يا بشار .. لو كنت وحلفاؤك في محور المقاومة قررتم (يوما) مهاجمة إسرائيل ومحوها (كما تدعون دائماً) وباشرتم بتنفيذ هذا القرار .. فهل كان رد فعل الإسرائيليين يجيء أقسى مما قام ويقوم به جيشك وقواك الأمنية وشبيحتك من قتل للأبرياء، وتدميرٍ للأحياء والبيوت على رؤوس ساكنيها، وتخريبٍ للاقتصاد وحرقٍ للزراعات وقطعٍ الكهرباء والماء والغذاء عن المدن، وتعذيبٍ للمعتقلين حتى الموت؟. لو كان العدو هو من يرتكب هذه الجرائم، فهذا أمر مفهوم، لكن أن يقوم الجيش العربي السوري الذي يُفترض فيه أن يكون حامي البلاد والعباد، فهذا قمة الغدر والخيانة بحق الوطن والمواطنين، بل وبحق الأمة العربية التي ما كان بشار ومن قبله والده يحظى بتأييدها، لولا أنها خُدعت بالهالة القومية التي كان (نظام الأسدين) يتدثران بها.
وبشار يدرك قبل غيره أن الصورة التي ظهر بها عند توليه الحكم، (وكأنه شاب وطني ومخلص، ينشد تغيير الأوضاع في بلدة والمنطقة كلها لصالح الأمة العربية والدفاع عن حقوقها، وإرساء مقاومة فاعلة ضد أعدائها الصهاينة والأمريكان) .. نقول : يدرك بشار أن هذه الصورة، هي التي أمدته بالشرعية في حكم سوريا والتصدر للدفاع عن الحقوق العربية المسروقة، برغم أن هذا التصدر لم يتجاوز "المجال الإعلامي"، وبرغم الفساد الذي كان مستشريا وما زال في عهده، ومن قبل في عهد أبيه.
أما وقد ظهر حقد بشار ونظامه على شعبه بهذه الصورة الدموية البشعة، حين بدأ مواطنوه بالمطالبة في تنفيذ الإصلاحات التي كان هو نفسه قد وعد بها حين اعتلى سدة الحكم قبل عشر سنوات .. فكان من حق السوريين أن يثوروا ضد نظامه ويطالبوا بإسقاطه، حفاظاً على سوريا كدولة، وكقوة عربية لا غنى عنها في استرجاع الحقوق العربية المسلوبة من يد الأعداء.
لكن غرور هذا الطاغية، وبشاعة الحقد المتجذِّر في نفسه على الغالبية العظمى من شعبه، والذي ورثه عن والده (الذي كان هدفه الغائي الوحيد من حكم سوريا، البقاء في الحكم وتوريثه من بعده لآل الأسد) .. نقول أن هذا الغرور هو الذي دفع به لاعتماد الخيار الأمني المغلظ ضد المظاهرات والاحتجاجات التي طالبته- في البداية- بتنفيذ الإصلاحات التي وعد بها، ثم تتطورت للمناداة بإسقاطه بل وإعدامه.
هنا تعود بنا الذكرة للمقابلة الأخيرة التي جرت بين وزير الخارجية التركي وبين بشار.
في تلك المقابلة قال بشار للوزير التركي أوغلو الذي جاء ناصحاً له : إنه ليس بحاجة لأكثر من ست ساعات لسحق تل أبيب عن بكرة أبيها. ثم أخذته النشوة أمام أدب الضيف فقال : إنه ليس بحاجة لأكثر من ثلاث ساعات يستطيع خلالها قصف تل أبيب بوابل من الصواريخ التي ستسحق إسرائيل تماما، كما سيطلب من حزب الله أن يقوم بقصف كافة المدن الإسرائيلية وبلداتها بأعداد هائلة من الصواريخ، التي لم تستطع أعتى قوى الاستخبار العالمي معرفة قوتها التدميرية، والتي ستمحو إسرائيل عن بكرة أبيها (بحسب ادعاءاته التي نتمنى أن تكون صادقة).
فما دام الأمر كذلك، فمن حق كل فرد من الوطن العربي أن يسأل بشار: لم لا تفعلونها "اي محو إسرائيل" طالما أنكم قادرون على فعلها؟!! .. وما العذر الذي تسوقونه كي تبرروا به عدم إقدامكم على هذا العمل الجليل (الذي لو "حصل" لتبوأتم في التاريخ مكانة تقارب مكانة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وطيب ثراه).
يا بشار .. أنت تعلم أن لنا العذر فيما نسألك عنه، والدليل هو ما فصلتموه لضيفكم عن مقدرتكم في إنجار هذا العمل، فضلاً عن تذكيره بقدرة حلفائكم (إيران وحزب الله) على إيقاع أكبر الضرر في أعداء العرب والإسلام وهما (أمريكا وإسرائيل)، حين قلتم لضيفكم : إن سحق إسرائيل سيستغرق منكم ثلاث ساعات فقط!!.
أما الساعات الثلاث الأخرى التي ذكرتموها، فقد خصصتموها لمجابهة الأمريكيين وحلفائهم في منطقة الخليج، وذكرتم أن إيران هي التي ستتولى هذه المهمة .. فتقوم بقصف السفن والبوارج الحربية التي تجوب مياه الخليج وإغراقها، كما ستقوم بضرب القواعد البرية وآبار النفط في بلدان الخليج العربية التي تتواجد فيها قواعد عسكرية أجنبية معادية.
ثم تأتي آخر "بشائركم" لضيفكم التركي، حين أخبرتموه أن "شيعة" بلدان الخليج، سيتحولون إلى فدائيين انتحاريين، وحددتم مهمتهم في اصطياد وقتل كل من يقع في أيديهم من أعدائكم في المنطقة العربية التي هددتم بإشعالها. وكأن شيعة دول الخليج العربية أصبحوا رهن إشارتكم وحلفائكم، وأنهم قد تخلوا عن ولائهم لأوطانهم التي تحتضنهم منذ مئات السنين!!!.
ثم (ذيلتم) غروركم أمام أدب الضيف التركي بقولكم، أنكم ستنفذون تهديداتكم هذه بمجرد قيام أي قوى عربية كانت أم أجنبية بالتدخل فيما يجرى الآن في سوريا، لصالح حماية المدنيين من عمليات القتل والتعذيب الوحشي التي ينفذها الجيش والقوى الأمنية والشبيحة بأمر منكم، والموثقة في المشاهد المؤلمة التي تبثها الفضائيات ووكالات الأنباء المصورة ومواقع الإنترنت.
يا بشار .. دعنا نتكلم بصراحة: هل تعتقد أنك في مأمن من دفع الثمن غالياً إذا ما قررت سحق تل أبيب أو إزالة إسرائيل، أو حتى استعادة الجولان بالقوة؟. أعتقد أنك تعرف الثمن الذي ستدفعه سوريا والبلدان العربية إذا ما أقدمت أنت أو غيرك على هذا العمل، وهذا أمر مفهوم .. بل وواجب على كل العرب دفعه إذا ما أرادوا الخلاص من إسرائيل. فأنت ووالدك من قبلك لم تتركا مناسبة إلا وذكَّرتما شعبكما والشعوب العربية بان نظام الأسدين أمين على قضايا الأمة العربية وبخاصة القضية الفلسطينية.
فإذا سلمت بذلك .. فهل ما تعرضت وتتعرض له مدن سوريا وقراها واقتصادها الآن من دمار على يد نظامك الدموي .. سيكون أقل مما كان سيلحق بسوريا من دمار إذا ما قمت بإزاله إسرائيل من الوجود في ثلاث ساعات (كما تدعي)؟!!.
يا بشار .. الجميع يدرك أن السبب الذي تسوقونه لتبرير عدم تنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها الشعب السوري منذ أكثر من أربعين عاما .. هو الشعار الذي طالما رفعتموه أنت ووالدك سيفاً مسلطاً على رؤوس العباد والبلاد للترهيب لا للترغيب، وهو "لا صوت يعلو على صوت المعركة". وبرغم أنكم تعترفون لضيفكم المؤدب، بأنكم قادرون على ترجمة هذا الشعار إلى واقع .. فلماذا لم تفعلوا؟!!!.
نكرر ثانيةً .. وثالثةً .. لماذا لم تدمروا (وحلفاؤكم في محور المقاومة) إسرائيل، وأنتم الذين ذكرتم أنه كان في بمقدوركم قتل الآلاف من الأمريكيين في الحرب شنوها على العراق؟!!!. لكنكم لم تفعلوا، لأن نظامكم يمارس اللعبة بمزاج عالٍ (بحسب التصريحات التي أدليتم بها أمام ضيفكم المؤدب).
فمتى يأت اليوم الذي يكون فيه مزاجكم مشوقاً (لمحو إسرائيل) ، فتحققون بذلك إنجازاً عظيماً يضاهي ما أنجزه صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وطيب ثراه؟!! ،،،
،،، أم تعتقدون أن الوقت في صالحكم، فتظنون أن كل يوم يمر يقرِّبكم من اللحظة التي ترون فيها الكيان العبري وهو يتفكك من داخله، حتى ينتهي إلى زوال؟!! ،،،
،،، أم تنتظرون كارثة طبيعة تغرق هذا الكيان في البحر، مثلما تمنى رابين لقطاع غزه ذات يوم؟!! ،،،
،،، أم تنتظرون من فصائل المقاومة الفلسطينية (بطاقاتها المحدودة) أن تحقق هذا الهدف، وأنتم ترون بأم أعينكم أنكم والنظام الرسمي العربي قد نفض يده من القضية الفلسطينية، وألقى بها على عاتق ثلة من أرباب اتفاق أوسلو اللعين .. كي يتاجروا بها لصالحهم؟!! ،،،
،،، أم تنظرون- وهذا هو الأهم- أن يأتي تحذير بن خالكم أو خالتكم لإسرائيل أُكُلَه .. حين يحذرهم بأن انهيار "نظام الأسدين" في سوريا، ينطوي على خطر شديد يهدد أمن إسرائيل ووجودها؟!!.
يا بشار .. ها قد زاد غرورك وغيك وعجرفتك حين رأيت الفيتو الروسي والصيني، يحول دون تحرك أممي ضد الجرائم التي يرتكبها جيشك وقواك الأمنية وشبيحتك بحق الشعب السوري وبأمر مباشر منك ومن زبانيتك. ولو ترويت قليلاً لعرفت أن هذا التأييد الروسي الصيني لك سيزول لا محالة لأن دوام الحال من المحال.
وزاد غرورك، حين رأيت لهفة الشعوب العربية والمجتمع الدولي على إيقاف المجازر التي ترتكبها بحق مواطنيك، ظناً منك أن موقفك على الأرض، هو أقوى بكثير من موقفك في ساحة الإعلام الفضائي كما صرحت.
والأمرٌّ من ذلك، أنك وأتباعك اعتقدتم أن تدمير حي "بابا عمرو" على رؤوس سكانه واحتلالكم له (بعد نحو 25 يوما)، بات يشكل بالنسبة لكم انتصاراً يفوق واقعة "فتح عكا" التاريخية، الأمر الذي صور لكم أنكم نجحتم في إخماد ثورة الشعب .. فرحتم تتمادون في انتهاج أسلوب الأرض المحروقة، حتى تحققوا ما تعتبرونه "النصر المبين" على شعبكم المكلوم.
يا بشار .. ها أنت ترى أن عدد الضحايا من النساء والأطفال الذين يقعون صرعى قذائف دباباتك وصواريخك ورشاشاتك (يوميا) فاق المائة شهيداً، ومع ذلك ما زالت المظاهرات والاحتجاجات في المدن والقرى تزدادا كثافة واشتعالاً ليلاً ونهاراً، ويوماً بعد يوم.
فهل تعتقد أن شعباً بهذه القدرات الهائلة على الصبر والصمود، يمكن أن يخضع لفجر وقذارة وحقد شبيحتك المجرمين؟!! .. بل دعنى أقولها بصراحة: هل دفعُك للأحداث كي تنتهي لاشتعال حرب أهلية قوامها الطائفية البغيضة، يمكن أن يحقق لك ولعائلتك السلامة أو البقاء في الحكم ؟!!.
وأخيرا وليس آخراً نقول لك: لا يخدعنك غرورك، فتعتقد بأنك ونظامك على قدر من الذكاء الذي يمكنك من المراوغة طويلاً حيال المحاولات التي يبذلها المجتمع الدولي من أجل وقف الجرائم والمذابح التي ترتكبها قواتك.
وفي النهاية نبشرك .. يا بشار!! .. أنك ستجبر على الرحيل .. شئت أم أبيت .. وشاء مؤيدوك أم أبوا، وساعتها قد لا تجد من يقبل بك ضيفاً أو لاجئاً .. والزمن بيننا.