طلاب «الإعدادية» في البحيرة يؤدون مادة الهندسة.. شكاوي من صعوبة الامتحان    نائب رئيس جامعة حلوان الأهلية يتفقد الامتحانات.. ويؤكد: الأولوية لراحة الطلاب وسلامتهم    جامعة كفر الشيخ الثالث محليًا فى تصنيف التايمز للجامعات الناشئة    وزيرة الهجرة تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    تراجع السكر وارتفاع الزيت.. سعر السلع الأساسية بالأسواق اليوم السبت 18 مايو 2024    بطاقة إنتاجية 6 ملايين وحدة.. رئيس الوزراء يتفقد مجمع مصانع «سامسونج» ببني سويف (تفاصيل)    وزير النقل يتفقد «محطة مصر»: لا وجود لمتقاعس.. وإثابة المجتهدين    «أكسيوس»: محادثات أمريكية إيرانية «غير مباشرة» لتجنب التصعيد في المنطقة    مطالب حقوقية بمساءلة إسرائيل على جرائمها ضد الرياضيين الفلسطينيين    ب5.5 مليار دولار.. وثيقة تكشف تكلفة إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة (تفاصيل)    استياء في الأهلي قبل مواجهة الترجي لهذا السبب (خاص)    إحالة الطالب المتورط في تصوير ورقة امتحان اللغة العربية والملاحظين بالشرقية للتحقيق    غرة ذي الحجة تحدد موعد عيد الأضحى 2024    القبض على 9 متهمين في حملات مكافحة جرائم السرقات بالقاهرة    ضباط وطلاب أكاديمية الشرطة يزورون مستشفى «أهل مصر»    بحضور قنصلي تركيا وإيطاليا.. افتتاح معرض «الإسكندرية بين بونابرت وكليبر» بالمتحف القومي (صور)    صورة عادل إمام على الجنيه احتفالًا بعيد ميلاده ال84: «كل سنة وزعيم الفن واحد بس»    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    معهد القلب: تقديم الخدمة الطبية ل 232 ألف و341 مواطنا خلال عام 2024    صحة مطروح: قافلة طبية مجانية بمنطقة النجيلة البحرية    قمة كلام كالعادة!    وزارة الدفاع الروسية: الجيش الروسي يواصل تقدمه ويسيطر على قرية ستاريتسا في خاركيف شمال شرقي أوكرانيا    صحة غزة: استشهاد 35386 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر الماضي    ما أحدث القدرات العسكرية التي كشف عنها حزب الله خلال تبادل القصف مع إسرائيل؟    وزير التعليم لأولياء أمور ذوي الهمم: أخرجوهم للمجتمع وافتخروا بهم    اليوم.. 3 مصريين ينافسون على لقب بطولة «CIB» العالم للإسكواش بمتحف الحضارة    وزيرة التعاون: العمل المناخي أصبح عاملًا مشتركًا بين كافة المؤسسات الدولية*    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    بعد حادث الواحات.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    استكمال رصف محور كليوباترا الرابط بين برج العرب الجديدة والساحل الشمالي    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    طريقة عمل الكيكة السحرية، ألذ وأوفر تحلية    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    متاحف مصر تستعد لاستقبال الزائرين في اليوم العالمي لها.. إقبال كثيف من الجمهور    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    «السياحة» توضح تفاصيل اكتشاف نهر الأهرامات بالجيزة (فيديو).. عمقه 25 مترا    وزير الري يلتقي سفير دولة بيرو لبحث تعزيز التعاون بين البلدين في مجال المياه    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    بدء تلقي طلبات راغبي الالتحاق بمعهد معاوني الأمن.. اعرف الشروط    "الصحة": معهد القلب قدم الخدمة الطبية ل 232 ألفا و341 مواطنا خلال 4 أشهر    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    تراجع أسعار الدواجن اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا أهل الحل والربط في القيادات الفلسطينية .. هل في إدارتكم الحالية للقضية ما يعين على إحيائها محليا وعربيا ودوليا؟
نشر في محيط يوم 07 - 08 - 2012

يواجه الشعب الفلسطيني بعامة وسكان قطاع غزه بخاصة (هذه الأيام)، موجات من الاتهامات الظالمة من بعض الأشقاء سواء عن قصد أو دون قصد، لذا كان لزاماً على كل فلسطيني عايش مراحل النضال الفلسطيني ضد العدو سواء عن قرب أو عن بعد، أن يبذل أقصى جهد ممكن من أجل تقويم مسيرة هذا النضال ونتائجه، منذ ظهور فصائل المقاومة الفلسطينية في الستينات من القرن الماضي وحتى اللحظة.

والغرض من ذلك هو الكشف عن حقيقة ما قامت به القيادات الفلسطينية الفاعلة من أدوار في خدمة القضية الفلسطينية بهدف الوقوف على ما لها وما عليها أولا، ثم التعرف على حقيقة الاتهامات التي بدأت تنهال من الأشقاء العرب على الفلسطينيين بصدد التراجع في هذا النضال من ناحية، والكشف عن الدوافع والأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الاتهامات.

أما الهدف الغائي من وراء ذلك كله، فهو الوصول لتقويم موضوعي لما قام ويقوم به القادة الفلسطينيون الذين يتولون حاليا إدارة القضية الفلسطينية، بل وتقويم دور الشعب الفلسطيني نفسه في هذا المجال، ثم أخيراً وليس آخراً محاولة رسم الطريق الصحيح الذي ينبغي على النضال الفلسطيني السير فيه لتخليص الأرض من المحتل الصهيوني.

وككاتب وباحث فلسطيني آثرت أن أبدأ بنشر كل ما كتبته من مسيرة هذا النضال وفق التسلسل الزمني الذي كتبت فيه، مع إضافة الشروحات والتعليقات التي فرضها ويفرضها تطور الأحداث.

ورأيت أن أبدا هذا العمل بمقال نشرته منذ فترة ليست ببعيده، ثم توقفت عن مواصلته بسبب المآسي والأحداث الكارثية التي وقعت وما زالت تقع في سوريا الحبيبة. وعنوان هذا المقال : "عودة لإحياء القضية الفلسطينية قبل أن يطويها (غول) النسيان.

(المقال الأول)
***
عودة لإحياء القضية
الفلسطينية .. قبل أن يطويها "غول" النسيان

منذ بدأت رياح التغيير تهب على المنطقة العربية، وبدأت أخبار "الربيع العربي" تتصدر الصحف العالمية ونشرات الأخبار في الإذاعات المسموعة والمرئية .. أخذت القضية الفلسطينية تتراجع بتسارع مخيف في الشارع العربي الرسمي منه والشعبي، لدرجة شجعت إسرائيل في الإقدام على اتخاذ إجراءات سلبية نحو المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.

هذا فضلاً على تزايد تعنت إسرائيل واستخفافها حيال القضايا الخلافية بينها وبين الفلسطينيين، لدرجة أن رئيس حكومة إسرائيل بنجامين نتنياهو- وهو يعلق على وفاة عدد من التلاميذ الفسطينين الذين قضوا في حادث مروري- يصرح بأنه يتمنى لو يرى جميع العرب يموتون. كما صرح في إحدى الصحف العبرية بأنه يلوم العديد من الحكومات الإسرائيلية السابقة على إعطائها أولية الاهتمام بالفلسطينية دون النووي الإيراني الذي يهدد أمن إسرائيل ووجودها.

هكذا وصل الحال بالقضية الفلسطينية على كل الصعد المحلية والإقليمية والدولية، ناهيك عن النجاح الذي حققته إسرائيل في إقناع الدول الغربية (على وجه الخصوص)، بأن أرض فلسطين التاريخية هي أرض يهودية، وأن الوجود العبري فيها يسبق الوجود العربي الذي جاء مع الاحتلال الإسلامي في القرن السادس الميلادي.

ليس من شك أن هذين الادعائين، بعيدان كل البعد عن التأريخ الموثق الذي يقول بأن الوجود العربي على أرض فلسطين، بدأ منذ حطت قبائل يبوس العربية رحالها في هذه الأرض، خلال الهجرات الكنعانية من الجزيرة العربية لبلاد الشام، وكانت بذلك أول من استعمر أرضها وشيَّد فيها المدن والقرى بما فيها مدينة القدس الشريف.

وهكذا نرى أن الواجب يدعو الشعوب العربية والإسلامية بنخبها ومثقفيها كي ينتبهوا لهذا الأمر ولا يمروا عليه مر الكرام. وليس من شك أن أول ما ينبغي عليهم عمله هو الكشف عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا التراجع، وكذلك البحث عن الوسائل التي تمكنهم من استعادة الزخم الذي كانت عليه القضية قبل حلول ثورات الربيع العربي.

وهذا ما سنحاول بلوغه في عدد من المقالات، نبدأها بهذا المقال الذي نعرض فيه- وباختصار شديد- للمراحل التي مر بها النضال الفلسطيني عقب نكبة 48، وبعد هزيمة 67، وما قبل اتفاق أوسلو، وما بعده حتى المرحلة الراهنة، التي أخذ فيها الاهتمام بالقضية الفلسطينية يتراجع بشكل مخيف.

(1)
حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)
البداية والنهاية

لم يكن أحد من أبناء فلسطين والأمة العربية يتصور أن يصل الأمر بقادة فتح التاريخيين ومن خَلَفهم، إلى إضفاء الشرعية على الكيان العبري الذي أقامه الصهاينة على أنقاض المدن والقرى الفلسطينية التي اغتصبوها ودمروها عام 48.

واعتزازا بهذه الحركة (المشهود لها بريادة النضال الفلسطيني وإثرائه) ضد العدو الإسرائيلي، واعترافاً بالفضل لشهدائها الأبرار، لن يكون مسموحاً "فلسطينيا على الأقل" لأحد كائناً من كان، إلصاق أي وصف ينطوي على التقليل من شأن الدور الذي لعبته هذه الحركة، في إحياء القضية الفلسطينية على الساحتين العربية والدولية، واستعادة الشعب الفلسطيني لزمام المبادرة في إدارة قضيته.

وهذا ما يجعلنا نفرق بين قادة الحركة في مختلف مراحل النضال الفلسطيني وبين كوادرها المقاتلة، بحيث يصبح أي نقد يوجه لهؤلاء القادة لا يمس- بأي صورة من الصور- عناصر الحركة وكوادرها حتى فيما بعد اتفاق أوسلو.

فحين نصف الحركة ب "فتح أوسلو" فلا نعني عناصرها وكوادرها، وإنما نعني قادتها في الحاضر الذين لم ولا يجرؤ أحدٌ منهم على اتخاذ أي موقف يظهر فيه معارضته لما أقدم عليه نفر من قادة الحركة التاريخيين- وبخاصة الراحل عرفات ومحمود عباس- من اعتراف بشرعية إقامة الدولة العبرية على أنقاض المدن والقرى الفلسطينية التي اغتصبها الصهاينة عام 48.

وفي هذا السياق نقول بدايةً، أن أخطر ما ارتكبه هؤلاء (وقد سلموا من غدر العدو) ، هو توقيعهم على اتفاق أوسلو المشئوم الذي أسقط من يد الشعب الفلسطيني أهم ورقة يمكن أن يستخدمها في مواجهة الصهاينة.

فمن المنطقي والحال هذه، أن نقول لهؤلاء: عودوا إلى رشدكم وأعيدوا تفعيل شعار الحركة (ثورة حتى النصر) الذي لازمها طوال سنوات النضال قبل توقيعكم المهين على ذلك الاتفاق الملعون.

قادة "فتح أوسلو" الحاليين يعون جيداً أن ما عناه رواد الحركة الأوائل من هذا الشعار، هو رفع لواء الكفاح المسلح ضد العدو حتى النصر .. ذلك الكفاح الذي مارسه أبناء الحركة وضحوا بدمائهم الطاهرة من أجل تحرير التراب الفلسطيني المحتل.

حركة فتح التي اعتمدت منذ بدايتها هذا الشعار، سرعان ما تخلَّّى "رعاة أوسلو" عنه وحولوه لشعار استسلام للأجندة الصهيوأمريكية التي يعرفون جيداً أنها كانت معدة سلفاً لحل القضية الفلسطينية وفقاً لشروط الصهاينة وحلفائهم.

يعلم هؤلاء القادة أن جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والقرارات الأممية، تقر بحق الشعوب المحتلة في مقاومة الاحتلال، وتجيز لها استخدام كافة الوسائل المتاحة في تحرير أرضها. لكنهم- وقد أصبحوا قادة السلطة الفلسطينية التي منحتها لهم إسرائيل وأمريكا (جزاء تفريطهم الكارثي بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني) .. خالفوا تلك الشرائع، وضربوا بها عرض الحائط، حين اعتمدو خيار المفاوضات مع العدو أسلوبا استراتيجيا للوصول إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية، وتخلوا بالتالي عن خيار المقاومة المسلحة ضد العدو الذي لا يفهم سوى لغة القوة، ورضوا بهذا الاتفاق الكارثي الذي منحهم ذلك الكيان الهزيل (السلطة الفلسطينية) ليأويهم وحدهم دون الشعب الفلسطيني.

نحن هنا لا نعترض على استخدام النهج التفاوضي (بالمطلق) مع العدو، لكنا نرفض اعتماده النهج الوحيد في التعامل مع القضية دون أن يكون له ظهير قوي يدعمه، ونعني به خيار المقاومة المسلحة الذي اعتمدته جميع حركات التحرر في العالم.

فما الذي دعا قادة فتح أوسلو للولوج بالقضية الفلسطينية إلى هذا النفق المظلم، والذي يتوه فيه المفاوض الفلسطيني في كمٍ رهيب من التفصيلات المعقدة التي طالما استخدمها العدو مراراً كي لا تصل المفاوضات لنتيجة حاسمة؟.

ليس من شك أن الوقوف على إجابة واضحة لهذا السؤل، يقتضي استعراض ملامح أهم المراحل التي مر بها كفاح الشعب الفلسطيني قبل أن يوقع قادة فتح على اتفاق أوسلو المشئوم .. وبعده.

قبل اتفاق أوسلو
(2)
ما بعد نكبة 48

بعد كارثة قيام الدولة العبرية على الأرض الفلسطينية التي استولت عليها العصابات الصهيونية عام 48 وتهجير سكانها إلى الدول العربية المجاورة، كان يًنظر للفلسطينيين في تلك البلدان على أنهم مجرد لاجئين لا حول لهم ولا قوة، ما دفع بالأنظمة العربية- آنذاك- إلى فرض قيودٍ صارمة عليهم تمنعهم من مجرد محاولة القيام بأي نشاط من هذا القبيل.

وحتى سماح تلك الأنظمة بقيام منظمة التحرير الفلسطينية في الستينات من القرن الماضي برئاسة الراحل أحمد الشقيري، لم يكن بدافع تحفيز الفلسطينيين على النضال ضد العدو، وإنما كان بدواعي المزايدات التي كانت تفرزها الخلافات بين تلك الأنظمة.

وبقي هذا الوضع يراوح مكانه حتى حلت هزيمة 67، حيث استطاع الإسرائيليون خلالها احتلال سيناء والضفة الغربية والجولان وأجزاء من جنوب لبنان، حتى تراءى للبعض أن الحلم اليهودي في إقامة دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل .. بات شبه قاب قوسين أو أدنى.

في تلك اللحظة، حانت أمام حركة فتح الوليدة فرصة التحرر من قيود تلك الأنظمة، فبدأت نشاطها المسلح وبشكل علني داخل الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل .. وحتى داخل ما يسمى بالخط الأخضر. وقد سجل التاريخ لأبناء هذه الحركة وحركات المقاومة الفلسطينية الأخرى، العديد من البطولات التي سُطِّرت بدمائهم الطاهرة وبجهدهم الذاتي الخالص، ما دفع بالرئيس العربي الراحل جمال عبد الناصر- آنذاك- إلى أحتضان قادة فتح، ومدهم بالمساعدات التي تعينهم في استمرار نضالهم ضد العدو.

وكانت معركة "الكرامة" التي استطاع فيها أبناء الحركة والفصائل الفلسطينية الأخرى تلقين الجيش الإسرائيلي درسا قاسياً، حيث دُمِّر له عدد غير متوقع من دباباته وقًتِل العديد من جنوده، ما أجبره على التقهقر.

وليس من قبيل التهويل القول بأن تلك "المعركة الأسطورة"، أعادت للأمة العربية بعضاً من ثقتها بنفسها التي اهتزت وانكسرت (بحق) نتيجة هزيمة 67، كما كشفت للعالم أجمع مدى زيف الهالة التي أحاط بها العدو جيشه، حين وصفه بأنه "الجيش الذي لا يقهر".

لقد أظهرت تلك المعركة أن هذا الشعار، ليس أكثر من مجرد هراء سرعان ما تهاوى أمام إرادة التحدي لدى نفر من أبناء فلسطين، حين تخلصوا من سطوة الأنظمة التي كانت تعتبرهم مجرد لاجئين لا يملكون القدرة على مقاومة العدو الإسرائيلي، وأن عليهم أن يتركوا مهمة تحرير فلسطين للحكام العرب ولجيوشهم !!!.

لكن سرعان ما استفاق أعداء الأمة العربية في المنطقة على صعود نجم حركة فتح وحركات المقاومة الأخرى، فأعدوا العدة لتدميرها وبدأوا في تنفيذ مخططهم الإجرامي لوأد المقاومة الفلسطينية في مهدها .. فكان أيلول الأسود عام 1971، الذي استطاع النظام الأردني فيه أن يوجه ضربة قاصمة لحركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح.

وللتاريخ، لا بد أن نشير هنا إلى أن قيادات حركات المقاومة وبخاصة قيادات حركة فتح والجبهة الشعبية، لعبت دورا كبيراً في تهيئة الأجواء السياسية والميدانية على الساحة الأردنية، الأمر الذي مكن من تنفيذ المخططات التي كانت تستهدف تدمير المقاومة الفلسطينية.

ونتيجة لهذه الضربة، وجد رجال المقاومة أنفسهم مجبرين على التسلل إلى جنوب لبنان، حيث استمر هذا الوضع- بكل سلبياته وإيجابياته- إلى أن احتل الجيش الإسرائيلي بيروت عام 1982، وأجبرت المقاومة الفلسطينية على الرحيل من لبنان، وتوزعت عناصرها بين تونس واليمن والجزائر وغيرها من البلدان العربية. كما جرى تسريح العديد من كوادرها المقاتلة، إذ لم تعد هناك خطوط تماس بين حركات المقاومة وبين العدو، تسمح بمواصلة النضال المسلح.

ومرة أخري وللتاريخ نقول: إن قيادات حركات المقاومة في لبنان ساهمت إلى حد لا يستهان به في خروجها من هذا البلد وتشرذمها. ولعل أبرز دليل على ذلك تلك المشاهد الموثقة عن استعراض الراحل عرفات لعرض عسكري في أحد شوارع العاصمة اللبنانية بيروت، وكأن تلك المدينة لم تكن عاصمة بلد شقيق رضي بأن يستضيف المقاومة على أرضه، وإنما أصبحت- في عرف عرفات- عاصمة فلسطين التي ما جاز له أن يقيم استعراضاً فيها إلا بعد تحريرها !!!.

ولا نعتقد أن هناك من بين المؤرخين الأمناء، من ينكر أن حركة فتح كانت تمثل كيان دولة داخل دولة في لبنان، الأمر الذي لم يكن مقبولاً لدى اللبنانين بعامة، وحتى من أولئك الذين رحبوا بالمقاومة عند قدومها من الأردن بعد مأساة أيلول الأسود بخاصة.

(3)
بعد عاصفة الصحراء

عقب هزيمة صدام حسين على يد قوات التحالف الذي تزعمته أمريكا عام 1991، وإجبار جيشه على الانسحاب مهزوماً من الكويت، وإعلان استسلامه دون قيد أو شرط .. بدأت خيوط المؤامرة العالمية بحق القضية الفلسطينية تظهر بجلاء، حين تزعمت أمريكا الدعوة لعقد مؤتمر مدريد بهدف الوصول إلى حل للمشكلات القائمة بين إسرائيل والدول العربية وبخاصة القضية الفلسطينية التي تعتبر مفتاح الحرب و السلام في المنطقة.

وكلنا يعرف كيف خططت الأجندة الصهيوأمريكية لآلية المباحثات التي استهدفت الاستفراد بكل طرف من الأطراف العربية على حدة. فكانت آلية المسارات التي أوجبت على الفلسطينيين أن يكونوا ضمن المسار الأردني.

وكالعادة، استطاعت إسرائيل ومن ورائها أمريكا أن تحقق أهدافها في إغراق المباحثات في بحر من التفاصيل، ما أدى إلى فشل المؤتمر في تحقيق الأهداف التي عقد من اجلها، وهي إيجاد حلول نهائية للصراع العربي الإسرائلي بعامة والقضية الفلسطينية بصفة خاصة.

ناهيك عن توقف الانتفاضة الأولى التي تفجرت عام 87 من القرن الماضي نتيجة انعقداد هذا الؤتمر بدعوى إحلال السلام في المنطقة، تلك الانتفاضة التي تمنى رئيس وزراء إسرائيل الأسبق "اسحق رابين" بسببها أن يصحو يوماً فيرى قطاع غزه وقد غرق في البحر.

والمعروف أن سكان القطاع الذي انطلقت منه شرارة الانتفاضة أبدوا مقاومة عنيفة ضد قوات الاحتلال، برغم سياسة تكسير العظام التي انتهجها الجيش الإسرائيلي في التعامل معهم، والتي لم ينجُ منها حتى أطفال الحجارة الذين كانوا يشاركون فيها بشكل لافت.

هنا فوجئ الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بكارثة "اتفاق أوسلو"، حيث كان رهط من قادة حركة فتح وعلى رأسهم محمود عباس (لا سامحه الله) قد أتموا "هندسة" ذلك الاتفاق الملعون مع أقرانه الإسرائيليين، وبمباركة من رئيس حركة فتح الراحل عرفات.

وكلنا يعرف أن هذا قد تم من وراء الوفد الفلسطيني الذي كان يشارك في إجراء المباحثات ضمن إطار المسار (الإسرائيلي- الأردني) ودون علم منه، ما أدى لتوقف حركة فتح عن مواصلة الكفاح المسلح ضد العدو.

ولنا هنا وقفة لا يمكن لأحد أن ينكرها علينا في محاولة الوقوف على الأسباب والدوافع التي حدت بقادة حركة فتح- آنذاك- إلى القبول بهذا الاتفاق بل والمشاركة العملية في (هندسته). ولعل الإجابة على التساؤلات التالية تسهم في التعرف على تلك الدوافع والأسباب:

1- لمصلحة من قام رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح الراحل ياسر عرفات، بتقديم صك الاعتراف بشرعية قيام ما يسمى بإسرائيل على أنقاض القرى والمدن الفلسطينية التي اغتصبتها العصابات الصهيونية ودمرتها عام 48؟.

2- ولمصلحة من يوقِف الراحل عرفات ومن بعده عباس المقاومة المسلحة ضد العدو، في الوقت الذي لم تبدِ فيه إسرائيل أي استعداد للرحيل عن الضفة الغربية وقطاع غزه، وهي الأراضي التي احتلتها في حرب 67؟.

3- لقد كان واضحاً أمام عرفات وعباس خلال المفاوضات وعشية التوقيع على الاتفاق، أن العدو الإسرائيلي لن يتخلى عن المستوطنات التي زرعها في الضفة الغربية، والتي لم يتوان يوما عن الادعاء بأنها أرض يهودية خالصة، وأن من حقه إقامة مستوطنات عليها، وأن وجود الفلسطينيين فيها هو وجود عابر ولا يوصف بأكثر من أنه وجودٌ لأقلية عربية تعيش في أرض "يهودا والسامرة" اليهودية.

4- ولمصلحة من يوضع حل القضية الفلسطينية رهينة لخيار واحد وحيد، وهو المفاضات مع العدو التي ثبت بالدليل القاطع أنها عبثية بامتياز، حيث لم تحقق- على مدى عشر سنوات ونيف- شيئاً يصب في صالح القضية الفلسطينية؟.

5- ولمصلحة من عمل قادة السلطة (وهم قادة فتح أوسفلو) وما زالوا يعملون على ضرب حركات المقاومة الفلسطينية الأخرى التي رفضت إلقاء السلاح، وأصرت على الاستمرار في الكفاح المسلح ضد العدو حتى إجباره على الرحيل من الضفة والقطاع (على الأقل).

6- ولمصلحة من تمادى قادة أوسلو في غيهم، حتى سمحوا لأنفسهم بنشر الانفلات الأمني في قطاع غزه بهدف إسقاط حكومة الوفاق الوطني، التي رفض الكثير من أركانها اتفاق أوسلو والتخلي عن الكفاح المسلح ضد العدو.

7- ولمصلحة من يرفض قادة السلطة فض التعاون الأمني مع قوات الاحتلال في الضفة، حتى يمكن للمصالحة الفلسطينية أن تبلغ (بحق) أهدافها في إعادة اللحمة للشعب الفلسطيني وفصائله المُقاوِِمَه، ويعود للمقاومة المسلحة اعتبارها؟.

8- ناهيك عن الكثير مما يقال عن إصرار قادة السلطة على الاستمرار في انتهاج أسلوب التفاوض مع العدو كخيار وحيد للوصول إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية، برغم ما أكدته السنوات الطويلة التي استغرقتها المفاوضات مع العدو حول أن لا فائدة ترجى من أسلوب التفاوض، دون أن يكون مدعوما بخيار المقاومة المسلحة.

ومهما يكن من أمر .. فلا نعتقد أن ما أورثه هذا الاتفاق من مآسي وكوارث للشعب الفلسطيني، يمكن أن يسمح بالتهاون مع من خططوا له وأقروه ووقعوا عليه. وليس من شك أن من قام بهذا العمل الكارثي، هم نفرٌ من قادة فتح الذين قبلوا الجلوس مع من أعملوا القتل في أبناء شعبهم، وارتضوا أن يوقعوا على اتفاق أقل ما يوصف به أنه وثيقة استسلام للأجندة الصهيوأمريكية المعدة سلفاً، والتي يعرفون جيداً أنها تسعى لحل القضية الفلسطينية وفق ما يشتهيه الصهاينة ويخططون له.

أما ادعاء هذا البعض من قيادة فتح أوسلو بأن الحركة لم تعترف بإسرائيل، وأن من اعترف بها هي منظمة التحرير الفلسطينية .. فهو افتراء وتضليل واستخفاف بعقول أبناء الشعب الفلسطيني.

سبحان الله .. هل الراحل عرفات الذي كان رئيساً للمنظمة ورئيساً لحركة فتح (كما الحال اليوم بالنسبة لعباس)، شخصية مركبة لها عقلان متباينان .. أحدهما يعترف بشرعية وجود الكيان العبري بدعوى أنه رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة، والآخر لا يعترف بهذه الشرعية لأنه رئيس لحركة فتح؟!!!.

وبغض النظر عن موقف الراحل عرفات، فماذا عن موقف مهندس اتفاق أوسلو محمود عباس .. هل يرفض هو الآخر الاعتراف بإسرائيل بصفته رئيساً لحركة فتح .. ويعترف- في الوقت ذاته- بشرعية وجودها لكونه رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية .. فضلاً عن كونه رئيساً للسلطة الفلسطينية التي قامت وفق اتفاق أوسلو المشئوم؟!!.

سبحان الله .. ما سبق أن شاهدنا هذا الانفصام في شخصية رئيس دولة في العالم، سواء كانت متقدمة أو نامية أو متخلفة، وسواء كان نظامها ديمقراطيا أو استبداديا أو سمِّه ما شئت!!!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.