بينما ننشغل كثوار، في معركة انتزاع الحرية، وتتعدد اجتهاداتنا، وفق مواقف ورؤية ألوان طيفنا السياسي، وآراء وتصورات نخبته، تلك النخبة التي يرمي بعضها بعضا، باتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، تتراوح ما بين تخوين وتفريط في حق الثورة، وتهديد للأمن القومي، وبين خيانة للوطن، وتلقي أموال من الخارج.
وفي ظل هذا المناخ الذي نعيشه، نتناسى المحيط الخارجي لمصر، والعمق العربي الإسلامي لها، نتناساه كشعب، إلا أن رجالا مصريين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يخططون ويدرسون ويراقبون تلك المخاطر، المحدقة بأمننا القومي، يراقبونها ويتحركون لدرء تلك التداعيات الخارجية، والتي تشكل تهديدا بالغ الخطورة على وطننا.
فإذا ما نظرنا إلى منطقة منابع النيل نجد حلفاً يتشكل فوق هذه المنابع، تدعماه كل من واشنطن وتل أبيب يضم هذا الحلف الوليد دولة جنوب السودان الوليدة إلى جانب كل من كينيا وإثيوبيا وأوغندا، وتتدفق على هذا الحلف الآن كما ترصد أجهزة الاستخبارات الإقليمية الخبرة والأسلحة الإسرائيلية والأمريكية.
والهدف المُعلن لهذا الحلف هو مواجهة ما أسموه بخطر وصول الإسلاميين للسلطة، في مصر والسودان وبقية دول المنطقة، بينما يشير خبراء الاستراتيجية أن الهدف الرئيس لهذا الحلف هو خنق مصر والسودان عبر السيطرة على منابع المياه والطاقة، لاسيما وأن هذا الحلف يواصل دعمه للتمرد في منطقة دارفور غرب السودان، ويعبث بأمن السودان في الجنوب الشرقي منه.
وكلنا يعرف، كيف يعمل الحلف الصهيوني ليل نهار، لخلق بؤر تمرد ضد مصر والسودان بمناطق النوبة، ودعم عناصر انفصالية هناك، في محاولة من هذا الحلف لخلق دويلة نوبية، وهي مخططات تمتد الآن إلى سيناء، حيث يطلق الصهاينة رجالهم وإعلامهم ومنظماتهم في واشنطن وتل أبيب وبلدان أوروبية، وفضائيات عربية تتحدث بلسان المارينز، يطلقون تلك الأدوات الجهنمية، للترويج لإشاعات مفادها أن مصر غير قادرة على حماية أمنها القومي في سيناء!!
ويزعمون أن سيناء بعد عزل مبارك، باتت مرتعا لتجار البشر، وتهريب كافة أشكال الممنوعات تجاه فلسطينالمحتلة، والادعاء أن أمن "إسرائيل" بات في خطر جراء دخول عناصر من مصر، للأراضي المحتلة، وتنفيذ عمليات ضد المغتصبات الإسرائيلية.
وللأسف، يوجد بينا رجال صحافة وإعلام باتوا مثل الدببة التي تقتل أصحابها، باتوا يروجون ما تبثه آلة الإعلام الصهيونية الخبيثة، يروجون عن جهل أو لمصالح ذاتية أو عن سبق إصرار وترصد، وباتت المنابر التي تعي خطورة ما يدعون على أمن مصر القومي، هي الأضعف لكون أن ولاة أمورنا لم يمكنوا شرفاء الوطن من تولي مواقع قيادية فيها، أو مواقع تمكنهم من خلق رأي عام مستنير، ومكنوا -للأسف- من تلك المواقع والأماكن- عناصر لم تراع في مصر إلًّا ولاذمة، وتلك للأسف أخطاء فادحة.
وإذا ما نظرنا غرباً وجدنا الشقيقة ليبيا، وباسم ثورة مسلحة فيها ساندتها قوى عالمية، تحت ذريعة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
ذريعة لا نملك إلا تأييدها، ألا وهي التدخل لحماية الشعب الليبي، وبعد نجاح ثورة الليبية المدعومة من الأطلنطي في إنهاء حكم القذافي، بات ثوار ليبيا مطالبون بدفع فاتورة تلك المساندة من اقتصاد ليبيا وأمنها القومي، ونتمنى ألا تنتقل مخاطر تلك المساندة لتهديد أمن مصر القومي، وهي المستهدفة مع ثورتها في تقديري من وراء تحركات حلف شمال الأطلنطي تلك.
ولو نظرنا لعمق مصر العربي الإسلامي، للاحظنا هزيمة الحلف الصهيوني الأمريكي المدوية في العراق، وإعلانه الانسحاب ذليلا منكسرا من هذا البلد، بعد فشل مشروعه الشرق أوسطي، ونعتقد أن هذا الحلف سيمنى قريبا أيضا بهزيمة مدوية أخرى في أفغانستان، وهي هزائم يعتم عليها إعلام المارينز الناطق بالعربية، والإعلام العالمي الذي تسيطر عليه الصهيونية.
ومن هنا، نجد واشنطن تراهن على الثورة السورية محاولة امتطاء صهوتها، وعلى أمل أن يساعدها ثوار سوريا إذا ما ساعدتهم في التخلص من حكم الرئيس بشار الأسد، يساعدونها في وضع نهاية لمحور المقاومة، حيث تجري حاليا محاولات لإرهاب إيران تحت ذريعة مشروعها النووي، وذلك من أجل إقناعها بفك ارتباطها بنظام الرئيس بشار الأسد، تمهيداً لدعم ثوار سوريا، لكي يتمكنوا من استئصال نظام بشار.
تلك هي التطورات الخطيرة التي تواجهها مصر على الصعيد الخارجي، وهي تطورات تجعل من المجلس الأعلى للقوات المسلحة عرضة لضغوط أمريكية متواصلة، من أجل ضمان ألا تؤثر الديمقراطية الموعودة بمصر،على مصالح واشنطن وتل أبيب، وأن توجد آليات يتفق عليها بين كافة القوى السياسية المصرية.
تلك الآليات تضمن، ألا تلغي أية حكومة يختارها الشعب المصري في انتخابات اتفاقية كامب ديفيد، وألا تدفع بجيش مصر في مواجهة مع تل أبيب، وألا توقف التعاون الاستراتيجي مع واشنطن، هذا هو المأزق الذي يواجهه المجلس العسكري، وهو ما دفعه إلى أن يطرح وثيقة السلمي على الرأي العام المصري.
لكن، تلك التحديات والمخاطر التي تواجهها مصر ستتحطم،على صخرة صمود ثوار مصر، ودفاعهم عن حريتهم، التي بذلوا في سبيلها الغالي والنفيس، دون مراعاة أية اعتبارات لأية قوى خارجية أم داخلية موالية لها، هؤلاء هم الثوار الحقيقيون الذي خرجوا إلى ميدان التحرير بالأمس وهم يهتفون "الحرية الآن لنا ..ولمصر".