في أزقّة لم تعتد على السهر والصّخب، وإلى ساعات متأخرة من اللّيالي الرّمضانية يتجمع التّونسيون، عائلاتٍ، وأصدقاء، وأقارب، وأحبّة، في مقاهٍ بعضها في الأصل منازلُ، يقطنها أهلها من ساكني "المدينة العتيقة" بتونس، ليستمتعوا باحتساء "القهوة العربية"، أو الشاي التّونسي بالنعناع، وتذوق الحلويات التّونسية، فضلًا عن إطراب الأذن بسماع الأنغام التراثية وإيقاعاتها. ووفقا لوكالة " الأناضول"، يطلق اسم "المدينة العتيقة"، أو "البلاد العربي"، على الجزء العتيق بتونس العاصمة، والتي يرجع تأسيسه إلى عام 698 م، حول جامع الزيتونة، وصُنفت منذ عام 1979 ضمن لائحة مواقع التراث العالمي لليونسكو. مع اقتراب حلول عيد الفطر، تحوّلت أزقة "البلاد العربي" الضيقة إلى مدينة ليلية تزدهر فيها الحركة، بعد أن اعتادت المحلات والمقاهي في فيها، على غلق أبوابها في وقتِ مبّكر حوالي السادسة مساءً بالتوقيت المحلي في أيام الشتاء والرّبيع، حتى أنه قد يصعب على المارة تجاوز تلك الأزقة الضيقة في أوقات متأخرةِ من الليل. "من يظفر بمقعد في هذه الأزقة الآن، يعتبر محظوظًا، فلقاء الأصدقاء والأحبّة هنا له طابع آخر في سهرة بلون رمضاني"، هذا ما قالته، حبيبة إحدى مرتادي المقاهي في المدينة العتيقة بتونس، مضيفة للأناضول، "للأجواء الرمضانية في هذه الأماكن التقليدية، صبغة خاصّة، لا يمكن أن نجدها في أماكن أخرى خاصّة مع الانتشار الأمني في كل مكان، والذي يساهم بدوره في جعلنا نشعر أكثر بالأمن". من جانبها تقول، سنية، وهي تعمل بأحد المقاهي، "المدينة تكون أجمل في رمضان، ونوَدّ تواصل مثل هذه السهرات، على امتداد السّنة، خاصة في فصل الصيف، إلا أن السلطات تمنع ذلك بحجّة أن بعض المحلات لا تملك تراخيص". كما ترى ليلى وهي من "عشاق البلاد العربي" على حد قولها، أن "سهرات المدينة العتيقة في رمضان تعيد الحنين لأيام وذكريات خلت في تونس، بعيدًا عما يعيشه الشعب اليوم من مخاوف، وَتهديدات إرهابيّة، وأزمات سياسيّة وغيرها". وبحسب ليلى فإن "روّاد هذه الأماكن يجدون ضالتهم هنا، فمنهم من يفضل اللعب بالورق(الكوتشينة)، ومنهم من يتجاذب الحديث مع مرافقه أو جليسه، ومنهم كذلك من يبقى منصتًا منتشيًا ببعض الأغاني التراثية، فيما يفضل آخرون الرّقص على الإيقاعات التّونسية، وترديد الأغاني مع الفنانين الموجودين هناك، وهو ما يدخل نشاطًا وحركة على المدينة". وفي السّياق نفسه، يعتبِر خالد عجولة، الذّي يعمل نادلًا بأحد المقاهي أنّ "المدينة العتيقة لا تكون بهذه الرّوح، وهذا النشاط، إلّا في شهر رمضان المعظم، فأغلب العائلات تفضّل قضاء سهرتها هنا في هذه الأروقة القديمة". وأضاف عجولة، "إلى جانب الأجواء الرّمضانية، فإن هذه السهرات، تعود بالنفعِ عَلى عدد من العائلات التّي تستغل هذه المناسبة الموسميّة للعمل وكسب الرّزق، فهناك الكثير من العاطلين عن العمل، يظفرون ولو بمورد بسيط هنا". والملفت للانتباه أن عددًا من المنازل تحولت إلى "شبه مقاهٍ"، فقد أصبحت "سقيفة" المنزل وهي الغرفة الأولى التي تلي باب الدّار مباشرة، عبارة عن مقهى صُفّت في ركن منها، أواني إعداد القهوة، والشّاي، والأطباق، والكؤوس، كما وضع بالقرب منها صناديق المشروبات، وليس ببعيد عنها آلة إعداد القهوة. على هذه الشّاكلة كان منزل "نصر الدّين الشاطر"، أحد ساكني زقاق "نهج الباشا" بالمدينة العتيقة، الذّي تمتد على طوله هذه السّهرات حيث توضع الكراسي والطاولات جنبًا إلى جنب على طرفي الزقاق. ومنذ تقاعده من العمل بأحد البنوك التُّونسية قبل 4 سنوات، و"الشاطر" يعمل بهذه الطّريقة قائلًا للأناضول: "أستغل شهر رمضان، فأحّول منزلي إلى شبه مقهى، حيث أساهم في إحياء أجواء المدينة العتيقة، وأكسب رزقًا لي ولأهلي، وأشغل معي بعض العاطلين عن العمل، فنقدم القهوة، والمشروبات، والعصائر، والحلويات، لمرتادي هذه الأماكن". وأضاف الشاطر، "مثل هذا النوع من السهرات والنّشاط يضفي حركة موسميّة على المدينة، ويساهم في دورة اقتصاديّة هامّة بالنسبة إليها، كما تعيد لهذه الأماكن روحها، التّي تفتقدها في باقي أيام السنة".