في أجواء أمنية مرتبكة سطعت علي المجتمع ظاهرة الخطف والسرقة بالاكراه, وطلب فدية سواء للأطفال أو الشباب أو الفتيات, وتحولت إلي أسلوب ابتزاز رخيص من الجناة للحصول علي أموال أو بدافع الخلافات الشخصية والمكائد, وبيع الاطفال... في وقت ماتت فيه ضمائر المتهمين, واستيقظ الشيطان بداخلهم ليفترسوا آدمية المواطنين. في المقابل تواجه أجهزة الشرطة هذه الجرائم بشدة, وتنجح في ضبط بعضها, وتحقق في الآخر, وتبقي لحظة مؤلمة داخل المخطوف لاتنسي. تحقيقات الأهرام رصدت آراء الخبراء وأساتذة الاجتماع ورجال القانون حول هذه الظاهرة الخطيرة, حيث تشير محاضر الشرطة إلي أن أعداد المختطفين في تزايد مستمر. سرقة بالاكراه ويقول اللواء رفعت عبد الحميد الخبير الأمني إن الفدية سرقة بالإكراه المادي والمعنوي, وتبدأ بعملية ما يسمي بالاحتجاز أو الاختطاف ويقصد به الابعاد بالإكراه عن محل الاقامة أو محل العمل أو أي مكان اعتاد فيه الشخص المختطف أن يتحرك بحرية, ومجرد الاختطاف أو الإبعاد لبرهة قصيرة دون طلب فدية, فهو معاقب عليه. وأضاف أن طلب الفدية هو نوع من التعذيب المعنوي والمادي, وهو إكراه واحتجاز للإنسان وللاسف الشديد فإن القانون الجنائي المصري يعاقب علي الاختطاف أولا ثم يعاقب فقط من يتحصل علي الفدية, ولكن الوسيط الذي يتدخل بين الخاطف والمخطوف للتفاوض علي طلب فدية أو تخفيضها, فلا يعاقب علي جريمة الاختطاف حتي لو كان سيئ النية, وحتي لو كان يعلم بجريمة الاختطاف, ولكن يعاقب بجريمة الوساطة غير المشروعة فقط. وأوضح اللواء عبد الحميد أن هناك فرقا بين اختطاف المواطن سواء كان رجلا أو أنثي أو طفلا, حيث تشدد العقوبة في حالة خطف الانثي, وفي حالة الاعتداء الجسدي أو الجنسي عليها, وقد تصل إلي عقوبة الاعدام للفاعل الاصلي, والشركاء والمحرضين, وكل من هيأ المكان المعد للاختطاف. وكشف الخبير الأمني عن أن أشكال طلب الفدية تتراوح بين طلب مبالغ مالية أو إيصالات أمانة أو التنازل عن أملاك وعقارات وكلها معاقب عليها, وتعتبر تلك الجرائم مستحدثة علي المجتمع المصري, خاصة بعد أحداث الثورة, ولا يقتصر الأمر علي ألا يكون الفاعل في الاختطاف رجلا يخطف رجلا أو سيدة تخطف طفلا, ولكن بداية جرائم الاختطاف بدأت بما يسمي جرائم المرأة, وتعددت ظاهرة الاختطاف من السيدات للاطفال حديثي الولادة أما بغرض الاتجار أو محاولة اخفاء النسب, وتلك جناية يعاقب عليها. وقال اللواء رفعت إن هناك نماذج جديدة للاختطاف طرأت علي المجتمع مثل ما يسمي بالاختطاف بدافع الشفقة والرحمة أو بدافع الحرص علي المستقبل, وتسمي بالجريمة العاطفية والجاني يكون عاطفيا, وليس مجرما. وينصح الخبير الأمني المواطنين بحل مشاكلهم الاجتماعية, وفي مجال العمل بشكل مباشر ومبكر قبل إتفاقهما واللجوء إلي الحوار الودي لحل المشكلات التي تكون سببا في كثير من العمليات الإجرامية خاصة الخطف. وشدد علي ضرورة إبلاغ أجهزة الشرطة والنيابة العامة فور حدوث عملية الخطف لما لديهم من امكانيات تساعد علي سرعة الضبط وتقديم المتهمين للعدالة. ويري المستشار أحمد الخطيب رئيس محكمة استئناف الإسكندرية أن جرائم الخطف والسرقة بالاكراه والسرقات العادية تعد من ابرز الظواهر الاجرامية التي انتشرت عقب ثورة يناير بسبب حالة الانفلات الامني التي شهدتها البلاد, وإنتشار الأسلحة خاصة المهربة منها عبر الحدود, مؤكدا أن هذه الجرائم جعل لها المشرع عقوبات رادعة بدءا من الحبس حتي السجن المشدد, ولكن مع الظروف الأمنية الحالية, وضعف هيبة الدولة, وعدم تفعيل القانون انتشرت معدلات هذه الجرائم بنسب عالية, وهو ما يفرض بدوره علي الدولة اتخاذ بعض الإجراءات اللازمة لمواجهة تلك الظاهرة, وهي تعزيز التواجد الأمني وتطبيق القانون بكل حزم والابتعاد عن ظاهرة التفاوض السلمي مع الخاطفين, والتي انتشرت بصورة ملحوظة نتيجة غياب الدور الأمني. ويشير الخطيب إلي أن الوسيلة الرئيسية لمواجهة تلك الظاهرة الآن هي التفاوض والاتفاق مع الخاطفين علي سداد مبلغ معين, وهو بذلك يحقق للمتهم غرضه من الحصول علي مقابل مالي, ويعفيه من عبء البحث عن مشتر للمسروقات خاصة السيارات, والتي يلزم لها استخراج تراخيص جديدة بالتالي, فإنه يجب التوقف عن اتباع ذات الاسلوب, وهي مسئولية مشتركة بين الاجهزة الأمنية والمجني عليهم سواء كان يتعلق بخطف أفراد أو سرقة أشياء. ويوضح المستشار علاء شوقي رئيس محكمة جنايات الجيزة أن تعدد حالات سرقة السيارات أو خطف الاشخاص ثم المطالبة بمبلغ مالي مقابل اعادة السيارة أو فدية مقابل اعادة الاشخاص هو نتاج طبيعي للانفلات الأمني الذي نعيشه حاليا. خاصة وأن كل هؤلاء الخارجين عن القانون كانوا أداة الدولة البائدة الذين يقبضون أموالا شهرية مقابل استخدامهم في الانتخابات أو في كل ما يلزم لهم من أجل التنكيل بخصومهم, فكانوا أداة البطش التي تحركها دولة الفساد, وكان كل واحد منهم يتمتع بالأموال لحماية الشرطة التي تأتمر بأمر رجال الحزب الحاكم في ذلك الوقت. وأشار إلي أن العقوبة في تلك الحالات تصل إلي السجن المؤبد في حالة الخطف والسرقة بالإكراه والإعدام في حالات الخطف والقتل والسرقة. ويؤكد الدكتور علي ليلة أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن هذه الظاهرة تزداد في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد, فيسعي البعض إلي هذه الجريمة لتحقيق قدر من الثراء والدخل السريع, وبطبيعة الحال فإن السبب غياب سيطرة الأمن بشكل كامل علي الشارع وذلك لعدم تفرغه لهذا الدور بسبب السياسة بعد واحدة من أبرز أسباب انتشار هذه الظاهرة, بالإضافة إلي انهيار نسيج الأخلاق في المجتمع, فأصبحت تحكمنا قيم الفردية والمصلحة, فقط حتي أن ظاهرة الخطف أصبحت علانية أمام شاشات التليفزيون, كما شاهد الجميع ما حدث عند قصر الاتحادية من خطف للمتظاهرين بشكل يوحي بتدريب هؤلاء, فأصبح سلاحا سياسيا أيضا. ويضيف الدكتور سامي محمود أبوبيه أستاذ متفرغ بكلية التربية جامعة المنوفية وعميد الكلية سابقا أنه طالما الوضع غير مستقر في المجتمع, فالفوضي تصبح أمرا عاديا, فعندما يكون المناخ غير آمن لابد من إصدار قوانين, وقرارات صارمة تعاقب الخارجين علي القانون.