وزير الدفاع يتحدث عن دور مصر في مساندة القضية الفلسطينية.. ماذا قال؟    استجابة لطلبات الجالية المصرية.. وزارة الهجرة تقترح تسيير رحلات جوية مباشرة بين القاهرة وسول    آخر موعد للتقديم في مسابقة التربية والتعليم 2024.. الرابط والتفاصيل    القائم بأعمال رئيس جامعة بنها الأهلية يتفقد سير الامتحانات بالكليات    وزير المالية: الدولة تحشد كل قدراتها لدفع النشاط الاقتصادي إلى الأمام    محافظ القليوبية يضبط 4 سيارات نقل تلقي مخلفات بناء في أرض زراعية    مواعيد وأماكن قطع المياه في عدة مناطق غرب الإسكندرية اليوم    النائب عمرو هندي: العالم كله أثنى على دور مصر لحل القضية الفلسطينية    بمشاركة زعماء وقادة.. ملايين الإيرانيين يلقون نظرة الوداع على رئيسي (فيديو)    مستشار أبو مازن: يجب استكمال مسار الاعتراف بدولة فلسطين حتى النهاية    الفصائل الفلسطينية تستهدف 3 دبابات «ميركافا» إسرائيلية في مخيم جباليا    خسائر ب8 ملايين دولار.. أهالي جنين يتفقدون آثار العدوان الإسرائيلي على المدينة    سلمي أيمن وملك إسماعيل تتأهلان لنهائي بطولة نهائي كأس العالم للخماسي الحديث    23 لاعبا في قائمة الأهلي لمواجهة الترجي في نهائي دوري الأبطال    هل تلغى كأس الكونفدرالية؟.. كاف يفجر مفاجأة عن بطولات الموسم القادم وموعد السوبر الإفريقي    «مش عيب والله يا كابتن».. شوبير يوجه رسالة لحسام حسن بشأن محمد صلاح    تريزيجيه: أنشيلوتي طلب التعاقد معي.. وهذه كواليس رسالة "أبوتريكة" قبل اعتزاله    وصول جثمان شقيق هاني أبوريدة إلى جامع السلطان حسين بمصر الجديدة "صور"    ضبط شخصين بمطار القاهرة حاولا تهريب عملات محلية وأجنبية للخارج    «السياحة»: تشكيل لجان لتذليل أي عقبات أمام الحجاج المصريين    ننشر الصور الأولية من مسرح حادث مقتل مدرس داخل سنتر تعليمي بالمطرية    حادث ميكروباص معدية أبو غالب.. قوات الإنقاذ النهري تبحث عن جثة الضحية الأخيرة    عاجل.. رفض طعن منة شلبي وتأييد حكم حبسها    «أزهرية مطروح»: انطلاق أعمال تصحيح الشهادتين الابتدائية والإعدادية    حيثيات الحكم بتغريم شيرين عبد الوهاب في قضية سب المنتج محمد الشاعر    فيلم السرب يواصل تصدر شباك التذاكر في مصر رغم طرح فيلمين جديدين بدور العرض    لحظة رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج 2024.. «لبيك اللهم لبيك» (فيديو)    أدوار دنيا سمير غانم المتنوعة خلال مسيرتها الفنية: أخرها روكي الغلابة    هل يجب على الحج بمجرد استطاعتي أم يجوز لي تأجيله؟.. الأزهر للفتوى يجيب    مستشار الرئيس: مشروع تصنيع مشتقت البلازما استراتيجي.. والسيسي يدعمه    «حياة كريمة» تطلق قوافل طبية مجانية في الشرقية والمنيا    «صحة المنيا»: تقديم الخدمات العلاجية ل7 آلاف مواطن خلال شهر    أسعار السمك في أسيوط اليوم الخميس    تخرج الدفعة العاشرة من طلاب برنامج التصميم الجرافيكي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة    الداخلية تُحرّر 170 مخالفة للمحال المخالفة لترشيد استهلاك الكهرباء    تداول 15 الف طن بضائع عامة بموانئ البحر الأحمر ووصول 740 سيارة لميناء بورتوفيق    تعرض طالبة الإغماء خلال إمتحانات الإعدادية بالفيوم    "العدل الدولية" تصدر غدا حكمها بشأن تدابير الطوارئ في قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل    عضو مجلس الزمالك: نعمل على حل أزمة بوطيب قبل انتقالات الصيف    في الجول يكشف تفاصيل إصابة عبد المنعم وهاني بتدريبات الأهلي قبل مواجهة الترجي    إصابة طفلين فلسطينيين برصاص الاحتلال شرق مدينة قلقيلية    مسلسل البيت بيتي 2.. هل تشير نهاية الحلقات لتحضير جزء ثالث؟    إعلام عبري: العدل الدولية تستعد لإصدار أمر بوقف الحرب في غزة    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    اتفاق بين مصر وألمانيا لتمويل البرنامج الوطني للمخلفات الصلبة ب80 مليون يورو    موعد ورابط الاستعلام عن نتيجة الصف السادس الابتدائي بالقاهرة والجيزة    وزير الري يلتقي مدير عام اليونسكو على هامش فعاليات المنتدى العالمي العاشر للمياه    جامعة النيل تستضيف ورشة عمل حول "الظاهرة الثقافية لجمع المقتنيات"    الرعاية الصحية تعلن نجاح اعتماد مستشفيي طابا وسانت كاترين يجنوب سيناء طبقا للمعايير القومية المعترف بها دوليا    رئيس جامعة المنيا يفتتح مهرجان حصاد «نوعية» في نسخته الأولى    رئيس جهاز مدينة 15مايو يتفقد المشروعات الجارية.. ويجتمع بمسئولي الجهاز    أول تعليق من دانا حمدان على حادث شقيقتها مي سليم.. ماذا قالت؟    توريد 211 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة حتى الآن    ل برج الجوزاء والميزان والدلو.. مفارقة كوكبية تؤثر على حظ الأبراج الهوائية في هذا التوقيت    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-5-2024    فضل الأعمال التي تعادل ثواب الحج والعمرة في الإسلام    أحمد العوضي ب «لوك جديد» في احدث ظهور له..ويوجه رسالة (صورة)    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى أين يأخذ هذا العنف البغيض سوريا ...؟
نشر في محيط يوم 14 - 06 - 2012

في مقابلة لها مع بشار الأسد، سألت الإعلامية الأمريكية الشهيرة بربارا بشار : ما شعورك وأنت ترى شعبك يقتل ويعذب؟. وكانت إجابته المروعة: لا مكان للمشاعر هنا، فلدينا مهمةً يجب علينا تنفيذها بأي وسيلة، ويعني بذلك قمع المظاهرات التي تنادي بإسقاطه ونظامه.
والوسيلة التي ينتهجها ونعرفها ويعرفها العالم أجمع، هي استخدام أقصى درجات العنف الدموي في قمع تلك المظاهرات التي أثبتت أن الشعب السوري الذي قاسى الأمرَّين من حكم "نظام الأسدين"، مصممٌ على إسقاط بشار ونظامه مهما كان الثمن.
وقبل أن أعلق على ما تنطوي عليه إجابة الأسد هذه من مبادئ بشعه يلتزم بها في تعامله مع شعبه، ومع كل من يخالفه الرأي من الشعوب العربية .. أود الاعتراف بأني كنت من أكثر المخدوعين و "الهبل" الذين كان يمنون النفس بأن يشكل بشار وحلفاؤه في إيران وحزب الله اللبناني، القوة القادرة (في المنطقة) على إجبار سكان الكيان العبري الذي يحتل أرض فلسطين على الرحيل- على الأقل- إلى بلادهم الأصلية التي قدموا منها إن لم يكن إزالة هذا الكيان كله، وتمكين الفلسطينيين في الشتات من العودة لبلادهم وبيوتهم التي هجِّروا منها على يد العصابات الصهيونية عام 48.
منذ اعتلى بشار سدة الحكم في سوريا قبل نحو أحد عشر عاما، ومنذ استمعت لعدد من خطاباته وتصريحاته بشأن إصلاح الأوضاع في سوريا لتلحق بركب الدول المتقدمة، اعتقدت أنه كان جاداً في العمل على إنقاذ شعب سوريا من الظلم والاستبداد والقهر الذي كان يلاقيه على يد والده الراحل حافظ الأسد.
فموقف الابن الذي خالف فيه منهاج أبيه في حكم سوريا، وعلى النحو الذي ظهر في خطاباته وتصريحاته بعد توليه الحكم، يعني أنه يعرف أكثر من غيره، كيف يصلح الخلل الذي أصاب مسيرة سوريا خلال فترة حكم والده.
وظللت حتى بعد شهور من قيام الثورة السورية، أكتب مقالات تشيد بالنهج الإصلاحي الذي توهمت أن بشار يسير عليه، ليحقق لسوريا التخلص من الفساد والظلم والاستعباد الذي كانت تعيشه. واعتقدت أن الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي بشَّر بها شعبه، تؤكد صدق ما اعتقدت واعتّقَد الكثير من "الهبل" من أمثالي بأن بشار يسير في الطريق الصحيح، ليس بالنسبة لسوريا فحسب وإنما بالنسبة للمنطقة العربية بأسرها.
ومما زاد من هذا الاعتقاد تلك الخطابات التي كان يلقيها بشار في القمم العربية، والتي تداعب أماني كل إنسان عربي في تحقيق مستقبل أفضل لهذه الأمة، وأن زمن هيمنة النظام الرسمي العربي بات يواجه أعداء حقيقيين من أمثال بشار وحسن نصر الله، وحتى من دول الجوار غير العربية مثل إيران وتركيا.
وبرغم مضي خمس سنوات على حكم بشار لسوريا دون أن يحقق إلاَّ القدر الطفيف(جدا)ً من وعوده بالإصلاح، ظللنا على موقفنا المؤيد له، والمؤمن بأن بشار سيحقق يوماً جزءاً من أحلام الأمة العربية التي كان يخيم على أجوائها ضباب كثيف، أدى إلى سيادة مشاعر الإحباط واليأس لدى شعوبها.
وكانت قمة اعتقادنا بوطنية بشار وحلفائه قد ترسخت، حين حقق أجناد حزب الله (الذين كانوا يحظون بدعم فاعل من بشار) ذلك النصر الرائع على جيش إسرائيل في الحرب التي شنها على لبنان عام 2006، وحين وجدنا رئيس وزراء إيران يصرح مراراً بإن وجود إسرائيل في المنطقة غير شرعي، وأنه يستوجب العمل حثيثاً وعلى كل الأصعدة على إزالته من المنطقة وعودة سكان الكيان العبري إلى البلدان التي قدموا منها.
كما زاد هذا الاعتقاد ترسخاً، حين انعقد المؤتمر الثلاثي في دمشق وضم كلاً من بشار والرئيس الإيراني نجاد وأمين عام حزب الله حسن نصر الله .. ذلك المؤتمر الذي أعلن استعداد أعضائه للتصدي لأي اعتداء قد تقوم به إسرائيل ضد أي منهم، كما أوحى للكثير من المراقبين بأن ثمة مخططا يعده أعضاء هذا المؤتمر (الحلف)، للتحرش بإسرائيل إن لم يكن مهاجمتها.
هكذا خدعنا .. حتى هبت رياح التغيير على المنطقة، فأطاحت بأول نظام مستبد كان يضرب بجذورة منذ أكثر من عقدين من الزمن، وهو نظام بن علي في تونس. ثم توالى سقوط أنظمة عربية أخرى طال مصر وليبيا واليمن.
وحين بدأت تلك الرياح تتجه لتجتاح النظام السوري، قلنا آنذاك أن الوضع في سوريا يختلف عنه في تلك البلدان التي سقطت أنظمتها.. وقلنا إن الغرب الذي استطاع أن يظهر وكأنه مؤيد لتلك الثورات، سوف يعمل على أن تطال تلك الرياح النظام السوري على النحو الذي يرجوه، وهو أن تأتي بنظام بديل يكون متعاوناً- على الأقل- مع الغرب وليس معاديا له.
من هذا المنطلق دافعنا عن بشار ونظامه عند بداية الثورة التي انطلقت من مدينة درعا، بل وقلنا أن ثمة أياد أجنبية معادية قد تكون السبب في استخدام النظام السوري للعنف في قمع المظاهرات التي انطلقت في تلك المدينة، والتي لم تتجاوز مطالبها- آنذاك- تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها بشار حين اعتلى سدة الحكم.
وظللنا على هذا الحال حتى فوجئنا بتلك الجرائم التي يرتكبها الجيش السوري النظامي وقوى الأمن والشبيحة بحق المتظاهرين، والتي وصلت إلى حد قتل العديد من المتظاهرين وإهانة كرامة المعتقلين الذي وقعوا في قبضة رجال النظام وتعذيبهم حتى الموت.
وحين تكررت هذه الجرائم وتصاعدت حدتها ورفض بشار كل المنشادات التي تدعوه للحد منها ومعاقبة من يقومون بها، بدأنا ندرك أننا كنا مخدوعين إلى أبعد مدى، وأن بشار قد استغل عواطف الشعوب العربية التي كانت تتوق لسماع ما كان يصرح به قبل الثورة السورية، من تصريحات وشعارات تدغدغ مشاعر هذه الأمة المكلومة- وأنا وأمثالي "الهبل"- جزء منها.
حينها بدأنا نشعر بأن الواجب يدعونا للاعتراف بأخطائنا في تأييد هذا الحاكم الظالم، الذي أثبت بجرائمة الوحشية أنه من أعتى المجرمين الذي عاشتهم هذه الأمة في العصر الحديث والمعاصر. فالمشاهد التي بثت وما زالت تبث على القنوات الفضائية والنت وتنشر في الصحف وتتناقلها وكالات الأنباء المصورة والمسموعة، لم تدع مجالا للشك في أن هذا الرجل قد جبل على استخدام العنف في كل المواقف التي يواجهها، وأن المحرك الرئيس في تشكيلها ليس فك أسر شعبه من ضروب الإذلال والقهر والفساد التي يعيشها، وإنما هدفه الحفاظ- أولاً وأخيراً- على كرسي الحكم بيد عائلة الأسد مهما كان الثمن.
الواقع أن هناك الكثير من الأدلة والشواهد التي تثبت صدق ما نقول، وأقربها تلك المذابح التي ارتكبها جيشه وشبيحته في بلدة الحولة وفي ريف حمص وحماة وإدلب واللاذقية ودمشق، وأخيراً وليس آخراً في دير الزور وريفها.
والسؤال الآن: إلى أين تذهب رياح التغيير في المنطقة بهذا الحاكم المستبد وبثورة الشعب السوري العظيم؟، وإلى أي مدى يظل مؤيدوه (إيران وحزب الله وروسيا والصين) على موقفهم، وجرائم هذا النظام تزداد كثافة وبشاعة؟!!.
قبل الإجابة على هذا السؤال، أعود لأعلق على ما رد به بشار على سؤال الإعلامية الأمريكية بربارا له عن مشاعره وهو يرى أعمال القتل والتعذيب تُرتكب بحق شعبه .. فأقول إن هذه الإجابة تنطوي على عدد من المحددات التي تشكل في مجموعها سياسة بشار في تعامله مع الشعب السوري لعل من أظهرها :
1- إن الهدف الرئيس لبشار كان دوماً الحفاظ على الحكم في سوريا مهما كان الثمن، ما يدفع للاعتقاد بأنه قد تربَّي منذ نعومة أظفاره على الالتزام بالمحافظة على هذا الهدف مهما كان الثمن، وأن يظل على قمة اهتمامات النظام بما فيها مجابهة إسرائيل التي استمد منها (أي المجابهة) نظام الأسدين شرعية وجوده وبقائه لأكثر من أربعة عقود.
2- أغلب الظن أن القاعدة الرئيسة التي يرتكز عليها مخطط "نظام الأسدين" في تحقيق هذا الهدف، تتمثل في ضمان وجود ظهير يدعم أهداف هذا النظام في استمرار وجوده، وهذا يتمثل بوضوح في حرص بشار ومن قبله والده على تعيين أغلب قيادات الجيش وقوى الأمن من بين الضباط العلويين وبعض المنتفعين من الطوائف الأخرى الموالين له.
3- أن يكون إقامة كيان علوي في الساحل الذي تقطنه أغلبية علوية، هو خط الدفاع الأخير للنظام إذا ما بدا أنه يتعرض لخطر السقوط، وهذا يعني أن هذا النظام يحتمل أن يكون قد بني على أساس استعداده لإدخال البلاد في حرب أهلية قوامها الطائفية المقيتة، إذا ما ساءت الأمور وبات النظام على وشك السقوط.
4- ليس من شك أن من خطط لإقامة هذا الكيان، بنى تقديراته على ثلاثة قواعد تمثل سياسة ثابتة للنظام نحو الداخل السوري: أولها- التحكم في قيادات الجيش وقوى الأمن، وذلك بتعيين قادة علويين يتولون قيادتها كما ذكرنا، والثاني- التأكيد المستمر لروسيا والصين بأن استمرار نظام الأسدين في حكم سوريا، هو الضمان الوحيد لاستمرار نفوذهما بل ووجودهما (الطبيعي) في المنطقة. وهذا يعني بالتالي أن يكون النظام على استعداد لتكثيف وجود القواعد الروسية الحالية في سوريا وبخاصة البحرية منها، والثالث- العمل بمثابرة على اصطفاف الطوائف من غير السنة بجانب الطائفة العلوية في الحرب الأهلية المحتملة.
5- أما ما يتضمنه هذا المخطط بالنسبة للمنطقة العربية، فهو نشر الفوضى فيها وبخاصة في دول الخليج العربية ولبنان والأردن .. طالما كان ذلك- في نظر النظام- داعما لقيام الكيان العلوي، إذا ما تعرض (أي النظام) لخطر السقوط.
6- إن إجابة بشار على سؤال برباراً بأن أمامه مهمة يجب أن يؤديها دون أن يعطي أي اعتبار للمشاعر .. ثم موقفه المؤيد لاستخدام أقصى درجات العنف في التعامل مع الشعب السوري .. ثم عدم استنكاره الصريح للجرائم التي يرتكبها جيشه وشبيحته بحق المواطنين السوريين .. كل ذلك يظهر أن لا مكان للعواطف (في مكونات شخصية بشار) حين يتعرض وجود "نظام الأسدين" للخطر.
فالرجل قالها بصراحة .. أن لا مكان للمشاعر أمام وجود مهمة يتوجب عليه أداؤها والانتهاء منها، ما يعني التزامه بقمع الثورة السورية بجميع الوسائل وعلى رأسها استخدام كل الأسلحة المتاحة لديه.
وهذا ما رأيناه في استخدام الجيش السوري لصواريخ "جراد" في قصف أحياء في مدينة حمص، كما رأيناه في تكثيف استخدام الطيران الحربي وبخاصة المروحيات في قصف العديد من المدن والمناطق التي يصعب على جيشه الوصول إليها. والأكثر من ذلك أنه لم يتورع عن تدمير المحصولات الزراعية وهدم البيوت على رؤوس اصحابها واستخدام الأطفال كدروع بشرية فضلاً عن تعذيبهم وقتلهم والتمثيل بجثثهم.
7- ليس من شك أن كل ما سبق وغيره من ممارسات النظام الإجرامية، يؤدي بالضرورة لنتيجة هامة وهي: أن بقاء بشار وعائلته وظهيره العلوي ياتي في المرتبة الأولى من اهتماماته، ما يعني أن التصدي لأطماع إسرائيل وأمريكا في المنطقة، لم يحظ يوما على المرتبة الأولى من اهتماماته كما كان يدعي وما زال.
وعودة لسؤالنا المركب حول مآل هذا النظام في ضوء رياح التغيير التي تهب على المنطقة، وكذلك مآل مواقف الذين يؤيدون نظام بشار .. برغم الجرائم البشعة التي يرتكبها .. نجيب:
أولا- فيما يتصل بالوقائع على الأرض في الداخل السوري:
1- جميع الدلائل المنطقية والوقائع على الأرض، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أنه لا إمكان للِّقاء بين الثوار السوريين وبين هذا النظام الذي اتخذ- منذ بداية الثور- موقفاً أقل ما يقال فيه، أنه لا يراعي لكرامة الشعب السوري ومصالحه أية حرمة .. فكل ما يريده هو البقاء في الحكم.
2- تشير الوقائع على الأرض وتصريحات الكثير من المراقبين لمجريات الصراع، أن جيش بشار فقد السيطرة على عدد لا يستهان به من المدن والبلدات والمناطق، والتي أصبحت بالتالي تحت سيطرة فصائل المقاومة المسلحة السورية.
3- تطور الصراع على هذا النحو، دفع بالنظام إلى استخدام أسلحة-عن بعد- أكثر فتكا وتدميراً للمدن والقرى والمناطق التي فقد السيطرة عليها، كما دفع بشبيحته إلى ارتكاب الجرائم البشعة بحق أبناء المدن والقرى التي ما زال يسيطر عليها دون التمييز بين رجل وأمرأة، وبين طفل أو شاب يافع أو شيخ كبير. وهذا ما نراه في الجرائم التي ارتكبها مؤخراً في حمص ودير الزير ومن قبلها في بلدة الحولة، والتي ما زال يرتكبها حتى اللحظة ضد العديد من المدن، وبخاصة حمص واللاذقية ودرعا وريف دمشق ودير الزور.
4- يعد انضمام مدينتي دمشق وحلب إلى الثوره، المقياس الحقيقي للقول بشمول الثورة كل أنحاء سوريا، وهذا ما نراه يتحقق في الأيام الأخيرة بمعدلات صاعدة ومتسارعة تنبئ بقرب انضمام كامل الأحياء في هاتين المدينتين للثورة.
ولعل هذا ما دفع بشار ونظامه إلى استخدام الأسلحة الثقيلة والطيران الحربي ضد المدن والقرى السورية، وكذلك السماح لشبيحته بارتكاب تلك الجرائم البشعة التي شجبها المجتمع الدولي بشدة، لدرجة أن البعض ينادي بوضع بشار ونظامه في قائمة الموسومين ب "العار".
5- أغلب الظن أن هذا النظام بدأ يشعر بأن الأرض بدأت تميد من تحت أقدامه، ما دفعه للارتباك وارتكاب تلك الجرائم المروعة، علَّها تخيف الثوار وتقنعهم بان النظام على استعداد للذهاب بعيداً في استخدام ترسانته العسكرية ضدهم وضد المدنيين دون تمييز، إذا ما أصروا على مقاومته.
وفي المقابل يبدو أن المقاومة المسلحة ضد النظام قد اشتد ساعدها، بدليل تزايد المناطق والمدن التي تسيطر عليها وبمعدلات متسارعة .. ما يعني أن المقاومة قد حزمت أمرها على قاعدة الاعتماد على نفسها، وأنها لم تعد تثق بوعود المساعدة التي تجهر الدول الغربية وحتى العربية باستعداها لتقديمها للشعب السوري.
6- ليس من شك أن تزايد قوة المقاومة المسلحة التي يقابلها انشقاقات كبيرة ومستمرة في الجيش النظامي السوري، بدأت تسقط من يد النظام تلك الحجة التي طالما استخدمها ضد المقاومة، وهي اتهامها بأنها تستدعي القوات العسكرية الغربية للتدخل الشامل لصالحها، الأمر الذي تنكره المقاومة. فجل ما باتت تطالب به فصائل المقاومة المسلحة وبخاصة الجيش السوري الحر، هو السماح لها بالتسلح وتقديم الدعم المالي اللازم لاستمرارها في التصدي لجرائم النظام وحماية السكان المدنيين من وحشيتة شبيحته.
ذلك أن الشعب السوري والشعوب العربية، تدرك أن التدخل العسكري الغربي لن يورث سوى الدمار والخراب ليس لسوريا وحدها وإنما للمنطقة العربية، باعتبار أن سوريا تمثل دعامة رئيسة في تشكيل نظام عربي وطني محتمل يخلف النظام الرسمي الحالي.
وإذا كان ثمة أصوات في الخارج والداخل السوري نادت بالتدخل في بداية الثورة، فهي لم تكن تعني التدخل الشامل الذي يستهدف تدمير البلاد والعباد عسكريا واقتصاديا .. وإنما كانت تعني تدخلاً من شأنه أن يردع النظام عن التمادي في ارتكاب جرائمه ضد المدنيين في القرى والمدن التي تتعرض للقصف العشوائي المدمر من الدبابات وراجمات الصواريخ والرشاشات الثقيلة، ويردع شبيحة النظام من الاستمرار في ارتكاب الموبقات بحق المدنيين.
ثانيا- ما يتصل بمواقف المؤيدين للنظام والمعارضين له:
1- ليس من شك أن أمريكا والدول الأوروبية ليست على استعداد للتدخل العسكري باي صورة في سوريا لسببين: الأول- أن موقع سوريا الجيوسياسي والاستراتيجي في المنطقة والعالم، لا يسمح بالتدخل على غرار ما جرى في ليبيا والعراق، والثاني- أن من مصلحة الغرب أن يطول الصراع بين النظام والشعب حتى يتم تدمير البلد بايدي أصحابه، ما يصب- في النهاية- في الحفاظ على مصالح هذه الدول في المنطقة من ناحية، وتعزيز أمن إسرائيل ووجودها من ناحية أخرى.
2- المؤيدون للمقاومة المسلحة من الدول العربية ليسوا بقادرين على تفعيل إرادتهم بتسليح المقاومة على النحو المرجو، وذلك بسبب الضغوط التي تواجهها من الدول الغربية وبخاصة أمريكا. فتسليح المقاومة بحيث تكون قادرة على التصدي لجيش بشار وشبيحته، أمر مرفوض بالنسبة لأمريكا ودول أوروبا.
وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من أن الغرب لا يريد للشعب السوري كما لسائر الشعوب العربية، أن يتحرر من النظام الرسمي العربي الحالي، إلا بالقدر الذي تراه (أي الدول الغربية) يصب في مصلحتها ويبقي المنطقة العربية تحت هيمنتها.
3- دعم روسيا والصين لبشار ونظامه، ويتمثل في استخدامهما حق الفيتو ضد محاولات الغرب إدانه النظام بسبب استخدامه خيار العنف المغلظ ضد الشعب السوري، وارتكابه جرائم بشعة يمكن تصنيفها بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية .. هذا أولاً. وثانيا- تقديم روسيا بالذات لمساعدات عسكرية فاعلة للنظام، ما يمكنه من مواصلة ارتكاب جرائمه ضد الشعب السوري.
وثالثاً- دعمهما للنظام في ادعاءاته بأن العصابات المسلحة والإرهابيين، هم الذين يقومون بارتكاب جرائم ضد المدنيين وليسوا عناصر الجيش السوري، الأمر الذي يتخذ منه (النظام) ذريعة لنفي ارتكابه للجرائم البشعة التي تبث مشاهد منها في الفضائيات وعلى شبكة النت وتنشر في الصحافة، وإشراك المقاومة في المسئولية عن وقوعها.
غير أن مواقف روسيا والصين المؤيدة للنظام، أخذت في الأيام الأخيرة تميل إلى الطلب من بشار التخفيف من حدة العمليات العسكرية التي ينفذها ضد شعبه، وأن يعمل على إنجاح مهمة عنان التي يعتبرها المجتمع الدولي بما فيه روسيا والصين، الفرصة الأخيرة المتاحة لإيجاد حلٍ للصراع ووقفٍ للمجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري .. على الرغم من أن الواقع على الأرض يقول بأن بشار ونظامه يعملان على إفشالها.
والدليل على ذلك إصرار بشار على أنه لا يقبل بوقف إطلاق النار دون أن يقضي على ما يسميها بالعصابات المسلحة (ويعني بها فصائل المقاومة السورية المسلحة وبخاصة الجيش السوري الحر)، وهي المهمة التي أشار إليها في رده على سؤال الإعلامية الأمريكية بربارا.
رابعا - دعم إيران وحزب الله لنظام بشار:
ليس من المفيد في شيء، ِذكْرُ الاتهامات البغيضة التي تنسب لإيران وحزب الله، وبخاصة ما يتصل منها باتهام عناصر منهما بالمشاركة في ارتكاب جرائم ضد المدنيين السوريين، فنهاية الأحداث حين تأتي، سوف تكشف عن الحقيقة، وحينها سيأخذ كل ذي حق حقه.
لكن لا ينبغي أن يفهم من قولنا هذا، المناداة بالابتعاد عن تتبع هذا الاتهام والكشف عن أبعاده الحقيقية، بل العكس هو الصحيح. لكن ما يهمنا التركيز عليه الآن، هو معرفة ما إذا كان دعمهما لبشار سوف يستمر حتى النهاية، أم أنه سيصل لنقطة لن يستطيع تجاوزها وبالتالي يتوقفا عن دعم هذا النظام.
المنطق والوقائع على الأرض والموقف العربي والدولي .. كلها تعارض انتهاج النظام السوري الخيار الأمني المغلظ في التعامل مع الثورة السورية. كما أن تنامي المقاومة المسلحة السورية وتآكل سيطرة النظام على العديد من المدن والقرى والمناطق السورية، تدعم من فعالية هذه المعارضة وتزيد من شرعيتها.
وحين نضيف إلى ذلك تخبط النظام في كيفية التعامل مع هذه الثورة، ولجوئه لاستخدام الأسلحة الثقيلة والطيران الحربي في القصف العشوائي للمدن والقرى والمناطق المدنية التي لا تخضع له .. نرى أن من المتوقع أن تبدأ إيران في مراجعة موقفها من التأييد المالي والعسكري والسياسي لبشار ونظامه، والذي يصفه البعض بأنه دعم "مفتوح".
فليس من المنطقي أن تبقى إيران- إلى ما لا نهاية- الممول الرئيس لتلك الحرب، وهي التي تعاني من أزمات اقتصادية خانقة نتيجة العقوبات التي يفرضها الغرب والهيئة الأممية عليها، كما يعاني النظام الإسلامي الحاكم في طهران من معارضة داخلية يحسب حسابها.
وفي نظرنا- وفي ضوء ما سبق- نرى أن الوقت قد حان لأن تقوم إيران بهذه المراجعة لموقفها، إذا ما أرادت التعايش مع المتغيرات التي تطرأ تباعاً على المنطقة، والتي لا يمكن التنبؤ بنتائجها. والشيء ذاته ينطبق على حزب الله الذي نأمل أن يظل عربيا لا تحركه نوازع بعيدة عن التمسك بعروبته، والدفاع عن قضايا هذه الأمة وبخاصة القضية الفلسطينية، والمشاركة في التصدي للهيمنة الغربية على المنطقة.
خاتمة وتعليق:
ومهما يكن من أمر، فأغلب الظن أن هذه المعطيات والحقائق، تشير إلى أن نظام بشار يسير بخطى متسارعة نحو نهايته المحتومة .. رغم محاولة الغرب والشرق (على حد سواء)، إطالة أمد الصراع القائم في سوريا.
لذا فإن أمر إنهاء هذا الصراع وتلافي تداعياته، يكمن في إرادة الشعب السوري على استمرار ثورته على هذا النظام، واعتماده على قدراته الذاتية حتى النصر. وهذه الإرادة ليست مطلوبه من المدنيين في القرى والمدن والضياع السورية وفي فصائل المقاومة المسلحة فقط، وإنما تكمن أيضاً في توجه الجيش السوري للانقلاب على قادته والانضمام إلى الثوار.
وهنا لا بد من الإشارة إلى إصرار الثوار والشعب السوري بكل طوائفه على إفشال مخطط النظام في إشعال حرب أهلية قوامها الطائفية البغيضة، كآخر وسيلة يعتقد بأنها ستنقذه من مصيرة المحتوم، وتبرر له إقامة كيان علوي مستقل.
وهنا نشدد على أنه لا ينبغي لأي عربي في سوريا أو في غيرها، أن يتصور أن الطائفة العلوية الكريمة تؤيد جرائم بشار وشبيحته. فهناك الكثير من شيوخ هذه الطائفة ومفكريها وشبابها الذين يعارضون نظام بشار ما زالوا يقبعون في سجونه، مثلهم مثل العديد من أبناء الطوائف الكريمة الأخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.