عجبت لك .. يا زمن عباس !!! موسى راغب محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية .. صاحب "الفيتو" الشهير على المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، و الشريك الفلسطيني لاتفاق أوسلو الموءود، والقائل بأن المقاومة الفلسطينية التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية هي إرهاب، والدافع لمرتبات العاملين في غزه بشرط عدم تعاونهم مع حكومة الوحدة الوطنية التي ترئسها حماس في تسيير أمور قطاع غزه، والمغتصب ورجاله من مؤيدي أوسلو لحركة فتح رائدة النضال الفلسطيني، والمعارض لفتح معبر رفح .. والذي يستحوذ على الكثير من الألقاب والأوصاف التي يستحقها هذا الرئيس "بلا دولة" عن جدارة !!! طلع علينا بالأمس بتصريحات غريبة أثناء استقباله للأسرى الذين أطلقت إسرائيل سراحهم مؤخراً، يقول فيها "إن القضايا جميعها بما فيها القدس واللاجئون والحدود والمستوطنات، إما أن تُحل دفعة واحدة أو لا نقبل حلاً". بمعنى أن قضايا القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات، يجب أن تحل دفعة واحدة وإلا فإنه لن يوقع على أي اتفاق جزئي، كما زاد بأنه لن يوقع على أي اتفاق لا يشمل إطلاق سراح جميع المعتقلين. هذا ما قاله سيد البيت الرئاسي في سلطة رام الله بمناسبة الزيارة التي تقوم بها وزيرة الخارجية الأمريكية للكيان العبري والضفة الغربية، بهدف تحريك عملية السلام التي اتفق عليها في "أنابوليس"، والتي تقضي بحل القضية بكافة جوانبها في نهاية العام الجاري 2008. وتعقيبنا المقتضب على هذه التصريحات: 1- تكمن غرابة هذه التصريحات في "الاستهبال" الذي يحاول به عباس أن يظهر بمظهر المفاوض الصلب الذي لا يتخلى عن أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني. وهذا ما يدحضة - كما يعلم الجميع - قبوله وقريع والراحل عرفات، التنازل عن الأرض التي اغتصبتها العصابات الصهيونية عام 48 وأقامت عليها الكيان العبري، واعترافهما به. 2- لا يخفى على أحد أن هذا الصراخ "ولا أقول التهديد أو تسجيل المواقف" الذي يطلقه عباس اليوم، يهدف من ورائه إصابة عصفورين "وربما أكثر .. " بحجر واحد، الأول الظهور أمام الشعب الفلسطيني بمظهر رجل الساعة والموقف الذي لا يتهاون بشأن حقوق شعبه، والثاني - وهو الأصح في رأيي على الأقل - تمهيد الرأي العام في الأراضي المحتلة للقرار الذي تحمله كوندا ليزا رايس في زيارتها الحالية، وهو تأجيل المفاوضات حول القضية وتفصيلاتها لما بعد الانتخابات الأمريكية، تقديرا للظروف السياسية والعسكرية الصعبة التي يمر بها الكيان العبري الآن من ناحية، ورحيل حليف إسرائيل القوي بوش عن البيت الأبيض نهاية هذا العام من ناحية أخرى. هذا على الرغم من أن الشعب الفلسطيني لا يستبشر خيراً لا من المفاوضات، ولا من قدوم رايس المتكرر للمنطقة، ولا حتى من رحيل بوش عن البيت الأبيض. 3- وبصراحة أكثر، وكما عودنا عباس : فإنه ورجاله لا يملكون القدرة على "الحل والربط"، فيما يتعلق بقضية الشعب الفلسطيني. فكل ما يلقونه من تصريحات، وما يصدرونه من قرارات، وما يتخذونه من إجراءات .. كل ذلك يمر على سيد البيت الأبيض والدول المانحة .. والمعروف عنهم أنهم خير من يؤتمن على مصالح الكيان العبري. 4- قضية الصراع العربي الإسرائيلي أو لنقل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي "بحكم الواقع الراهن"، مضى عليها أكثر من ستين عاماً، وهي قضية معقدة ومتشعبة الجوانب، وأخطر ما فيها أن أمريكا وأوروبا استطاعتا خلال تلك العقود شراء كثير من الضمائر، حتى أن بعض قادة المنطقة رحبوا بقدوم اليهود لفلسطين، وإنشاء وطن قومي لهم على أرضها، تماما كما وعد وزير الخارجية البريطان بلفور عام 1917. فليس من المنطق والحال هذه، أن يقال بأن عباس وأولمرت قادران على حل كافة جوانب هذه القضية خلال الفترة التي حددها "باستهبال" مؤتمر أنا بوليس. 5- عباس ومعه قريع وقبلهما الراحل عرفات وغيرهم، كانوا أول من اتفقوا مع إسرائيل وأمريكا وأوروبا على حل القضية الفلسطينية على مراحل وفق ما اتضح من بنود اتفاق أوسلو، لدرجة أن جميع قضايا الحل النهائي رُحِّلت لما بعد دخول عرفات ورجاله لقطاع غزه، وحتى يتم الانتهاء من إقامة المؤسسات التابعة للسلطة الفلسطينية كخطوة اولى. والكل يعلم أن القضايا الفرعية التي جرى المفاوضات حولها استغرقت أكثر من خمسة عشر عاماً، بدأت مع التوقيع على اتفاق أوسلو، ومع ذلك لم يتحقق شيئاً على الأرض. فما تقدمه إسرائيل بيدها اليمنى تسترده وأضعافه باليد اليسرى. والدليل على ذلك اعتقال إسرائل للعشرات من الشباب الفلسطيني يوميا، دون أن يكون في قدرة عباس ورجاله أن يحركوا ساكناً. فهؤلاء إذن، هم آخر من يحق لهم أن يدعوا الحرص (أو لنقل القدرة) على حل القضية الفلسطينية لصالح الحقوق المشروعة للفلسطينيين. فهم يعلمون جيداً أن حل القضية بكل جوانبها خلال الأشهر القليلة المتبقية من هذا العام (كما نص اتفاق أنابوليس)، يعد شبه مستحيل إن لم يكن المستحيل بعينه. والأهم من ذلك أن الكيان العبري ذاته، لا يريد حلاً لا جزئيا ولا كاملاً، سواء في هذا الوقت أو في غيره، إلا إذا تم وفق الأجندة الصهيوأمريكية لحل القضية الفلسطينية، أي استسلام الفلسطينيين للشروط الإسرائيلية وليس السلام العادل معهم. 6- ليس من شك أن عباس - بهذه التصريحات - يريد أن يزايد على حركة حماس ومن يسير على نهجها من الفصائل في مقاومة الاحتلال العبري. وهو يدرك تماماً أنه قطع كل أحبال الوصال بينه وبين حركات المقاومة المخلصة، منذ تآمر رجاله على حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بموجب اتفاق مكة، وأخذوا يصعدون من عملياتهم الهادفة لنشر الفوضى وعدم الاستقرار الأمني في مدن القطاع وقراه. فالكل يعرف أن حماس ومن يناصرها من فصائل المقاومة تنادي بتحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر، وبإجبار العدو على الانسحاب من اراضي الضفة والقطاع إلى حدود ما قبل الخامس من حزيران 67 كمرحلة أولى على الأقل مقابل هدنة تمتد لعشر سنوات. بينما ارتضى عباس وقريع ورجالهما ومن قبلهم الراحل عرفات التخلي عن خيار السلام في مقاومة الاحتلال، وتبني المفاوضات المباشرة مع العدو كخيار استراتيجي وحيد لحل القضية الفلسطينية. وهم يعلمون أن هذا العدو الشرس لن يقبل بإقامة كيان فلسطيني قوي يتحسبون من مطالبته مستقبلاً باستعادة أراضيه المسروقة، حين تحين له الظروف المواتية.
ومهما يكن من أمر .. فإن هدف عباس من تصريحاته بشأن المفاوضات، هي ذات الأهداف التي تمناها من تصريحاته حول دخول السفينيتين اللتين دخلتا مياه غزه في محاولة لكسر الحصار المفروض عن القطاع حين قال: أتمنى أن يكون وصول هاتين السفينيتين لمياه غزه "بداية حقيقية لتحرك دولي وإنساني جدي نحو فك الحصار، وتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني في غزه"، على الرغم من أن هو الذي يضع "فيتو" على فتح معبر رفح !!!، وأنه من أكثر المغالين في تشديد الحصار على مليون ونصف المليون من شعبه في غزه. فهل هناك "استهبال ...." أكثر من هذا !!! .