نحن من أهل الوطن الذين يرون ضرورة الالتزام بخارطة الطريق التي وضعها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، من أجل نقل السلطة للشعب في يونيو المقبل، وإذا ما كُنا قد تعاطفنا مع حق الآخرين في التظاهر السلمي، فإن ذلك لا يعني بالضرورة موافقتنا عما يطرحونه من مطالب فورية. ولا يعني موافقتنا على سباب غير مقبول يتوجهون به للجيش وقادته، وهو سباب كان من العوامل التي جعلت عناصر أمنية تفقد توازنها، وتقدم على ارتكاب جرائم لا نبررها، وإنما نوَّصِّف واقعا لا أكثر.
وإننا نعرف أنه، توجد تيارات علمانية وليبرالية لا تريد لخارطة الطريق التي أشرنا إليها أن تنفذ، وهي الخارطة التي وضعها المجلس على إثر الاستفتاء على التعديلات الدستورية،وتعارض تلك التيارات المشار إليها إجراء الانتخابات الآن لكون أنها تعلم أن التيار الإسلامي سيفوز بها، وتلك التيارات استعانة بالخارج للضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، من أجل الدستور أولا والمبادئ فوق الدستورية ثم وثيقة السلمي، وأخيرا المجلس الاستشاري،على أمل النجاح في النيل من بنود خارطة الطريق.
ونلاحظ أنه كلما اقترب موعد الانتهاء من الانتخابات البرلمانية، كلما افتعلت تلك التيارات معارك مع أجهزة الأمن من أجل إفشالها، بعد أن أخفقت في إقناع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن يتخلى عن خارطة الطريق.
وما نأخذه على الأجهزة الأمنية هو أنها ساعدت بسياساتها غير الموفقة، أولئك الذين يعنيهم إجهاض خارطة الطريق المصرية، ساعدتهم في إثارة لغط كثيف حول سياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هذا اللغط كنا في غنى عنه.
فماذا كان يضير أجهزة الأمن إن تركت العشرات معتصمين في جانب من الميدان، أو أمام مجلس الوزراء، بدلا من إقدامها على فض اعتصامهم بالقوة والاعتداء عليهم، وضربهم حتى الموت، وهو ما أثار الآخرين وأدى لتطور الأمر وإلى إسالة المزيد من الدماء، وماذا كانت ستخسر أجهزة الأمن إن كانت قد كشفت لنا من وراء قتل المواطنين في ماسبيرو.
ويشكو الأخوة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة من الإعلام ودوره الهدام فيما يحدث، فهُم يريدون إعلاما يدافع عن الأمن القومي من منظورهم، وإعلاما يدافع عن الثورة من هذا المنظور.
والإعلام في مصر صنفناه من قبلُ إلى أربعة أنواع، وأقل نوع تأثيراً في هذا الإعلام، الإسلامي منه، لكون أنه إعلام كان محظورا في عهد النظام البائد، والآن هو إعلام وليد، أما أكثر وسائل الأعلام تأثيرا، فهو إعلام المارينز الناطق بالعربية.
وهذا النوع من الإعلام يقتات على هدم قواعد الأمن القومي، ويزعم على غير الحقيقة أنه فجر الثورة وصنعها، بالاستعانة بعناصر تم تدريبها وتمويلها وإعدادها على أيدي عناصر أجنبية، وفي المنطقة الوسطى يقف الإعلام القومي والحزبي مترددا ومترنحاً وضعيفاً وعديم المصداقية للأسف.
إذن ما الذي جعل "إعلام المارينز" هو الأكثر تأثيرا؟ هل التمويل الخارجي الذي يتلقاه بانتظام تحت سمع وبصر الدولة المصرية؟... وللإجابة على ذلك نشير إلى أن الظروف هي التي جعلت هذا الإعلام قويا، لكون أن مباحث أمن الدولة هي التي أوجدته انسجاما مع توجه حكم مبارك في العقد الأخير نحو الاستجابة لمطالب إدارة جورج بوش بالسماح لآليات مجتمع مدني وحقوقي وإعلامي بالظهور في مصر.
ومن هنا انتقت مباحث أمن الدولة رجال أعمال لتبدأ بهم مغامرة الإعلام الخاص، في وقت كان يضرب فيه حكم مبارك الإعلام القومي والإسلامي الجاد وتنظيماته شرعية كانت أم غير شرعية.
وعندما تفجرت الثورة وجدنا هذا الإعلام المملوك لرجال أعمال بات قويا، وبدلا من أن يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتنظيف الوطن من سلبيات الإعلام الخاص، احتضن للأسف هذا الإعلام واحتضن عناصره وبرامجه وكوادره.
وأزعم أن جميع تلك العناصر بالإعلام الخاص تربت على أيدي عناصر أمنية، ورشحتها عناصر أمنية لتخاطب الناس، وربما يكون هذا هو سبب احتضان المجلس لتلك العناصر.
ويا ليت المجلس الأعلى للقوات المسلحة اكتفى بذلك، بل فوجئنا بمنحه تراخيص جديدة لقنوات فضائية ولصحف الكل يعرف مصادر تمويلها ومن يقف خلفها، والكل يعرف أن أصحابها فلول نظام سابق، والكل يعرف أن من اختارتهم للعمل بها فلول إعلامية للنظام البائد، والمصيبة أنهم جميعا باتوا يتحدثون باسم ثورة 25يناير، ومن هنا حدث تحالف ما بين وسائل الأعلام المنتمية للفلول إلى جانب إعلام المارينز.
ورأينا تحالف إعلام الفلول والمارينز يحتضن عناصر تنتمي للثورة معروفٌ توجهها الليبرالي، وعلاقاتها بدوائر خارجية، ويقف هذا الأعلام الآن مع مطلب تشكيل المجلس الرئاسي الفوري، ويقف خلف كل من يخرج متظاهراً أو معتصماً صابًّا جام غضبه على المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وهنا تغيرت سياسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ فبعد أن وجدنا عناصر تنتمي لهذا المجلس الموقر تجري لتمثل بين أيدي مقدمات ومقدمي برامج ب"التوك شوو" الخاص كما كانت تفعل بعد تنحي مبارك، وجدناها تغير موقفها من تلك القنوات وتصب جام غضبها على تلك الفضائيات التي حذرناهم منها مراراً.
أما الإعلام القومي سواء كان صحافة أم تليفزيون فبات يستعين بمن يسبحون بحمد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هذا المجلس الذي بات لا يتحمل أي نقد، حتى وإن كان هذا النقد لصالحه ويحميه.
وعلمت أن اتصالات تدور الآن من قبل عناصر بأجهزة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمُّلاك وسائل إعلامية لحثهم على تهدئتها، أو إبعاد القائمين عليها، فنفس أسلوب نظام مبارك ونفس طريقه أجهزته في التعامل مع الأعلام تمارس الآن للأسف.
وما يفعلونه لا يوجد أي صحفي أو إعلامي شريف أياديه نظيفة يمكن أن يقبله؛ لأن هذا الأسلوب الغير أخلاقي نرى أن ثورة 25يناير المجيدة أسقطته إلى غير عودة.
ويتبقى الإعلام الإسلامي والذي طالت بعض وسائله جوانب من التمويل الخارجي، وهذا أمر مؤسف ... ولكن هذا الإعلام منه ما هو مسئول يدافع الآن عن الدولة المصرية، ويتبني خارطة الطريق، ويعبر عن مطالب الشعب، ويسير بمصر نحو تسليم السلطة لمن يختارهم الشعب، في وقت يواجه فيه المخططات الخارجية والمخاطر التي تستهدف ثورتنا وتستهدف وطننا.
وبناء على ما سبق فالفقير لله، يبشر الجميع بأن الذي سيطهر الوطن من هذا الإعلام الفاسد وبقوة القانون، هو البرلمان المقبل الذي اختاره الشعب، هذا البرلمان هو الذي سيطهر الوطن من هذا الإعلام.
كما أن تواجد حكومة منتخبة ورئيس منتخب في يونيو المقبل هو المدخل الطبيعي لتحقيق مطالب الثورة ... ثورة 25ينايرالمجيدة ... وبالتالي فإننا نعلنها هنا واضحة ونحن لا نخشى إلا الله ... أننا إن كنا وقفنا إلى جوار عناصر لحق بها الأذى وهي تعبر عن نفسها سلميا، وانتقدنا أساليب الأجهزة الأمنية التي أساءت للثورة والثوار، فإن هذا لا يعني أننا نوافق على ما يطالبون به الآن.
ونحن نرى أن بقاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة في السلطة إلى حين تسليمها لرئيس منتخب في يونيو المقبل، هو الطريق الصحيح الذي نأمن فيه على مصر وعلى ثورتها. E-Mail: [email protected]