أول استجواب فى تاريخ مصر عام 1924 الجلاء و السودان ومشكلة العمال على رأس اهتمامات البرلمان سعد زغلول يتحفظ على استجوابه و يسخر من النواب المستجوبين وزير الخارجية و مكرم عبيد يطالبون النواب بأن يكونوا " برلمانا هادئا " ! استجواب بشأن قوة الدفاع المصرية لم يستكمل لظروف غير معروفة ! لقب ملك مصر يتوقف على المندوب المفوض البريطانى قوات الحلفاء تطرد العمال المصريين مدير مصلحة العمل : الإضراب جر فرنسا للخراب ! وزير الشئون الاجتماعية : مصر أقل من مثيلاتها فى البطالة ولا داعى للتهويل ! البرلمان هو ممثل الشعب ، و على قدر فاعليته ، تقاس ديمقراطية الدول ، فكلما كان صوريا و غير فاعلا و بعيدا عن الشعب ، كأن أقرب للسلطة الديكتاتورية التى ترفض سوى أن تقتنص بالسلطة منفردة ، و كلما كان فاعلا يشعر الشعب بأن هناك من يمثله أمام السلطة ، و يطالب بحقوقه ، و لا يتوانى عن استجواب أى مقصر فى الحكومة من كبيرها لصغيرها ، استجوابات لا تعرف المجاملة و لا الشكليات ، بل قد تؤدى لتنحية الحكومة كاملة . و يعرض إيهاب شام فى كتابه " أشهر الاستجوابات البرلمانية من عصر الملك فؤاد الأول إلى عصر مبارك " و التى تضع إضاءات هامة تعكس مدى قوة البرلمان على مدى تلك العصور ، من الاستجوابات التى كانت تناقش فى أروقة البرلمان ، و كيف كانت أجوبة الحكومة على النواب ، و ما أهم القضايا التى كانوا يتعرضون إليها . و سنركز بداية على العصر الملكى ، الذى شُغل فيه البرلمان بقضية الجلاء و المفاوضات مع انجلترا ، و كان من أهم تلك الاستجوابات ، استجواب البرلمان لسعد زغلول الذى كان متحفزا شاعرا أن الاستجواب ينطوى على نوع من الاتهام له ، لذا كان أسلوبه فى إدارة النقاش هو السخرية و الاستخفاف بالنواب ، بينما طالب مكرم عبيد النواب فى استجواب آخر بأن يكونوا " برلمانا هادئا " عندما طالبوا بمعرفة ما جرى من مفاوضات على غرار البرلمان البريطانى ، كما شغل البرلمان بقضية إنفاق مصر على السودان ، و مشكلة العمال الذين سرحتهم قوات الحلفاء . أول استجواب فى تاريخ مصر بدأ أول استجواب فى تاريخ مصر فى 29 أبريل 1924 فى عصر الملك فؤاد الأول ، و قد استعراض الاستجواب " إنفاق الحكومة المصرية فى السودان " ،و قدم الاستجواب اللواء موسى فؤاد ، مستجوبا وزير المالية آنذاك محمد توفيق نسيم . وأشار نسيم أن الخزانة المصرية من عام 1899 و حتى 1912 صرفت أكثر من خمسة مليون جنيه لسد عجز ميزانية حكومة السودان ، و أن كل ما بنته مصر فى السودان من السكك الحديدية أو موانى أو وابورات نيلية و إعمار مدينة الخرطوم يعد دين على حكومة السودان ، و لم تتنازل عنه مصر ، و أن التجريدات التى بنيت لقمع الثورات بعد فتح السودان كانت وزارة الحربية هى المسئولة عنها ، و عندما سئل عن عدم تسوية الديون حتى الآن ، اكتفى برده أن الذنب فى ذلك ليس ذنبه ! و فى عام 1926 اقيم استجواب حول أموال الحكومة و السماد الكيماوى الذى لم تسدد ناحية قلمشاه مركز إطسا مديرية الفيوم ، و اتهام العمدة و شيخ البلد و الصراف و مفتش الزراعة بغش الحكومة ، حيث أجازوا لعمدة قلمشاه بأن يأخذ سمادا على أطيان منزوعة ملكيتها ، و كان رد وزير المالية أنه سيكتب للداخلية لاتخاذ الاجراءات اللازمة مع العمدة و شيخ البلد ، ووزارة الزراعة للتعامل مع مفشتها ، أما الصراف فستتخذ وزارة المالية الإجراءات اللازمة معه . و قد كشف الاستجواب عن تقصير الحكومة بتطهير بحر بسنديله وعدم توزيع المياه توزيعا عادلا ، فيقع الظلم على صغار الملاك ، لصالح الشركات الأجنبية ، فكان رد الحكومة أنها ستقوم بعمل كل ما تسمح به ميزانية هذا العام ، و تدرج فى الميزانية المقبلة المبالغ التى تلزم بعد ذلك . و من الاستجوابات ، استجواب لوزير الداخلية عدلى يكن ، حول تعيينه نائب لغبطة البطريرك ، و جاء فى رد الوزير أنه تم ذلك بعد أن ساءت حالة الطائفة القبطية ، بعد أن قام رجال الأكليروس و حاشية غبطة البطريرك الذين بددوا أموال أوقاف الطائفة ، و تصرفوا فيها وفقا لأهوائهم ، و تم إقامة وظيفة نائب بطريركى بعد أن حالت شيخوخة غبطة البطريرك و مرضه الشديد دون القيام بعمله ، و أن تزكيات المنصب قام بها كبار أعيان الطائفة . سعد زغلول فى البرلمان فى جلسة عاصفة و ممطرة بوابل من الاتهامات لرئيس الوزراء سعد زغلول عام 1924 – بحسب المؤلف - تم استجوابه من قبل البرلمان بشأن جلاء القوات الإنجليزية عن مصر و السودان . و طالب النائب السيد فودة من رئيس الوزراء أن يبين خطة الحكومة المصرية فى المفاوضات ، و لكن جاء رد سعد زغلول متحفزا " أشك كثيرا فى أن يكون هذا استجوابا ، لأن الاستجواب يرمى فى الحقيقة لنوع من الاتهام .. و مع هذا أجارى حضرة العضو فى اعتباره استجوابا " . و عندما سأل النائب عما أثارته الصحف عن عدم دخول انجلترا المفاوضات إلا على أساس تصريح 28 فبراير ، رد زغلول " لا تصدق ما تقرأه فى الجرائد و صدق ما أقوله لك " و " لا محل لسوء الظن فكلنا وطنيون و على أى مبدأ انتخبت " . و اتخذت ردود زغلول نبرة الاستهزاء ، فعندما طالبه النواب بأن ييقول بشكل صريح أنه لن يدخل المفاوضات على أساس تصريح 28 فبراير ، قال فى رده :" قل ما تشاء و أنا أريحك "، و عندما أصر النائب ، قال له زغلول " و هل إذا أجبتك لذلك ترضى بالمفاوضة " فساد الضحك فى المجلس . و أكد سعد زغلول بأنه غير ملتزم بما يقوله رئيس الوزراء فى المجلس البريطانى ، و لكنه مرتبط بالدعوة التى وردت إليه للمفوضات و التى لم تنص على أى شروط ، مشيرا أنه يدخل المفاوضات حر من كل قيد ، و أن مأموريته التى عاهد عليها الأمة هى الاستقلال التام ، مطالبا النواب بالثقة التامة لأنهم يثقون بشخص وقف حياته على خدمتهم . تتويج فاروق أول الاستجوابات فى عهد فاروق كانت فى 1937 بشأن حفلة تتويجه ، و لم ينشغل حضرة النواب بمعرفة النفقات التى ستصرف على هذا الحفل ، و لكنهم أفردوا الاستجواب كاملا ، لمعرفة سبب رفض الحكومة لقيام حفل دينى ، و لماذا لا يوجد تمثيل سودانى فى الحفل و هم أيضا من رعايا الملك ، و لماذا قرر فاروق الصلاة فى مسجد الرفاعى بالذات ! و جاء جواب رئيس الوزراء أن الحفل الدينى ليس من الدين فى شئ ، والاحتفال وطنى لسائر المصريين مسلمين و غير مسلمين ، أما اختياره لمسجد الرفاعى فذلك لوجود رفات والده الملك فؤاد الأول هناك . و بشأن التمثيل السودانى ، فقال رئيس الحكومة أن هناك بعثة سودانية خاصة ستشارك فى الاحتفال و لكن ليس بصفة رسمية ، و أن لقب الملك بعد معاهدة 36 ، فقد نص الدستور مادة 160 ، أن يعين اللقب الذى سيكون لملك مصر ، بعد أن يقرر المندوبون المفوضون نظام الحكم النهائى للسودان " ! قوة الدفاع المصرية من أهم الاستجوايات ، استجواب إسماعيل صدقى باشا لرئيس مجلس الوزراء ، بشأن ما اتخذته الحكومة من تدابير لعل قوة الدفاع المصرية مع عظم الأعباء المطلوبة منا باعتبارها المسئولة الأولى عن سلامة الحدود المصرية . و استند فى ذلك للمادة الثامنة من المعاهدة المصرية البريطانية ، و التى تسمح للجيش البريطانى بالإقامة زمنا بجوار القناة لمعاونة القوات المصرية لحين تصبح تلك القوات فى حالة تستطيع معها أن تكفل بمفردها هذا االدفاع ، مستنتجا من ذلك أن مصر مسئولة بصفة أساسية ليس عن أرضها فقط بل عن القانة التى هى جزء أصيل منها ، و أنها حرة فى تقوية جيشها و تنظيمه بما يتفق مع أعبائها الجديدة . و طالب حينها رئيس الوزراء بتأجيل الإجابة عن الاستجواب أسبوعين ، و لم يستكمل الاستجواب لظروف غير معروفة ! مفاوضات الجلاء واحتدت المناقشات عام 1946 حينما تقدم البرلمان باستجوابين لرئيس الوزراء بشأن المفاوضات التى حصلت بين الحكومة المصرية و البريطانية بشأن الجلاء . و قد اختلف أعضاء البرلمان ومنهم أحد مقدمى الاستجواب ، بين الإطلاع على سير المفاوضات على غرار البرلمان الذى طلب بمناقشة تفاصيل ما تم مرتين ، و بين تأجيل الأمر حتى تبت فيه هيئة المفاوضة ، و عندما تصل المفاوضات لنتائج حينها تعرض على البرلمان و خاصة لسرية المفاوضات ، و اتفق مع الرأى الأخير مكرم عبيد مطالبا النواب بأن يبدأوا " عهدا نيابيا هادئا " ! و قد وافقه فى ذلك وزير الخارجية إبراهيم عبد الهادى . و قال وزير الخارجية مستشهدا بمقولة فكرى أباظة : " فلتقم الحكومة بواجباتها و لتخرج من وراء الستار ، فليس لها بحال من الأحوال أن تولى الأدبار من أمنا لآئذة بهيئة المفاوضات " ، مؤكدا أن طبقا للدستور على الحكومة الاستجابة للبرلمان ، رغم علمه بأنه لا يصح أن تتقدم الحكومة بمشروع معاهدة إلا أن تكون وقعته مع الحكومة الأخرى ! مضيفا أن لو شاء المجلس أن يناقش الاستجواب دون إيداع النصوص سيكون شاكرا لذلك . و احتد الحوار حينما علق مكرم عبيد عليه قائلا " ما كنت أنتظر من معالى إبراهيم عبد الهادى باشا أن يقف ليقاضى و يُكذب ، و رد الوزير " لم أرد أن أُكُذب ، و إنما أردت أذكر العبارة الصحيحة كما وردت على لسانى ، فهى بالطبيعة ماثلة فى ذهنى أكثر من غيرى . و فى نهاية الاستجواب وافق الأغلبية على مناقشة ما وصلت إليه المحادثات ، و طالب رئيس الوزراء مناقشة الاستجواب فى جلسة سرية ، و بعد المناقشة قرر المجلس الثقة فى بالحكومة و طلب إليها المضى فى جهودها المؤدية لتحقيق أهداف الجلاء . و أحد الاستجوابات الهامة تناولت " طرد العمال المصريين من المصانع بأمر الاحتلال " و ذلك فى عام 1946 ، و دار الاستجواب عن مشكلة العمال المتعطلين الذين استغنت عنهم القوات المسلحة الأمريكية و الإنجليزية " قوات الحلفاء " . طرد العمال المصريين ووفقا للاستجواب قام العمال باقتراح مشروع على الحكومة بإيداع مكافأتهم لشراء المصانع الإنجليزية العسكرية أو إنشاء مصانع كبرى ، و لكن قامت حينها القوات البريطانية بوضع قانون يحرم هؤلاء العمال من مكافأتهم ، برغم ما تعرضوا له فى خدمة الحلفاء و موت الكثير منهم ، و طالبوا الحكومة بمفاوضة القوات البريطانية لصرف هذه المكافآت و استئناف المشروع الذى تم إهماله بعد موافقة الملك عليه . كما ناقشوا مشكلة المصانع المحلية ومماطلتهم فى تنفيذ الأحكام القضائية لصالح الحكام ، و ذلك بعد نقل مصنع مقره لإسكندرية دون إعلام العمال و تشريد 600 من العمال ، و شركات الاحتكارالتى استخدمت عمال مصريين فى منطقة البحر الأحمر و اسكنتهم فى بيوت من صفيح ، بينما زملائهم من الأجانب يسكنون فى فيلات ! ورد وزير الشئون الاجتماعية محمد عبد الجليل سمره بأنه سيذهب مع وزير التجارة و الصناعة لتفقد أحوال العمال فى هذه المناطق و السعى لتحسينها . وناقش النواب استخدام العمال سلاح الإضراب دفاعا عن حقوقهم ،و أحقيتهم فى طلب تحديد ساعات العمل ، فكان رد مدير مصلحة العمل أن ذلك هو ما جر فرنسا للخراب ! و رأى وزير الشئون الاجتماعية أن مشكلة العمال المتعطلين فى مصر أقل بمثيلاتها من الدول ، مما يجعل ما أثير حولها من تهويل يوهم بأن الأمر شديد الخطورة ! و نفى الوزير تقصير الحكومة بشأن العمال الذين استغنت عنهم قوات الحلفاء ، مشيرا أن السلطات تقوم بالفعل بتنفيذ هذا الاتفاق و الاتصال بقوات الحلفاء لتصحيح ما قد يحدث من خطأ ، و قال أن حركات إضراب العمال جعلت أصحاب الأعمال يعدلون عن المشروعات الجديدة التى ارادوا تنفيذها ، قائلا : أرجو إلا يظن أن العمال أن من مصلحتهم أن تقف معهم الحكومة فى صفهم ضد أصحاب الأعمال و أن تنصرهم بحق و بغير حق " !