدخل في إطار الجريمة المنظّمة.
دور الدولة
وبدوره كشف الملازم الأول سعد الدين زناتي من المديرية العامة للأمن الوطني " مكتب حماية الطفولة"، عن تسجيل 5495 حالة عنف ضد الأطفال إلى 30 نوفمبر 2012، يأتي في المقدمة الضرب و الجرح العمدي ب 3222 ضحية تليها 1608ضحية اعتداء جنسي و 186 حالة اختطاف، تمت معالجتها من طرف مصالح الشرطة و استعادة الضحايا و تقديم المجرمين إلى الجهات القضائية المختصة.
وقال سعد الدين زناتي في حديث له ضمن حصة لقاء اليوم على القناة الإذاعية الأولى بالجزائر، أن حالات الاختطاف المتبوعة بالاغتصاب أو القتل محدودة جدا و غالبا ما يكون الجناة فيها من المحيط المقرب للضحايا.
وذكر أن السّبب الرئيسي في الاختطاف، هو الاعتداء الجنسي و تصفية الحسابات، كما فند مسألة المتاجرة بأعضاء الأطفال المختطفين حيث لم تسجل مصالح الأمن الوطني – يقول - أي حالة للمتاجرة بالأعضاء، و لا الخطف قصد عمالة الأطفال.
وأكد زناتي أن هناك فرق متخصصة لحماية الأطفال على المستوى الوطني بمساعدة الشرطة الجوارية بمختلف المدن و الأحياء تجند كافة طاقاتها من أجل التكفل بالحماية اللازمة لفئة الأطفال على وجه الخصوص.
وقد سخرت المديرية العامة للأمن الوطني - حسب ذات المسئول- إمكانيات، متمثلة في الرقم الاخضر "15/48" و شرطة النجدة "17" بالإضافة إلى الموقع الالكتروني،التي تحس المواطن على التبليغ بأي وضع غير طبيعي للمساعدة على وضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة و حماية الأطفال.
مأساة لا تنسى
حوادث الخطف لا تنسى ويتذكرها دائما الشارع الجزائري بالحزن والأسى، حيث لا يزال سكان ولاية قسنطينة يتذكرّون مأساة الطّفل ياسر جنحي، الذي خطفه جاره صاحب 27 سنة واقتاده إلى مسكنه المجاور، حيث اعتدى عليه جنسيًا وذبحه ثلاث مرّات. وبعدها قام بإلباس الضحية ثيابه وغطّى عنقه بوشاح كان الضحية يرتديه يوم الحادث، وظلّ يترقب أهله الباحثين عنه والجيران تلك الليلة من خلال العين السّحرية لباب الشّقة، وكان قبلها قد تخلّص من دم الضّحية في المرحاض. وقام بعدها أخرج الجثة ووضعها في رواق العمارة بوضعية توحي بأن الضحية نائم وبمكان يسهل العثور عليه. وحوالي الساعة الخامسة فجرا سُمع صراخ، فأيقن أن أهل الضحية قد عثروا عليه، وبقي يراقب تحرّكاتهم ببرودة من داخل الشقة حتى الصباح.
وعلى جانب أخر لم تجدّ كل الإعلانات الصّحفية التي نشرتها السيّدة "ب. نورية" من حاسي بونيف بوهران، في إيجاد ابنها كريم، الذي خرج منذ سبع سنوات كاملة من بيته قاصدا المدرسة التي لا تبعد عنهم إلا بأمتار، كان يبلغ من العمر –آنذاك- ثماني سنوات، ولا تزال السيدة نورية تصف بدقة شديدة -وهي تتحدّث عنه- كل ما كان يرتديه، "كيف لا وهي بذلته المفضّلة".
كما ذكرت في حديث لأحد الصحف الجزائرية مضيفة بنبرة من الحزن والأسى: "ليتني أعرف فقط أين هو، إن كان حيّا أو ميتا، ليتني أعرف ولو قبرا دُفن فيه لأرتاح"، حيث لم تتوصل تحرياّت مصالح الأمن إلى أية نتيجة بخصوص هذا الطفل الذي لم يصل صباح ذلك السبت "المشئوم" إلى مقاعد الدراسة.