تأصلت الجريمة في نفوس الناس واستسهل الأبناء قتل أبائهم وذويهم وإخوتهم والعيب كل العيب في مجتمع تغيرت ملامح شخوص الناس فيه تحت وقع إعلام سيء وفساد مستشرى يقدم الرذيلة على أنها "فهلوة وشطارة" فتكسرت على يديه كل المقدسات. هذا ما حدث في تلك العائلة البائسة التي فقدت كلتا ولديها الاثنين؛ ما بين قاتل ومقتول، وأب بخيل، وأم حائرة بين فلذات أكبادها الذين قدر لهما أن يقتل أحدهما الآخر؛ فيموت الأول مطعونا ويموت الثاني مشنوقا بحكم محكمة أو على الأقل سجنا مشددا يقضى فيه نصف حياته، إنه فعلا خراب بيوت.
ففي المدينة الباسلة السويس حامية مصر الشرقية ومفجرة ثورة يناير يموت الناس هربا من الفقر وصراعا على تلبية حاجيات المنزل، حيث تشاجر رجل مع زوجته بسبب معايرتها له بالبخل الشديد وعدم الإنفاق على الأسرة التي أهانها بتصرفاته تلك بين الجيران.
شعر الأب بالإهانة فراح يضرب زوجته بينما علت أصوات الصراخ فراح الجيران يتجمعون لفض النزاع بينهما، في حين بقى الابن الأكبر على الحياد لفترة محدودة رغم تضامنه الشديد مع والدته؛ إلا أن استمرار المشاجرة مع فرجة الناس وشماتتهم وعدم كف الأب عن ضرب الأم البائسة دعا الابن للتدخل لرفع الأذى عن والدته، وإنهاء تلك المشاجرة المسيئة.
راح ناصر والذي يعمل نقاشا ويبلغ من العمر 26 عاما يتدخل لفض المشاجرة بين الأم البائسة والأب البخيل؛ فدفع والده بشدة بعيدا عن مهاجمة الأم وسط اتهامات الأب له بأنه ابن عاق يستخدم قوته في الاعتداء على والده، رغم أن ما حدث لم يكن سوى بهدف إبعاده عن أمه.
انتهى الأمر ونجح الجميع في تهدئة الموقف، ولكن أبت الأقدار أن تهدأ الأمور؛ حيث عاد الابن الأصغر "محمود" والبالغ من العمر 16 عاما إلى المنزل بعد عمل شاق أمضاه كعامل في مغسلة سيارات، وما أن دخل الشارع حتى راح أهل السوء يبلغونه بأن شقيقه الأكبر اعتدى على أبيه بالضرب إثر مشاجرة مع الأم.
تحفز محمود لتوبيخ شقيقه، وما أن خطى خطوات حتى قابل أباه الذي راح يحرضه ضد شقيقه، ويبالغ فيما فعله به، متهما إياه بإهانته وازدرائه بين الناس، وأنه ابن عاق لا يحسن التعامل مع والده.
غلى الدم في عروق"محمود" وراح يهرول إلى البيت قاصدا المطبخ، حيث استل سكينا منه وراح متجها نحو شقيقه الذي فوجئ بتصرفه ذلك، حيث عاجله بطعنات قاتلة في البطن والرقبة ولم يتركه حتى أزهقت الطعنات روحه في الحال.
ظلت الأم ومعها الأب واجمان لا يعرفان ماذا يفعلان وهما يشاهدان ابنهما يقتل ابنهما، وراحت الأم تسقط في حالة إغماء إثر هول الفاجعة، في حين بقي الابن الأصغر مذهولا غير مصدق أنه قتل شقيقه.
استجمع الأب قواه وراح يفكر في أن ينقذ ابنا من ابنيه وطلب منه الفرار، وفر الابن هاربا، فيما أبلغ الجيران الشرطة.
المؤسف أن ما حدث حدث في ثالث أيام عيد الأضحى المبارك، حيث يهنئ الناس بعضهما بعضا ويذبحون الخراف تقربا لله الواحد القهار، فما كان من تلك الأسرة إلا ذبح شقيق لشقيقه تقربا للشيطان وإرضاء لأوامره.
تم إعداد كمائن لضبط القاتل الهارب، وأخطرت النيابة وتولت التحقيق وأمرت بتشريح جثة القتيل لتحديد أسباب الوفاة والتصريح بدفن الجثة بعد تشريحها، وتكليف المباحث بسرعة ضبط الهارب.
وفى عصر نفس اليوم الثلاثاء ألقت الشرطة القبض على الصبي المتهم؛ بينما كان منكبا على وجهه في نواصي وشوارع المدينة الباسلة.
وبعد ذلك يبقى سؤال عن المتهم الحقيقي في الحادث فهو ليس الفقر، ولكنه بالقطع سوء التنشئة، وتشجيع الأبناء على التجرؤ على الحياة الأسرية، وبخل أب حوَّل الصغائر إلى كبائر.