"الأهرام" يناقش أوراق مراسل صحفي بالعراق جانب من الندوة محيط – سميرة سليمان عقد مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع صباح أمس مؤتمر "الفتنة الكبرى الجديدة: الأزمة العراقية بين العوامل السياسية والمذهبية" على هامش كتاب "الفتنة الكبرى الجديدة" وفيه يحكى مؤلفه محمد الأنور قصة رحلته إلى العراق عام 2004 ليعمل مراسلاً صحفياً لصحيفة "الأهرام" في ذروة تعقد الأحداث في العراق ووصولها إلى حد دموى. بدأت وقائع الجلسة الأولى من المؤتمر تحت عنوان "الفتنة الجديدة في العراق: الأبعاد المذهبية والسياسية" بكلمة د.أحمد راسم النفيس الأستاذ بجامعة المنصورة ، التي اثارت جدلا وضجيجا بالقاعة ، وأكد فيها أن ما يجري في العراق ليس بمعزل عن الأحداث التي جرت منذ ثلاثين عاما، مثل غزو العراق للكويت، والحرب الإيرانية – العراقية، وأن مآسي العراق لم تبدأ عشية الاحتلال الأمريكي لها في 9 ابريل 2003. دافع النفيس في كلمته عن الشيعة – المذهب الذي يعتنقه ويكتب دائما عنه - وتساءل : هل انقلب المسلمون إلى طوائف ومذاهب فاشتعلت الحروب، أم أن الحروب بدأت ثم تم التأصيل لها طائفيا؟ ومن وجهة نظره فإن الصراع الطائفي في المنطقة يتعلق بالتركيبة السياسية للعالم الإسلامي، وأن هناك قانونا غير مكتوب عبر التاريخ يقضي بإقصاء كل من ينتمي لآل البيت برابطة النسب أو الولاء فيما يعرف بالتشيع، بحيث لا ينال السلطة ولو بالانتخاب، والمعروف بفقه الغلبة والإقصاء . كما تعرض النفيس لمسألة النزعة القومية بين العرب والفرس ، ورأى أن العرب لم يمارسوا دورا في الصراع الصفوي العثماني ، مستشهدا بكتاب "الدولة العثمانية العلية" لمؤلفه محمد فريد بك ، ويعتبر مؤلف الكتاب أن العثمانيين هم من أشعل الصراع ضد جيرانهم الصفويين الأتراك والذي انتهى بمعاهدة نظمت العلاقة بين الطرفين ، معتبرا أن المسلمين استفرغوا طاقاتهم وامكاناتهم في حروب ليس لها ما يبررها برأيه ولا يسندها من خلاف مذهبي على أرض واقع وأن الحروب التاريخية قامت لرغبة السلاطين في إعلان نفوذهم ، متسائلا: لماذا يريدون شيطنة إيران، وشيطنة الشيعة؟ . الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إيران رأس البلاء! في كلمته حيا رئيس تحرير مجلة "المنار الجديد" الكاتب جمال سلطان ، مؤلف الكتاب الذي تسامى عن أي ميل مذهبي أو طائفي في سرده للأحداث ، وحمّل " سلطان " الثورة الإيرانية مسئولية ظهور القضية المذهبية الطائفية في العالم العربي قائلا: "عند خروج الثورة الإيرانية إلى النور وقف الكثيرون وأنا منهم إلى جوارها باعتبارها حركة ضد الظلم والفساد، لكن مع الوقت تبين أنها لم تكن ثورة بقدر ما هي مشروع لتصدير مذهب، فالتحرش الطائفي بعد الثورة الايرانية تمثل في اشكاليات التنظميات الإيرانية الشيعية العراقية التي دخلت مع الاحتلال الامريكي للعراق". ظهر هذا جليا كما عرض مؤلف الكتاب أن هناك أحد الأحزاب العراقية طالب الدولة بدفع أكثر من 80 مليار دولار تعويضا لإيران عن الأضرار التي لحقت بها من جراء الحرب العراقية. ثم امتد التوغل الإيراني إلى مناطق أخرى غير العراق عبر المساعدة في تشكيل جماعات مسلحة في مناطق مختلفة في العالم، كتنظيم الحوثيين في اليمن الذي يحارب الدولة بالسلاح الثقيل لعدة أشهر، والخلايا التي تتشكل في مصر وكل ما يشغها هو أن تشغل الرأي العام بسب الصحابة، وهل كان صلاح الدين الأيوبي مخلصا أم خائنا؟ اعتبر سلطان أن المشروع الإيراني امبراطوري توسعي، وقد تقدم تحت ستار مواجهة النفوذ الصهيوني والأمريكي وبمرور الوقت تبين أنه حليف أمريكا في كل مخططاتها ؛ فاحتلال افغانستان لم يكن ليمر إلا عبر الإيرانيين، وهم يفخرون بذلك، وايضا احتلال العراق لولا التعاون الإيراني مع أمريكا لم يكن ليحدث ، وفق الكاتب . ويرى جمال سلطان أن إيران هي الحليف الاستراتيجي لأمريكا ويدلل على ذلك بتدريب الحرس الثوري الإيراني لمجموعات من الشرطة الأفغانية لمواجهة مقاومة طالبان، ومن ثم فكان هناك اتفاقا إيرانيا أمريكيا - كما يقول مؤلف الكتاب - على رفض أي دور عربي في العراق، حيث أشار بوضوح لعملية تصفية الشهيد السفير المصري إيهاب الشريف. وفي ختام كلمته دعا الكاتب جمال سلطان القوى العربية التي تمثل ثقل في المنطقة مثل مصر والسعودية أن تقوم بدورها تجاه محنة الشعب العراقي وتقديم مشروعات عربية من شأنها دعم المقومة العراقية بغض النظر عن موافقة القوى الكبرى. من جهته أوضح د.وحيد عبد المجيد مدير عام مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع أن موضوع الفتنة الكبرى الجديدة مثير للجدل لأنه موضوع محجوب عن النقاش، ولكنه رفض تحميل إيران المسئولية وحدها عن إثارة هذه الفتنة ، قائلا: نظام صدام حسين أيضا مسئولا فرغم أنه لم يكن طائفيا لكن القمع الشديد الذي اتسم به هذا النظام أدى إلى زيادة المخزون الطائفي، أيضا الإحباط واليأس الذي ساد الشعوب العربية نتيجة الاخفاقات المتوالية سواء على مستوى الإقليم الدولي أو الداخلي ساهمت في إعادة صياغة قيم ومفاهيم وأفكار أدت إلى إطلاق موجة من الميل الطائفي والمذهبي، كما أن الغزو الأمريكي- البريطاني لعب دورا في موضوع الفتنة لا يقل أهمية عما فعلته الثورة الإيرانية. انفجار وقع أمس بالعراق وخلف 150 قتيلا مشاريع القوى الكبرى حملت الجلسة الثانية عنوان "الفتنة الجديدة إقليميا: العرب وإيران إلى أين؟" برئاسة د.علي الدين هلال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الذي أكد ان العراق يشهد إعادة هيكلة الآن لا تتم بالرغبة المباشرة للمواطنين، لكن بتشجيعات الدولة المحتلة وبواسطة نخبة وصلت إلى الحكم من خلال قوة الاحتلال. وفي سياق متصل أوضح د.عبد الله الأشعل مساعد وزير خارجية مصر الأسبق أن ما يحدث الآن على الساحة العربية من انقاسامات يعود إلى انسحاب مصر من الساحة العربية ؛ ففي عام 79 قامت الثورة الإسلامية الإيرانية ووجدت مجالا خصبا لتمارس دورها الفاعل نظرا لمقاطعة العرب لمصر بسبب توقيع اتفاقية كامب ديفيد وانسحابها من المشهد العربي. ويؤكد الأشعل أن هناك فراغا وتكالبا على جثة العالم العربي، بدءا من المشروع الصهيوني الذي هزم مصر عام 67، فالمشروع الأمريكي الذي يتغلغل في المنطقة، والمشروع التركي الذي لم يكتمل أركانه حتى هذه اللحظة، وفي النهاية المشروع الإيراني لذي يعمل لخدمة مصالحه فقط ، متسائلا بالنهاية : هل يمكن أن يكون هناك حوارا عربيا - إيرانيا تقوده أطراف أخرى؟. اختلف د.محمد مجاهد الزيات نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط مع د.عبد الله الأشعل في عباراته التي تقيم دور مصر، مؤكدا أن مصر واعية لما تقوم به ، وأن انسحابها عن دورها العربي غير صحيح ، معتبرا أن هناك أربعة لاعبين أساسيين يتحكمون حقيقة في المنطقة العربية وهم : تركيا وإسرائيل ومصر وإيران . ورأى مجاهد ان الدور المصري تعوقه ممارسات عربية ؛ فليس هناك وجهة نظر عربية موحدة للتعامل مع إيران ، وهي دولة تعتبر قضيتها الأساسية أن تصبح دولة إقليمية عظمى، ويتضح امتدادها في الملفين اللبناني والفلسطيني. وربط الباحث بين التصريحات الإيرانية بوصول بحريتها لباب المندب ، أي لم تعد قاصرة على الخليج ، وبين تحركات الحوثيين في اليمن ( جماعة مسلحة شيعية متهمة بتلقي دعم خارجي لقلب الحكم ) ، وخرج بنتيجة مفادها ان تحركات إيران تخدم مصالحها دائما . كما استشهد بتفجر قضية خلية حزب الله في مصر، حيث كان التصريح الأول لرئيس مجلس الشورى الإيرني حينها أن ما قامت به مصر هو محاولة للقضاء على المقاومة ودعما لإسرائيل. أما الحوار المصري الإيراني فيتنهي دائما بالفشل ، وفق محمد مجاهد ؛ لأن إيران تريد حوارا يتماشي مع أجندتها وليس مصالح الطرفين . ومن جهته شبه الكاتب العراقي صلاح نصراوي الفتنة الكبرى التي يعيشها شعبه برقصة التانجو ذات الأطراف المتعددة ، ولكن أسوأ ما فيها محاولات تشويه سمعة الأغلبية العراقية باعتبار أنها مؤيدة للاحتلال. ودعا لإعادة بناء الدولة والمجتمع اللذين تم تدميرهما من قبل نظام صدام الذي وصفه ب"الشمولي الاستبدادي" ثم الإحتلال الغربي من بعده . شهدت نهاية الجلسة مداخلات ساخنة جدا ، وتراشقا بعبارات مثل : " عميل، خائن، لا يعرف الحقيقة، واهم بسبب الموقف المعادي لإيران ". تعليق الاعتراف "العراقيون والأمة: رؤى عراقية لدور العرب في مواجهة الفتنة" هو عنوان الجلسة الثالثة من المؤتمر برئاسة د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة. وفي بدايتها انتقد د. نورى عبد الرازق رئيس منظمة التضامن الأفريقى الآسيوى عدم الإدراك العربى لطبيعة الرغبة الإيرانية تجاه العراق، وقال أنه بعد الاحتلال صارت هناك عملية مدروسة لانتزاع الهوية العربية من العراق، ولن ينقذه من ذلك إلا تدخل القوى العربية الكبرى ومنها مصر . أما خليل الدليمى الباحث العراقى فطالب بتعليق الاعتراف الرسمى العربى بالحكومة العراقية وإبقاء مقعد العراق فى الجامعة العربية خالياً حتى يخرج الاحتلال، والاعتراف بالمقاومة العراقية وفتح مكاتب لها بالعواصم العربية وتقديم كافة أنواع الدعم لها. حسين عبد الغنى .. مدير مكتب الجزيرة فتنة الإعلام العربي جاءت الجلسة الرابعة والأخيرة من جلسات المؤتمر تحت عنوان "الأزمة: الفتنة في الإعلام العربي" رأس الجلسة حسين عبد الغني مدير مكتب فضائية " الجزيرة " القطرية الذي أكد أن وسائل الإعلام العربية عملت في مناخ بالغ الصعوبة ودخلت في منافسة شرسة مع الإعلام الغربي المدرب على إدارة الأزمات والحروب . في البداية أوضحت د.هويدا مصطفى أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن هناك إشكاليات أثارتها أزمة احتلال العراق منها إشكالية الحرية الإعلامية، والرقابة على المضمون، الحق في الحصول على المعلومات، وأكدت أن الإعلام العربي افتقر إلى المصداقية بشكل كبير لأن الجمهور تعرض وقت احتلال العراق لكم كبير من التقارير المتناقضة وصلت نسبتها إلى أكثر من 61%. من جهته رأى الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز أن الإعلام المصري في تغطيته لأحداث العراق وفلسطين يفتقر تماما للمهنية ؛ فكل القصص الحية وقت الأزمات كشفها صحفيون أجانب، مثلا قضية محمد الدرة كشفتها وكالة الأنباء الفرنسية، وكشف صحفي سويدي أن إسرائيل تسرق أعضاء الشهداء الفلسطينيين وتتاجر فيها ، أما هيئة الإذاعة البريطانية فكشفت صفقة اليمامة والعمولات السعودية فيها . واعتبر عبدالعزيز أن الصحافة العربية ظهرت بها موضوعات هامة ولكنها قليلة وحاجتنا في الخبر والمعلومة تظل معلقة بالإعلام الغربي . الإعلامية العراقية منتهى الروّاف اعتبرت أن الإعلام العربي لم يعط المقاومة العراقية حقها، واعترف بها بعد أن اعترف بها المحتل، في وقت يعاني العراقيون من احتلالين – وفقها – فارسي وأمريكي ، ودعت لألا يتم التركيز على القضية الفلسطينية وحدها كقضية للعرب وتجاهل العراق وغيرها. واختتم الجلسة حسين عبد الغني الذي أكد أن الفضائيات العربية لم تؤجج الفتنة في العراق، لكن العنف العراقي سببه العناصر المسلحة وعلى رأسها تنظيم القاعدة، وبالتالي فإن وسائل الإعلام العربية كانت ناقل لما يجري في الواقع فقط . غلاف الكتاب حول الكتاب يتناول كتاب "الفتنة الكبرى الجديدة" رحلة مؤلفه محمد الأنور إلى العراق التي استمرت خمس سنوات متواصلة، ويُرجع الأنور أسباب الفتنة الجديدة في العراق إلى تسريح الجيش العراقي الذي كان يصل عدده إلى 400 ألف ضابط وجندى، والسماح لهم بالاحتفاظ بأسلحتهم، وهو ما كان سبباً مباشراً لانفجار حرب داخلية وفتنة من طراز جديد، أعادت إنتاج الفتنة الكبرى فى صورة جديدة وحديثة. كتب د.وحيد عبد المجيد في مقدمة الكتاب قائلا: كثيرة هي الحلقات التي مازالت مفقودة في قصة الحرب الأمريكية علي العراق، ومثلها وأكثر في السنوات السوداء التي رزح فيها هذا البلد العربي تحت نير الاحتلال العسكري والفوضي الأمنية والتفتت الطائفي المذهبي العرقي. وما أكثر الحلقات المفقودة في عملية صنع القرارات الأمريكية والتفاعلات التي اقترنت بها والمؤثرات التي دفعت باتجاهها والنتائج التي ترتبت عليها، وفي مقدمتها إشعال حرب داخلية طائفية مذهبية عرقية عشائرية أعادت إنتاج الفتنة الكبري في صورة جديدة.. وحديثة بطبيعة الحال.