رأى خبراء أمريكيون أن التدخل الإيراني في العراق وحربها ضد تنظيم داعش يصب في مصلحة واشنطن، معتبرين أن إيران تولت زمام المبادرة في العراق لأن أحداً غيرها لم يتصد للموقف، في ظل عدم اتخاذ الدول العربية موقفا مشابها. وأعلن وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، أمس أن إيران تدعم الفصائل الشيعية المسلحة المعروفة باسم "الحشد الشعبي" لمقاتلة تنظيم "داعش" بالتنسيق مع وزارته. وبدأ النفوذ القوي لإيران في العراق يظهر إلى العلن أكثر من أي وقت مضى مع تكثف الهجوم المضاد على تنظيم "داعش" في الأيام الأخيرة، عندما أخذت المليشيات المدعومة من إيران المبادرة في القتال ضد التنظيم، بينما كان كبار القادة الإيرانيين يساعدون علناً في توجيه القتال. وقال اليكس فاتانكا، "زميل أقدم" في معهد الشرق الأوسط للدراسات بواشنطن (مستقل) للأناضول إن "حرب إيران ضد داعش، تصب في مصلحة كل من الأمريكيين وحكومة بغداد"، مشيرا إلى ضرورة انسحاب الإيرانيين من العراق في أقرب وقت حال انتهاء حربهم ضد داعش، والسماح للعراقيين أن يجروا الحوار الذي يحتاجه السنة والشيعة والأكراد مع بعضهم البعض لجعل العراق متكاملاً ومتماسكاً داخل البلاد. وأبدى فاتانكا تفهمه لمخاوف السعودية من إيران، قائلا "أفهم ما يقلق السعودية، أنهم يرون منافسهم في المنطقة يغدو لاعباً مسيطراً في العراق، الذي هو أحد جيران السعودية". وتابع "ما يحدث في المنطقة ليس بالأمر الجديد من ناحية تنافس القوى الكبرى في المنطقة متمثلة في إيران والسعودية والخط الذي تسلكه إيران في العراق ليس بالجديد"، داعيا دول الخليج إلى مراجعة سياساتها بخصوص الشيعة في المنطقة، عليهم أن يؤكدوا أنهم غير معادين للشيعة. وكان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل حذر في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأمريكي جون كيري في الرياض الخميس الماضي من تزايد النفوذ الإيراني في العراق قائلا إن "الوضع في تكريت (مركز محافظة صلاح الدين شمالي البلاد) هو مثل مهم على ما نحن قلقين بشأنه، إيران تستولي على البلاد (العراق)". وكانت مصادر أمنية قد قالت في وقت سابق إن قوات إيرانية محدودة تشارك في العمليات العسكرية الجارية ضد تنظيم "داعش" بمحافظة صلاح الدين، مشيرة إلى أن الإيرانيين يشاركون في عمليات تحرير تكريت ومحيطها ويتقدمون القوات ويشاركون بالقصف بالراجمات (سلاح ثقيل). وقال مارك بيري الخبير العسكري ومحلل السياسات الخارجية في وزارة الدفاع الأمريكية إن إيران تأخذ بزمام المبادرة في العراق لأن أحداً غيرها لم يتصد للموقف، حيث إن الأردن والإمارات ، والسعودية وقطر لم يفعلوا ذلك، ربما سيقومون بذلك في سوريا، ربما في مرحلة ما". واعتبر بيري في تصريح للأناضول أن الدور الإيراني في العراق يوفر على الولاياتالمتحدة الكثير من المشاكل قائلا "كلما أطلقنا النار في العراق نصنع المزيد من الأعداء لذا فلندع إيران تفعل ذلك". وقال إن "ذلك سيلقن الإيرانيين درساً لن ينسوه، فإذا كانت إيران تريد أن تنفق مواردها الوطنية وشبابها في العراق فسيتعلمون ما تعلمناه نحن، وهو أن هذه المعركة ليس لها نهاية وليس لها حلول حقيقية، سوف تجعلهم يشعرون بالرضا، سيقتلون العديد من مقاتلي داعش، وربما سيتغلبون عليه،لكن ليس للأبد، فهذه مشكلة تتطلب أجيالاً، وقليلة هي البلدان التي هي من قبيل إيران أو الولاياتالمتحدة هي تلك التي تمتلك حلولاً حقيقية". واعتبر "الزميل الأقدم" في مركز "أمريكان بروغرس هاردن لانغ" أن الهدف الذي يجمع بين الولاياتالمتحدةوالعراقوإيران "هو التصدي لداعش وهو هدف إيجابي، هناك مصلحة مشتركة في هزيمتهم عسكرياً"، إلا أنه قال إن ما يقلق واشنطن هو "الإشارة السياسية التي سيرسلها (تعاون إيران مع الميليشيا في هزيمة داعش) إلى سكان العراق من السنة". وتساءل عما إذا كان السنة سيرضون "أن يلعبوا دوراً في هيكلة شيءٌ يشبه نوعا ما الحرس الوطني"، أو إذا ما إن انضمامهم إليه "سيمنحهم حصة جدية ومثيرة في مستقبل البلاد، خاصة وأنهم يواجهون القوات الإيرانية والميليشيات المدعومة وغيرها من العلاقات التي ترفع درجة قلقهم". وقال زميل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى "ديفيد بولوك" إن "إيران ومنذ سقوط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أصبح لها تأثير كبير جداً في العراق بات يتنامى، أعتقد أنه ينمو بشكل أكبر وصار يتخذ شكلاً مباشراً في الأشهر الماضية لأنه لم يعد لدينا الآن عملاء إيرانيين ومستشارين في العراق، فحسب بل وحدات رسمية من الجيش الإيراني تقاتل في العراق ضد داعش وإلى جانب القوات الحكومية والميليشيات الشعبية". ورأى بولوك أن النفوذ الإيراني "يركز في الوقت الحالي على عدو مشترك (لواشنطنوبغداد وطهران) وهو داعش"، لكنه لم يستبعد أن يتحول هذا التركيز عن داعش بعد الانتهاء منه ليذهب باتجاه "بعض جيران العراق، أو ضد العرب السنة في البلاد. ووصف هذا النفوذ بكونه "شديد المرونة، ويخدم المصلحة الإيرانية أياً كانت"، معتبرا أن هذا التدخل سيخلق توتراً طائفياً "لا محالة"، إلا أنه أضاف أن القوات الإيرانية "حريصة إلى حد بعيد على عدم تشجيع أو السماح بتصفية عرقية أو مجازر خلال العمليات العسكرية التي تدعمها في العراق". ودعا بولوك الولاياتالمتحدة إلى استبدال الدور الإيراني بزيادة دعمها للعراق، من خلال دعم أكبر للقوات (العراقية) المسلحة، ولاقتصادهم، ولجهودهم السياسية وحل الخلافات الداخلية، معتبرا أن كل هذه الأمور ستساعد على قهر النفوذ الإيراني. وتابع "من المستحيل لأي أحد أن يمحو النفوذ الإيراني في العراق، ولكن يمكننا توفير بديلٍ له إلى حد ما".