صدر عن مؤسسة الدراسات والنشر ضمن سلسلة شهرية تعنى بأوضاع الشرق الأوسط كتاب "الأزمتان اليمنية والعراقية" لمجموعة من الباحثين والمختصين بالشأن السياسي لمنطقة الشرق الأوسط. ويتناول الكتاب الأزمتين: اليمنية والعراقية، وخلفياتهما وتداعياتهما وتطور مسارهما، والمواقف العربية والدولية تجاههما، ويستعرض إشكالاتهما الحقيقية وبعض التوصيات التي يمكن تقديمها لرسم تصورات عن كيفية التعامل مع الأزمتين في إطار عربي ودولي. جاء الكتاب في فصلين: الأزمة اليمنية والأزمة العراقية، حيث استعرض المشاركون في الفصل الأول مخاطر الازمة اليمنية منذ بداياتها في عام 2011 حيث اندلعت الاحتجاجات الأولى التي طالبت برحيل الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن الحكم، والتي جرت اليمن إلى احتمالات الدخول في حرب أهلية طاحنة بسبب الموقف القامع لتلك التظاهرات وعدم الاستجابة لمطالبها. وتحدث الفصل أيضا بكثير من الشرح والتفصيل عن الأسباب التي شكلت هذه الأزمة فبالإضافة إلى مطالب المحتجين ومظاهراتهم المتتالية، فإن غياب المؤسسات السياسية الفاعلة والقوية وضعف الموارد الاقتصادية والفساد والترهل وسوء الإدارة المحلية وعدم جدية الأطراف الخارجية في مساعدة اليمن وإعادة بنائه وفق معايير جديدة تجمع اليمنيين في قوانين واحدة، كل هذه كانت أسباب تحدث عنها الفصل الاول من الكتاب ساهمت في تأزم الاوضاع في اليمن. واستعرض الفصل بعد تناول أسباب الأزمة مظاهر هذه الأزمة التي تمثلت في فشل التسوية السلمية التي رعتها الاممالمتحدة، وتراخي السيطرة الفعلية لاجهزة الدولة على البلاد، فانتشرت نتيجة لذلك المليشيات المسلحة والمنظمات والقوى الجهوية والقبلية التي فرضت وزادت من سيطرتها على البلاد، وزادت تبعا لهذا التدخلات الخارجية، وارتفعت الأعباء والمديونية الاقتصادية، وترجعت مدخلات الموارد الاقتصادية نتيجة الفوضى التي عمت اليمن في أغلب قطاعاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويرى كاتبو هذا الفصل أن أمام اليمن مسارين: أولهما استمرار سيطرة الحوثيين على البلاد واستمرار المواجهات المسلحة واتساع دائرة العنف، وثانيهما التوصل إلى توصيات سياسية تعيد اليمن إلى الحل الديمقراطي وتنفيذ مرحلة الانتقال السلمي، في محاولة جادة لخلق حالة استقرار وتجنيب البلاد الدخول في وضع خطير قد يصعب فيما بعد الخروج منه. وعلى الرغم من صعوبة هذه المسارات وخاصة فيما يتعلق بتصور الحل الديمقراطي، فإن الفصل يقترح لحل الأزمة اليمنية أن يتم ترتيب حوار حقيقي بين القوى المتصارعة في البلاد تحت رعاية دولية، ويكون من أساسيات هذا الحوار مناقشة مسودة الدستور وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، بالإضافة إلى إعادة تأهيل وبناء وتدريب وتوحيد الجيش وقوى الأمن، لاستعادة الدولة سيطرتها على البلاد وعافيتها. وحتى يتم احتواء تداعيات ازمة اليمن فإن كتاب هذا الفصل يقترحون خطوات إجرائية للحد من انتقال العنف والفوضى إلى البلاد المجاورة ومن ضمن هذه الاجراءات وقف التدخل العربي من قبل بعض الدول المجاورة في الشأن اليمني، وتشكيل وحدة خاصة داخل الجامعة العربية من الخبراء والباحثين لدراسة أوضاع اليمن وتقديم اللازم من المشورة للأمين العام ومبعوث الجامعة. وفي الفصل الثاني وفيما يخص الأزمة العراقية يرى كتاب هذه المادة أن الأزمة في العراق لم تكن مفاجأة لكثير من الخبراء في الشأن السياسي إذ إن الاوضاع في العراق منذ الاحتلال الاميركي عام 2003 ووجود نظام المحاصصة الطائفي الذي أدى إلى توتر بين السنة والشيعة وقصور العملية السياسية، والخلافات بين المحافظات على الحدود بينها بجانب المشاكل بين الحكومة في بغداد، وتدخلات إيران، كانت كلها مقدمات قوية لحدوث الأزمة العراقية واتساع دائرة العنف فيها. ويقدم الفصل أيضا عدة تصورات عن مسار الوضع القائم في العراق وما هي السيناريوهات المتوقعة في البلاد: فإما أن تتفاقم الأزمة، وإما أن تتراجع حدتها، وإما أن يستمر الوضع الحالي أو تتوصل القوى المتنازعة إلى حل سياسي وهذا كما يراه الخبراء السياسيون مسارا في منتهى الصعوبة حاليا. لكن السيناريو الأكثر توقعا وترجيحا هو استمرار الوضع القائم حاليا لسنوات قائمة، أما تفاقم الازمة فسيأخذ العراق إلى الكثير من تصعيد العنف والانقسام والاشتباك الطائفي، وازدياد التدخل الإيراني في العراق، بالإضافة إلى تنامي نفوذ تنظيم داعش وتمدده في مناطق جديدة من العراق. ويضع الفصل عددا من التوصيات لخروج العراق من أزمته تتمثل في دعوة جميع القوى السياسية العراقية للابتعاد عن الطائفية وإشاعة الفكر المعتدل وثقافة الشراكة الوطنية بين مختلف المذاهب والطوائف والإثنيات للحفاظ على وحدة العراق وشعبه وأرضه، والدعوة إلى حوار وطني يضم مختلف هذه القوى السياسية للتوصل إلى حل سياسي يعيد التوازن للنظام السياسي العراقي، وبدء إصلاحات إدارية وسياسية شاملة تنهي سياسة الإقصاء لأي مكون من مكونات المجتمع العراقي، وتضع في اعتبارها التعدد والتنوع المذهبي والإثني الذي يعد سمة من سمات المجتمع العراقي. وركز الفصل أيضا على توحيد الموقف العربي من الأزمة العراقية ورسم سياسة فاعلة في مساعدة العراق في القضاء على الإرهاب والتطرف، ومساعدته أيضا في حل الأزمة الجوهرية التي يعاني منها منذ الاحتلال الاميركي عام 2003 وهي التوتر الحاد بين السنة والشيعة تحت الرعاية الأميركية كما وصفها كاتبو الفصل الثاني من الكتاب. ومن الجدير ذكره أن مركز دراسات الشرق الأوسط مركز علمي مستقل تأسس في عمّان في عام 1991، وهو مركز متخصص في إجراء البحوث والدراسات والاستشارات وعقد الندوات والمؤتمرات وحلقات البحث العلمية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، ويهدف إلى توفير الدراسات وتقديم الاستشارات التي تساعد في تطوير الأردن وتنميته في كافة المناحي، وخدمة المنطقة العربية وتدعيم استقلالها، وتوعية المثقفين الأردنيين والعرب وإيجاد مناخ ثقافي فكري يخدم مصالح الوطن العربي، وتوفير المعلومات الدقيقة والعلمية للباحثين، ورعاية المبدعين منهم، والإسهام في التنمية الثقافية والفكرية والسياسية العامة في الأردن والمنطقة العربية بشكل عام.